لماذا لا تنجح المشاريع الصغيرة؟

نتيجة تباطؤ أو توقف إنتاج المشاريع الصغيرة لن تحظى المنطقة بإنتاج محلي متنوع أو اقتصاد ديناميكي يجلب رؤوس أموال من خارجها، فما هي المشكلة؟

 يملك عبدالله أبقارًا، وينتج خمسة آلاف كيلوقرامٍ من الحليب سنويًا، ولكنه يبيعها بأقل ثمن في سوق القرية لأن هناك غيره من يبيع الحليب. بل إنه يعود أحيانًا ببعض الحليب الذي لا يُباع، فيهديه لأشخاص يتوقعون الهدية ولذلك لا يشترون حليبًا. 

يمثل عبدالله الفرد الذي لن ينمو عمله حتى بعد عشر سنوات، وفي أحسن الأحوال سيظل يملك عدد الأبقار نفسه الذي يملكه اليوم. ولكن هذا لا يتوقف على عبدالله فقط، فجابر بائع العسل وحسن بائع الخراف ولطيفة بائعة الريحان والفخار ومزهر بائع الفاكهة والخضار وسعاد بائعة الخبز، كلهم لا يملكون فرصة أفضل من عبدالله؛ ولن ينمو إنتاجهم إلا بما يتوافق مع النمو السكاني فقط.

وبالنظر إلى نطاق متوسط، لن يحظى سكان المنطقة بفرص كبيرة ليجدوا في مشاريعهم العائلية الصغيرة محفزًا، ويتركوا وظائفهم أو المساعدات التي تُقدم إليهم. كما أنهم لن يستثمروا أيًّا من رؤوس أموالهم الإضافية لتحسين الجودة أو تطوير طريقة الإنتاج، أو حتى تحسين مظهر مواقع البيع الخاصة بهم لأن سقف الإيرادات متوقع ومحدود جدًا.

وعلى النطاق الأكبر، ونتيجة تباطؤ أو توقف إنتاج المشاريع الصغيرة، لن تحظى المنطقة بإنتاج محلي متنوع أو اقتصاد ديناميكي يجلب رؤوس أموال من خارجها، سواء على شكل استثمارات أو إيرادات مبيعات.

كما أن الصناعات التحويلية الأخرى المعتمدة على تلك المنتجات الأولية لن تجد فرصًا ذات جدوى اقتصادية؛ وكذلك الأعمال اللوجستية المساعدة مثل أعمال التغليف والشحن والبيع الإلكتروني وغيرها، لأنها أعمال مكملة ومعتمدة على العمل الرئيس وهو الإنتاج.

وعلى المستوى الوطني ربما، تستطيع تلك المشاريع التوسع بعد سنوات لكي تتجه للتصدير والمساهمة في الميزان التجاري. فبدايات كل الشركات العالمية العابرة للقارات كانت مشابهة. وبالعودة لنقطة البداية، لن تجد تلك المشاريع الصغيرة فرصة للنمو حتى توفر فرص عمل للسكان المحليين.

ليتبادر في الذهن سؤال:

ماهي المشكلة؟

قد تبدو الإجابة صعبة، ولكن في البدء نستطيع أن نتوقع السبب الأهم، وهو محدودية السوق الذي يتشكل في منافذ البيع أو فرص بيع المنتجات أو فرص التصريف، سواء كانت مواقع بيع مباشر أو منصات إلكترونية حديثة.

ولذلك عدة أسباب أولها غياب سلاسل الإمداد والتسويق التي تساعد أصحاب تلك الأعمال في عرض منتجاتهم في أسواق ومنافذ بيع أبعد من قريتهم أو محيطهم الصغير؛ بالإضافة إلى ضعف استخدام التقنية الحديثة في الزراعة كتقنيات الري الحديثة مثلًا، وعراقيل الحصول على تمويل وندرة الأيدي الماهرة المحلية التي ربما تجد سوقًا مغرقًا بالعمالة غير الماهرة.

المشاريع الصغيرة وسلاسل الإمداد 

ولكن من المسؤول عن سلاسل الإمداد؟ إنها شركات ومؤسسات ربحية هي الأخرى، ولن تغامر دون أن ترى فرصة مربحة لها. فكيف تجد هذه الفرصة؟ للإجابة على ذلك ينبغي أن نبحث عن المعوقات أمامها، وأولها التشريعات المحلية التي من المفترض أن تكون مسهلة ومحفزة لها، بمنحها فرصًا متعددة.

بالإضافة إلى غياب البيانات الإحصائية الدورية بين سنة وأخرى، وبيانات الطلب والعرض حتى تُعرف الموسمية في كل مجال، لكي يتاح لها توزيع التكلفة والأيدي العاملة حسب الموسم وكذلك غياب بيانات وفرص التمويل.

