عجلة أفلام الإنتاج السينمائي في دول الخليج العربية

يمكن أن نشبه الإنتاج الفني بمختلف أنواعه في دول الخليج العربية بمصنع عجلات ضخم. تتحكم في دوران وسرعة كلٍّ منها عدة مكونات وأجزاء أو بكرات..

يمكن أن نشبه الإنتاج الفني بمختلف أنواعه في دول الخليج العربية بمصنع عجلات ضخم. تتحكم في دوران وسرعة كلٍّ منها عدة مكونات وأجزاء أو بكرات؛ وهي أساسية لانسيابية دوران العجلة واستمرارها.

فمثلًا، تتحكم في دوران عجلة إنتاج المسلسلات الدرامية بالخليج العربي القنوات الفضائية التابعة لأجهزة التلفزيون الحكومي، وكبرى المجموعات الإعلامية الخليجية، كقنوات «إم بي سي» ومجموعة «روتانا».

كما يبلغ التزايد في الطلب على الإنتاجات الدرامية الخليجية -سواء لإنتاج أعمال حصرية أو شراء حقوق أعمال لعرضها- ذروة نشاطه سنويًا، قُبيل شهر رمضان المبارك، في تنافس حثيث على استقطاب وعرض الإنتاجات الفنية الجديدة للجمهور، بين نموذج القنوات الفضائية المجانية (free-to-air-channels) والقنوات التلفزية التي تتطلب اشتراكًا في خدمتها (pay-tv).

تصاعد الإنتاج السينمائي في الخليج العربي 

تتفاوت هذه الديمومة والاستمرارية التي اعتمدت إنتاجات المسلسلات الدرامية في دول الخليج العربية إلى حد ما في إنتاج الأفلام. حيث شهدت المنطقة عددًا لا بأس به من الإنتاجات السينمائية المحلية، والتي بلغت أوجها في الخمس سنوات الماضية، متأثرة بعدة عوامل ومتغيرات كان من أبرزها التوجهات الوطنية لحكومات دول الخليج العربية مع بداية الألفية لتمكين القطاعات الثقافية والإبداعية.

ونشأت عن هذه التوجهات عدة مؤسسات ثقافية في الإمارات وقطر، كالمهرجانات والمعاهد السينمائية التي أسهمت في التعريف بالسينما الخليجية، وخلق حراك فني على صعيد إنتاج الأفلام المحلية. وعوضت الدور الثقافي المنشود لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.

أضف إلى ذلك، مساعي معظم الشركات الخاصة بتوطين المحتوى في منصاتهم. ويشمل التوطين دور السينما والقنوات الفضائية وشركات الفيديو الرقمية حسب الطلب (Video On Demand – VOD)، مثل أيتونز ونتفليكس والأنظمة الترفيهية لشركات الطيران الخليجية.

قد نختلف أو نتفق على أن الهدف الأسمى لأي انتاج فني هو تسويقه وبيعه للجماهير. ويتلخص ما يحصل بين مرحلة الإنتاج إلى العرض في تقاطعات وتفاعلات السياسة والاقتصاد، وهي علاقة ذات اتجاهين. حيث تسعى كل مؤسسة وراء الربح المادي أو تحقيق التأثير الأيديولوجي، أو كليهما، كما هو الحال في أفلام هوليوود.

سنناقش هنا أهم العوامل التي شكلت العملية الإنتاجية للأفلام المحلية في دول الخليج العربية في الفترة ما بين 2005 و2020؛ وكيف أثرت على علاقة الجمهور بالأفلام المحلية.

المهرجانات والمسابقات السينمائية 

من الأسباب الرئيسة وراء عودة دوران عجلة الإنتاج السينمائي بعد فترة سبات، تنظيم المهرجانات والمسابقات السينمائية في دول الخليج العربية الستة في الفترة ما بين 2000 و2015.

