هل يمكن للطاقة النووية أن تشفي المناخ؟

لا يمكن القول إن الطاقة النووية ستعالج مشاكل المناخ، لكنها قد تكون عاملًا مهمًّا لتقليل انبعاثات الغازات الدافئة.

ترتبط الطاقة النووية في العقل الجمعي الإنساني بالدمار؛ لكن تتعالى أصوات مؤخرًا بضرورة التفكير في استخدام الطاقة النووية بصفتها مصدرًا بديلًا عن طاقة الوقود الأحفوري التي تولّد المزيد من الانبعاثات والغازات الدفيئة، وتسهم في رفع درجة حرارة الأرض. هذا الاتجاه -إن أثبت جدواه- قد يمحو ذنوب الطاقة النووية، بل وقد يجعلها بطلًا منقذًا للأرض.

التغيير المناخي تهديدٌ حقيقيّ

إن كان ثمة حدث من المؤكد أن نتائجه ستطال جميع سكان الكرة الأرضية، سيكون قطعًا التغير المناخي الَّذي بدت آثاره الصادمة شديدة الوضوح في جفاف أنهار في عدة مناطق أوربية خاصة الجنوب. شكَّلَ ذلك نوعًا من المفاجأة غير السارة لدى المجتمع الدولي، الذي استفاق على ضعف التدابير التي اتخذتها القارة الأوربية لمواجهة تغيرات المناخ.

ويقرع ناقوس الخطر مع انتشار تحذيرات خبراء المناخ والبيئة من ارتفاع درجة الاحترار العالمي بمعدل 1.5 درجة مئوية في الأعوام بين عامي 2030 و2050، إن استمر هذا التجاهل لارتفاع درجة حرارة الأرض.

في الواقع؛ ليست التحذيرات من التغيرات المناخية وليدة اليوم، فقد بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي، لتتحول بحلول عام 1991 إلى إجماع من ثلثي علماء المناخ والغلاف الجوي على حقيقة الاحتباس الحراري. ويتفق اليوم أكثر من 97% من علماء المناخ على حقيقة وجود تغير مناخي تعاني منه الأرض.

استنتجت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في عام 1995 أنَّ: «ميزان الأدلة يشير إلى وجود تأثير بشري واضح على المناخ العالمي.» وهنا قد يتساءل الكثير عن لوم الإنسان على (تخريب) مناخ الأرض؛ فهل من المقنع أنَّ تلك المسيرة البيئية التي تبلغ ملايين السنين في تقدير العلم، يدمرها الإنسان في آخر مئتي عام فقط؟

الأرض بين العصور الجيولوجية والثورة الصناعية

مرت الأرض –كما هو معروف- بالعديد من العصور الجيولوجية التي تعرضت فيها إلى الكثير من التغيرات المناخية. هذه التغيرات أدت أحيانًا إلى تجمد أجزاء من الكوكب، أو ارتفاع درجة الحرارة بشكل جنوني نتيجة انفجارات بركانية أطلقت حممًا وغازات دفينة أدت إلى زيادة مكثفة في تدفئة الأرض. وأدى ذلك إلى الانقراض الجماعي للمخلوقات التي لم تستطع بنيتها الجسدية ووظائفها الحيوية مواكبة هذا التغير الكبير والمفاجئ في المناخ. 

مثال على ذلك الانفجار الضخم الذي وقع قبل 56 مليون سنة، والذي تسبب في ارتفاع درجة حرارة الأرض بما لا يقل عن خمس درجات مئوية. وعليه فإن الإنسان ليس وحده الـمُلام في ارتفاع درجات حرارة الأرض.

لكن مع بداية الثورة الصناعية، واستخدام الإنسان الفحم الكربوني في تسيير القطارات والمصانع، سجلت محطات الطقس وأجهزة قياس الحرارة في السفن، في منتصف القرن التاسع عشر، ارتفاعًا ملحوظًا في درجات حرارة الأرض، وصل إلى 1.2 درجة مئوية. وازدادت لتصل درجتان مئويتان منذ ستينيات القرن الماضي. هذا الارتفاع الملحوظ والسريع في درجة حرارة الأرض، في فترة زمنية قصيرة نسبيًّا، هو ما أدى إلى أن يبدو الإنسان وكأنه يستعجل دمار كوكبه.

الأرض على صفيح ساخن

تبدو التغيرات المناخية سببًا مباشرًا لحدوث الكوارث الطبيعية. فارتفاع درجات الحرارة سبب رئيس في موجات الحر والجفاف والفيضانات، ناهيك عن حرائق الغابات المتزايدة مؤخرًا، التي طالت دولًا عربية كالجزائر.

قد تؤدي مشاكل الجفاف إلى صراع إقليمي حول الماء في مناطق عدة، لا سيما إفريقيا حيث أنهارها عابرة للحدود، وأيضًا مع جفاف نهري دجلة والفرات في العراق. 

وبينما تنذر قلة المطر في بعض المناطق بكارثة زراعية قد تسبب مجاعة، فزيادة المطر في مناطق أخرى قد يسفر عنها سيول وفيضانات. كما يتسبب تزايد معدل ذوبان الجليد في زيادة منسوب مياه البحار، ومِن ثم يزيد خطر ارتفاع مستوى سطح البحر. ويهدد هذا الارتفاع وجود دول عديدة على رأسها مصر، التي وصفت بأنها المتضرر الأكبر في حال استمر انخفاض ثلثها الشمالي؛ خاصة مع قلة وصول الطمي إلى أراضيها بعد بناء السد العالي. وقد يتعرض إلى هذا التهديد دول أخرى عربية مثل الإمارات والكويت والبحرين، ودول غير عربية مثل الصين وسنغافورة.

عباد الشمس في مواجهة النووي

الفريد في زهرة عباد الشمس لدى استخدامها في مناطق تعرضت لهجمات نووية هو قدرتها على تشرب المواد السامة التي تخلفها تلك الهجمات.

2 مارس، 2022

لن تقتصر التغيرات المناخية وتأثيراتها على الأرض والحالة السلمية للأمم وجودة الحياة فقط؛ بل ربما تؤثر في الصحة العالمية. فإلى جانب نقص التغذية ومخاطر المجاعات، هناك الأوبئة التي قد تنتشر نتيجة تغيرات المناخ. وتوضح التقارير أنَّ سكان آسيا أكثر المتأثرين صحيًّا. 

ويبدو مشهد تأثير التغيرات المناخية في محيطنا العربي مخيفًا أكثر. فدرجة الاحترار في المنطقة العربية تتزايد بنسبة 30% عن بقية مناطق العالم. وهذا يجعل الوطن العربي أشد حساسية للتغيرات المناخية من غيره. فزيادة على ارتفاع الاحترار، هناك الجفاف، وإن كانت نسبة الاحترار أقل في المناطق الساحلية. 

مع ذلك، رغم كل تلك التهديدات، دفعت الحرب الروسية الأوكرانية دولا أوربية كألمانيا إلى الاعتماد على الفحم لتشغيل محطات توليد الكهرباء لمواجهة شح مصادر الطاقة. وهنا نتساءل: هل هناك بديل لتوليد الكهرباء لا يتسبب بالمزيد من الاحترار العالمي؟

هل تعالج الطاقة النووية المشاكل المناخية؟

تنقسم الآراء بشأن إمكانية الإفادة الحقيقية من الطاقة النووية بصفتها مصدرًا للطاقة، فقد تساعد على تثبيت درجة الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، خاصة أنها تمثل اليوم ربع الطاقة النظيفة بالعالم. 

فقد بينت دراسات عديدة مختصة بالطاقة النظيفة أنَّ الطاقة النووية مكمل جيد للطاقة المتجددة، خاصة مع التفكير في الاعتماد على طاقات نظيفة ومتجددة تحسبًا لنفاد مصادر الطاقة الحالية. ويمنح هذا الطاقة النووية حظوةَ التواجد بصفتها مصدر طاقة عالمي يحقق الحياد الكربوني، ويضمن ضعف الإنتاجية للطاقة الحالية بحلول عام 2050.

فهي مصدر طاقة ثابت مع التقلبات المناخية، بعكس الرياح والشمس اللتين تتأثران بالطقس. فمصدرا الطاقة الطبيعييْن -رغم الاستثمارات الحكومية والتكاليف العالية وتكثيف مصادر الطاقة- يمدان العالم بنسبة طاقة 4% فقط.

وبينما تنتج كمية انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل وحدة كهرباء مساوية لتوليد الطاقة من الرياح، وثلث الانبعاثات لكل وحدة كهربائية ناتجة عن الطاقة الشمسية، فمحطات الطاقة النووية لا تنتج أي انبعاثات للغازات المسببة للاحتباس الحراري. بالإضافة إلى أنَّها تشغل أقل من 1% من المساحات اللازمة لتوليد الطاقة من الرياح والشمس. كذلك تكلفة الاستهلاك منخفضة، وهناك إمكانية الإفادة من إعادة تدوير الوقود النووي في توليد الطاقة. ففي فرنسا يضاء مصباح من أصل عشرة مصابيح بالطاقة النووية المولدة من مواد معاد تدويرها، مما يوفر 30% من المواد الخام.

تتمثل معضلة الطاقة النووية في تكلفة إنشاء المحطات النووية وتطويرها، إذ تستهلك ميزانيات ضخمة لاعتماد الحكومات تصميم المحطات لمرة واحدة. ويمكن حل تلك المعضلة جزئيًّا بإنشاء المحطات النووية الصغيرة الموفرة للجهد والوقت والتكلفة. وتتمثل المعضلة الأخرى في ارتفاع تكلفة تخصيب اليورانيوم، وارتباطه بأطماع دول كثيرة في تصنيع الأسلحة النووية، مما يزيد من احتمالية الإرهاب النووي. 

هذا إلى جانب مشكلة النفايات النووية، والمدة الطويلة التي تبقى فيها مشعة. فأهم معضلة أخلاقية عالمية في استخدام هذه الطاقة امتلاء دول إفريقية بنفايات أوربا النووية، وتعامل الدول الأوربية مع القارة الإفريقية مكبًا لنفاياتها النووية.

الطاقة النووية: النشاط الأخضر

بدأت دول أوربية مثل فرنسا بالاعتماد على الطاقة النووية. ففي السبعينيات شرعت فرنسا في توسيع مخطط مركزي شامل لصناعة الطاقة النووية، كي تكسر اعتمادها على النفط الأجنبي. ونتج عن ذلك أنها -في خلال عشر سنوات- استطاعت إنماء اقتصادها بمعدل لم تحققه أي دولة أخرى منذ ذلك الحين. واليوم تستمد فرنسا 70% من طاقتها الكهربائية من الطاقة النووية.

وقد تبدو التجربة الفرنسية مشجعة وآمنة، إلَّا أن الموقف العالمي تجاه الطاقة النووية لا يزال منقسمًا على نفسه. بينما ترفض ألمانيا ونيوزيلندا استخدام الطاقة النووية السلمية، تبدو الهند، بعد رفع حظر منعها من استخدامات الطاقة النووية منذ سنوات، وكأنها أعادت النظر في كيفية استخدامها للطاقة النووية. إذ دخلت في محادثات مع شركة الطاقة الفرنسية (أو دي أف) لبناء محطة طاقة نووية وصفت بأنها الأكبر في العالم

أما أمريكا وكندا فتطوران ما يعرف بـ«المفاعلات النموذجية الصغيرة». بينما سبقت روسيا الجميع، وتشغل اليوم مفاعلات نووية عائمة بالفعل، هذا إلى جانب إدراجها الطاقة النووية في تصنيفها الوطني للأنشطة الاقتصادية المستدامة في مارس عام 2021.

واعترفت الدول الأوربية في يوليو 2022 بالطاقة النووية (بصفته نشاطًا أخضر) ضمن الأنشطة الاقتصادية لدول الاتحاد الأوربي. ويهدف هذا الاعتراف إلى تنشيط الأسواق المالية من خلال الاستثمار في محطات الطاقة النووية على مدار عقدين على الأقل. هذا إضافة إلى تنفيذ خطة الدول الأوربية في خفض انبعاث ثاني أكسيد الكربون إلى صفر بحلول عام 2050 مقارنة بمقدار الانبعاثات في عام 1990. 

وقد بدأت بعض الدول العربية بالفعل تضع هدف الوصول إلى الحياد الكربوني. فالسعودية أعلنت استهدافها الوصول إلى الحياد الكربوني في 2050، وأعلنت الإمارات وصولها هذا الهدف 2050 أيضًا. 

لا يمكن القول إن الطاقة النووية ستعالج مشاكل المناخ، لكنها قد تكون عاملًا مهمًّا لتقليل انبعاثات الغازات الدافئة التي تتسبب بالاحترار المناخي، إن وقِفَ على حلول واقعية وآمنة للتحديات المصاحبة لاستخدامها.  Click To Tweet

ما بدائل الطاقة بعد 2050؟

تطرح احتمالية استمرار القلق من استخدام الطاقة النووية مصدرًا للطاقة تساؤلات عن وجود بدائل أخرى. يبدو الغاز الطبيعي والهيدروجين ثنائيًا واعدًا لتوليد طاقة نظيفة، لكن تظل طاقة قابلة للنفاد، إضافةً إلى تكاليف استخدامهما الباهظة جدًّا قياسًا بمصادر الطاقة الأخرى. لكن الأمل في أن يصبح الهيدروجين الأخضر مستقبلًا خيارًا مناسبًا من الناحية الاقتصادية، لاستخدامه بصفته جزءًا من الوقود. وهو أحد البدائل الموجودة في خطة السعودية والإمارات لتقليل الاعتماد على النفط.

وربما يساعد التطور التقني على تنقية الهواء من غاز ثاني أكسيد الكربون؛ إذ أقرت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا مشروع قانون للبنية التحتية، جاء من ضمن بنوده تمويل مشروعات توليد الطاقة النظيفة بما يبلغ 30 مليون دولار. ومن تلك المشاريع تطوير تقنية التقاط أول أكسيد الكربون من الهواء وعزله، إلى جانب تقنيات التخزين الشبكي الأطول مدى للطاقة.

يوجد كذلك اتجاه للاعتماد على الألواح الشمسية، وتخزين الطاقة بالبطاريات، مما سيرفع إنتاج العالم من الطاقة الشمسية من نسبة 37% في عام 2030 إلى 69% بحلول عام 2050، بحسب فرضية أطلقها علماء دوليون بجامعة لابيرانتا للتقنية بفنلندا. ولو صحت الفرضية، فإن الطاقة الشمسية ستغطي ما يزيد على حاجة العالم من الطاقة الكهربائية.

لكن لا تزال الطاقة المتجددة المتمثلة في صورها المألوفة: الرياح والشمس، الحلول الأكثر قبولًا في العالم، فبالنظر إلى الخطة السعودية في تقليل الاعتماد على النفط نجد أن ملفات الاستدامة والطاقة النظيفة والطاقة النووية السلمية من أبرز القضايا التي طرحتها رؤية 2030. 

وقد جرى اتخاذ خطوات جادة من خلال إطلاق استراتيجية متكاملة بدأتها السعودية ببناء محطة تعمل بالطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، وتصل 200 ألف منزل بالطاقة. إلى جانب تطوير سبع محطات للطاقة الشمسية بتكلفة تصل إلى سبعة مليارات دولار. زيادة على وجود مقترحات من مؤسسات علمية سعودية مثل «مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية» عن الإفادة من طاقة تحويل النفايات، والإفادة من طاقة باطن الأرض بصفتها مصادر للطاقة المتجددة على مستوى السعودية.

مؤتمر المناخ في مصر: هل يجد العالم حلًا؟

تبدو مؤشرات الطاقة المتجددة مبشرة جدًّا في العديد من البلدان العربية؛ فمصر -بحسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة الصادر في 2018- لديها قدرة توليد 53% من حاجتها من الطاقة الكهربية من خلال مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. وسلطنة عمان والمغرب مرشحتان بقوة لتصدر قائمة الدول الأكثر إنتاجًا للطاقة الشمسية وطاقة الرياح على المدى القريب.

وقد بدأت منذ السادس من نوفمبر الجاري جلسات مؤتمر المناخ «كوب 27» (COP27)، في مصر بمدينة شرم الشيخ، ومن المقرر أن يستمر حتى 18 نوفمبر. ومن المتوقع أن تتفق دول العالم في تلك القمة بشأن العديد من القضايا أهمها: مشكلة الاحترار العالمي وانبعاث الغازات الدفيئة ومحاولة تقليل معدل ارتفاع درجة حرارة الأرض عن 1.5 درجة مئوية. 

بالإضافة إلى أخذ خطوات حقيقية للحد من استخدام الوقود الأحفوري، والوفاء بالتزامات قمة المناخ السابقة التي تعهدت بتمويل قدره 100 مليون دولار لخدمة قضية المناخ.

ويعد إطلاق النسخة الثانية من مبادرة الشرق الأوسط الأخضر في السابع من نوفمبر بالتزامن مع مؤتمر المناخ، برئاسة مشتركة بين سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وبمشاركة واسعة من قادة العالم، أملًا حقيقيًّا في التقليل من أضرار التغير المناخي. 

فما يحتاجه العالم اليوم قبل الغد هو الاتحاد في مواجهة قضايا التغيّر المناخي، وأهمها اختيار البديل الأنسب لتوليد الطاقة التي نحافظ بها على صحة المناخ من كل الأمراض التي تسببنا بها.

الاحتباس الحراريالتغير المناخيالطاقة البديلةالمستقبل
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية