إلى متى سنحتمل جوقة الغثيان في «إم بي سي»

يبرِّر الدكتور علي جابر فشل «ممنوع التجول» باختيار كورونا ثيمةً للعمل، ويغفل عن حقيقة فشل المسلسل بكامل منظومته برعاية «إم بي سي».

في محاولة لاستجلاء أسباب حالة الغثيان الجماعية الناجمة عن مسلسل «ممنوع التجول»، يشخّص مدير إمبراطورية «إم بي سي» الدكتور علي جابر العلَّة بعدم التوفيق في اختيار الموضوع. فكورونا كما يصف بلهجته اللبنانية الخالصة:

مش موضوع نِكت.. مش موضوع كوميدي.. مأساة

هذا التعليق المخيّب سمعناه في لقائه الأخير مع عبد الرحمن أبو مالح في بودكاست فنجان.

بكل ثقة مفرطة يراهن مدير الإمبراطورية في اللقاء على جودة ما يقدمه. فيستند في ذلك على حجم المشاهدات وقيمة الإعلانات، جاعلًا منها فزاعة يهش بها كل من يخالفه. كما لا يأبه لسيل الانتقادات الموضوعية وغير الموضوعية التي تُغرق مواقع التواصل الاجتماعي، وتمنح المسلسل والممثلين والقناة موقعًا متربعًا أعلى «الترند»، بينما يتذيل العمل قائمة الذوق العام.

الواقع المضلل للغة الأرقام 

لا أعلم إن كان الدكتور علي جابر يحيك تعليقه السابق من «مغالطة الكمية» أو ما تسمى بـ«مغالطة ماكنامارا»: «هم يقيسون ما يمكن قياسه بيسر، ويتجاهلون ما لا يمكن أو يصعب قياسه.» ولا أعلم إن كان يحاول توظيف واقع «الكم» كثقب أسود يبتلع حقيقة «تفاهة الكيف».

لغة الأرقام قطعًا لا تكذب، لكنها لا تقول الحقيقة دائمًا، بل كثيرًا ما تستخدم لذبح الحقيقة. فالمسلسل يتحدث عن نفسه بمنتهى الشفافية مستنكرًا لغة الأرقام.

ولا أعلم لماذا يصر الدكتور على توظيف المغالطة مجددًا في معركته الانتقادية، لكن هذه المرة بشكل مثير للشفقة. إذ يحاول إشهار سيف نجومية ناصر القصبي في نحور المنتقدين ليدرأ بها رداءة محتوى العمل. فيتناسى أن نجومية القصبي أصبحت سلاحًا مثلَّمًا ورهانًا غير موثوق به، وفي أفضل حالاته غير مضمون النتائج. 

حقيقةً لا يختلف اثنان على نجومية الفنان الكبير ناصر القصبي وعلو كعبه في الشاشة الخليجية. كما لا يختلف اثنان على رداءة ما يقدمه حاليًا بقيادة المايسترو خلف الحربي وبقية جوقة الغثيان المحاطة برعاية كريمة من مجموعة «إم بي سي». Click To Tweet

آن لناصر القصبي أن يترجَّل

بكل أسف، لم يعد ناصر القصبي الذي نحت لنفسه مكانًا عصيًّا على النسيان في وجدان المشاهد السعودي والخليجي محط ثقة المشاهد. ولم يعد فرس الرهان الرابح في الكوميديا أو الدراما السعودية.

فما يقدمه القصبي حاليًا ممارسة ساديّة في حق تاريخه. ووفقًا لحجم النقد الذي بات لصيقًا باسمه فقد قارب على استنفاد كامل رصيده من الفرص لإثبات أهليته واستحقاقه للساعة الذهبية. ولربما آن له الترجُّل عن صهوة وهمه قبل استنزاف المتبقي من تاريخه الراكد في قعر ذاكرة المشاهدين.

فقد أصبحت عروض التهريج التي تقدمها جوقة الغثيان المنتحلة لصفة الكوميديا المقشة التي تكنس اسم ناصر من ساحة النجومية. فليس من المنطق أبدًا أن يظهر القصبي عامًا تلو الآخر ليتقلد وسام أسمج وأتفه عمل يُعرض على شاشة رمضان. وبدل أن يحظى بتصفيق المشاهدين وثنائهم، يظل يعاني تقريعهم وسخريتهم اللاذعة طوال الشهر.

لماذا «لقيمات» أسوأ من المسلسلات الخليجية التي ينتقدها؟

منذ بدايته في 2012، نُصّب لقيمات جهةً نقديةً تكشف مع كل حلقة سوء المسلسلات الخليجية.

1 يوليو، 2019

أيعقل أن يهوي ناصر القصبي بهذه الطريقة المخجلة؟ أليس من أحدٍ يوقظه ويخبره أنه في سقوط حُر، وأن الرهان لم يعد على الأسماء بل على جودة الأعمال. أيعقل لم يدرك بعد كيف لآفة الشللية أن تفتك بالنجاحات وتطفئ النجوم؟

أليس من أحدٍ يوقف خلف الحربي ويخبره بأنه دخيل على المهنة، ويرجوه باسمنا جميعًا التنحي عن كل ما يخص الدراما.

العلَّة في إدارة «إم بي سي» 

تُبرَّر لنا عروض التهريج التي تُقدم بحجة فقر المحتوى وغياب صُنَّاعِه. لكن حجَّةً كهذه لا تحمي الإمبراطورية من غضبة المشاهد ولا تقيها ردة فعله الساخطة. إذ ببساطة، لا تتّسق هكذا حجة إطلاقًا مع ما تملكه الـ«إم بي سي» من إمكانيات لوجستية ومالية كفيلة بصنع المحتوى الذي تريد.

ويعتقد الدكتور علي جابر أن حلَّ المشكلة يكمن في تطعيم العمل ببعض الكتُّاب والمخرجين الشباب مع سكِّ ملامح المشرف العام خلف الحربي على نصوصهم ورؤاهم. وهذا برأيي تصور قاصر، لأن من يدفع أجرة الزمار يختار اللحن. وبما أنَّ عزف هذه الجوقة أصبح نشازًا خاليًا من أي دهشة تغري بالبقاء أو حتى الحديث عنها بما يليق، فليس من الإنصاف أبدًا بقاؤنا مرتهنين لمن يدفع أجرة الزمار ويعزف النشاز. 

كما من حق الأسماء الشابة المحتزمة بالموهبة الحقيقية والجِديَّة والالتزام والجودة والمواكبة أن تأخذ فرصتها الكاملة. أن تُمنَح فرصة الإمساك بالدفة وإعادة توجيه البوصلة والانطلاق حيث ترى وجهتها، وقيادة المرحلة القادمة دون وصاية على أطروحاتها وتشويه آرائها. فتلك الأسماء أثبتت ولا تزال أنها رهان حقيقي يعي قدر المسؤولية تجاه الجمهور الذي أصبح أكثر وعيًا بما يُقدم وأكثر انتقائية لما يعرض.

لا مستقبل لجوقة الغثيان 

يفترض بنا اليوم رؤية الكُتَّاب الشباب يتصدرون المشهد، لا كأرقامٍ هامشية في ظل المايسترو يضيفهم للجوقة التي أعلنت إفلاسها مرارًا ليثبت أحقيته بتسيد الشاشة. ويفترض بالكُتَّاب الشباب أن يمزجوا ألوانهم الخاصة عوضًا عن كونهم مجرد أداة لإضفاء صبغة جديدة بالكاد يستطيع المشاهد تحسس آثارها لفرط ضآلتها.

كما يجدر بالمايسترو الكف عن الاعتقاد بأن منح الشباب فرصًا هزيلة قادرٌ على مواراة سوأة ما تقدمه جوقته. أو أن رشَّة العطر التي تأتي على استحياء تستطيع الصمود أمام نتانة المضمون.

في تصوري أداء الجوقة السيء ليس عارضًا لمشكلة، بل الجوقة ذاتها هي المشكلة. وليس من حلٍ ناجع يسهم في تعديل مسارها سوى حلّها من جذورها وتطهير الساحة من نشاز منظومتها.

ورغم أني لست من أنصار نظرية المؤامرة، لكن الأمر يصبح كارثيًا إذا ما افترضنا أن كل ما يقدم للمشاهد من تفاهة أمر مقصود. وأنَّ ما نراه على الشاشة معركة وعي ممنهجة لتسطيح العقول وتعطيل بوصلة التفكير المفضية للعمق.

اليوم وفي ظل الرؤية، كل شيءٍ في السعودية أصبح واعدًا ويخطو نحو ميادين المنافسة والرقي والتقدم. كل شيء باستثناء ما تقدمه جوقة الغثيان في «إم بي سي».

التلفزيونالمحتوى العربيالمسلسلاتالثقافةالرأي
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية