ماذا تقرأ لكافكا 🤔
كيف نقرأ كافكا؟ أو بالأحرى: ماذا نقرأ لكافكا؟ شخصيًا لا أملك أيّ جوابٍ، لكن لديّ مقترح.
ماذا تقرأ لكافكا
يبدو عنوان هذا المقال، من البداية، منطويًا على مفارقات كثيرة، وقد يثير الكثير من التساؤل، إن لم يُثر الاستنكار؛ فكافكا آخرُ كاتبٍ قد نجرؤ على ادّعاء أنّه غير مقروء، قياسًا إلى الحضور والتدّاول اللذين يحظى بهما. غير أنّ الحقيقة هي أنّ المؤلِّف الذي تتنازَع ملكيَّتَه أكثرُ من دولةٍ، غير مقروء بالمعنى الفعليّ لكلمة «قراءة»؛ فثمّة شبه إجماعٍ، أو تواطؤ، على مجموعةٍ من المقولات والأفكار التي تجعلنا نتوهّم أنّ كافكا معروفٌ لدينا تحديدًا بوصفه لُغزًا وكاتبًا غامضًا مقروءًا وإن لم يكن بالضّرورة محبوبًا؛ لكنّ جانبًا كبيرًا من الغموض ومن الضّبابيّة في تحديد ملامح كافكا هو نتيجةُ عدم قراءة أو سوء قراءة، أكثر منه نتيجة تعمّقٍ في القراءة والفهم. الحقيقة هي أنّ كافكا غير مقروء لأسبابٍ عدة:
أوّلًا: متن كافكا غير محدود أو محدّد، إنّه رهن النّشرات والطبّعات التي ما انفكّت تتجدّد وتتبدّل، وفي كلّ مرّة «تطلع» لنا صيغةٌ جديدة من نصٍّ منشور، تعيد النّظر في الصّيغة التي قرأناها، ولا أدلَّ على ذلك من يومياته التي اعتنى بنشرها صديقه ماكس برود، وهذا لوحده قصّة تحتاج مقالًا على حدة.
ثانيًا: ماكس برود، الصّديق الذي ائتمنَه كافكا على نصوصه وطلب منه أن يتخلّص منها؛ فحوّلها إلى رأسمال ماديٍّ قبل أن يكون ثقافيًا، وأجرى عليها كلّ أشكال التعديل والتغيير بدعوى إعدادها للنّشر، مع ما تنطوي عليه عبارة «الإعداد للنّشر» من شبهات تزوير وتغيير وتنسيبٍ وتحويلٍ وتوجيه أيديولوجي، هذا دون أن نغْفَل العلاقة النّفسية المعقّدة التي جمعت الصّديقين وتأرجحت وجدانيًّا بين الدّونية والتفوّق. لقد نال برود من الاعتراف في زمنه أضعاف ما ناله كافكا، ولكنّه كان على يقينٍ من أنّ صديقه يتفوّق عليه تفوّقًا بيّنًا في القيمة الفنيّة والأدبيّة، لذا لم يكن «لعبه» في متن كافكا بريئًا من دوافع لا شعورية، وربّما شعورية، بأنّه صاحب اليد العليا في نهاية المطاف، هو من أجاز النّصوص وهو من «أعدّها للنّشر» وبفضله قرأنا كافكا بالصّورة التي يريدها هو.
ثالثًا: تفرّق النّصوص. صحيح أنّ معظم متن كافكا لدى ماكس برود، لكنَّ كثيرًا من نصوصه يمتلكها آخرون حازوها مباشرةً، شأن الرّسائل التي انتهت إلى فيليس وميلينا وغيرهما، أو نصوص اشتراها ناشرون أو جامعو مخطوطات، ولا أحد استطاع إلى اليوم حصر المخطوطات وجردها في مفصّل «تاريخي» لأعمال كافكا ومن يمتلكها؛ فنحن إذن أمام متنٍ مفتوحٍ ما انفكّ يتجدّد ويتغيّر.
رابعًا: الحقُّ في المخطوط. معلومٌ أنّ مخطوطات كافكا التي كان يملكها ماكس برود انتقلت حيازتها إلى زوجته التي رفضت التنازل عنها أو إطلاع الصحافة عليها، ومِن ثم نحن محكومون إلى اليوم بأن نقيم في المنطقة الوسطى بين المخطوط والنشرة، وهي منطقة مثل الهوّة التي لن تُسد إلّا يوم نطّلع على المخطوطات، وندرك حجم (إن لم نقل فداحة) التدخّل الذي أجراه برود عليها.
خامسًا: وضعيةُ الترجمة. اضطلعت ترجمة نصوص كافكا بنصيبٍ كبيرٍ من سوء الفهم؛ فقد عرفت معظم اللّغات فوضى في ترجمة أعمال كافكا، إذ انتهج معظم المترجمين إزاء نصوصه إستراتيجيّة الانتقاء؛ فترجموا الأشهرَ أو الأكثر تداولًا، واستلّوا النّصوص من مجموعاتها القصصية ونشروها منفردةً. فضلًا عن كون الترجمة قد خلقت أشكالًا مختلفةً من التلقيّ، فصار «التحوّل» مثلًا في الثقافة العربية "مسخًا"، وهي نفسُها القصّة التي دخلت إلى ثقافات بصفتها قصّة رعبٍ، وإلى ثقافات أخرى بصفتها قصّة كوميديّة. كان علينا أن ننتظر زمنًا طويلًا قبل أن يتحقّق وعيٌ فعليٌّ بترجمة أعمال كافكا تجلّى في ترجمات الأستاذ إبراهيم وطفي، وزمرة من المترجمين الذين وعوا أنّ ترجمة كافكا ليست مجرّد عملية نقلٍ من ثقافة إلى ثقافة، بل هي خوضٌ لجملة من إشكالات الفهم والتلقّي.
سادسًا: الكاتبُ- الحالةُ. إنّ كافكا، شأنه شأن نزرٍ قليلٍ من الكتّاب يصدق عليهم توصيف «الحالة الأدبيّة»، ليس كافكا، وبورخيس مجرّد أديبين، إنّهما حالتان أدبيّتان، وأقصد الحالة الأدبيّة التي يتجاوز فيها المؤلّف متنَه، بحيث يصير هو نفسُه موضوعَ تأمّل وتفكير واستثمارٍ لا يشترط بالضّرورة العودة إلى أعماله، بحيث لا عجب في أن نصادف اليوم قراءً بل كتّابًا ونقادًا يستعملون عبارات من قبيل «العالم الكافكاوي» أو «كابوس كافكاوي» أو «حبكة بورخيسيّة»، دون أن يكون الواحد منهم قد اطّلع على نصٍّ من نصوص كافكا أو بورخس. ولعل أحد تجلّيات هذه الحالة الأدبيّة تناسل العناوين التي تستلهم اسم كافكا (قبّعة كافكا، حدائق كافكا، دمية كافكا...).
سابعًا: القراءة في أفق تصوّر مسبقٍ؛ فثمّة سوق تداول واسعة لجملة من المقولات والمسكوكات الجاهزة التي بتنا نتلقّى بها أعمال كافكا ونقرأ عبرها أعماله ونفهم بها أعماله، من قبيل: عقدة الأب والاضطهاد اليهودي والكوابيسية... وهي مقولاتٌ وإن كنّا لا ننكر أهميّتها في فهم بعضٍ من نصوص المؤلّف فإنّها تحجب غالبًا جزءًا مهمًا من فنيّة أعمال كافكا ومن رهاناته الأدبيّة والفكرية والجمالية، وتسهم في تأبيد سوء الفهم أكثر ممّا تعين على تبديده، وهي تتلاشى وتضعف مع كلّ تعمّق في قراءة النّصوص وإعادة قراءتها.
ثامنًا: شهرة النّص أو كيف يجور النصّ الواحد على متنٍ بأكمله؛ وهذه وضعيّةٌ لا تحتاج منّا كثير شرحٍ، ويكفي التّدليل عليها بثلاثة نصوص هي «التحوّل» الذي كاد يحجب المتن القصصيّ برمّته، و«المحاكمة» التي تكاد تكون الرواية الوحيدة المقروءة، ولاسيما أنّها الرواية الوحيدة المكتملة، و«الرّسائل إلى ميلينا» التي حجبت متن رسائل أكبر وأهمّ، ولاسيما رسائله إلى فيليس... إنّ نصوص كافكا الشّهيرة لم تحظَ بشهرتها عبثًا، هي مهمّة وأساسية، لكنّها ليست وحدها الجديرة بالقراءة.
تاسعًا: حالة اللا مكتمل. تكاد حالة اللا اكتمال تخترق متن كافكا من أقصاه إلى أقصاه، فمعظم أعماله غير مكتملٍ، الروايات لم يتم أكثرها، والقصص لم تُنشر لنا بالضّرورة صيغُها الأخيرة، والرسائل كانت تمضي في تدفّقٍ كالنّزيف، ثمّ ما تلبث أن تدخل حالة تعثّر لتنتهي إلى الانقطاع. يرى بعض النّقاد أنّ حالة اللا اكتمال هذه ليست سمة تطبع المتن فحسب؛ فكافكا نفسه لم يكن يقدر أن يعيش مكتملًا، فهو يبدأ مشروعًا حياتيًا (زواج، عمل...) ثمّ لا يلبث أن يتوقّف في منتصفه، لم يكمل شيئًا قط... ومع ميل القراء إلى عدم قراءة الأعمال غير المكتملة فإنّ الإشارة تجدر إلى أنّ عدم اكتمال الأعمال لا يعني أنّها لم تبلغ درجة النّضج الكافي لتصير تحفًا فنيّة عظيمة، ولا أدل على ذلك من سمفونية شوبرت الثامنة!
عاشرًا: الافتتان بالسيرة؛ فلا شكّ أنّ جانبًا كبيرًا من معرفتنا كافكا استقيناه من الأعمال التي كُتبت عنه، ثمّة افتتان بسيرة الرّجل وحالته، افتتانًا يجور على متنه الأدبيّ، ذاك أنّ كثيرًا من القراء يفضّلون قراءة الأعمال التي كُتبت عن كافكا وعن علاقته بأبيه وبالنّساء، على الرّغم من أنّ هذه الأعمال تكاد تجتر المقولات نفسها وتكرّر الأحداث نفسَها، ويضربون صفحًا عن قراءة أعماله، وربّما يكون هذا الافتتان بالسّيرة جزءًا من الافتتان بلغز الكاتب الذي يبدو واضحًا وبسيطًا وسهلًا في سيرته، لكن غامضًا عميقًا يصعبُ كشفُه في أعماله.
عشرةُ أسبابٍ إذن لكي نقول إنّ كافكا غير مقروء، وربّما نواصل الأسباب حتّى تتعدّى العشرة بكثير. لكن ماذا عن السؤال الأهمّ: كيف نقرأ كافكا؟ أو بالأحرى: ماذا نقرأ لكافكا؟ شخصيًا لا أملك أيّ جوابٍ، لكن لديّ مقترح. أنّبه أوّلًا على أنّنا لا ينبغي أن نقرأ كافكا قراءة «الواجب»، بل نصاحب أعمالَه، ونقرؤها على مهلٍ، ونقاربه في كلّ مرّة مقاربة الاكتشاف لا مقاربة المعرفة المسبقة. أمّا مقترحي، المغرق في الذّاتية، والمرتبط بمحدودية قراءتي لأعمال كافكا، فهو الآتي:
سبعة نصوص لا مندوحة عنها، هي النّصوص التي تخترق متن كافكا من أقصاه إلى أقصاه، وتعبّر عنه تعبيرًا دقيقًا: «أمام بوابة القانون» و«الحُكم» و«التحوّل» و«المحاكمة» و«رسالة إلى الوالد» و«في مستوطنة العقاب» و«الرسائل إلى ميلينا».
وسبعة نصوص لمن أراد أن يكتشف كافكا الآخر، كافكا الأجمل: «القلعة» و«يوزيفينة المغنيّة» و«فنان جوع» و«بنات آوى وعرب» و«أفوريزمات زاورو» و«الوقّاد».
فاصل ⏸️
حازت الكاتبة الإنقليزية جو كالاجان على جائزة خيال الجريمة المرموقة في المملكة المتحدة لبريطانيا وأيرلندا الشمالية (Theakston Old Peculier 2024) عن روايتها «في غمضة عين» (In the blink of an eye)، وتدور أحداث الرواية حول محقق بشري يعمل مع محقق الذكاء الاصطناعي لحل قضية شخص مفقود.
تعاون الممثل الكندي كيانو ريفز وكاتب الخيال العلمي البريطاني تشاينا ميفيل على تقديم الرواية المشتركة بينهما التي تحمل عنوان «كتاب في مكان آخر» (The Book of Elsewhere) وتدور أحداثها حول جندي خالد لا يستطيع الموت، يبلغ من العمر 80 ألف سنة، ويتأمل طبيعة وجوده.
أعلنت «هيئة الأدب والنشر والترجمة» قائمة الأبحاث الفائزة بمنح «الدراسات البحثية في أدب الأطفال واليافعين»، التي غايتها تسهيل عمل الباحث، وتمكينه من أدواته؛ لإنتاج أبحاث تتصف بالجودة والمنفعة، والقدرة على قراءة النتاج الأدبي الموجه للطفل، ومن ثم تقييمه، والعمل على تطويره.
تصدر قريبًا عن دار الكتب خان رواية «كل ما أحببته» للكاتبة والروائية الأمريكية سيري هوستفيدت زوجة الروائي الشهير بول أوستر، التي سبق أن فازت بجائزة لوس آنجلس للكتاب في فرع الرواية، ورُشِّحت لجائزة مان بوكر الدولية. تصور الرواية تعقيدات العلاقات الإنسانية وعلاقات الحبّ على وجه الخصوص.
توصيات النشرة من ميمونة عبدالله:
قوة العادات، تشارلز دويق
كتاب ممتلىء بالقصص القيمة التي يحاول الكاتب من خلالها أن يثبت أن العادات تشكل قوة لا يمكن هزيمتها. تحدث الكاتب عن العادات من ثلاثة جوانب وسماها «عادات الأفراد» و«عادات الشركات» و«عادات المجتمعات»، وفسّر كل عادة وكيفية نشوئها بعدد من القصص والأمثلة التي تقرب المعنى إلى ذهن القارئ وتمتعه.
من جيد إلى عظيم، جيم كولينز
هذا الكتاب كما يذكر الكاتب هو نتيجة تعاون 21 باحثًا اشتغلوا سنوات وشهورًا طويلة وما يعادل 15 ألف ساعة عمل، وهو من الكتب الرائدة في مجال إدارة الأعمال والتحول المؤسسي. ويعرفنا الكتاب إلى المبادئ الخالدة والخطوات الأساسية لانتقال المنظمة أو الشركة من المستوى الجيد إلى المستوى العظيم، وقسّمها إلى «انضباط الأفراد» و«انضباط الأفكار» و«انضباط الأفعال».
فن اللامبالاة، مارك مانسون
كتاب فن اللامبالاة من أجمل كتب التنمية الذاتية التي قرأتها، وأظن أنه لا بد أن الجميع سمعوا عنه وإن لم يقرؤوه. الكتاب يدفعنا إلى التخلي عن الإيجابية الزائفة والتماهي مع الأحلام المستحيلة والأوهام، ويحثنا على مواجهة مخاوفنا وفشلنا وذواتنا بدل الهرب منها إلى الأحلام والأوهام.
أغنى رجل في بابل، جورج كلاسون
يخبرنا الكتاب بأن ازدهار الدول يعتمد في المقام الأول على الازدهار المالي لكل شخص فيها، ويحاول إرشادنا إلى الطرائق الممكنة لتحقيق الثراء والوصول إلى الازدهار المالي. كما يقدم أفكارًا قيمة للنجاح المالي وكيفية كسب المال والمحافظة عليه وجعل الفائض منه طريقة لجني المزيد من الأموال.
سواء كنت صديقًا للكتب أو كنت ممن لا يشتريها إلا من معارض الكتاب، هذه النشرة ستجدد شغفك بالقراءة وترافقك في رحلتها. تصلك كلّ أربعاء بمراجعات كتب، توصيات، اقتباسات... إلخ.