كلب ينبح ليقتل الوقت

سيعلمك عماد أبو صالح أن حياتك ليست مجرد كلام على ورق بل يمكنك أن تكون «مهندس العالم، حارم القبح من أن يهزم الجمال، ومانع الشر من أن يتسلل إلى الخير».

الشاعر عماد أبو صالح
الشاعر عماد أبو صالح

كلب ينبح ليقتل الوقت

أحمد صالح

من هو عماد أبو صالح؟ 

هو الشاعر الذي شاخ بوقار مثل «عجوز تؤلمه الضحكات» كما عنْوَن أحد إصداراته عام 1997. وهو أيضًا الشاعر الذي لا يعلن عن دواوينه، ينشرها بصمت كما لو أنها صرخة وحيدة في ليالي الشتاء البعيدة.

ربما تقرأ الكثير من الشعر أو تتأمل من نقطة بعيدة ما يكتبه شاعر آخر في زمن آخر، أما عماد أبو صالح فله زمنه الخاص ومكانه الخاص، إذ تختلف المفاهيم الكونية معه؛ فقد تجد للمستضعفين صوتًا يمكنه أن يطغى على صوت القوي، ويمكن للفن أن ينبثق من نقاط الشر لا من نقاط الخير، لكن يمكن لعماد أبو صالح أن يحوِّل أي مفهوم أو مبدأ إلى لحظة تأمل خارج الزمان والمكان، في حالة فريدة وخاصة به تمامًا. 

يسرقك من واقعك ليرمي بك في واقعه المليء لا بالألم فحسب بل بالمتعة في الألم. وقد صدر له عام 2023 ديوان «يا أعمى» المنشور عن دار «أثر» للنشر والتوزيع، وهو يسجل فيه حكمة الشاعر الذي يستهل ديوانه:

يا رب

أنت الذي خلقتني شاعرًا

تعرف أنني أردت أن أكون خبازًا أو نجّارًا

لن يلعنني فم ممتلئ بلقمة من رغيفي

لن يكرهني جسد يرتاح على سرير صنعته بيديّ

أنا لا أعترض على مشيئتك

لكن لا تجعل كلماتي فريسة للناس والزمن

امنحني سكينةَ أن أعيش بلا مدائح ولا شتائم

ارزقني نعمة أن أشيخ بوقار. 

وهذه لوحدها تكفي أن تكون ديوانًا، فماذا يريد الشاعر غير السكينة، رغم أنه يقول في الصفحة رقم 12:

الشاعر يصرخ فورًا حين يتفجر الدم. لا يفرّق بين القاتل ولا القتيل ولا المذنب ولا البريء. ذلك عمل رجال المباحث.

ويمكن القول إنَّ السكينة التي يحلم بها عماد أبو صالح هي مجرد مهدّئ. فاللغة للشاعر مثل الصرخة في جدار الكون؛ فالكون كله ميدانه وعالمه الذي لا يكفّ عن التوسع، ومهما ضاقت به الدنيا فإنه يتمكن من العودة إلى جدرانه الداخلية التي يصدح فيها مثلما شاء وكيفما شاء. والشاعر في نظره لا يضيء إلا في العزلة، في العتمة، يرى في العمى أن الفانوس مهزلة النهار. الشاعر في نظره يمكن أن يكون أي شيء، أي كائن، مثلما يتبدل كائن أسطوري في جلده وهيئته. 

الشاعر في نظره يمكن أن يكون امرأة تحبل وتلد، أو هو الشخص الذي يشعل شمعةً تحت المطر، أو ربما هو كل شيء، هو الليل، اللهب، الوحل، الريح، المطر، العابرون تحت المظلات، من يسخرون من مجنون يشعل شمعة تحت المطر. كما أن الرواية لا تخرج من مقارنته البسيطة مع الشعر إذ يقول: الروائي منهمك في العمل، الشاعر يتأرجح على كتفيه و«يشخبط» على أوراقه.

يمكن القول إن ديوان «يا أعمى» هو حكمة الشاعر بعد البلوغ الشعري، فبلوغ الشعر لا يأتي إلا مع آخر الزمان، حينما يتشبع الشاعر من تجاربه المتعددة ليكون أقوى على فهم كل شيء، مثل فيلسوف ملّ الحياة اليومية فاتخَذ من كهفٍ في الجبل سكنًا يزوره الناس فيه حتى ينهلوا من حكمة اللغة في فمه.

فاختزال الكلمة في الجملة هو ما يجيده عماد أبو صالح، وتصبح دهشة القارئ مثل تحصيلٍ حاصل يأتي سريعًا من انبهار قصيدة النثر في فم عماد أبو صالح. هو مدهش ولا يكف عن إدهاشك، وقد يتحقق حلمك مثلي في ضم دواوينه إلى مكتبك حتى تبقى لك ذخيرةً في الأيام الصعبة، وهذا قد يكون حلمًا بعيد المنال إلا إذا بحثت عنه شخصيًا في أحد مقاهي القاهرة القديمة. 

سوف يرحب بك، ولن يناديك «يا أعمى» مثلما ينادي في ديوانه الأخير. بل سيأخذك إلى عالمه كي تصدق أن الطفل الرضيع يمكنه الكلام، وكي تصدق أن الكلب ربما ينبح لقتل الوقت، وكي تبصم له بالعشرة على أن العجوز تؤلمه الضحكات لا الدموع. وأن الشاعر لا يهدم الأسوار، بل يربي حلمه في البراح. وأن القصيدة لن تكون كاملة إلا حينما لا تكف يدك عن الارتعاش في أثناء كتابتها. وأن الشعر خفة يد ربما تكون لنشّال محترف، أو للاعبٍ مسرحي يسمونه ساحرًا يخطف نظرك بخدعة بينما يطبق عليك بخدعة كونية أكبر. وأن العربي لم يكتب التاريخ إلا بالشعر لا بالكتب والمجلدات. 

هو الذي سيعلمك أن عنترة كان يحب ويحارب فالاثنان معركة. هو الذي سيعلمك أن قيسًا ليس مجنونًا، هو فقط شاعر قرر أن يصرخ بحبه. سيعلمك عماد أبو صالح أن حياتك ليست مجرد كلام على ورق بل يمكنك أن تكون «مهندس العالم، حارم القبح من أن يهزم الجمال، ومانع الشر من أن يتسلل إلى الخير».



  1. تنطلق في الرابع والعشرين من يناير الجاري فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والخمسين تحت شعار «نصنع المعرفة.. نصون الكلمة»، وتحل مملكة النرويج ضيف شرف لهذا العام.

  2. اعترفت الكاتبة اليابانية ري كودان الحائزة على جائزة «أكوتاقاوا» عن أفضل عمل روائي لكاتب جديد واعد بأن نحو 5% من روايتها «برج التعاطف في طوكيو» (The Tokyo Tower of Sympathy) أُنتج بواسطة الذكاء الاصطناعي، وذكرت الكاتبة عزمها على مواصلة الاستفادة من استخدام الذكاء الاصطناعي لكتابة رواياتها المستقبلية!

  3. صدر حديثًا عن منشورات الجمل كتاب «القراءات الخطرة: القوة المؤثّرة للأدب في الأزمنة المضطربة» للكاتبة الإيرانية آذر نفيسي صاحبة كتابي «أن تقرأ لوليتا في طهران» و«أشياء كنت ساكتة عنها»، والكتاب بترجمة متعب فهد الشمري.

  4. صدرت حديثًا عن دار المدى العراقية رواية الكاتب الأمريكي مالكوم لوري «تحت البركان» (Under the Volcano) بترجمة الدكتور عابد إسماعيل.


من هاجر الجهني:

  1. طائرٌ إثر طائر: إرشادات عن الكتابة والحياة، آن لاموت

    هذا الكتاب عبارة عن ورش عمل تدريبية في مجال الكتابة بصفة عامة، وآن لاموت لا تخادعك ولا تُزيّن لك الطريق ولا تقدّم لك وعودًا بأنك ستصبح كاتبًا بارعًا وندًّا لعمالقة الكتّاب. تضع آن لاموت خلاصة تجربتها ومشوارها الطويل في عناوين منظمة وصفحات قصيرة تتجلّى فيها طريقتها السلسة في الكتابة وأسلوبها الفني المميز. 
    تبدأ معك من الصفحات الأولى التافهة، ثم تتوقف لتخبرك بأنَّ الكمال سيدمر كتاباتك ويعوقك عن الإبداع والمرح، ثم تنطلق بك إلى مسودتها ذات الثمانية والعشرين عامًا التي عملت عليها عامين؛ ليصل إليها خطاب من المحرر يبدأ بعبارة: «ربما هذا أصعب خطاب أضطر لكتابته على الإطلاق» لتقول لنفسها أخيرًا عن المسودة المحكمة البناء: «قمتُ بخلق مأدبة جميلة لكنني لـم أدع القارئ أبدًا إلى الجلوس وتناول الطعام؛ لذلك شعر القارئ بالجوع، وبأنَّ الكتاب بدا كأنه منزل دون أساسات ولا عوارض داعمة فراح ينهار على نفسه.» ربما الرسالة الأخيرة التي أرادت أن تخبرنا بها آن لاموت: عليك دائمًا ككاتب أن تعطي من أعمق جزء في نفسك، الجزء الصادق في داخلك، وعليك أن تستمر في العطاء ولا تخَف من أفكارك أو من ماضيك.