وكان من أهم الفعاليات مسابقة أفلام الإمارات 2001-2009، وجائزة المهر الخليجي في مهرجان دبي السينمائي الدولي 2006-2017، ومهرجان الخليج السينمائي 2008-2013، وجائزة «آي دبليو سي» (IWC Filmmaker Award) للمخرجين الخليجيين 2011-2017، وبرنامج حزاوي للإنتاج من مؤسسة الدوحة للأفلام 2013- 2016.

حيث ساهمت تلك الأنشطة والفعاليات في دعم عجلة الإنتاج السينمائي المحلي، وإتاحة الفرصة لدخول المواهب المحلية بُغية إنتاج أفلام طويلة وقصيرة.

وبشكل غير مباشر، وجّهت تلك الفعاليات أيضًا صناع الأفلام في الخليج العربي نحو إنتاج أفلام فنية بحتة، تسرد قصصًا من المنطقة بقوالب محددة، وموجهة أساسًا للنخب السينمائية في المهرجانات بالمنطقة وخارجها. مما جعل تلك الأفلام الفنية معقدة وغير مفهومة لدى الجمهور المحلي.

التطورات التقنية وصناعة الأفلام في الخليج العربي

جاء هذا التزايد في إنتاج الأفلام القصيرة والطويلة من دول الخليج في أعقاب التطورات التقنية والرقمية التي طالت صناعة الأفلام حول العالم، وجعلته يعتمد بشكل كبير على تقنية التصوير الرقمية ذات التكلفة المنخفضة والجودة العالية، وعلى أجهزة عرض رقمية في مكان أجهزة العرض السينمائية التقليدية ذات قياس خمسة وثلاثين ميليمتر.

وعلى عكس الطريقة التقليدية في إنتاج وطباعة الأفلام، أتاحت تلك الثورة التقنية لمختلف شرائح المجتمع، أفرادًا ومؤسسات، فرصة مزاحمة شركات الإنتاج التقليدية في إنتاج وتوزيع أفلامهم بتكلفة أقل. حيث بلغت تكلفة إصدار نسخ فلم وشحنها إلى صالات السينما في السابق ما بين 1000 و1500 دولار أميركي للنسخة الواحدة.

في نفس الوقت، مكّن هذا التطور الرقمي كبرى الشركات حول العالم من إحكام سيطرتها على سوق توزيع وعرض الأفلام. حيث ضخت شركات السينما الكبرى استثمارات واسعة لتحسين وتحديث بنيتها الخدماتية، ومن ضمنها أجهزة العرض الرقمية وصالات العرض الفاخرة في الفترة ما بين 2003 و2014. الشيء الذي امتد للتأثير على دور السينما المستقلة حول العالم في غياب رأس المال الكافي.

السلوك الاستهلاكي للجماهير في دول الخليج العربية

شكّل الإطلاع المكثف -سواء في صالات السينما أو التلفزيون- على أنواع محددة من الأفلام الأجنبية، السلوك الاستهلاكي للجمهور في دول الخليج العربية؛ منها أحدث أفلام النجوم الأميركية والأفلام الرومانسية الهندية وأفلام الإثارة والغموض والحركة، بالإضافة إلى الأفلام الكوميدية المصرية.

ومن المعروف أن السلوك الاستهلاكي للجمهور ومبدأ العرض والطلب عاملان مهمان في تشكيل اقتصاديات دور السينما في العالم، خاصة مع الاستثمارات الضخمة التي صرفت على القطاع. فعلى سبيل المثال، تعدُّ مبيعات الفشار والمشروبات الغازية مجدية ماديًا أكثر من مبيعات تذاكر الأفلام التي تذهب في الغالب للمصروفات التشغيلية.

وفي بعض دول الخليج العربية، أخذت عجلة إنتاج الأفلام التجارية في الدوران بشكل متسارع مما ساهم في التأثير على اختيارات بعض الجماهير الخليجية نحو الأعمال المحلية. 

