خدعة الحنين لدى جيل الطيبين

لا أنكر أنّي أستمتع بالمحتوى الذي يستغل حنيني إلى الماضي، ولا سيما إلى التقنية التي اندثرت، لكني بدأت أُدرك أن هذا الشعور متحيّز.

أنشأتُ حسابي على إنستقرام في 2014، حينما كانت المنصة مكتفية بصور مربّعة وفيديوهات لا تتجاوز خمس عشرة ثانية، وضمن دائرة معارفك. لكن بعد مرور تسع سنوات تطوّر إنستقرام كثيرًا، ليركّز على «الريلز»، ويعدّل الخوارزميات بحيث يشاركك محتوى من هم خارج دائرتك. 

وبالطبع غيّرت هذه التحديثات طبيعة التفاعل مع التطبيق، وأثارت في نفوس المستخدمين القدامى (وأنا منهم) شعورًا بالحنين للنسخة القديمة منه. فانبثقت حملة تطالب بعودة «إنستقرام القديم» وإيقاف تحويله إلى تك توك، ونالت أكثر من مليوني إعجاب من ضمنهم أكبر مؤثري المنصة. ورغم أني أشارك الحملة هذا الحنين، إلا أنَّ ذلك لا يعني أن مطالبتنا في محلها

فشعورنا المتحيّز بالحنين لـ«إنستقرام القديم» غير دقيق، إذ يخدعنا إلى تصوّر مثاليّة النسخ السابقة منه وخلوّها من العيوب، رغم أنها لم تكن كذلك في الواقع. ولهذا الشعور تعريفٌ يُسمّى «انحياز الحنين» (notalgia bias).

يدفعنا هذا الانحياز نحو الارتباط العاطفي بالماضي، وغالبًا ما يجعلنا نتذكّر التجارِب السابقة بحميمية وإيجابية أكبر مما كانت عليه في الواقع. كما يمكن أن يؤدي إلى المبالغة في الذكريات الإيجابية وتقليل حدة الذكريات السلبية. ولهذا السبب يُسمّى أيضًا بالانحياز الوردي (rosy retrospection)؛ أي النظر للماضي بـ«عدسات ورديّة».

وأثبت الحنين إلى الماضي أنه عنصر فعّال في محتوى التواصل الاجتماعي، إذ انتشرت عادات تويترية وإنستقرامية وحتى تكتوكيّة تحتفي بذكريات الماضي الجميل، مثل الوسم #جيل-الطيبين. تحت هذا الوسم يشتاق أبناء الثمانينيات إلى التلفاز القديم وتحريك الإريال على السطح، ويشتاق مواليد التسعينيات إلى بساطة أيام جوّال نوكيا. 

محتوى الحنين جعل الشركات تدرك إلى أي مدى «تحيز الحنين» حافزٌ قوي، وأخذت تسخّره في تسويق منتجاتها. فمثلًا، استفادت «بوكيمون قو» (Pokémon Go) من ارتباط اللاعبين بذكريات «بوكيمون» الدافئة من طفولتهم، والنتيجة: أكثر من مليار تحميل بحلول مايو 2018. مبيعات ماكدونالدز في الربع الأخير من العام الماضي في أمريكا ارتفعت 10% بعد تسويق وجبة «هابي ميل» للكبار تحتوي نسخًا محدودة من الألعاب القديمة. 

لا أنكر أنّي أستمتع بالمحتوى الذي يستغل حنيني إلى الماضي، ولا سيما إلى التقنية التي اندثرت، لكني بدأت أُدرك أن هذا الشعور متحيّز ولا يصدق دائمًا. فمن المستحيل أن يقبل أحد من مواليد الثمانينيات العودة إلى التلفاز القديم، ويقبل أحد من مواليد التسعينيات باستخدام جوال نوكيا، وبالتأكيد لو عاد إنستقرام القديم فلن يقبل بعودته أحد، وأنا منهم. سنكتفي فقط بتذكّر أوقاتنا معه في المستقبل تحت وسم #جيل-الطيبين.

الإنسانالتقنيةوسائل التواصل الاجتماعيالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+430 متابع في آخر 7 أيام