هل وصلك الإيميل وأنت بصحة جيدة؟

لأنَّ من الصعب نقل مشاعرنا عبر نصوص صماء، نضطر لإدراج بعض العبارات الشكلية، لا لشيءٍ سوى إيحائها بأننا لسنا مشدودي الأعصاب. 

تصفُّح البريد أثناء العمل / ImranCreative

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
3 أغسطس، 2022

كل مرة أكتب «أتمنى أن يصلك هذا الإيميل بصحة جيدة» في ديباجة الرسائل الإلكترونية، أتساءل عن مصير العبارة حين تصبح أمام ناظريْ مستقبل الإيميل. قد يكون قارئها مثلي يتجاهل السطور الترحيبية والختامية، مركزًا على مضمون الرسالة والغرض منها. 

لكن قد يكون قارئها أيضًا مثل أستاذي الجامعي الذي أنذرنا من الحصة الأولى أنه لن يرد على أي إيميل يفتقر لآداب الرسائل الإلكترونية. وبلغ من الوعيد حدًّا جعله يرفق مع خطة المنهج الدراسي قالبًا يستوفي آداب الرسالة المثالية.

قد يُعد الأستاذ حالةً استثنائية، سوى أن أهمية العبارات الشكلية التي شدَّد عليها لا تخفى حتى على مبغضيها. فالحقيقة أنها جزءٌ من معادلة معقدة نسبيًا؛ فالإيميل من أكثر وسائل التواصل رسمية وجدية، واستخدامه في الأوساط المهنية قد يعني ضرورةً أن تكون الرسائل واضحةً بأقل قدر ممكن من الوقاحة و«الميانة». 

ولأنَّ من الصعب نقل مشاعرنا عبر نصوص صماء، نضطر لإدراج بعض العبارات الشكلية، لا لشيءٍ سوى إيحائها بأننا لسنا مشدودي الأعصاب. 

لكن المفارقة تحدث حين تتجلى شكلية تلك العبارات في الحالات التي يستوجب علينا فيها الرد بإيجاز، أو التي تكون جزءًا من أخذ ورد طويلين. مثلًا، استطاع قسم الـتقنية حل مشكلة واجهتك، فترسل: «صباح الخير، نعم لقد حُلّت المشكلة، شكرًا. أطيب التحايا». ليسألك  القسم لاحقًا إن عادت المشكلة، فتجيبه: «مساء الخير، لا، تحياتي». 

إذا جاء جوابك على قسم التقنية «لا» فقط، قد تستحضر معه معانيَ أخرى غير مقصودة. لهذا أنت تحتاج  إلى تدعيم مقصدك عبر التواصل الرسمي في الإيميل بعبارات تخفف من حدته، لا سيما أنَّ استخدام الإيموجيز للتعبير غير وارد. (مع أن للإيموجيز قدرة على مضاعفة حدة المفردات أو التلاعب بها، كالفارق بين «لا 😅» و«لا 🙂».) 

ولعل أحد أوضح السياقات التي تتجلى فيها هذه الشكلية ما يتعلق بهرمية الرتبة الوظيفية. كموظف، إذا كتبتَ تلك الاستهلالات الاحتفائية والالتماسات المبررة والطرح المفصل في إيميل لمديرك، يستطيع مديرك بضميرٍ مرتاح الاقتصار في رده عليك بـ «أوكي». فموقعه في هرمية المنظومة يسمح له بالرد على مرؤوسيه في إيميل خالٍ من آداب الرسائل.

ومن يدري، ربما كانت السلطة الرمزية في إظهار عدم الاهتمام حقًّا بصحتك إن كانت جيدة أم لا، هي ما يغري البعض بالترقي الوظيفي.


مقالات أخرى من نشرة أها!
2 فبراير، 2022

مزاجيَّة التقييم الرقمي

انحسرت الجائحة، وما زلت أفضّل التواصل مع زملائي في العمل عن بعد رغم وجودنا في الشركة. فهل اعتدنا مع التواصل الرقميّ على الانفصال عن بعضنا؟

أنس الرتوعي
4 أكتوبر، 2022

لماذا كنسلت اشتراك ميديم؟

بفضل الإنترنت، انهارت حواجز دخول عالم الكتابة، وأصبح بمقدورك حجز عمودك في منصات مثل ميديم والكتابة فيها مثل أكبرها صحفي.

ثمود بن محفوظ
18 سبتمبر، 2022

عين دور النشر على كتابك المستعمل

تنظر بعض دور النشر إلى سوق الكتب المستعملة بعينٍ حاقدة. فما يباع هناك من كتب ربحٌ ضائع لأنهم ليسوا جزءًا من عملية البيع.

ثمود بن محفوظ
11 أبريل، 2022

هل سنتحوَّل إلى هيكيكوموري؟

هناك عادات كثيرة جدًا بدأت بالتغيُّر في حياتنا اليومية بسبب وجود تقنية تستبدل العادة التي كنّا نمارسها لقضاء حاجة أساسية.

أنس الرتوعي
12 ديسمبر، 2022

ازدواجية «الألمان في خبر كـان»

يجب ألا نتخلى عن حقيقة وجود أوجه متعددة اليوم لفرض حضور الثقافات وتباينها، دون الارتكان لمنظور الغرب الشمولي وتعريفاته عن الحياة الفاضلة.

حسين الإسماعيل
29 ديسمبر، 2022

هل ستكون من القلّة في 2023؟

أؤمن أنَّ قارئ هذه السطور سيكون ممن يقولون «لا»، لأن لولاها لكنتَ مستغرقًا اللحظة في تصفح التواصل الاجتماعي دون هدف.

أحمد مشرف