عشر نصائح لتشجيع الأطفال على الإبداع
يؤمن ميتشل ريسنيك بأن تعليم الأطفال البرمجة يعني حتمًا تعليمهم مهارات أخرى أساسية كاستراتيجيات حل المسائل والتصميم ومهارات التواصل.
وأنت صغيرٌ، هل حدث وخطرت ببالك فكرة تصميم لعبة ما أو تطبيق معيّن، لكنك توقفت قبل أن تشرع لجهلك أساسيات البرمجة؟ وهل انتباك الفضول يومًا لفهم هذه اللغة العجيبة التي نادرًا ما يدرسها الأطفال في المدرسة، لكن يبدو أنها تدير كل شيء حولنا؟ للغرض نفسه، كرّس ميتشل ريسنيك مجهودات حياته.
يعدّ ريسنيك من أشهر من اعتمدوا البرمجة كوسيلة من وسائل التعلم. فهو يؤمن بأن تعليم الأطفال البرمجة يعني حتمًا تعليمهم مهارات أخرى أساسية كاستراتيجيات حل المسائل والتصميم ومهارات التواصل. إذ « يكمن التحدي الحقيقي لا في كيفية تلقين الإبداع للأطفال، بل في خلق بيئة خصبة يكبر فيها إبداعهم ويزهر»
روضة أطفال مدى الحياة
تأثر ريسنيك بسيمور بابرت، مؤسس مختبر الوسائط (The Media Lab) بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الذي انشغل بدوره بنظريات التعليم؛ وركز أكثر على أثر التقنية الحديثة على التعليم عمومًا، وفي المدارس على وجه الخصوص باعتبارها مؤسسات تعليم.
وتحت ظل هذا المختبر الذي صار يرأسه الآن، أنشأ رينسيك مجموعة «روضة أطفال مدى الحياة» للأبحاث (Lifelong Kindergarten). وتأتي هذه التسمية من إيمان ورؤية ريسنيك في أن التعليم والابتكار لا ينحصران في المراحل الأولى من التعليم بل ينطلقان منها.
فيعاتب المؤسسات التعليمية والمعلمين حين يسألهم عن السبب الذي يجعلنا نتوقف عن اللعب والابتكار عندما نبلغ المراحل الأولى من التعليم الإبتدائي، ولم لا تكون جميع مراحل التعليم كما لو كنت لا تزال طفلًا في الروضة، مليئة باللعب والمغامرة والبحث والإبداع؟ وتماشيًا مع هذه الرؤية، طوّر ريسنيك رفقة أعضاءها مجموعة من الأدوات التعليمية التفاعلية، على رأسها موقع وتطبيق «سكراتش» (Scratch).
توفر سكراتش مساحة حرة بالكامل لبرمجة وتصميم أي شيء بدءًا من القصص التفاعلية والألعاب والرسوم المتحركة، ومشاركتها على المنصة مع الآخرين. إذ صُمّمت في الأصل للأطفال ما بين سن الثامنة والسادسة عشر، لكن الناس من جميع الفئات العمرية يستخدمونها، في المنازل والمدارس والمتاحف والمكتبات.
وتُستعمل اللعبة لا لتعليم البرمجة فحسب، بل عبر مختلف التخصصات من الرياضيات وعلوم الحاسوب واللغات والدراسات السوسيولوجية. وتساعد على مهارات التفكير المبتكر والمنهجي والعمل الجماعي.
تماشيًا مع انشغال بابرت، دفعت مزاوجة ريسنيك بين ضلوعه في البرمجة والإبداع واهتمامه الكبير بنظريات التعليم لتأليف كتابٍ يحمل نفس اسم مجموعة أبحاثه. ويسرد في الكتاب جملة نصائح وتوجيهات موجهة للآباء والمدرسين على السواء، لمساعدة الأطفال وتشجيعهم على الإبداع.
حلقة التعليم الإبداعي
يلخّص ريسنيك هذه التوجيهات في عشر نصائح مقسمة على خمس مكونات لحلقة التعلم الإبداعي، وهي: التخيل والابتكار واللعب والمشاركة والتمحّص. لكلٍّ من هذه المكونات نصيحتان تشكل في مجموعها النصائح العشر.
