حظر ترمب وتكتل لوبيات منصات التواصل، إلى أين يؤول مستقبل الإنترنت؟

تتخذ منصات التواصل خطوتها في حظر ترمب وجزء من أنصاره، مما يجعلنا نعيد النظر في مفهوم حرية التعبير في الإنترنت وحدود سلطة منصات التواصل.

لا يسع المرء إلا أن يكبت ضحكة قصيرة متى ما اطّلع على لائحة المنصات والتطبيقات التي حظرت ترمب. ففي أعقاب الهجوم الذي طال مجلس الشيوخ الأميركي، وتتالي قرارات حظر الرئيس ومنعه من مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها أبعد ما يكون عن السياسة -كتطبيق «بينترست» (Pinterest)- الظاهر أن هاتفه المحمول صار أشبه بهاتف نوكيا 3310: لا يصلح إلا لتلقي اتصالاتٍ غالبًا ما يتجاهلها.

قد يظن المرء أيضًا أن غيابه النهائي عن تويتر، سيهدئ زوابع الآراء المتضاربة في تطلعنا إلى العشرين من يناير الذي استغرق دهرًا في الوصول. لكن كبريات شركات سيليكون فالي أولعت بقرارها شرارة أكبر، كانت خامدة منذ وقتٍ، لكنها لم تنطفئ أبدًا. 

لا يشبه حظر ترمب حوادث حذف التغريدات المنفصلة التي اعتدناها منذ أشهر، ولا إشعار التحقق من الحقائق تحت كل واحدة منها، بل حظرًا من المنصات، لا للرئيس فحسب، بل لشريحة واسعة من أنصاره المعتقدين بنظرية المؤامرة «كيو آنون» (QAnon). ليُسلّط الضوء على علامة استفهام كبيرة تُرفع منذ وقت طويل حول صلاحيات شركات الإنترنت التي تحميها المادة 230 من قانون أخلاقيات الاتصال لعام 1996.

امتيازات الرئيس في العالم الافتراضي وتبدل المواقف 

استهجن كثيرون قرار الحظر الذي أتى في هذا الوقت بالذات، وأجمعوا أنه جاء بعد أن استفادت منصات التواصل بما يكفي من حضور ترمب ماديًا. إذ جمع حسابه على تويتر مثلًا أكثر من ثمانٍ وثمانين مليون مشترك خلال رئاسته. خلال هذه المدة، عدّلت تويتر وفيسبوك قوانينها أو أصدرت قوانين جديدة لتبرير القرارات التي كثيرًا ما كانت تبدو متحيزة. وأتى هذا القرار بعد إعلان الشركتين في مواقف سابقة، عزمهما على ضمان حرية تعبير ترمب والسياسيين عمومًا.

قبل ثلاث سنوات مثلًا، أصر الرئيس التنفيذي لتويتر، جاك دورسي، على عدم حظر حساب ترمب، بعد أن هدد الأخير كوريا الشمالية بـ«ضغط زر الأسلحة النووية الكبير». حينها أصدر تويتر قرارًا يفضي باستثناء القادة الدوليين من عمليات الإشراف على المحتوى أو الحظر أو الحذف بذريعة أن حظر زعيم عالمي أو حذف تغريداته المثيرة للجدل «قد يؤدي إلى إخفاء المعلومات المهمة التي ينبغي للأفراد رؤيتها ومناقشتها.»

وأضاف تويتر في بلاغه على مدونته الرسمية بأن الحذف لن يؤدي إلى إسكات القادة، ولكنه سيعيق بالتأكيد المناقشة الضرورية حول أقوالهم وأفعالهم. مما دعا المتظاهرين لرفع شعارات تتهم دورسي بالتواطؤ (jack is #complicit@).

وتحت نفس الذريعة، صرّح زوكربيرق قبل أشهر -أثناء المظاهرات المنددة بمقتل جورج فلويد والمنادية بإيقاف تمويل أجهزة الشرطة- أن تغريدات ترمب وإن كانت تترك عنده ردة فعلٍ سلبيٍّة تجاه الخطابات المحرضة، إلا أنه يؤمن أن «الناس ينبغي أن يكونوا قادرين على رؤية هذه [التغريدات] بأنفسهم، إذ لا يمكن مساءلة من هم في مناصب السلطة إلا عندما يُفحص كلامهم علانية.»

حرب افتراضية على التطرف

سحبت منصات التواصل الكبرى البساط من تحت قدمي ترمب في نفس اليوم الذي صار فيه مجلس الشيوخ أزرق، مانحًا إياها فرصة إظهار تأييدها الأيدولوجي للحزب الديمقراطي علانيةً، الحزب الذي كثيرًا ما دعمته بالتبرعات خلال الحملة الانتخابية. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل طال حسابات المؤمنين بنظرية المؤامرة المسماة «كيو آنون»، التي ظهرت أواخر عام 2017 وتشكل شريحة كبيرة من مناصريه. 

ويدعي المعتقدون بالنظرية أن ترمب يخوض حربًا ضروسًا لكشف سلسلة التجارة الجنسية العالمية بالأطفال في صفوف الحزب الديمقراطي. لكن التضييق على وجود هذه الشريحة ليس وليد أحداث هجوم العاصمة، حيث تضافرت جهود كبريات شركات سيليكون فالي منذ 2018 على ريديت، وقبل أشهر على فيسبوك وتويتر ويوتيوب، لوضع حدٍّ لها، وذلك بسبب انتهاكات المناصرين العديدة لسياسات هذه المنصات المناهضة لخطاب الكراهية والدعاية المتزايدة نحو تأجيج العنف.

دفع هذا التضييق مناصري ترمب من جماعات اليمين المتطرف إلى تغيير نهجهم سواء بتبنّي خطاب مشفّر يعيق عمليات المراقبة الآلية للمحتوى، أو الانتقال إلى منصات أقل تضييقًا على حريات التعبير، وذات سياسات مختلفة في الإشراف على المحتوى، كمنصة «بارلر» (Parler).

يميل بعض المحللين إلى مقارنة هذه الحملة بأخرى مماثلة شنّتها منصات التواصل على المنظمات الإرهابية منذ 2014. حيث تشير العديد من الدراسات للأثر الذي يلعبه الحظر والتضييق في تشتيت صفوف التنظيمات الإرهابية والتقليل من قنوات وصولها وتواصلها. 

أظهرت دراسة لبرنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن، أجراها المحلل والباحث في التطرف وتحليل وسائل التواصل الاجتماعي، جي. م. بيرقر، أن تعليق الحسابات يؤثر على الجماعات الإرهابية، ويؤدي لاضطرابات رئيسة في النشر وانخفاض عدد المتابعين. وكشفت دراسة أخرى مشابهة أن جهود منصة ريديت في منع وحصر بعض المنتديات الفرعية (Subrredits) أدت للخفض من معدلات خطاب الكراهية والتشهير بالأقليات في المنصة ككل.

الإرهاب واليمين المتطرف

غير أنَّ مراقبين آخرين يعون الفروقات الجوهرية بين آلية محاربة التطرف الموجه ضد المنظمات الإرهابية أو اليمين المتطرف. ففي ورقة بحثية كتبتها الباحثة المختصة في التطرف والإرهاب السيبراني، مورا كونوي، يكمن الفرق في سهولة التعرف على الجماعات الإرهابية، كونها مسطّرة سلفًا في لوائح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من جهة؛ ولأنها تنشر بتعريفات واضحة وفق أجندة محكمة تحمل صور وأيقونات وشعارات المنظمات من جهة أخرى.

بينما يصعب تعريف الجماعات اليمينية المتطرفة للأسباب نفسها، فهي نادرًا ما تُسطَّر في لوائح الدول (في بريطانيا مثلًا، جماعة «ناشيونال أكشن» (National Action) الجماعة الوحيدة المعرفة كحركة إرهابية يمينية). 

وتؤكد كونوي بأن «الجماعات اليمينية تتألف من تداخل معقد سريع التغير من الأفراد والجماعات والحركات والأحزاب السياسية والأجهزة الإعلامية -سواء على الإنترنت أو خارجه- وتتبنى فيه هذه الأطراف القوميةَ المتطرفة والاشتراكية الوطنية والفاشية وتفوق العرق الأبيض أو أيديولوجية اليمين البديل (Alt-right).»

حتى أن مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)، كريستوفر راي، وصف في شهادته أمام لجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب في سبتمبر الماضي جماعة «كيو آنون» لا بالأيديولوجيا المتطرفة بل «بالأحرى فاعلون وحيدون، متطرفون ذاتيًا إلى حد كبير على الإنترنت، يسعون وراء أهداف سهلة باستخدام أسلحة متوفرة بسهولة.» وأكّد بأن «القانون الأميركي لا يوفر آليات لمكتب التحقيقات الفيدرالي يصنف وفقها المنظمات المحلية لجماعات إرهابية، لكن المكتب يركز على العنف الذي قد تقوم به أي جماعة، لا أيديولوجيتها.» 

يبدو أن كبريات سيليكون فالي تكتّلت لا في حظرها لنشاط الجماعة على منصاتها فحسب، بل تجاوزتها إلى التضييق على المنصات الأخرى مثل «بارلر»، من خلال منع تحميل التطبيق على متاجر آبل وقوقل، وإزالته من خوادم أمازون. الشيء الذي حذّر منه بيرقر ومحللون آخرون، إذ يمكن أن يدفع التضييق غير الممنهج بالمنتمين والمتعاطفين إلى ردود أفعال غير متوقعة، بدل منحهم حرية التعبير المقننة وبالتالي إبقاء قدرة السلطات على المراقبة.

التحيز المسيّس 

بعد حجب «بارلر» حجبًا نهائيًا على يد عمالقة شركات التكنولوجيا، ارتفع الحديث مجددًا حول صلاحيات هذه الشركات التي ترسم استعمالنا للإنترنت وتؤطره. وتبدّت صلاحياتها لا نهائية وقوية في استنادها على المادة 230 من قانون أخلاقيات الاتصال لعام 1996.

لسنوات، بدا جليًا تحيز هذه المنصات للرأي الغالب دونما اعتبار إلى حيثياته. مثالٌ على ذلك حملات حذف الحسابات التي تنفذها شركات التواصل بالتنسيق مع الحكومات، كحذف المحتوى الذي تعده فرنسا معاديًا للسامية، على قدر ما يحمل المفهوم من معنى فضفاض للرئيس ماكرون.

إذ يعدّ انتقاد الصهيونية واستهجان الكيان المبني على التمييز العنصري شكلًا من أشكال معاداة السامية. أو تنفيذها قرارات مشتركة للحكومة الأميركية والإسرائيلية في ذات الآن،  تقضي  بحذف حسابات قادة وناشطين معارضين.

وبناء على ذلك، يعاني الفلسطينيون من حملات حذف وحظر واسعة النطاق، تطال صفحات وكالات الأنباء كوكالة شهاب وشبكة القدس الإخبارية، وكذا حسابات المحررين الذين يفقدون القدرة على الولوج. أحيانًا، يخرج فيسبوك باعتذار يعدّ الحملات خطأ. وفي أحايين كثيرة، تنتهي المنشورات الموثقة لجرائم الاحتلال بأن تحذف نهائيًا، سالبة معها أدلة مهمة لمحاسبة السلطات التعسفية.

سياسات التضييق والإشراف على المحتوى

على يوتيوب، اختفت آلاف المقاطع الموثقة لجرائم الحرب في سوريا، حيث حشرتها الخوارزميات في خانة المحتوى الإرهابي. قبل أن تتولى جهات الإشراف على المحتوى، التي غالبًا ما تكون أطرافًا ثالثة خارج الولايات المتحدة استرجاع  بعضها لاحقًا، بناءً على استئناف أصحابها؛ لكن معظمها غاب نهائيًا عن الإنترنت. ويعني هذا الحذف اختفاء أدلة مهمة لربما كانت السبيل الأخير لتحقيق شيء من العدالة.

ناهيك عن الرقابة المقصودة التي تطال الأقليات العرقية على هذه المنصات. فكثيرًا ما تتعرض المنظمات والجهات المنشغلة بالتثقيف ومحاسبة سطوة البيض وتسليط الضوء على التفاوتات والتمييز العنصري لحملات التضييق على المحتوى الذي تنشره سواء بالحذف أو التبليغات غير الممكن استئنافها.

تجدر الإشارة بأن هذه الشركات تتحفظ على نشر أي شيء يكشف سير عملها في الإشراف على المحتوى، والقوانين والقواعد التي تطبقها في ذلك، وتكتفي بمشاركة شروط الاستخدام العلنية. وبناءً عليه، لا تكتمل الصورة في الدراسات والأبحاث حول مدى تدخل الشركات في المحتوى المنشور

من أين تستمد منصات التواصل الاجتماعي صلاحياتها؟

تنص المادة 230 من قانون أخلاقيات الاتصال الصادر عام 1996 -القانون المؤطر الأسمى والأكبر للإنترنت حتى اللحظة- على «عدم التعامل مع أي مزود أو مستخدم لخدمة الحواسيب التفاعلية كناشرٍ أو ناطقٍ بأية معلومات يقدمها مزود محتوى معلومات آخر». هل بدا هذا التعريف متداخلًا بما لا يسمح بفهمه؟ هذا لأنه كذلك.

تُوصف هذه المادة بالأربع وعشرين كلمة التي صنعت الإنترنت. قبلها، لم يكن المكان غير أداة بدائية وباهظة الاستعمال. لكن المادة أتت لتضمن حماية مزودي أو مستخدمي خدمة الحواسيب التفاعلية -منصات التواصل الكبرى بشكلها الحالي- من أية مسؤولية قانونية تجاه ما ينشره مزود محتوى معلومات آخر- أي نحن، المستخدمون.

أيعقل أن المادة منحت صلاحيات وغطاءً لحرية التعبير أكبر مما يمنحه التعديل الأول من الدستور الأميركي الذي تسري وفقه شركات سيليكون فالي؟ حتمًا أنها فعلت، وهي حرية التعبير نفسها التي سمحت للإنترنت بالازدهار إلى ما  نعرفه اليوم. 

كل تغريدة ننشرها أو صورة لحيواننا الأليف أو تقييمنا المنخفض للمطعم الذي زرناه نهاية الأسبوع الماضي مكفولة تحت هذه المادة، تمامًا مثلما يُكفل حقنا في التنديد بالقرارات السياسية التي نعارضها أو محاسبة من نراهم مسؤولين علنًا. والمناداة بتعديلها بما يوافق أهواء هذا الطرف دون ذاك، أو التهليل بحذف حسابٍ أو مجموعة حسابات –مثلما فعل العديد من المختصين والصحفيين الليبراليين على تويتر– لن يزيد الطين إلا بلة.

تمنح المادة الحق للمنصات في الإشراف على المحتوى حسب قوانينها التي صاغتها داخليًا على مدى سنوات ونتيجة جهود قانونية وتقنية هائلة. لكن الشركات التي فازت بالنصيب الأكبر من الكعكة بداية فورة الإنترنت تستغل هذا النفوذ الآن للتكالب على الشركات الأصغر والتي ترفض نفس نموذج العمل.

«بارلر» بين قوانين الخصوصية وحرية التعبير

هدف «بارلر» مثلًا إلى تعزيز الخصوصية وحرية التعبير، فأخذ على عاتقه التقليل من كمية البيانات التي يجمعها عن المستخدمين. وعلى عكس تويتر وفيسبوك، لم يقيّم التطبيق تفضيلات المستخدمين من أجل تحديد ما ينبغي عليهم رؤيته. 

في النهاية، ألم تكن استراتيجية التفضيلات -الربحية بالأساس- المحفز في صناعة التطرف السيبراني؟ حيث أدى تضييق الاختيارات على المستخدمين وإغراقهم بالمحتوى المتشابه بغية إبقائهم أطول مدة في التطبيق إلى تعريضهم لما يمكن وصفه بغسيل دماغ.

ولم ينبغي لـ«بارلر» أن يكون كبش الفداء؟ بينما نعلم أن العصابات التي داهمت مبنى مجلس الشيوخ وسببت خسائر مادية عظيمة وأودت بحياة خمسة أشخاص، استعملت المنصات الكبرى كيوتيوب وتويتر للتواصل والتنظيم والتجمهر.

لا وجود «لبارلر» على الإنترنت الآن، ويبدو أن تدخل الشركات الكبرى لن يتوقف في وقت قريب، باعثًا عظيم القلق عند رئاسات دول أخرى، كألمانيا. حيث عبرت المستشارة أنقيلا مركل عن رفضها هذا التدخل.

ففي مؤتمر صحفي ببرلين، عبّر المتحدث باسمها، ستيفن سيبرت، بأن المستشارة تجد في الإغلاق الكامل لحساب رئيس منتخب إشكالية كبيرة، وبأن «حقوقًا كحرية التعبير يمكن التدخل فيها، لكن بموجب القانون وضمن الإطار الذي تحدده الهيئات التشريعية، لا وفقًا لقرار شركة.»

الإنترنت وتضييق الحرّيات 

ميركل ليست وحدها القلقة من سطوة شركات الإنترنت، إذ سبقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حينما أكّد -أثناء أشغال منتدى حوكمة الإنترنت التابع للأمم المتحدة عام 2018- على أهمية تنظيم الإنترنت. حاليًّا، يعمل الاتحاد الأوربي على صياغة قانون يمنح أعضاءه سلطة «فكّ» المنصات في حال عدم التزامها بقواعده. لكن ترديد قيادات الدول الكبرى لمثل هذه الآراء دون حذرٍ قد يعطي الحكومات الاستبدادية المسوّغ لمزيدٍ من القمع والتضييق على الحريات.

وحتى وإن توقعنا من الحكومات الاكتفاء بمراقبة المحتوى، لا يبدو أن في وسعها تشييد مؤسسات مختصة في فحص وتمحيص ما يتجاوز خمس مائة ساعة من المحتوى المرفوع في الدقيقة على يوتيوب وحده حسب إحصائية تعود لعام 2019. وأكيدٌ أن الرقم قد تجاوز هذا المعدل بكثيرٍ الآن؛ أو متوسط 6 آلاف  تغريدة في الثانية حول العالم.

تعديل المادة 230

مثلما اتضح، تسعى الأطراف النقيضة لتعديل المادة 230 تحميل منصات الإنترنت مسؤولية ما ينشر ويتداول على صفحاتها. لكن النية خلف ذلك تختلف من طرف لآخر. فبينما يطالب الجمهوريون بتخفيف الخناق على ما يعدّونه انحيازًا ضدهم، ينادي الديمقراطيون بمزيد من المحاسبة في حال الإخلال بتوفير بيئة آمنة وسليمة للنقاش والتبادل، وهو أمرٌ يوافق عليه زوكربيرق نفسه.

فعلى خلاف نظيريه الرئيس التنفيذي لألفابيت، الشركة الأم وراء قوقل، سوندار بيشاي، والرئيس التنفيذي لتويتر، جاك دورسي، صرح زوكربيرق في جلسة استماع عقدتها لجنة التجارة حول المادة 230 بإيمانه بضرورة التعديل. وقال بأن الناس «يرغبون في معرفة ما إذا كانت الشركات تتحمل مسؤولية مكافحة المحتوى المسيء -وخاصة النشاط غير القانوني- على منصاتهم، يودون أن يعرفوا ما إذا كانت المنصات تزيل المحتوى بعدل وشفافية، وفيما إذا كانت تخضع للمساءلة.»

أتت مقترحات الطرفين -الديمقراطي والجمهوري- متعددة، منها مقترح «قانون القضاء على إهمال تقنيات التفاعل المسيء والمتفشي» (EARN IT)، والهادف لإنشاء لجنة حكومية تتألف من مسؤولين إداريين وخبراء خارجيين لتسطير ما وُصف بـ«أفضل الممارسات» لحذف مواد الاستغلال والاعتداء الجنسي للأطفال على الإنترنت.

تلاه مقترح «قانون مساءلة المنصات وشفافية المستهلك» (PACT) الذي يبدو أن زوكربيرق يدعمه في تصريحه الأخير. ويهدف القانون في حال اعتماده إلى إلزام المنصات بتقديم كشوفات لعمليات الإشراف على المحتوى. كما سيحمّل القانون الشركات مسؤولية تقديم محتوى غير قانوني من خلال إجراء تغييرات على المادة 230.

لكن قد يكون للتعديل مخرجات غير محسوبة. فشركة بضخامة فيسبوك قادرة على تحمل مسؤولية قرارات المحاكم ودفع المخالفات، الأمر الذي يختلف فيما يخص الشركات الناشئة أو الصغيرة.

السيطرة على المحتوى ومستقبل الإنترنت

لا يبدو أن النقاش حول المادة 230 سيؤول إلى نتيجة  قريبًا. فحتى وإن انشغل الطرفان –الجمهوري والديمقراطي معًا– قبل الانتخابات في صياغة مقترحات قوانين تهدف لتعديل أو تقويض الدرع الحامي للمادة، يبدو أن الجميع يخطو في رمال متحركة قد تفضي في حال أي قرار خاطئ بالإنترنت إلى الهاوية.

إما إرخاء الخناق كما يطلب الجمهوريون، فينتهي الوضع بالانترنت إلى حفلة ماجنة وحربٍ على الأقليات؛ أو تطبيق قوانين إشراف صارمة على المحتوى،  فتذهب  حريتنا في التعبير أدراج الرياح.

الإشراف على المحتوى مهمة صعبة، خذها مني، أنا التي اشتغلت عامًا كاملًا لصالح منصة تواصل اجتماعي سريعة النمو، تطلبت مني العمل ساعات طويلة ومناوبات ليلية وصباحية متتابعة لمواكبة كم المحتوى الهائل.

خلالها، تفاقم الجدل بيننا نحن المشرفون حول ما ينبغي حذفه أو تركه. فكيف بالأحرى لما يمكن أن يصير إليه الوضع  في فضاء يعج بملايين المستخدمين على مدار الساعة، والذين لا يمكن أن يتفقوا حول ما إذا كان الأبيض أبيضًا أم أسود. فبين طرفي النقيض مساحة شاسعة من الرمادي تشكلها الخلفيات والأيديولوجيات والآراء والمواقف. 

ومثلنا كثيرون حول العالم، معظمهم يشتغلون في ظروف سيئة ويضطرون للتعرض لساعات طويلة من المحتوى المسيء الذي يترك في أنفسهم آثارًا لا يمكن عكسها.

وإلى أن يحسم الجدل فيما إذا كان وجه الإنترنت سيتغير إلى الأبد، تقع المسؤولية على كاهلنا أيضًا، نحن المستخدمون اليوميون لمنصات نحبها ونحب أن نكرهها، في أن نضمن النقاش الهادف ونحمي حريتنا في التعبير من تدخل الحكومات من جهة، وسيطرة تكتلات الشركات الكبرى التي تسيطر على الفضاء لمصالحها الخاصة.

الشبكات الاجتماعيةالمستقبلالواقع الافتراضيحرية التعبيرالسلطة
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية