ما الذي يخبئه لنا عالم ألعاب الفيديو؟
شهور قليلة تفصلنا عن الجيل القادم من ألعاب الفيديو، مع حماس كبير يسبق إصدار أهم جهازي ألعاب، الجيل الخامس من سوني بلايستيشن ومايكروسوفت إكس بوكس سيريس إكس.
شهور قليلة تفصلنا عن الجيل القادم من ألعاب الفيديو، مع حماس كبير يسبق إصدار أهم جهازي ألعاب، الجيل الخامس من سوني بلايستيشن ومايكروسوفت إكس بوكس سيريس إكس. دون أن نغفل المسار المتعالي للحواسيب الشخصية التخصصية التي أصبحت تحمل أسماء تضمينية للفرادة والتوحش التقني والقوة التي تحاول أجهزة الألعاب تجاوزها، على الأقل في مساحة زمنية كافية للبقاء بقوة في ساحة الصراع.
لن أتحدث عن تفاصيل القطع المتطورة وكروت الشاشة ومساحات الذاكرة والتطور الأخير في النظم السحابية المخصصة لألعاب الفيديو. لكن ربما يُفضّل المهتمين الهواة بالحوسبة ومفاهيمها مثلي أن نتناول بالحديث والمقارنة تجربة القصة وطورها، وتحديات فلسفة الصورة وجمالياتها وتجربة الإيهام أو الواقع الإفتراضي (VR) التي تنتشر الآن أكثر فأكثر.
متجاوزة في الوقت الحالي أوساط كانت تعدّ المنطقة الأكثر رهانًا لهكذا مفاهيم مثل السينما حسب جيل دولوز.
القصة خلف اللعبة
تنافس ألعاب الفيديو اليوم الأعمال الدرامية والسينما تنافسًا حادًا. إذ تتكئ على ميراث تطور سريعًا في تفاعلٍ حسيٍ عالٍ، تسمح فيه البكسلات الصغيرة بقدر أدنى من التماهي.
حتى استطعنا رسم أنفسنا في قصص تاميريل/سكايريم لنكون أبناء التنين الساعين حسب الأسطورة للقضاء على التنين الأخطر «آكل العوالم»، ونقدم أنفسنا مختارين من أهل الأرض التي تبددت حضارتها في سلسلة «فول أوت» (Fallout). ليصبح السرد القصصي في هذه الألعاب عملًا إبداعيًا بحد ذاته.
هكذا حازت لعبة المغامرات بنظام آر بي جي «ديسكو إليزيوم» (Disco Elysium) عام 2019 على جائزة أفضل سرد مميز لعمل بصري فني، ضمن جوائز البافتا البريطانية. وفي لفتة مثيرة للانتباه، كان جوناثان نولان المخرج والكاتب السينمائي المميز بإنجازاته الفذة في السينما المعاصرة من سلّم الجائزة لمصمم اللعبة روبرت كورفيتز.
كان واضحًا أن ألعاب الفيديو تفوّقت كثيرًا في إصدارات شهيرة مثل سلسلة هيديو كوجيما البارزة «ميتال جير سوليد» (Metal Gear Solid)، وثلاثية كن ليفاين «بايوشك» (BioShock)، ومطر ديفيد كيق الغزير، وتعاون نيل دركمن لرائعة 2013 «ذا لاست أوف أس» (The Last of Us).
كان الأروع لا يزال في طريق الجيل الثامن الذي تفوق على كل الأجيال السابقة. حيث ظهرت ألعاب أخرى بحلة مختلفة ومدهشة، في تفاعل لا ينقطع بين الفيديو القصصي وطور اللعب، مثلما برز في ألعاب الجيل الرابع من سوني بلايستيشن، وتحديدًا في «ذا لاست قارديان» (The Last Guardian) و «قود أوف وار» (God of War).
ألعاب تستقي روحها من الماضي
ربما تكون الغزارة إحدى أبرز الظواهر التي تميز عالم الفيديو عن غيره. فنجد أعمالًا تستقي من تاريخ ألعاب الفيديو أفكارها الأساسية، سواءٌ أكان ذلك شكلًا أم مضمونًا؛ مما يجعل فكرة الحنين الكامنة في عدة أجيال تقصر المسافة الهائلة من خلال هذه التجارب الفاتنة في عالم ألعاب الفيديو.
كما تمثل هذا التنوع أيضًا في تحرك واسع على مستوى التقنية في حلول المراوغة بألعاب تدخل فيها منطقة تحدٍ مع اللاعبين، وتأتي تحديدًا من اليابان، كتلك التي تصدر عن استديو «فروم سوفتوير» (FromSoftware). وبعثت الغزارة نفسها الحياة في ألعاب المغامرات التي تعتمد الضغط والتوجيه. دون أن ننسى سوق المصممين المستقلين الواسع قبل أن تبتلعهم الاستديوهات الكبيرة، ناهيك عن إعادة إنتاج ألعاب كلاسيكية عبر التحسين وإعادة الإنتاج الكاملة.
وتجعلني هذه الغزارة متفائلًا بأن ما حققه كوجيما في «ديث ستراندينق» (Death Stranding) لا يعدو أن يكون سوى بداية سلسلة من الألعاب الواعدة مثل «سايبربنك 2077» (Cyberpunk 2077) و«مشروع آثيا» (Project Athia).
الإيهام في ألعاب الفيديو
مع التطور السريع لتقنية الواقع الافتراضي، أصبح جانب الإيهام حقيقة مدهشة ومرعبة في عالم ألعاب الفيديو. ويعدّ ضم الإصدارات خاصة كالجزء الأحدث من سلسلة «هاف لايف-أليكس» (Half-Life: Alex) لهذه التقنية دليلًا على أن هذه التجربة ستصير قريبًا الأهم في ألعاب الفيديو، وربما الأخطر.
ويتصل الإيهام اليوم بنفسية اللاعبين بشكل مثير، إذ تجد نفسك قريبًا للغاية من هاري دو بوا بطل لعبة «ديسكو إليزيوم»، حين تسمع ضميره يصدح في رأسك وتشاهد دماره الخاص ينعكس عليك، فتنهمر الدموع من عينيك عندما يغني بصوته الرخيم الحزين على الكاريوكي في الفندق التعيس بالمنطقة المنحوسة من مارتينيز أغنية «أصغر كنيسة في سانت سان».
ليس من المستغرب إذن الحديث عن أحلام جماعية تخص هذه اللعبة الفاتنة والمرعبة على حد سواء. إذ لا يتوقف الإيهام عند الخضوع للصورة الفاتنة المتطورة بتراكيب الضوء وعبقرية التحريك وزوايا الكاميرا في الكادر والحركة داخله، بل يتمدد إلى التماهي مع الشخصيات والاضطراب الأخلاقي نحو شخوص اللعبة الرئيسية.
إذ كيف لنا أن نتعاطف مع آرثر مورقان من «رد ديد ريديمشن 2» (Red Dead Redemption 2) ونكره إلى حد غير مسبوق مايكا بيل، رغم أنهما ينتميان إلى نفس العصابة الخارجة عن القانون.
أما تقنيات الواقع المعزز فيكفي أن نتذكر الجنون الهائل الذي أصاب العالم في لعبة «بوكيمون» التي جعلتهم يخرجون أفواجًا في المتنزهات والغابات، بحثًا عن بوكيمون يتوارى خلف أجمات غير مطروقة من قبل.
الألعاب مناطق افتراضية
نعيش اليوم حياة صغيرة داخل عالم ألعاب الفيديو، فهناك فقط يمكن أن ندفع ثمن قراراتنا.
من خارج عن القانون ينشُد الخلاص عندما يصير لقبه صاحب الرئة السوداء، إلى محقق يرتكب الكثير من الأخطاء ليصحح أخطاء العدالة الكبرى، إلى عازف قيتار هدفه أن يصبح الوجه الأساسي لفرقة الروك التي يحبها، ودانتي الذي يبغى الخلاص في جحيم فيرجيل، أو دانتي الآخر الذي يرغب في تصحيح سيرته من ابن للشيطان إلى كائن نوراني بمساعدة البشر.
كثيرة هي الاقتراحات وأكثر منها ندمنا الذي يدفعنا لإعادة اللعبة مرارًا. وكأن عبارة «أنت ميت» لا تعني شيئًا أمام الاحتمالات المهولة لصناعة بدأت صغيرة في غرفة مفتوحة على كل احتمالات الخسارة أو الربح!
من المؤكد أننا أمام طوفان لا تنزع فيه شركات الإنتاج إلى تدشين أفلام ومسلسلات مستقاة من ألعاب الفيديو بغزارة، سوى محاولة الفوز بجمهورٍ يميل أكثر للإنتاجات المشابهة لألعاب الفيديو، كأفلام الأنمي، دون اقتراب كبير من السينما والدراما.
وليس الحديث عن مراجعات ألعاب الفيديو وعروض البث الحية للاعبين المشهورين بتميزهم في ألعاب بارزة على منصات مثل «تويتش» (Twitch) ويوتيوب إلا دليلًا على تشكل مناطق افتراضية لأشخاص مسكونين بعوالم متفرّدة.
ونحن هنا لا نحاول سوى تلمّس الطريق في عالم مفتوح على كافة التأملات والتنبؤات. ولا شك أن عشاق ألعاب الفيديو قادرون على تقديم المزيد لهذه المحاولة المتواضعة. وسيكشف الوقت ما نحن قادرون على فعله، كلاعبين يعشقون إعادة السلام للعوالم الافتراضية مع الكثير من الهدم والبناء.