1. التخيل
«يمكن لصفحة بيضاء أو لوحة فارغة أو شاشة سوداء أن تبث الرهبة في النفس. لكن مجموعة من الأمثلة بوسعها تحفيز الخيال. نبدأ دومًا في ورشات سكراتش بتقديم أمثلة مشاريع، فنسلط الضوء على ما يمكن إنجازه من مشاريع مُلهمة، ونقدم أفكارًا يمكن أن تشكل المشاريع الأولى [..] طبعًا، تطفح دومًا خشية تقليد الطفل للمشاريع التي يراها. وليس في ذلك من عيب في البداية، في البداية فحسب. شجع الأطفال على تغيير أو تعديل المشاريع. اقترح عليهم إقحام صوتهم الخاص أو إضافة لمستهم الشخصية. ما الذي بوسعهم تغييره؟ وكيف لهم إضافة أسلوبهم وربطهم باهتماماتهم؟ كيف لهم أن يجعلوا من المشروع ملكهم؟»
يؤكد ريسنيك هنا على أهمية تقديم الأمثلية بُغية تحفيز الخيال. كما يؤكد على الحق على العبث المنطوي تحت الاكتشاف، فيقول:
«يزعم معظم الناس بأن الخيال يسكن الرأس، لكن اليدين على نفس القدر من الأهمية. ولمساعدة الأطفال على إنتاج أفكار مشاريع، غالبًا ما نشجعهم على العبث بالمواد. وبينما يلعب الطفل بقطع ليقو أو ينشغل بالمواد الحرفية، تطفح أفكارٌ جديدة. وما بدأ كنشاط عبثي يصير بداية مشروع مطول. أحيانًا ما ننظم نشاط تفويت صغير لدفع الأطفال للشروع. فنطلب من الأطفال تركيب قطع ليقو مع بعضها ثم تمرير البناء لصديق ليضيف قطعًا أخرى، وتستمر الحلقة هكذا. وبعد شيء من التكرار، يخرج الأطفال بفكرة يرغبون في بنائها»
2. الابتكار
ينقسم الابتكار هنا لشقين، يشدّد الأول على توفير مجموعة متنوعة من المواد. فالأطفال يتأثرون بالألعاب والأدوات والمواد المتوفرة حولهم.
«قطع ليقو وأعواد المثلجات مناسبة لصناعة الهياكل، بينما يصلح الإسفنج والقماش لصناعة الجلد، وتنفع سكراتش في دفع الأشياء للتحرك والتفاعل. الأقلام الخشبية وأقلام اللباد مناسبة للرسم، أما مسدسات صمغ الشمع أو الشرائط اللاصقة فأساسيٌّة لجمع الأشياء مع بعضها. كلما تنوعت المواد، كبُرت فرصة المشاريع الإبداعية»
أما الشق الثاني فيُعنى بتقبّل كل أصناف الابتكار. إذ يشجع ريسنيك على مساعدة الطفل في إيجاد الصنف الإبداعي المناسب له كيفما كان، فالبعض «يستمتع بصناعة الألعاب والرسوم المتحركة على سكراتش. والبعض الآخر يستمتع بصناعة المجوهرات أو سيارات السباق المصنوعة من علب الصابون، أو إعداد الحلوى، أو منمنمات ملاعب القولف. نظم قصيدة أو كتابة قصة قصيرة شكلٌ من أشكال الإبداع أيضًا. ويمكن للأطفال التعلم أكثر عن عملية التصميم الإبداعي عبر كل هذه الأنشطة»
3. اللعب
يؤكد ريسنيك هنا على أهمية تسليط الضوء على عملية الابتكار نفسها لا النتيجة النهائية، إذ أن «أفضل تجارب التعلم تحدث حينما ينخرط الناس بفعالية في صناعة الأشياء. لكن هذا لا يعني تركيز انتباهنا على الشيء المصنوع. بل الأكثر أهمية، تلك العملية التي يمر منها الشيء حتى يُصنع»
ومن هنا، يمر ريسنيك للتشديد على أهمية عدم تقييد المشاريع بالوقت بل تمديد المهل المحددة، لمنح الطفل وقتًا أطول للبحث والخوض.
