نحن لا نعيش في عالم جيبلي 🚂

زائد: عقاب الصمت، يترك ندوبًا عميقة.


خلِّك صريح: كم صورة شخصية حولتها الأسبوع الماضي إلى جيبلي؟ 😏

في الأسبوع الماضي كل شيء تحوَّل إلى نسخة من عالم جيبلي بفضل الذكاء الاصطناعي، لكن هل هذا يعني أنَّ البساط سُحِب من ميازاكي ومن الفنانين؟ في عدد اليوم نبحث في إجابة هذا السؤال. وإذا كنت ممّن يمارس عقاب «المعاملة بالصمت» أو تتعرَّض له، نشاركك في «شباك منوّر» تجربة هيفاء القحطاني مع آراء علمية من مقال في نيويورك تايمز.

وأيضًا سترى بنفسك آخر شيء يراه السلطعون قبل أن يُلتَهم حيًّا! 🦀


عالم جيبلي / Imran Creative
عالم جيبلي / Imran Creative

نحن لا نعيش في عالم جيبلي 🚂

إيمان أسعد

في خضم ترتيب الكتب ومسح الغبار عنها في إجازة العيد، وجدت كتابًا أهدتني إياه جارتنا قبل أعوام ضمن تعزيلها غرفة في بيتها والتخلُّص من الكتب الزائدة، هذا الكتاب هو «النقد الأدبي» لأحمد أمين. الكتاب يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، طبعة فاخرة غلافها أحمر ومذهَّب. كنت أتصفحه على عجالة حين وقعت عيناي على هذه الفقرة: 

«نعم، إن جودة الأسلوب قد ترقى بالمعاني المعتادة وتخرجها في شكل يدعو للإعجاب، وأحيانًا تطغى قوة العاطفة وجودة الأسلوب على قوة المعنى والتفكير المنطقي، ولكن على كل حال لا بد من معانٍ قيمة، ولا يمكن للأديب أن يتبوأ مكانًا عاليًا إذا اعتمد على الأسلوب وحده وكان مصابًا بالفقر العقلي - والإعجاب إذا كان محورهُ الأسلوبَ وحده لا يستمر طويلًا وما أسرع ما يملُّه الناس ويدركون خفة وزنه كالألعاب البهلوانية.»

وأظنك بعد عشرة أيام من اكتساح صور جيبلي المعدلة بالذكاء الاصطناعي، قد بدأت تدرك خفة وزنها وأنها لا تزيد عن كونها لعبة بهلوانية سلَّتنا في منصات التواصل وأضحكتنا في زيارات العيد، ومنحت «أوبن إيه آي» قاعدة بيانات مليونية من صورنا للتدريب عليها مع حجة جيدة لاستجداء المزيد من الملايين والمليارات في الجولات الاستثمارية.

لكن إذا أردنا تلخيص محصلة الأسبوع الماضي فهي أنَّ القلق الإبداعي من تطوّر «جي بي تي» بما يجعله ينافس الإبداع الإنساني ويتفوق عليه قلقٌ ليس في محله. بل أكَّد هذا الترند ما سبق أن تحدثنا عنه في تدوينة ماضية، أنَّ الذكاء الاصطناعي ليس كيانًا إبداعيًّا بل يعتمد نسخ الأنماط، وعوامل الإبهار تتمثَّل في سرعة الإنتاج في ثوانٍ وفي جودة النَّسْخ (جودة ظاهريَّة، إذ ستلاحظ الكثير من الأخطاء في الصور). 

وعامل نجاح الترند الأساسي أنه لعب على وتر النوستالجيا، والرغبة الطفولية لدينا منذ شاهدنا أفلام ميازاكي للمرة الأولى بأن نعيش في عالم جيبلي. ووجود صورة تحقق لنا هذا الوهم ولو للحظة بعثت فينا هذه البهجة العالميَّة. 

فإذا وضعنا جانبًا هذه البهجة، أين القيمة الإبداعية فيما رأيناه؟ أين المعنى؟ بل أين الغموض؟

إذا شاهدت أي فلم من أفلام جيبلي، أفلام ميازاكي تحديدًا، فهي ليست بالعوالم المباشرة بل عوالم غرائبية. غير أنَّ الغموض لا يكمن في الرسومات الغريبة والتجلّيات الأسطورية في الحبكة فحسب بل في إحساسنا بوجود شيء يريد ميازاكي أن يقوله لنا عن نفسه وعن رؤيته للحياة، وهذا الشيء يمسنا حتى إن لم نفهمه تمامًا وبوضوح.

بالنسبة لي مثلًا، أرى مشهد القطار حيث شيهيرو جالسة إلى جانب الكائن عديم الوجه النهم من أعظم ما كتبه ميازاكي ورسمه، رغم أنه أكثر المشاهد اعتياديَّة ويخلو تمامًا من الأحداث والحوار. ودومًا هذا المشهد يخطر على بالي حتى بعد مشاهدتي الفلم بأكثر من عشرين عامًا. المشهد دقيقتان فحسب نرى فيه القطار يعبر الماء الصافي تحت سماءٍ زرقاء، مع موسيقا تصويرية أضفت على المشهد بعدًا حسيًّا سمعيًّا يأسرك بالكامل. 

