ماذا لو كان هناك راتب ثابت طوال الحياة؟
في عام 1926 ولدت هاربر لي (Harper Lee) في ولاية ألاباما لتكون الأصغر بين أربعة إخوة. كبرت هاربر وأرادت أن تتبع درب خطى يطابق درب خطى أبيها الذي كان يعمل كمحامي ومحرر صحفي، لكن الأقدار لم تكن في صالحها. التحقت هاربر بجامعة الولاية لتدرس تخصص القانون، وفي ذات الوقت كانت تكتب لعدة صحف في الجامعة، لكن في نصف مسيرتها قررت التخلي عن حلم الشهادة الجامعية أصبحت تعمل موظفة حجوزات في شركة طيران بنيويورك. أصبحت حياة هاربر بعيدة كل البعد عن المثالية، فهي لم تكمل دراستها الجامعية، ولم تعمل كمحامية وكانت تسافر ذهابًا وإيابًا بين نيويورك وألاباما لتعتني بوالدها، وفوق هذا كلّه، لم يكن لديها وقت لمزاولة الكتابة، والتي هي بالنسبة لهاربر، شغفها الأكبر.
في عام 1926 ولدت هاربر لي (Harper Lee) في ولاية ألاباما لتكون الأصغر بين أربعة إخوة. كبرت هاربر وأرادت أن تتبع درب خطى يطابق درب خطى أبيها الذي كان يعمل كمحامي ومحرر صحفي، لكن الأقدار لم تكن في صالحها. التحقت هاربر بجامعة الولاية لتدرس تخصص القانون، وفي ذات الوقت كانت تكتب لعدة صحف في الجامعة، لكن في نصف مسيرتها قررت التخلي عن حلم الشهادة الجامعية أصبحت تعمل موظفة حجوزات في شركة طيران بنيويورك. أصبحت حياة هاربر بعيدة كل البعد عن المثالية، فهي لم تكمل دراستها الجامعية، ولم تعمل كمحامية وكانت تسافر ذهابًا وإيابًا بين نيويورك وألاباما لتعتني بوالدها، وفوق هذا كلّه، لم يكن لديها وقت لمزاولة الكتابة، والتي هي بالنسبة لهاربر، شغفها الأكبر.
وفي عام 1956، كانت تحتفل هاربر بالكرسميس مع صديقيها مايكل وجودي، لتفاجأ بأن قدّما لها ظرفًا به مبلغ يكفل جميع مصاريفها المعيشية لمدة عامٍ كامل، ومع المبلغ رسالة تقول:”هذا المبلغ يخولك إجازة عام كامل من العمل لتكتبي عن أي شيء تريدينه”.
في ذلك العام، قامت هاربر بكتابة رواية تعد إحدى أفضل روايات القرن (To Kill a Mockingbird). لمدة عام واحد لم تحتج فيه هاربر أن تقلق من الجري خلف لقمة العيش، بأن كان لديها ما يكفي من المال ليبقيها تحت سقف منزل، ويؤمّن طعامًا فوق طاولتها. إزالة همّ البحث خلف أبسط مقوّمات الحياة، كان كفيلًا بأن يفتح آفاق الإبداع لصناعة إحدى الأساطير الأدبية في عصرنا.
ماذا لو؟
ماذا لو سنحت للجميع فرصة أن يُضمن له أساسيات المعيشة؟ ماذا لو كان هناك المزيد من مايكل وجودي بروان؟ ماذا لو كانت الحكومة هي من يضمن لك مرتبًا شهريًا إزاء أنك إنسان. لا يطلب منك أن تقدم شيئًا، وينزل لك المقسوم، نهاية كلّ شهر، ضمانًا لك، أن تعيش مستأمنًا على بيتك وبطنك.
نعود لأميركا. فقد كانت إحدى أوائل المحاولات المسجلة لتطبيق مفهوم الدخل الأساسي، عندما قام أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة توماس ياين (Thomas Paine) تطبيقها آنذاك، ولكن محاولته باءت بالفشل. ولم يكلّ السياسيون من المحاولة، فقام الاقتصادي ميلتون فريدمان (Milton Friedman) بوضع خطة لتطبيق الدخل الأساسي والتي استلهم منها الرئيس الأميركي نيكسون خطة مشابهة، إلا أنّها هي الأخرى، لم تر النور.
تلتها عدة محاولات خجولة من قبل مرشحين رئاسيين آخرين، ولكن لم ينضج أيًا منها إلى مرحلة التطبيق و ملامسة أرض الواقع. في كثير من هذه الحالات استبق الناس فشل الفكرة قبل محاولة تطبيقها. فما يمنعها من التطبيق، هي ذات الفكرة التي تفكّر فيها حاليًا. إذا أعطيناهم فلوس، فلن يعمل أحد!
هل هناك أي محاولة أخرى حديثة؟
الآن، لدينا في السعودية الضمان الاجتماعي، وهو موجود في أغلب دول العالم. ومفهومة الفكرة، ومقبولة لدى الناس والحكومات. هنا، الدخل الأساسي يعتبر صورة من صور الضمان الإجتماعي الذي يقوم بتوفير دخل شهري ثابت، إلاّ أنه غير مشروط، ولجميع المواطنين، وبمبلغ كافي للمسكن والمأكل.
الآن، أميركا حاولت عدة مرات، ولم تر النور. هل هناك أي محاولة أخرى حديثة؟ طبعًا. إنها في فنلندا. فقد قررت حكومة دولة فنلندا اتخاذ طريقة إبداعية لفحص قوانينها بعيدًا عن الاجتماعات وتكون اللجان وما إلى ذلك. قررت فنلندا أن تتبع خطوات فحص التصاميم والمقترحات وتجربتها على أرض الواقع قبل تطبيقها. فيكون ترتيب سَن القوانين كالتالي: فيبدأون بأن يقترحوا فكرة جديدة إبداعية. بعد ذلك، يطبق المقترح على عينة من المواطنين ومن ثم يتم مراجعة نتائج التجربة والحكم في تعميم القانون الجديد أو إلغاءه، قد يأخذ ذلك عدة أشهر، بل سنوات، لكنهم يرونه النظام الأفضل والأسلم.
كانت من أوائل المقترحات التي أرادت الدولة الفنلندية فحصها هي علاقة الدخل الأساسي مع العمل. هل سيساعد المواطنين على الإبداع والاتبكار، عندما يؤمّن لهم الدخل الأساسي؟ وهل سيخلق وظائف جديدة؟أم سيكون حافزًا للتقاعس عن العمل والاعتماد على هذا الدخل؟
بدأ تطبيق التجربة على ألفيْ عاطل وعاطلة، وتستمر مدة هذه التجربة لعامين ليتم استخلاص النتائج التي ستحدد اعتماد الدخل الأساسي كأحد قوانين الدولة. وما تزال التجربة الفنلندية قائمة ومازلنا ننتظر نتائجها.
يتساءل العالم يوميًا عن حل لإنهاء الفقر، والحل ربما يكون توفير الفرص. ويتساءل العالم عن طريقة لتخفيف الجريمة، والحل ربما يكون سد الحاجة. ويتساءل العالم يوميًا عن كيفية تحفيز المبدعين على الإقدام على مشاريعهم وأفكارهم، والحل ربما يكون وسادة الأمان التي يقعون عليها إن فشلوا.