  2. عبقرية اللغة، ويندي ليسير

    هذا مشروع مكوّن من خمسة عشر كاتبًا، جميعهم يشتركون في التحدث والكتابة باللغة الإنقليزية بسبب نشأتهم في أحضان هذه اللغة، ويختلفون في لغاتهم الأم. كل كاتب منهم يتحدث عن تأثير لغته الأم على حياته؛ لأن اللغة الأم ليست لغة تتعلق باللسان واللفظ وإنما تتجاوز ذلك لتخبرنا عن الحياة والأفكار والمشاعر، وتنقلنا إلى ثقافة أخرى مختلفة. 
    هذه بهارتي موكرجي الكاتبة الأمريكية من أصل بنقالي تقول: كنا نتكلم «تشالتي» مبهرة بالفلفل الهندي في البيت. وهذا نقويي وا ثيونقو الكاتب الكيني الكبير يخبرنا عن طفولته بأنَّ الحديث بـ«القيكويو» كان يعد جريمة؛ تفلت القيكويو من عقالها كان أكبر ما يرعب المستعمر. يقول: لقد كتبتُ كثيرًا بالإنقليزية ونشرتُ بها وكنتُ مبتهجًا وغارقًا في حياة القيكويو والشعب الإفريقي وثقافته، لكن ثمّة سؤال بدأ يورقني: أنا أكتبُ لمن؟ هذا الكتاب بمقالاته الخمس عشرة بمثابة العودة إلى الجذور، فهو يجعلك تعيش مع كل كاتب مرحلة خاصّة وتجربة فريدة محمّلة بالمشاعر.

  3. هبة الألم: لماذا نُعذّب وما موقفنا من ذلك، بول براند وفيليب يانسي

    يقول فيليب عن الدكتور بول: لقد كانت لدى الدكتور بول وجهة نظر فريدة عن الألم على عكس أي شخص قابلته في حياتي، إذ كان يقول: «الحمد لله على الألم، وإذا كانت هناك هدية واحدة يمكن أن أمنحها لمرضى الجذام، ستكون هبة الألم».
    ما قصة هذا الكتاب؟ هو سيرة ذاتية ومهنية للدكتور بول براند، الذي نشأ كأي طفل سعيد في عائلة محبة في جبال كولي مالاي في الهند لأبوين منصّرين وطبيبين! وبسبب مهنة والديه والحالات المرضية التي عايشها قرر الابتعاد عن مهنة الطب، فكان يقول: الطب ليس لي والألم والمعاناة هما ما أردت تجنبهما! لكن بعد فترة وبعد وفاة والده تصر والدته عليه للعودة إلى الهند، ويضطر إلى أخذ برنامج تدريبي في الطب؛ ليكتشف أنَّ الطب لامس فضوله الطفولي وحبه للبحث والاكتشاف. وتبدأ رحلة مختلفة من حياة الدكتور بول براند مع مرضى الجذام، ومع محاولة فهم الألم وطبيعته. هذا الكتاب كاشف وصادم؛ لأنه يخبرك بأشياء لا تودّ سماعها ولا تتمناها!

  4. أيقظي العبقرية الكامنة في طفلك، شاكونتالا ديفي

    هذا الكتاب ليس كتابًا في التربية؛ إنما في عبقرية التربية! فحتى تستطيع الأم أو الأب على حدٍ سواء تنشئة طفل عبقري، يجب أن تكون الطريقة عبقرية. تخبرنا الكاتبة هنا عكس ما نعتقده نحن البالغين عن الأطفال، وتذكرنا بما ننساه في غالب الأحيان عن أنَّنا نولد مزودين بمعجزة ضخمة، ومستودع لا ينضب من الأفكار قادر على التغلب على أجهزة التقنية وهو المخ. لكن ما الذي يحدث عندما نتعامل مع الأطفال؟ في الغالب نحن نتعامل بشيء من عدم اليقين أو الخوف أو عدم الثقة بأنَّ الطفل يستطيع الفهم، نحن في الواقع لا نثق كثيرًا بقدرات الطفل؛ مما يساهم في تراجعه، وبدلًا من أن ندفعه إلى الأمام نشدّه إلى الخلف. 
    تقدّم الكاتبة مجموعة نصائح قيّمة، محورها: الثقة في قدرة الطفل على التغيير. وتحاول جاهدة كسر الاعتقادات الخاطئة في تفكيرنا وما اعتدنا عليه.

نشرة إلخ
نشرة إلخ
منثمانيةثمانية

لغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.

+340 مشترك في آخر 7 أيام