كيف تستفيد من الكتب التي تقرؤها 🤷📚
ليس الكتاب الجيد جيدًا (أو السيئ سيئًا) عطفًا على محتواه كما لو أن العلاقة بين المحتوى والقارئ خطية، بل هو يكتسب حكم الجودة قياسًا على ما يستثيره فينا.
كيف تستفيد من الكتب التي تقرؤها 🤷📚
تمُر على كل ممارس جاد لأي نشاط لحظةٌ يتساءل فيها: ما مدى صحة ممارستي؟ وعادة تعقب هذا التساؤل محاولة التأكد من صحتها فعلًا، سواء أكان ذاك من خلال مراجعة النتائج التي يتحصل عليها الفرد نفسه، أو الاطلاع على تجارب الآخرين وآرائهم حول الممارسة، أو ربما من خلال إعادة تعريف الأهداف الشخصية من ورائها.
وفي حين يسهل التحقق من صحة الممارسات التي تثمر عن نتائج ملموسة، كإنقاص الوزن أو إتقان طبخ كبسة الدجاج، فإن هنالك ممارسات توقعنا في حيرة حقيقية إزاء الكيفية المثلى التي ينبغي علينا اتباعها إذا أردنا تحصيل الفائدة القصوى. وبما أنكم تقرؤون هذه السطور في نشرة إلخ، من الواضح أني سأستشهد بالقراءة مثالًا على إحدى هذه الممارسات، بحيث يصبح السؤال الملحّ على القارئ: كيف أتأكد من صحة قراءتي؟ أو بالأحرى: كيف أستفيد من كتابٍ ما؟
يشكل هذا السؤال نواة مقالة سي إس لويس المطولة تجربة في النقد. يمكن تلخيص أطروحة المقالة بكونها تتناول العلاقة المتذبذبة بين الأعمال الأدبية والنقد من خلال ما يسميه لويس القراءة الجيدة والقراءة السيئة، بعيدًا عما يتعلق بالأحكام القيمية المطلقة. قد يخيِّل هذا الملخص للقارئ أن المقالة واحدة من تلك الكتابات التي تؤكد للمرة المليون ضرورة النقد، مسلطةً الضوء على دور الناقد وسلطته، ومحللة عناصر الكتاب التي ينبغي إدراكها لتحصيل الفائدة والقراءة الجيدة. لكن كل ذلك معاكس تمامًا لطرح لويس الذي يعتزم إعادة التقدير إلى دور القارئ نفسه.
تتناول المقالة سؤال جودة القراءة من باب ارتباطها بالقارئ أكثر من ارتباطها بالكِتاب أو بالمؤلف. بعبارة أخرى: بدل أن يتبنى لويس تعريفًا نصّيًا للجودة، أي تعريفًا قائمًا على خصائص النص وتقنياته ومحتوياته، وبدل ربطه الجودة بمكانة المؤلف، نجده يعيد طرح التعريف من خلال ربطه بعملية القراءة وبما يعتمل في القارئ. وبذا يصف القراءة بالجيدة حين تستثير خيال القارئ وذهنه، معمقةً إدراكه للمقروء والحياة معًا. وعلى النقيض منها تكون القراءة سيئةً حين تفشل في تحريك أي شيء فينا.
وليس محتوى الكتاب وحده ما يستثنيه تعريف لويس، بل ذائقة القارئ أيضًا. إن القراءة الجيدة عند لويس ليست شيئًا مبنيًا على أحكام جمالية مطلقة تميز بين القارئ «الحقيقي» وغيره، فلو قرأ تدوينتي هذه مثلًا لاعترض من البداية على استخدامي مفردة «جاد» لوصف الممارسة، ولقال غالبًا إن المفردة مبتذلة ومفرغة من المعنى؛ لأن كل الممارسين جادّون بشكل أو بآخر (وإلا فَلِم يمارسون الشيء أصلًا؟). وبرغم إقرار لويس بوجود أنواع مختلفة من القراء يرفض استخدام «الجدية» معيارًا للتمييز بينهم، مفضِّلًا استخدام أوصاف تركز على طبيعة العلاقة بين القارئ والنص عوض تلك التي تستحضر ميول القارئ واهتماماته.
والوصف الأقرب، رغم عدم دقته كليًا، هو ما يسميه لويس: أدبية القراءة. هناك القارئ الأدبي والقارئ غير الأدبي، القارئ الذي يتوجه للأدب لذاته، والقارئ الذي «يستخدم» الأدب لغرض ما. وانطلاقًا من هذين التصنيفين يحاول لويس تقصي معنى القراءة الجيدة والسيئة عند كل منهما، فليس الكتاب الجيد جيدًا (أو السيئ سيئًا) عطفًا على محتواه كما لو أن العلاقة بين المحتوى والقارئ خطية، ولا عطفًا على موضات الذائقة القرائية، بل هو يكتسب حكم الجودة قياسًا على ما يستثيره فينا.
وهذه الاستثارة بحد ذاتها وليدة إقبالنا على الكِتاب، بتفاوت الخلفيات المعرفية بين مختلف القراء طبعًا. لا أولوية هنا للنظريات أو المدارس الأكاديمية التي تقرر ما ينبغي التركيز عليه في القراءة، ولا أهمية للتصنيفات الهرمية التي تُدرَج الكتب تحتها. ما يطالب لويس القارئ به هو ممارسة النقد بصفته استجابة تفاعلية شخصية قائمة على الانغماس في العمل والسماح له بإملاء أبعاده علينا.
ولهذا الانغماس عند لويس تجليات مختلفة تؤكد التمايز بين القارئ الأدبي وغير الأدبي. ففي حين يكتفي الثاني بقراءة العمل مرة واحدة تعطيه فكرة عن أحداثه ونهايته (وقد تكون من الأساس قراءة منقادة يكرسها أحد النقاد)، يجد القارئ الأدبي نفسه يعاود قراءة المؤلفات التي لامسته كخطوة أساسية في تعميق إدراكه وتوسيع فهمه. وإضافة إلى ذلك، خلافًا للقارئ غير الأدبي الذي يلتجئ لقناعات النقاد وسلطاتهم، ليس للنقد عند القارئ الأدبي أي قيمة إلا من حيث إيمانه بحكمة الناقد نفسه؛ فكل نقد عبارة عن قراءة، والنقد الجيد هو المبني على قراءة جيدة. ففي نهاية المطاف يستحيل لأي نقد أن يقول أكثر مما يقوله الكتاب المعني، وما قيمته إلا في استبصارات الناقد كقارئ فاعل.
ومن هنا يمكن استشفاف دوافع نفور لويس من المناهج التدريسية وما ينجم عنها من ترسيخ موضات قرائية وعادات خاطئة؛ فالمناهج تعلم الطلاب استخدام النص لأغراض مختلفة تهمش قدرة النص على الاعتمال علينا. وبحسب لويس، الأدب، أيًا كان، جزء من عملية تواصل لغوية تتطلب حضورًا خاصًا من القارئ ينبهه على توظيفات اللغة المختلفة لتوليد استجابة وإيصال أفكار متعددة.
من المفيد ذكر نشر المقالة لأول مرة عام 1961، في عز رواج العديد من الأطروحات التي رسمت حدود مشهد النقد الأكاديمي المعاصر. فعلى سبيل المثال: كتاب نورثورب فراي المشهور «تشريح النقد»، الذي يعد من أوائل مؤلفات المدرسة البنيوية، نُشر قبل مقالة لويس بأربعة أعوام، وكتاب «بلاغيات التخييل» لوين بوث نُشر هو الآخر عام 1961، قبل ستة أعوام من نشر «موت المؤلف» لرولان بارت، وقبل أحد عشر عامًا من مقالة «عملية القراءة» لولفقانق إيسر. ومِن ثم تجب علينا رؤية المقالة في سياق جدل محتدم حول الكيفية التي تُقرأ بها الكتب. يميز مقالة لويس أنها نتاج تأملات روائي وقارئ، لا محض أكاديمي مُنظّر، ومِن ثم تسهم في النقاش من زاوية معرفة تجريبية.
لمّا اخترت الاقتباس الاستهلالي أدركت مدى شبهه بعنوان تدوينتي عن ڤونيقت الذي سقط في أثناء عملية التحرير: القراءة بصفتها خروجًا عن الذات. على الرغم من توكيد ڤونيقت ولويس أهمية عزل ذواتنا في أثناء القراءة فإن ذلك يشكل لهما الخطوة الأولى للسماح للعمل الأدبي بالارتباط بنا وإحداث أثره علينا، وهذا مصداق ما يختتم به لويس مقالته: «[في التجربة الأدبية] كما في التعبد وفي الحب وفي العمل الأخلاقي وفي المعرفة، أتجاوز نفسي، ولا أكون أقرب إلى نفسي أكثر إلا حين أفعل ذلك».
فاصل ⏸️
حاز الشاعر السوري علي أحمد سعيد إسبر، المعروف بـ«أدونيس» «جائزة جوان مارقريت العالمية للشعر» (Joan Margarit International Poetry Prize) في دورتها الثانية؛ تقديرًا لجهوده التجديدية التي أحدثها في الشعر العربي. تمنح جائزة جوان مارقريت سنويًا للشعراء الذين أسهموا في ترسيخ الحوار الثقافي بين الحضارات، وقد ظفرت الشاعرة والكاتبة الأميركية شارون أولدز بالجائزة في دورتها الأولى.
حصل الكاتب الليبي الأمريكي هشام مطر على «جائزة جورج أورويل» (The Orwell prize) للكتابة السياسية (فئة الرواية) عن روايته الثالثة في مسيرته والصادرة حديثًا «أصدقائي»، التي تدور أحداثها في المنفى الذي علق فيه ثلاثة أصدقاء ليبيين لأسباب سياسية وبقيت خلفهم عوائلهم وبيوتهم دون سبيل أو أمل بالعودة.
وصلت الكاتبة المصرية إيمان مرسال عن كتابها «في أثر عنايات الزيات» إلى القائمة القصيرة لـ«جائزة جان ميشالسكي للأدب العالمي» (Jan Michalski Prize)، وهي جائزة سويسرية تمنح سنويًا عن عمل أدبي من مختلف أنحاء العالم، قيمتها خمسون ألف فرنك سويسري. ومن المقرر أن تمنح الجائزة للفائز في نوفمبر 2024 خلال حفل في مونتريشر.
تصدر قريبًا للكاتبة الإيرلندية سالي روني رواية «إنترميزو» (Intermezzo)، ومن المقرر نشرها في سبتمبر المقبل في الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من البلدان الأخرى. تحظى الكاتبة بشعبية كبيرة لدى القرّاء بفضل حسها الإنساني وأفكارها المعاصرة.
توصيات النشرة من أميمة حداد:
حياة في الإدارة، غازي القصيبي
كتاب «حياة في الإدارة» لغازي عبد الرحمن القصيبي هو تجسيد لعقلية متفوقة ونظرة ثاقبة تواكب العصر. رغم صدور الكتاب في 2004 فإن آراء القصيبي تبدو كأنها تعكس تطورات اليوم. يتناول الكتاب مجموعة واسعة من الموضوعات من بينها الكهرباء والزراعة. ويعبر عن محاولاته الجادة لتطوير هذه المجالات. القصيبي كان له تأثير كبير في وزارة الصحة حينما عُين وزيرًا بالنيابة، وقد أظهر رؤية إدارية قوية وسعيًا دائمًا إلى التطوير.
أوصي بهذا الكتاب بشدة لعشاق القراءة العميقة الذين يستمتعون بتحليل الأفكار والنقاش حولها.
الكلمة الأقوى لوصف غازي القصيبي هي «أسطورة».
غيث هالة، هالة المرواني
يحكي الكتاب قصة هالة المرواني التي انتصرت على مرض السرطان بقوة إيمانها وصبرها. يعرض الكتاب رحلة هالة المؤثرة منذ تشخيصها حتى بتر ساقها، وكيف تحولت هذه المحنة إلى منحة، حيث زادها الإيمان والتفاؤل. يصف الكتاب مشاعرها العميقة وتجربتها الروحية، ويسلط الضوء على أهمية الدعم العاطفي والديني في مواجهة الأمراض. تميز الكتاب بتقديم معلومات علمية مفيدة حول مرض السرطان، وهذا يجعله مرجعًا قيّمًا للمحاربين وأسرهم. إضافة إلى ذلك يشكر الكتاب كل من دعم هالة في رحلتها، ويبعث برسالة أمل إلى كل قارئ.
تقولُ هالة عندما بُترت ساقها: علمتُ أن ساقي سبقتني إلى الجنان؛ فهي أمانة من عند الله واستردها، فعليّ الحذر من الجزع والسخط. بعدَ ثلاثِ سنوات تغيّرت هالة فيها كثيرًا حتى أصبحت كشمسٍ ساطعة لم يقدر رجوع المرض على أن يقف صامدًا أمام قوةِ هذه الشمس أكثر من ثمانية شهور حتى ذهب ثانية.
الكتاب في طياته كثيرٌ من المشاعر الدفينة، وكثيرٌ من الدمعات المتسربة، وكثيرٌ من انكماشات الجبين نتيجة ألم في الوريد الأكبر. هالة في كتابها لم تقتصر فقط على حكايتها، بل أدلت بما هو مفيد وسلس حول معلومات «مرض السرطان»، ووجهت تحيات كثيرة لمن أخذتهم غُصنًا تتكئ عليهم ليكون في قلبي جزيل الشكر لهم. حلّت و«سكّرت» أفواه مُحاربي السرطان بابتسامة نتيجة كلامها العذب وتوصياتها الجليلة.
«غيث هالة» ليس مجرد كتاب، بل هو مصدر إلهام وقوة.
الطنطورية، رضوى عاشور
تحكي رواية «الطنطورية» قصة رقية التي هُجّرت من أرضها في الطنطورة، وتأخذها الأيام إلى محطات عديدة بين لبنان وأبوظبي والإسكندرية. سطّرت رقية معاناة المنفيين جميعهم في هذه الرحلة، وتحدثت عن المجازر التي حدثت لهم، وعن أهل المخيمات والمفتاح المعلق على رقاب سِتات البيوت. كتبت رضوى عاشور بقلم صادق وإنساني، وهذا جعلني أشعر وكأنني أقف على شاطئ بحر الطنطورة.
«الطنطورية» ليست مجرد رواية، بل هي شهادة حيّة على الصمود في وجه المعاناة.الكشف عن إنسانيتنا المشتركة حتى نتمكن من رؤية أنفسنا بشكل أوضح.
لأنك الله: رحلة إلى السماء السابعة، علي جابر الفيفي
كتاب يتحدث بعمق عن أسماء الله الحسنى، ويأخذنا جابر الفيفي في رحلة إلى السماء السابعة بصحبة أسماء الله الحسنى، والجميل في الكتاب أنه يربط المعاني بالحياة الواقعية التي نعيشها اليوم بالأحاديث والآيات القرآنية. كتاب استشعرت فيه مدى قرب الله في اسمه الرقيب وعظمته في اسمه العظيم. وأسلوب الكاتب يأسر القلب ويوصلك إلى مرحلة السلام النفسي مع كل اسم بأسلوب شيّق وجيز وبسيط يناسب جميع المستويات. بعد انتهاء الكتاب سيكون دعاؤك بطريقة تشعر فيها بمدى قرب الله منك ورحمته سبحانه وتعالى بك؛ فهو قريب لا تحتاج حتى تصل إليه إلا إلى أن يخطر ببالك، وأن تشعر بقربه، وأن تحس بأنه يراك، ثم تقول: يا الله.
سواء كنت صديقًا للكتب أو كنت ممن لا يشتريها إلا من معارض الكتاب، هذه النشرة ستجدد شغفك بالقراءة وترافقك في رحلتها. تصلك كلّ أربعاء بمراجعات كتب، توصيات، اقتباسات... إلخ.