عرفت لاحقًا أنَّ المشهد يعود إلى رحلة القطار التي قطعها ميازاكي ذات صيف إلى منزل صديقٍ له، وهذا الصديق له ابنة تبلغ من العمر عشر سنوات. وتلك الطفلة هي التي ألهمت ميازاكي كتابة فلم «سبيريتد أواي» (Spirited Away).

رغم تفوق أسلوب أفلام ستوديو جيبلي فنيًّا، والتزام فريقه الرسم يدويًّا إلى حد قد تأخذ فيه اللقطة الواحدة أسابيع من العمل الشاق، فحقيقةً أسلوب الرسم ليس القلب الإبداعي النابض في عالم جيبلي، بل القصة ذات المعنى، الرؤية الفكرية الشخصية العميقة التي تنشأ عن تجربة إنسانية لا عن جملة أمريَّة (prompt).

لذا، لا. نحن لا نعيش في عالم جيبلي كما قال أحد المغردين احتفاءً بالموجة الكاسحة. حاولنا للحظة أن نعيش في عالم جيبلي بفضل «جي بي تي»، لكن إن لم يكتبك ميازاكي ويرسمك بنفسه في عالمه، فالذكاء الاصطناعي، هذا الذكاء الفقير عقليًّا، لن يحقق لك هذه الأمنية.

وهذا من حسن حظنا، وحظ ميازاكي.


شبَّاك منوِّر🖼️

في مقالة «الكدمات الخفية التي تتركها فينا المعاملة بالصمت»، تشارك الكاتبة هيفاء القحطاني تجربة تعرُّضها للعقاب بالصمت، بدءًا من العائلة إلى المدرسة وبيئة العمل: 😶

«عندما يقرّر أحد والديّ أو كلاهما الامتناع عن الحديث معي تمامًا، أجدني أبدأ بتجربة كل طرق لفت الانتباه الممكنة: كالمرور من أمامهما في غرفة الجلوس أو الحديث عن مسلسل يحبانه أو عن الطقس والواجبات. وكلما اقتربت من مجال رؤيتهما، أحاول من جديد، لأتأكد من أنني "مرئية". وحين لا تثمر محاولاتي، أنتقل للمرحلة التالية فأعدّ أخطائي في ذاك اليوم، ولربما كنت سأنجح في تحديد الخطأ وإلقاء التهمة عليه.» 🫥

  • جميعنا تعرَّضنا لهذا النوع من العقاب، بل ربما طبقناه على غيرنا ظنًّا منّا أنه أقل وطأةً وأذى للآخر، لكن هذا ليس الواقع. وتؤكد أستاذة علم النفس الإكلينيكي د. قايل شولتز أنَّ المعاملة بالصمت عقاب، سواء اعترفت بذلك أم لا. ولأنه عقاب فهو يسبب الأذى للآخر، فيثير فيه الخوف والقلق ومشاعر الهجر أمام هذا الجمود القاسي في التعامل، ويحفز أنماط سلوكية سلبية -لا سيّما لدى تطبيقها على الأطفال-  مثل الشك في النفس وجلد الذات ونقدها.» 🫵🏻

  • الألم الذي يسببه العقاب بالصمت ألمٌ حقيقي. وفقًا لهذا البحث، فالتعرُّض للتجاهل والإقصاء المتعمَّد يحفّز مناطق الألم ذاتها في الدماغ التي يحفزها الألم الجسدي. ما يعني أنَّ من يطبّق هذا العقاب يتسبب بألم جسدي حقيقي لدى الآخر وليس ألمًا معنويًّا فقط. 😰

  • ثمة فرق بين العقاب بالصمت والانسحاب المؤقت تفاديًا لتصاعد الموقف. إن كنت منزعجًا للغاية من الآخر، ووقع خلاف حاد بينكما، من حقك أن تنسحب من الموقف وتصمت، لكن على أن يكون الهدف من الصمت الابتعاد لتهدئة النفس والتفكّر، ثم العودة للحديث بعقلانية مع الطرف الآخر. 🤌🏻

  • وإذا كنت ممن يتعرَّض الآن لهذا النوع من العقاب والتعامل، تنصحك هيفاء القحطاني بألا تشارك في هذا العقاب وتوجه اللكمات إلى نفسك بيديك، بل عليك أن تكسر هذه الحلقة بأن تواجه الطرف الآخر بعقلانية، فإن لم يستجب معك فالعبء إذن عليه لا عليك. 🙎🏻‍♂️👋🏻

🧶إعداد

إيمان أسعد


لمحات من الويب


قفزة إلى ماضي نشرة أها! 🚀

نشرة بريديةرمضانشتاء
نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+360 متابع في آخر 7 أيام