قد يكون التأثير إيجابيًا وقد لا يكون. لذا، يمكن القول بأن احتمالية بناء سينما جماهيرية تعتمد على عوامل، أهمها توافقها مع سلوك الجمهور وتحقيقها عوائد مالية مجزية، في نسبة وتناسب مع ميزانية إنتاج وتسويق تلك الأعمال.

تحققت هذه المعادلة عندما تبنت بعض الأعمال الإماراتية والبحرينية قصصًا في قوالب محببة للجمهور بطرق تسويقية مبتكرة، مثل فلم الإثارة والحركة «هجولة»، والفلم الكوميدي «ضحي في أبوظبي»، والفلم الكوميدي العائلي «سوالف طفاش: جزيرة الهلامايا».

كما دفعت الإيرادات العالية التي حققتها تلك الأفلام في شبابيك بيع التذاكر المحلي والخليجي فريق العمل إلى إنتاج أجزاء أخرى مثل «هجولة 2» و«ضحي في تايلند» و«طفاش والأربعين حرامي» وهذا دأب السينما التجارية.

أما في الكويت، فكان لشركة «سينيسكيب» (Cinescape) دورٌ كبيرٌ في توزيع وعرض وتسويق معظم الأفلام الكويتية والتي بلغت ما يقارب الثلاثين فلمًا ما بين 2004 و2019 بمختلف صالاتها السينمائية.

واعتمد معظم منتجي الأفلام الكويتية على «سينيسكيب» -الشركة الوطنية الوحيدة المحتكرة لقطاع التوزيع والعرض السينمائي في الكويت إلى عام 2012- وهو ما أوجد علاقة عكسية بين زيادة أرقام الأفلام المحلية والعرض والطلب عليها. ناهيك عن دور الرقيب الوطني في رتابة الإنتاج والحد من تجربة أنواع جديدة.

بناء سينما جماهيرية

قد لا يكون تكرار صناعة الأفلام دون ابتكار وتغيير في الأساليب والنوعية الاستراتيجية الأنسب. وذلك لسرعة تنوع وتغير احتياجات ومتطلبات الجماهير التي غالبًا ما تميل نحو الأفكار البسيطة والسهلة في بنائها الدرامي، كالأفلام المطعمة بالنجوم والضحك؛ والتي تستخدم تسلسلًا وأنواعًا معروفة ومتعارفًا عليها سلفًا.

في السعودية، بلغ عدد إنتاج الأفلام الروائية السعودية في الفترة ما بين 2019 و2020 ما يقارب الخمس عشرة فلمًا طويلًا، مقارنة بثمانية أفلام أنتجت ما بين 2005 و2018.

وأخذًا بالمعطيات والفرص المتوفرة لصناع الأفلام في السعودية، متمثلة في المشاريع الداعمة التي تقدمها جهات عديدة من بينها وزارة الثقافة ومركز إثراء ومؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي واستديو «إم بي سي»؛ قد تكون للأفلام السعودية الحديثة ميزة عن نظيرتها الإماراتية أو الكويتية. إذ لا يحمل الجمهور الخليجي بداية أي تجارب أو انطباعات سابقة عنها. وكذلك، يرافق الدعم الحكومي اهتمام قوي من القطاع الخاص، مما يجعل السنوات الخمس المقبلة أشبه بتجارب أداء لصنّاع الأفلام في السعودية.

العرض والطلب للأفلام مع جائحة فيروس كورونا 

لعل من حسنات هذه الجائحة كبحُها جماح عجلة الإنتاج الهوليودي الضخم، التي تأثرت بالقيود المفروضة على جميع القطاعات التجارية ومواقع السينما وبالتحديد في الأسواق الصينية والأوربية.

مثل ما حدث مع فلم توم هانكس «إلفيس» (Elvis) في أستراليا، الذي تأجل تصويره من شهر مارس إلى سبتمبر هذا العام. وتأخر عرض فلم جيمس بوند الجديد «لا وقت للموت» (No Time to Die) الذي كان من المفترض إطلاقه في صالات السينما حول العالم في مارس 2020 أكثر من مرة. 

إذ تعتمد كبرى الاستديوهات الأميركية في تصويرها وإنتاجها لما يعرف بأفلام «البلوك بوستر» (Blockbuster) ذات الميزانيات الكبيرة، على المزايا والعوائد المالية التي تقدمها بعض الدول في التصوير لديها. وتحرص على توزيع وعرض أفلامها الحديثة في صالات السينما حول العالم لتحقيق أرباح عالية.

فيسمح هذا الخلل المؤقت في جدولة إنتاج وإصدار العديد من الأفلام الأميركية الكبرى –والمتوقع استمراره إلى عام 2023– بظهور ومشاهدة عدد من الأفلام المحلية التي لا تتطلب تنقلًا كثيرًا بين الدول أو ميزانيات عالية، في دور السينما؛ أو حتى في منصات العرض الرقمية التي تسعى لتعويض الهبوط الحاد في العرض والطلب للمحتوى السينمائي.

نتفليكس تغزو الخليج العربي 

ويعزز الحراك المتسارع والحثيث لشركة نتفليكس نحو شراء حقوق مجموعة من الأفلام الخليجية، وتوقيع عقود إنتاجات حصرية -كالاتفاقية التي وقعتها في سبتمبر 2020 مع شركة «ميركوت» (Myrkott Animation Studio) لمدة خمس سنوات- من سرعة دوران عجلة الإنتاج السينمائي وتطوير جودة مخرجاته في أي بلد خاصة في السعودية.

في حين قد يرى البعض هذا الحراك تهديدًا لديمومة عجلة إنتاج الأفلام في دول الخليج العربية المتمثلة بالمهرجانات السينمائية وجمهورها النخبوي وصالات السينما وشبابيك التذاكر.

من الجانب الآخر، قد يكون لاستثمارات نتفليكس أو غيرها من منصات الفيديو الرقمية في المنطقة العربية مثل «شاهد نت» تداعيات ينبغي أخذها بالحسبان؛ خاصة مع اعتماد معظم شركات الفيديو الرقمية في سياستها على الأرقام والبيانات الضخمة التي تُجمع من سلوك المستخدمين للمنصة.

حيث تدرك نتفليكس أهمية العلاقة بين زيادة المشتركين في الخدمة من مختلف أنحاء العالم مقابل ضمها أحدث المسلسلات والأفلام باللغة الإنقليزية، مع وجود اهتمام متصاعد نحو المحتوى الحصري ذو الصلة بالثقافة المحلية.

وقد يسمح هذا الاستقراء لسلوك المستخدمين في نتفليكس وغيرها من المنصات الرقمية بزيادة إنتاج المحتوى المحلي وتطويعه حسب أجندتها ومصالحها. مما يؤذن بسيطرة بعض الشركات الخاصة على الإنتاج (corporate control) على المدى البعيد.

مستقبل الإنتاج السينمائي في الخليج العربي

مع ذلك، ينبغي ألا يلغي هذا التأثير المتزايد لشركات العرض الرقمية الدور الكبير لصالات السينما وشبابيك التذاكر، خاصة مع كل الاستثمارات الحالية الهائلة في المجال بدول الخليج. 

ينبّئ الرواج والتنوع الذي يعيشه قطاع السينما -في مصادر التمويل والدعم من القطاعين العام والخاص، وفي أماكن توزيع وعرض الأفلام كدور سينما والمنصات الرقمية، وكذا رغبات الجمهور الخليجي في مشاهدة الأفلام الفنية والتجارية معًا- بتسريع دوران عجلة الإنتاج السينمائي في دول الخليج العربية وتوجيهها نحو مناطق أعلى احترافية في السرد الروائي وتناول الشخصيات وتوظيف المؤثرات البصرية.

اقتصاد الخليج العربيالأفلامالسينماالمحتوى العربيالثقافةالرأسمالية
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية