لماذا نحتاج إلى تعليم أبنائنا الشِّعْر؟

نحن أمة ذات تراث عظيم حري به أن يحيا مع أبنائنا من نعومة أظفارهم ليتمثلوه فصاحة لسان وجسارة إلقاء وسلامة كتابة ورجاحة فكر وشجاعة موقف.

«تزاحم الضيقات في الصدر الرحيب»، في مثل هذه الأيام تبدو أبيات مساعد الرشيدي كأنها تحكيك وأنت ترى كيف يتباهى رئيس وزراء «الديمقراطية الوحيدة» في المنطقة وهو يعرض على حسابهِ في «إكس» فيديو قصيرًا لمجزرةٍ جماعية يُنفذها سلاح كيانه المحتل على التجمعات المدنيَّة المكتظة في غزة. 

ثمَّ تمضي بك أبيات مساعد حتى يقول: «وفي عزّ شدّتها قلبناها ترَف»، فتظهر أمام وجهك صورة الأب الذي يحمل رضيعه الذي رحل لتوِّه بفعل جريمة سلاح الجو الإسرائيلي الذي لم يُبقِ ولم يَذَرْ، ثم تندهش لكلماته التي يُردد فيها حامدًا شاكرًا ممتنًا لربه الذي أعطى ثم اختار رضيعه قبله إلى الجنة. 

هكذا تحيا مع الشعر، هكذا يحكيك في سائر أيامك، ولهذا مثال مدهش في الأحساء. أسرة آل الشيخ مبارك من الأسر القديمة في الأحساء الذين يربون صغارهم على الشعر مع نطقهم لأول كلماتهم، فتجد الفتى الذي أتمَّ عشر سنوات قد أتم معها حفظ المعلقات السبع. حتى إن مجلسهم اليومي بين العشائين لا يكاد يوم منه يخلو من أبياتٍ يرتجلها إلقاءً أحد الفتيان فيه. 

وبينما نعيش اليوم حياتنا مع هواتفنا أكثر من حياتنا مع أهلنا تزخر التطبيقات المختلفة بالشعر وأهله. فعلى «إكس» تجد خالد عون يُصبِّحك باختياراته الفريدة من الشعر الفصيح أو الشعبي، وهو يلقيه كأنه هو نفسه من كتبه. وهذا يمتد من «إكس» إلى عالم تك توك الذي لا حدود له. فهو بمجرد ما يلتقط محبتك للشعر وشغفك به يضعك أمام سيلٍ منه لا ينضب، وهو حري باختيارِ كل ما يناسبك دون غيره من التطبيقات. 

لكن مع كل هذا التماس مع الشعر والحياة معه تجد أنه لا يزال محدود التأثير في إملاء من يدون أبيات الشعر كتابةً على الفيديوات في منصات وسائل التواصل المختلفة. وستجد أن الدراسة النظامية مقلَّة في الإفادة من هذا الموروث العربي الكبير المدهش الذي يُفصح الألسنة ويُعينُ على مكارم الأخلاق. 

هذا ما وجدَت له الأستاذة التونسية ريحان بوزقندا دربًا في حصصها الدراسية. فهي قررت أن تبدو حصتها عن الشعر الجاهلي كأنها تمثيل واقعي لسوق عكاظ أيام العصر الجاهلي، وعلى هذا اختار كل طالب قصيدتهُ وارتقى منبرَهُ وانطلقَ يُلقي شعرًا من شاشة هاتفه على زملائه وكأن سوق عكاظ امتدّت من عصر طرفة وعمرو بن كلثوم حتى عهدنا هذا. 

إنها بهذا تُعينُ على صحة الإلقاء وسلامة النطق والكتابة، وكمثلِ هذا ينبغي أن نكون في بيوتنا قبل أن يخطو أبناؤنا إلى مدارسهم. نحن أمة ذات تراث عظيم حري به أن يحيا مع أبنائنا من نعومة أظفارهم ليتمثلوه فصاحة لسان وجسارة إلقاء وسلامة كتابة ورجاحة فكر وشجاعة موقف. وعلى هذا نستشعر ما يُردده البيت العربي «وينشأُ ناشئُ الفتيانِ مِنَّا/على ما كانَ عوَّدهُ أبوهُ.» 

الثقافةالشعرالمجتمعالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+670 مشترك في آخر 7 أيام