الحياة شاهدة على الحدث في وسائل التواصل الاجتماعي
تطل علينا مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات إعلامية ووسائل جديدة لنشر الأخبار، ليس للعاملين في قطاع الإعلام فحسب بل أيضًا بالنسبة لكل فرد يعيش الحدث نفسه.
في الوقت الذي يسعى فيه الإعلاميون والصحافيون للتغطية الإعلامية لأي حدث يومي وفي أي مكان من العالم، تطل علينا مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات إعلامية ووسائل جديدة لنشر الأخبار. لم تعد مهمة التوثيق مرهونة بالجهات الإعلامية ومنسوبيها فحسب، بل امتدّت لتصل لكل فرد يتواصل ويساهم في نشر خبر ما وتوثيقه.
إذ لم يعد توثيق الحدث اليومي حصرًا على جهات أو فئات محددة، بل صارت له صورة ورواية من زوايا عديدة. ولم يعد الصحفي شاهد العيان الوحيد في ساحة الحدث، إذ تتواجد إلى جانبه رُفقة جاهزة للتوثيق.
الصحفي ليس مؤرخ اللحظة
إن ما نعاصره من أحداث يومية يصبح يومًا بعد يوم جزءًا من الماضي، وهو ما يصطلح عليه بالتاريخ الآني؛ إذ يُعرفه جون لاكوتور في كتاب «التاريخ الجديد» بأنه التاريخ الذي يُسجّل الآن ويتزامن توثيقه مع تعاقب الحدث. كما ينتقد لاكوتور ألبير كامو الذي يرى الصحافة بمثابة تاريخ اللحظة الذي لا يكشف إلا جانبًا واحدًا. فالتاريخ والصحافة يتقاطعان ولا يندمجان.
ويرى عبدالله العروي في كتابه «مفهوم التاريخ» بأن الصحفي لا يمكن اعتباره مؤرخ اللحظة، وأن المؤرخ أيضًا لا يمكن أن يكون صحفي الماضي، إذ أن التنقل من موقع لآخر يأتي من خلال تغير المنطلقات.
فإذا قرر الصحفي البحث في آثار الحدث تحول إلى مؤرخ، في حين إذا انتهى المؤرخ من تحقيق الحدث وحل ألغازه وأراد وصفه تحول إلى صحفي. ولعل ما يميز التاريخ الآني، ما يذكره مجدي عبد الحافظ بأنه ذو نهاية مفتوحة، سيُقدِر المؤرخ هنا ما ستؤول إليه الأحداث دون تأثير أو فكرة مسبقة عما ستنتهي إليه حقًا.
ففضيلة البحث التاريخي هي البحث عن التغييرات وقياسها. وبالرغم من هذه الإيجابية، تساءل عبدالحافظ أيضًا حول موضوعية المؤرخ الآني، فهو في النهاية ابن ثقافته وعصره. ويرى أن هذه القضية تظل محاطة بأي مؤرخ حتى لو خاض أغوار الماضي البعيد.
توثيق الحياة اليومية
تبرز قيمة الخبر الصحفي اليوم في توثيق الحدث من ساحته ورصد حيثياته. وكما ذكرنا سابقًا،أصبح بمقدور أي فرد توثيق أي حدث وتقديم نفسه كشاهد عيان للأحداث اليومية من خلال النشر على منصات التواصل الاجتماعي ، التي استطاع من خلالها تكوين مساحة افتراضية خاصة به بين أفراد المجتمع العالمي.
وأكثر ما يميز هذه المنصات طبيعتها الديناميكية التفاعلية، إذ صار بمقدور كل من يمتلك نفس الوسائل إظهار انطباعاته وتوجهاته. فصار لكل حدث منشور صدى. وتفرز هذه الحركة التفاعلية عدة مواضيع تاريخية في مجال تاريخ الحياة اليومية.
ففي حوار مع سهام الميساوي عن دراسة الحياة اليومية، تعرف سهام الحياة بالأنشطة التي يقوم بها الأفراد في كل يوم، وتفاعلاتهم في سير يومهم من المنزل إلى العمل، ودراسة الأشياء المادية التي تستعمل لتدل على وضع ما؛ إلى جانب ما في هذه الحياة اليومية من انفعالات كالألم والفرح والتعب.
الحياة مصدرًا لتوثيق الحدث
حين نتحدث عن توثيق الأفراد للأحداث اليومية في منصات التواصل الاجتماعي، يفتح هذا للمؤرخين وباحثي العلوم الاجتماعية مواد جديرة للبحث في تفاعل الأفراد مع الحياة، كالأحداث المفاجئة والمؤثرة في السير اليومي، والتي تعكس طرق تعبير الأفراد والجماعات باختلاف معتقداتهم وأفكارهم وأوضاعهم الاجتماعية.
هذا إلى جانب تأثير هذه الاختلافات في تكوين اتجاهات متعددة تجاه الحدث. كتوثيق الناس للتغيرات التي طرأت على حياتهم في ظل جائحة كورونا، وحادثة انفجار بيروت التي استوقفت سير الحياة اليومية.
إذ شهدنا في اليوم الذي إندلع فيه الانفجار كيف صور الناس الحدث باختلاف أوضاعِهم ومواقعهم، كالعروس التي كانت تقف لتصور لحظات زواجها، ومراسم الزواج المنعقدة في أحد الكنائس، وعاملة المنزل والأطفال الذين التقطتهم كاميرا المنزل بالقرب من النافذة وهم يشاهدون الدخان المتصاعد من بعيد، والأب الذي يوثق لحظات مخاض زوجته في المشفى، وغيرها من المشاهد التي تُعدّ مصدرًا من مصادر الحياة اليومية والتي أصبحت بمحض الصدفة مصدرًا من مصادر انفجار بيروت.
إذ بدأت بالانتشار على منصات التواصل الاجتماعي بعيدًا عن منصات توثيق الإعلام الرسمي، وتفاعل العالم معها بتعاطف وحزن لتصير دليلًا على الكارثة ورمزًا لتقديم التضامن الانساني والدعم اللوجستي.
البحث أداة رصد التاريخ
تتعدد مصادر الحدث اليومي، ويخيّل وكأن الحقيقة تطفو على سطح بحر معلومات هائلة. ومع اختلاف وتنوع الروايات يؤخذ بالحسبان أن لكل رواية أوجه عديدة. وهذا ما يتضح من خلال عملية كتابة التاريخ ودورها في مهمة البحث والتمحيص والتفسير، بُغية التوصل لأقرب صورة للحقيقة. فيغلب على البحث طابع التأني، في ظل العصر الرقمي والتوثيق السريع للتاريخ الآني وتنوع وسائل الإعلام الجديد.
يمكن اعتبار الإعلام الجديد إذًا مصدرًا من مصادر التاريخ. فما ينشر على منصات التواصل الاجتماعي، يفرُز أمام باحثي التاريخ والعلوم الإنسانية عمومًا مواضيع عديدة ومجالات جديدة، كإمكانية تأثير منصات التواصل الاجتماعي على نمط الحياة اليومية، وأثر توثيق الأحداث المفاجئة في سير الحياة، ومدى تأثيرها على الآخر البعيد جغرافيًا وأحاسيسه الآنية في حال الفرح أو الحزن.
وعلى الرغم من تنوع مصادر توثيق المعلومات التي تفتح آفاقًا عديدة، يبقى البحث الأداة الرئيسة في توثيق التاريخ.