كيف نحسن عيش اللحظة الخالدة 🚙

زائد: هل تزعجك رسائل مديرك أثناء إجازتك؟

زرت خالتي مؤخرًا لتناول الإفطار معها. وكعادتها كل صباح، وجدتها تشاهد قناة رؤيا التي تلّون تلفازها كلما حنَّت إلى عمَّان. 

إحدى الأخبار التي عُرضت على رؤيا يومها وضحكنا سويًا عليها كانت عن قرار الحكومة الأسبانية بمخالفة المدراء بغرامة تصل إلى 7500 يورو عند تواصلهم مع موظفيهم أثناء إجازتهم على واتساب أو غيره من تطبيقات التواصل، ضمن قانون «حق الانفصال الرقمي» (Right to Digital Disconnection). 

لا أنكر أنّي منذ أن بدأت حمل مهامي ومدرائي على أجهزتي وفي جيبي، أصبح الخطُّ الفاصل بين حياتي الشخصية والعملية ضبابيًا في بعض الأحيان. لذلك أحاول الآن أن أتواصل بصدق مع من أشاركهم العمل عن حاجتي للفصل بينهما، ورسم حدود توضّح متى وكيف يمكنهم التواصل معي، عليَّ أحفظ حق نفسي بالانفصال الرقمي وأدافع عنه. 

وبغضّ النظر عن الطريقة التي تختارها لضمان حقوقك وراحة بالك، نتمنى لك نهاية أسبوع سعيدة ومنعشة وخالية من رسائل مديرك. 😴

في عددنا اليوم، يكتب محمد الأحمدي عن رحلة قضاها مع أخيه الصغير، دفعته للتفكُّر في أهمّية الحضور الكامل في اللحظات اليوميّة التي ستصبح الماضي الذي نحنُّ إليه يومًا ما. وفي «خيمة السكينة»، تُذكّرك إيمان أسعد بأهمّية التخلّي عن الأشياء المادّية التي تربطك بماضيك ولكن وجودها يثقل كاهلك. وفي «لمحات من الويب»، نودعك مع اقتباس عن الشجاعة التي تتطلَّب الخوف، وعن حاجتنا لدليل مقاسات عربي. 🪡👕 

خالد القحطاني


رسم: الفنان عمران
رسم: الفنان عمران

كيف نحسن عيش اللحظة الخالدة 🚙

محمد الأحمدي

الساعة التاسعة والنصف مساءً، أسير على المسار الأوسط في خط الرياض-القصيم. سرعتي لا تتجاوز المئة كيلومتر؛ عطل في مكينة رفع النافذة جعل الهواء يقتحم السيارة ليصبح ثالث الركاب. يجلس بجانبي أخي الصغير، لم يقل كلمة منذ ربع ساعة. صمته دليل توتره. يقودني حدسي إلى الموازنة بين تركه يتأمل مستقبله والتدخل لإشغاله عنه، فمرة أقول نكتة سخيفة وأخرى أفتح موضوعًا يحلو لنا نقاشه في خط السفر الطويل.

توتر أخي متعلقٌ بوجهتنا؛ فنحن في طريقنا إلى المحافظة التي يُقام فيها اختبار قبوله في إحدى رغبات ما بعد المرحلة الثانوية.

في لحظة سكوتٍ أنظر إلى كوبيّ القهوة بين أيدينا، أسمع صوت طلال وأكاد أتماهى معه لولا هزيز الرياح. وفجأة تخطر ببالي فكرة؛ نحن على مشارف ليلةٍ سنستذكرها خلال فترة قصيرة، بل قد تتحول تفاصيلها إلى محور ضحكاتٍ طويلة للسنين القادمة.

حوت تلك الليلة مقومات تجعلها تتحول إلى ذكرى خالدة: وجهة مصيرية تحمل نتيجة مجهولة، ورحلة طويلة تستفز التأمل الذي تنتج عنه جلسات المصارحة، وظروف غير مثالية، وغيرها. قادتني هذه الفكرة إلى تساؤل: ماذا لو أدركنا أننا نعيش ذكرياتنا التي سوف نحنُّ لها، ونحن في خضم عيشها؟

أظن النتيجة واحدةٌ من اثنتين: إما أن نتحول إلى الشخصية المزعجة التي تعلن لمن حولها أنهم يعيشون لحظة مميزة، غير مدركة أنها بإعلانها هذا قد أفسدت اللحظة، أو ننمي حساسية تلقائية لمثل هذه اللحظات ونُحْسِن عيشها.

رحلتنا لم تكن حماسية، ولا ترقى لتكون «جدول» بلغة أخي الصغير، ومع هذا كان الجو غامرًا ساحرًا. حتى التفاصيل المملة لها طعمها، ناهيك عن الترقب والتفكير بالاحتمالات اللانهائية المنطلقة -ويا للسخرية- من الحدود المكانية للمحافظة والحدود الزمانية لتلك الليلة.

طبيعة المكان الهادئة، بالإضافة إلى أول إجازة لي منذ نوفمبر الماضي، جذباني إلى هذه المساحة التأملية. وجدت نفسي في مكان ساعاته متمهلة، بلا لاب توب عمل، وليس عندي هدفٌ غير دعم أخي متى ما احتاجني. هذا الانتقال إلى الهامش أجبرني على تهدئة السرعة، مثلما أجبرني الزجاج غير المغلق على تهدئة سرعة سيارتي، لأعيش ليلة فريدة لا عميل فيها ولا عمل.

يحمل هذا الكلام قدرًا غير يسير من الرومانسية، وفيه نظرة بعدسة وردية اللون، وأعرف سخافته في بعض المواقف التي يستحيل تطبيقه فيها. مع هذا أرى تقصيرنا يتنامى في تقدير اللحظة، وكأننا نرفض احتمالية أن الزجاج الذي يرفض الانغلاق هو دعوة للحضور الكامل والسير بهدوء.

يقودني هذا إلى فكرة استحقاق الذكريات العادية لأن تصبح شيئًا نحنُّ إليه، فنحن تمر بنا أيامٌ كثيرة دون إدراكٍ أننا نعيش اللحظات التي ستتحول إلى نوستالجيا خلال بضع سنوات. بل لو فتشنا في ذكرياتنا لوجدنا نسبةً لا يُستهان بها تتسم بالعادية مثل جلسةٍ مع صديق، أو سفرة مع أخ.

هذه النوستالجيا تعزز شعور الفرد منا بالمعنى والسعادة والاتصال الاجتماعي بالآخرين، لا سيما حينما تُستحضَر عنوةً. لذا لعل إحساسنا باللحظات واستحضارها المستمر يساعدنا على عيش حياةٍ أغنى وأكثر امتلاءً، وتدفعنا باستمرار إلى صنع المزيد من اللحظات دون إدراكٍ واعٍ منا لحقيقة صنعنا إياها.

في عودتنا نهار اليوم التالي زفَّنا عبادي بدل طلال، وأمسكنا بأكواب العصير بدل القهوة، واعتراني إحساسٌ فيه نفحة حنين راضية ومشوبة بحزنٍ خفيف بدل الترقّب والقلق. رغبت في معرفة إن كان أخي قد مرَّ بإحساسي نفسه دون فضح نيتي، فقلت بعد انتهاء نقاش محتدمٍ بيننا: «تتوقع بعد عشر سنوات عيالنا بيروحون مشوار مثل هذا ويتكلمون عننا مثل ما نتكلم عن أبويا وعمي الآن؟» فرد: «بعد عشر سنين بكون أنا باقي ما تزوجت يالشايب.» وعقب ضحكة مشتركة فكّرت بأن في إشارته لعمري تنبيهٌ إضافي إلى أهمية عيش مثل تلك الليالي الخالدة.


عملاؤك يستاهلون تجربة شراء سهلة وذكية.

توصيل لكل العالم، وتعامل بكل العملات، وربط مع مختلف التطبيقات، ومئات المزايا الأخرى التي تساعدك على توسيع نطاق تجارتك للعالمية. 🌎

سجّل في سلّة، وانقل تجارتك إلى المستوى الذي تستحقّه.


Giphy
Giphy

فن التخلي عن الأغراض!

القطار سيفوتك، تحمل حقائب عزيزة عليك لأنها إرثك من أبيك، غير أنَّ تمسكك بها يثقلك. فماذا تفعل؟ إن أردت فعلًا اللحاق بالقطار سترمي بتلك الحقائب. هل رميك إياها يعني أنَّك تخليت عن حبك لأبيك، أم يعني أنك تخليت عن التشبث باعتقادك أنه لا يزال معك؟

هذه الصورة الاستعارية التي ختم بها ويس أندرسون فلمه «ذ دارجيلنق ليمتد» قد تمتد إلى أي شيء ما عاد له وجود حقيقي في حياتنا، لكننا نتشبث باعتقادنا أنه لا يزال معنا. وهذا التشبث يثقل كاهلنا ويبطئ حركتنا دون أن نشعر. 

منذ شاهدت الفلم بدأت مرحلة تعزيل غرفة النوم ومحترف الكتابة. تخلصت من سجادة يوقا لها معزة خاصة لأنها شاركتني سنوات في حصص اليوقا، وقد اشتريتها من ألمانيا. لكن ما عادت تنفع بعدما «نتَّفها» قطي دعبول. وظلَّت مركونة على الحائط ثمانية أشهر، هي الفترة التي انقطعت فيها عن النادي. 

في محترف الكتابة لديَّ كراتين ملونة تتضمن كل منها الصفحات المطبوعة باللغة الأصلية لرواية ترجمتها، حيث كتبت الملاحظات وتواريخ البداية والنهاية وما بينهما ومعاني المفردات وشخبطت عليها بالرصاص والحبر الأحمر. 

احتفظت بها لسنوات؛ لكنها مجرد كراتين يتراكم عليها الغبار وتحتل ركنًا من الاستوديو، متى متُّ لن يجد عليها أحد أي شيء يستحق الحفظ والنشر. لكني أتشبث بها لأنها جزء من ماضٍ لا يزال مستمرًا، لأنها تذكرني بالجهد الذي بذلته والساعات التي قضيتها ما بين استمتاع وإجهاد. لأنها تخدعني إلى الاعتقاد أنَّ قراري قضاء أعوام في الترجمة للآخرين بدل الكتابة لنفسي قرارٌ صائب. 

في حياتك أغراض تستحق الاحتفاظ بها، وأغراض ربما آن الأوان أن ترمي بها وتتخفَّف. ❤️🚂

إعداد🧶

إيمان أسعد



نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+40 متابع في آخر 7 أيام