«فحد المشروع في خمسين دقيقة واحدة أو حتى خمسين دقيقة على مدار أسبوعٍ إنما يبخّس من فكرة العمل على المشاريع ككل. إذ يعيق هذا التضييق إمكانية المخاطرة والتجريب وينصّب الوصول للجواب الصحيح ضمن الوقت المحدد كأولوية أساسية»
وبدلًا من ذلك، يقترح ريسنيك مضاعفة الوقت المحدد للمشاريع كحلٍّ ترقيعي، أو تخصيص أيام كاملة أو أسابيع أو حتى أشهر، لا يشتغل فيها الطلاب إلا على تلك المشاريع في المدرسة. وأثناء ذلك، يشجع ريسنيك على دعم برامج ما بعد المدرسة والمراكز الاجتماعية لكونها توفر وقتًا أطول وغير محدود للعمل على المشاريع.
4. المشاركة
يشدد ريسنيك على أهمية دور الوسيط بين الأطفال لمساعدتهم إيجاد أطراف آخرين يتعاونون معهم في مشاريعهم. ففي «نوادي الحاسوب» (Computer Clubhouses)، أحد مشاريع ريسنيك المتعددة، يعمل الطاقم على الربط بين الأعضاء دومًا سواء بناء على الاهتمامات المشتركة كالبناء التجسيمي ثلاثي الأبعاد أو القصص المصورة.
وأحيانًا، يكون الربط بناءً على ميولات مكملة لبعضها كالفن وعلم الروبوتات، بغية العمل على مشاريع منحوتات تفاعلية مثلًا. أما على سكراتش، فقد صممت المنصة للربط بين المستخدمين بشكل دوري، لا للعمل معًا فحسب بل لتعلم استراتيجيات التعاون الفعال.
تشجع هذه الخاصية المستخدمين على التعليق على مشاريع بعضهم البعض، والتعديل عليها حتى، في ترسيخ لفكرة استدامة العمل الفني وعدم انتهاءه عند فردٍ، بل إمكانية تطويره وتغييره دومًا.
يحيلنا هذا لأهمية التعاون كمكان وسطِ بين حدّي المراقبة من بعيد أو التدخل في كل شيء، خطآن يقع فيهما الآباء والمؤطرون على السواء. فيقول ريسنيك «حينما يلتزم الطرفان بالعمل معًا، يصير للجميع هدفٌ يُرجى تحقيقه. [..] ومع نهاية التجربة، يتربى عند الآباء والأطفال شعور بالاحترام لقدرات الآخر، فتقوى العلاقات»
5. التأمّل
وأخيرًا، تنتهي حلقة الإبداع بمكوّن أساسي يمثل بذرة دورة جديدة: التأمّل. فلا شيء أهم من عملية الإبداع نفسها غير التأمل والتفكير فيها وفهمها.
يشجع ريسنيك على تحفيز ذهن الأطفال عبر طرح أسئلة صادقة حول مشاريعهم، فيقول: «غالبًا ما أبدأ بأن أطرح سؤال: كيف خطرت هذه الفكرة ببالك؟ هذا سؤال صادق لأني أرغب في أن أعرف بحق. يحفزهم هذا السؤال للتفكير في ما دفعهم وألهمهم. سؤالٌ آخر هو المفضل عندي: ما أكثر شيء فاجأك؟ يدفعهم هذا السؤال عن مجرد وصف المشروع نحو تأمل تجربتهم. وإذا ما واجهتهم عقبة في المشروع، فغالبًا ما أسأل: ما الذي رغبت في فعله؟ وهنا، بوصفهم ما كانوا يحاولون القيام به، غالبًا ما ينتبهون إلى الخطأ دون أي تدخل مني»
لا يعني هذا بأن التعبير عما يدور في خلد البالغ أمرٌ خاطئ، يستطرد ريسنيك. «من المهم أن يعرف الطفل بأن التفكير فعلٌ صعب على الجميع – على البالغين كما الأطفال. ومن المفيد لطفلك أن يسمع عن استراتيجياتك الخاصة للعمل على المشاريع أو التفكير في حل المشاكل. فبسماعه لأفكارك، ينفتح الطفل أكثر لتمحّص أفكاره الخاصة ويمتلك نموذجًا أفضل للقيام بذلك»
تستمر حلقة التعلم الإبداعي من مكون لآخر ويستمر الأطفال « [..]في التخيل والابتكار واللعب والمشاركة والتأمّل في أفكارهم الخاصة وحل المشاكل. ومع كل دورة جديدة، تتفتح إمكانيات جديدة لدعم طفلك في تعليمه الإبداعي»