لماذا «تنرفزني» العلاقة بين الرواية والتاريخ 🤯
أجزم أني لست الوحيد الذي باتت «تنرفزه» جدلية العلاقة بين الرواية والتاريخ.
لماذا «تنرفزني» العلاقة بين الرواية والتاريخ
أجزم أني لست الوحيد الذي لاحظ هيمنة الروايات التاريخية على قوائم الجائزة العالمية للرواية العربية في السنوات الأخيرة. تحضر عناوين من قبيل «الفسيفسائي» و«باهبل» في قائمة هذا العام، وعناوين مثل «صندوق الرمل» و«الأنتكخانة» في قائمة عام 2023، إضافة إلى عناوين أعوام أسبق مثل «أسير البرتغاليين» أو «رامبو الحبشي» حتى «الديوان الإسبرطي» التي ظفرت بالجائزة عام 2020.
وأجزم أني لست الوحيد الذي باتت «تنرفزه» جدلية العلاقة بين الرواية والتاريخ، على الأقل كما تُطرح في الندوات واللقاءات العامة. نجد الرواية التاريخية هنا ذات وظيفة توثيقية في المقام الأول، حيث يتقمص الروائي دور المؤرخ لينتج لنا تأريخًا من نوع ما. ووفقًا لهذا التصور تُقرأ الرواية على أنها حلقة وصل تربط قارئها بماضٍ يمكن معرفته، بأسلوب تشويقي، من خلال نصها، أي على أنها مصدر لمعرفة تاريخية.
هنالك سببان وراء «تنرفزي». أولًا: أمقت التصور البسيط للتأريخ، المبني على موضوعية ونهائية المعرفة التاريخية (Finitude)، وعلى حيادية المؤرخ تجاه موضوعه. الحقيقة هي أن كل أهمية مزعومة للتاريخ وحوادثه ليست إلا إسقاطًا لهموم لاحقة، وأن المعرفة التاريخية بحد ذاتها مرهونة بالأسئلة التي نطرحها على الماضي.
أما السبب الثاني وراء «نرفزتي» فهو إيماني بأن قراءة الرواية التاريخية ينبغي ألّا تختلف جوهريًا عن قراءة الرواية غير التاريخية. بعبارة أخرى: بدلًا من تغليب الشق التأريخي على قراءة الرواية ينبغي النظر إليها على أنها عمل تخييلي (Fiction)، أي بصفتها استقراءً لحاضرٍ ما وإعادة تشكيله، مثَلها كمثَل «الجنرات» الروائية الأخرى. فلنأخذ مثلًا ديستوبيا «عالم جديد شجاع»، المستقبل الذي يصوره هكسلي في الرواية مبني على إعادة استقراء أبعاد عصره (فترة ما بين الحربين العالميتين) بما فيها من تنامي الحقوق الاستهلاكية، ومن ثم إعادة تخيّلها في زمن لم يحن بعد. إدراك مثل هذه الصلة بين الأدب والواقع (سواء أكان الواقع معاصرًا أم لا) من شأنه تعقيد العلاقة بينهما خارج الاختزالات البسيطة.
أميل إلى قراءة الأدب قراءةً تستنطق النص سياقيًا، وتنطلق من كون الرواية دليلًا (Evidence) يمكن استنطاقه داخل سياقات متعددة. فبغض النظر عما تدّعيه الرواية لنفسها، ستكون دومًا عملًا تخييليًا متموقعًا في الزمان والمكان ومتشكّلًا بظروفه. والرواية التاريخية، خلافًا لذلك، تنحو في مفهومها السائد نحو اختزال النص في إطار توثيقي، أي في ما هو قابل للاستقصاء والبحث؛ وعليه يُخضَع البعد التخييلي القائم على اللغة لبعد «حقيقي» يسبغ القيمة على ما سواه.
وبذا تُجرَّد اللغة من معظم سماتها لمصلحة الوظيفة التوثيقية، أي تلك التي تربط بين الجملة اللغوية والحقيقة المستقلة عنها. بعبارة أخرى: بدل تسليط الضوء على الأسلوب والتقنيات الأدبية ودور اللغة في إعادة إعمال الواقع المنبثقة منه (Reworking) نجِد الرواية تصبح في المقام الأول مصدرًا (Source) تاريخيًا مرهونًا بحقيقة خارجة.
ولكن العلاقة بين الرواية والواقع أعقد من اختزالها في تصوّر توثيقي كهذا. سبق أن تناولت بعض الإشكاليات ضمن تدوينة «القيمة المعرفية للرواية»، زاعمًا أن «المعرفة» تتولد في حيز مشترك بين الرواية وقارئها.
لا يختلف اثنان على الإمكانات التخييلية للأدب، أي قدرته على التلاعب باللغة وتطويعها بهدف خلق صورة واقعية. وإذا أدرك القارئ التمايز بين الواقع والنص فيمكن للقراءة المرتبطة بالعملية الإبداعية وهمومها أن تكون مثمرة، بغض النظر عما إذا حاكى النصُّ الواقعَ أم شوَّهه أم أعاد تشكيله. إن إحدى مهمات القارئ منوطة بقدرته على نقد عملية التنصيص، سواء من زاوية الكاتب (الناص) أم العمل (النص) أم العالم الخارجي (مجموع النصوص المحتملة).
ولكن من وجه ثان، بمجرد إعطاء الأولوية لحقيقية عالم الرواية (Truthfulness) نجد أنفسنا خارجين من أسئلة الإبداع وداخلين في معمعة التوثيق وإشكالاته. لا مكان هنا لأسئلة تسلّط الضوء على علاقة الرواية بشروط إمكانها وإبداعها، إذ ينصبّ الجهد على ثنائيتي الصواب والخطأ في تأطير السرد.
لكن هذا الإطار يعمينا عما تنطوي عليه القراءة التوثيقية من تغييب عملية التنصيص وتجاهل همومها. فلنأخذ على سبيل المثال ما يرد في «ثلاثية غرناطة» حين دخل أبو القاسم بن عبدالملك ويوسف بن كماشة إلى القاعدة بصحبة دي ثافرا مندوب ملكي قشتالة وأراقون، أو ما ذكرته شخصية ابن عربي في «موت صغير» حول مقامات الديباج والطيلسان والبرنس عند لابسيها. في كل واحدة من هذه الأمثلة قد يخيل إلى القارئ أن التفاصيل التاريخية ذات أهمية موضوعية مستقلة عن كاتب الرواية وزمن كتابتها. بعبارة أخرى: بدل رؤية التفاصيل بصفتها جزءًا من عالم نصي يشيده الكاتب وفق اختياراته ورؤاه تصبح واقعًا «موضوعيًا» تتكئ عليه مشروعية من السرد والسارد كليهما.
وبذا تنصب تساؤلات القارئ على دقة التفاصيل ومصادرها وعلى أسلوب سرد التاريخ وعلى مصداقية الكاتب وعلى مدى كشف الرواية دهاليز الماضي المجهولة، أو ربما على موقع حبكتها في الزمن المفترض للأحداث. أما الأسئلة التي تتناول نوع السردية التاريخية التي يقدمها الكاتب، تعزيزية مثلًا أم بديلة أم نقدية، أو التي تتناول دواعي استعادة هذا الماضي تحديدًا في هذه اللحظة، أو التي تتناول سؤال هل الكاتب يقدم طرحًا تاريخيًا أصيلًا مبنيًا على تقصيه الخاص أو يعيد كتابة استنتاجات غيره، فإن كل هذه الأسئلة تبدو غير ذات صلة بالجوهر لدى القارئ.
والنتيجة الحتمية لكل هذا الإيغال في الإطار التوثيقي هو نسيان أن العلاقة بين الأدب والواقع ليست أبدًا بهذه البساطة؛ فحتى لو افترضنا أن الكاتب ينشد فعلًا توثيق واقعٍ بعينه، فلا مناص من التساؤل عما يدفعه إلى ذلك وعن الكيفية التي يتبناها وعن الحيّز الذي ينصصه. وكل هذه الأسئلة تستوجب تناول عملية التنصيص على مختلف صُعُدِها.
لا يعني ذلك انتفاء أهمية النقد التاريخي للعمل طبعًا؛ فكل واحدة من الروايتين أعلاه تنطوي على جملة من الإشكالات التي لن تصمد أمام التمحيص التاريخي، ليس على مستوى الحقائق بقدر مستوى المفاهيم. فرواية «ثلاثية غرناطة» مثلًا تستخدم مفردات «الاحتلال» و«الأمة» و«العرب» بمعانٍ تبدو مألوفة جدًا لقارئ اليوم دون أن تكون معبرة بالضرورة عن التجربة المعيشة إبّان سقوط الأندلس. وكذلك في أحد مشاهد «موت صغير» نجد والد السارد يفرغ من تناول «إفطاره» في «يوم عادي يذهب فيه إلى عمله»، ولا بُد من استحضار صورة الموظف المعاصر ذهنيًا.
إن تفاصيل كهذه تفسر مطالبة إيان مورتيمر المؤرخين بكتابة الروايات التاريخية، أي من باب أنها تضطرهم إلى التفكير في جوانب حياتية لم يسبق لهم التفكير فيها،مضيفًا أن تاريخية هذا الاستقصاء كامنة في كونه «يفحص الطبيعة البشرية من منظور عصر آخر». وأتفق معه في أن كل استعادة للتاريخ مبنية على هموم حاضر الكاتب أو المؤرخ وأسئلته، لكن الجلي من المثالين أعلاه أن مدى إلمامنا بتفاصيل الماضي محدود دائمًا بمفاهيم حاضرنا. وليست الرواية التاريخية استثناء من ذلك؛ فقراءتها على ضوء مصدريتها تعمينا عما يكتنفها من إشكالات تاريخية، ومن هنا ينبغي إعادة الاعتبار إلى القراءة التخييلية، أي التي تفترض أن كل عمل روائي تخييلي وإن ادُّعِيَ تقيُّده بواقعٍ ما.
فاز الكاتب باسم خندقجي بـ«الجائزة العالمية للرواية العربية» في دورتها السابعة عشرة عن روايته «قناع بلون السماء»، وهي الرواية الرابعة في مسيرته. وقد اختير العمل من أصل 133 رواية. وتبلغ قيمة الجائزة 50 ألف دولار أمريكي، إضافة إلى دعم معنوي يتمثل في ترجمة العمل الفائز إلى اللغتين الإنقليزية والفرنسية.
تُقتبس حاليًا رواية الكاتب الكولومبي قابرييل قارسيا ماركيز «مئة عام من العزلة» (One Hundred Years of Solitude) لمسلسل تلفزيوني سيعرض على منصة نتفلكس من إخراج الكولومبية لورا مورا والأرجنتيني أليكس قارسيا لوبيز.
أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب التي ينظمها مركز أبوظبي للكتاب للغة العربية منح مؤسسة «البيت العربي» في إسبانيا جائزة «شخصية العام الثقافية» في دورتها الثامنة عشرة؛ تقديراً لإنجازاتها بوصفها جسرًا يصل بين الثقافتين العربية والإسبانية ودورها في التعريف بالثقافة واللغة العربية في أوربا ودول أمريكا اللاتينية.
انطلقت الإثنين الماضي فعاليات الدورة الثالثة والثلاثين من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وتحل جمهورية مصر العربية ضيف شرف فيه، واختير الأديب نجيب محفوظ شخصية المعرض الذي يستمر حتى يوم 5 من مايو الجاري.
توصيات النشرة من أثير الحربي:
الموسيقي الأعمى، فلاديمير كورولينكو
اعتمد الكاتب في كتابته هذه الرواية على مذكرة فتاة كفيفة، ونقَلها على هيئة رواية بطلها «بطرس»، الشاب الذي منذ ولادته وصرخته الأولى عرفت أمه أنه ليس كمثل الأطفال، وبعد برهة من الزمان تكتشف أنه فاقد البصر. يأخذنا الكتاب إلى عالم الكفيفين، كيف يشعرون ويحسون بالأشياء؟ وكيف يعلمون بقدوم شخص يعرفونه؟
حياة النحل السرّية، سو مونك كيد
قد تظن حينما تقرأ اسم الكتاب أنه كتاب علمي يوثق حياة النحل، ولكنه على العكس من ذلك، إذ تروي فيه الكاتبة سو مونك كيد قصة «ليلي» فتاة في الرابعة عشرة من عمرها، تمر بتقلبات مراهقتها وتسعى للبحث عن أمها التي فقدتها في صغرها. وفي أثناء بحثها عنها تُقابل عائلة جديدة تختلف عنها في اللون والعِرق، وتكتشف من خلال عيشها معهم معاني السعي والحياة والتأمل والرضا ومكامن القوة فيها وفيهم.
لا تقولي إنك خائفة، جوزيبه كاتوتسيلا
رواية وقعت أحداثها في الحياة الحقيقية الفعلية، وهذا ما يؤلم أكثر، إذ تسحب رداء الإيجابية الذي يعلقه كل الحالمين بتحقيق أحلامهم، وتخبرنا عن وجه حقيقي للحياة، وجه صادق ومخيف. حينما قررت «سامية» العدّاءة الشجاعة أن تعدو إلى العالمية، وأن تحقق حلمها على رغم عن أوضاع بلدها السياسية وغير المستقرة، انطلقت «سامية» وهي تردد ما قاله لها أبوها: «لا تقولي إنك خائفة أبدًا يا صغيرتي أبدًا وإلا تعاظم ما تخافينه حتى يهزمكِ.» وانطلقت «سامية» ولم تعد.
ألف شمس ساطعة، خالد حسيني
فتاتان تتقاطع طرقهما، «ليلى» و«مريم»، تحت إمرة رجل سليط، وترويان لنا عن الأوضاع التي كانت تعيشها الدولة آنذاك في فترة الحرب، وأبرز التغيرات التي طرأت على النساء بخاصة في ذلك الوقت. وأظهرتا لنا من خلال الرواية التي كتبها خالد حسيني قوة النساء الناعمة والرقيقة، كيف تواجهان المصاعب وتقدمان التنازلات والتضحيات لأجل منزلهما وأطفالهما الصغار، وكيف تحميانهم من التلوث الفكري الذي ساد على ذلك الزمان.
سواء كنت صديقًا للكتب أو كنت ممن لا يشتريها إلا من معارض الكتاب، هذه النشرة ستجدد شغفك بالقراءة وترافقك في رحلتها. تصلك كلّ أربعاء بمراجعات كتب، توصيات، اقتباسات... إلخ.