وقد تنتبه لذلك معاهد التدريب الخاصة التي ستستثمر في تدريب الكوادر التي تخدم مجالات صارت نشيطة في منطقة معينة. ولعلنا نتذكر معاهد التدريب العديدة الخاصة التي نشأت لخدمة قطاع النفط، لأنها رأت فرصة استثمارية مواتية.

دعم المشاريع العائلية الصغيرة 

قبل أشهر وجدت منتجات «بُن فيفا» مغلفة تغليفًا لائقًا وبجودة عالية في مقاهي عدة في مدن بعيدة عن فيفا. وكنا سابقًا لا نجد هذا المنتج إلا في محلات ذات مستوى منخفض، ولا تخضع لمواصفات الجودة وفي مناطق محدودة جدًا، فما الذي تغير؟

قدمت شركة أرامكو لمنتجات بن فيفا الدعم في المدخلات الزراعية ودعمًا لوجستيًا في التسويق، وبهذا وجد المزارعون منافذ بيع عديدة زادت من إنتاجهم بعد ركودٍ استمر لعشرات السنوات.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تدعم فيها أرامكو منتجًا أو مشروعًا جديدًا، إذ دعمت قبل عقود العديد من أهالي المنطقة الشرقية بالقروض وخطوط الإنتاج، مقابل إمداد منشآت أرامكو بمنتجات الحليب والخبز واللحوم والخضروات والفواكه وغيرها. وصارت تلك المشاريع العائلية الصغيرة اليوم شركات إنتاج وخدمات عملاقة مثل شركتي المطرود والسيهاتي.

الشركات العالمية ودعم المشاريع الصغيرة

ولعل معظمنا لا يعرف أن «نستله»، وهي أكبر شركة غذائية في العالم، لا تملك الأبقار ولا مزارع الكاكاو ولا معظم المواد الأولية في منتجاتها. ولكن الأهم هو وجود سلاسل إمداد قوية، بالإضافة إلى التسويق وتقديم اتفاقات محفزة لجميع الأطراف، ولو أنها غير عادلة أحيانًا، فهي في صالح الشركات الكبيرة على حساب المزارعين المضطرين لقبول عرض هذه الشركات.

ونجد في الورد الهولندي مثالًا آخر غير الذي نجده متوفرًا في منافذ البيع المحلية في معظم المدن، بالرغم من أنه سلعة حساسة وغير ضرورية. ولكن سلاسل الإمداد والتسويق جعلت من ذلك ممكنًا من خلال سرعة شحنه بواسطة شركات الطيران العالمية، مما يمثل خدمة لوجستية سريعة تفتح أسواق بعيدة عن هولندا.

كما تعتمد شركات إنتاج الشاي في سريلانكا وتركيا والهند على المزارعين المحليين الذين يحصدون المحصول ويضعونه في مستودعات الشركات القريبة من قراهم الزراعية، ويحصلون على الثمن بشكل دوري.

وفي الولايات المتحدة الأميركية هناك 5.5 مليون عمل عائلي يوظف حوالي 63% من القوى العاملة، ويساهم بـ 57% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، كما ورد في دراسة نشرتها جامعة «قراند فالي» (Grand Valley State University).

تنشيط الاقتصادات المحلية 

الأمثلة كثيرة والفرص التي تزخر بها مناطق عديدة لا تحصى، والأهم من ذلك الإرادة بفعل شيء حقيقي لتنشيط الاقتصادات المحلية الصغيرة سواء أكانت اقتصادات تنتج موادًا أولية أو سلعًا أو خدمات.

ويتحقق هذا التنشيط عبر توفير سلاسل الإمداد والتسويق وفتح فرص النمو وغزو الأسواق ومنافذ البيع الأبعد. وتبقى العقبة الأولى غياب التشريعات المحلية المحفزة بحسب المميزات المحلية لكل موقع أو منطقة، وتسهيل أية إشكاليات محلية محتملة.

ويجدر ألا ننسى بأن تلك الأهداف منصوصٌ عليها في الخطة الخمسية العاشرة التي ورد فيها ما نصه «زيادة الحوافز الاستثمارية والتسهيلات الجاذبة للاستثمار في المناطق والمدن الأقل نموًا والمدن الصغيرة والمتوسطة»، وكذلك في رؤية 2030 التي تذكر أن «المنشآت الصغيرة والمتوسطة من أهم محركات النمو الاقتصادي، إذ تعمل على توفير الوظائف ودعم الابتكار وتعزيز الصادرات» 

الأسواقالاقتصادالتسويقالناتج المحليالرأسمالية
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية