هل وصلك الإيميل وأنت بصحة جيدة؟
لأنَّ من الصعب نقل مشاعرنا عبر نصوص صماء، نضطر لإدراج بعض العبارات الشكلية، لا لشيءٍ سوى إيحائها بأننا لسنا مشدودي الأعصاب.
كل مرة أكتب «أتمنى أن يصلك هذا الإيميل بصحة جيدة» في ديباجة الرسائل الإلكترونية، أتساءل عن مصير العبارة حين تصبح أمام ناظريْ مستقبل الإيميل. قد يكون قارئها مثلي يتجاهل السطور الترحيبية والختامية، مركزًا على مضمون الرسالة والغرض منها.
لكن قد يكون قارئها أيضًا مثل أستاذي الجامعي الذي أنذرنا من الحصة الأولى أنه لن يرد على أي إيميل يفتقر لآداب الرسائل الإلكترونية. وبلغ من الوعيد حدًّا جعله يرفق مع خطة المنهج الدراسي قالبًا يستوفي آداب الرسالة المثالية.
قد يُعد الأستاذ حالةً استثنائية، سوى أن أهمية العبارات الشكلية التي شدَّد عليها لا تخفى حتى على مبغضيها. فالحقيقة أنها جزءٌ من معادلة معقدة نسبيًا؛ فالإيميل من أكثر وسائل التواصل رسمية وجدية، واستخدامه في الأوساط المهنية قد يعني ضرورةً أن تكون الرسائل واضحةً بأقل قدر ممكن من الوقاحة و«الميانة».
ولأنَّ من الصعب نقل مشاعرنا عبر نصوص صماء، نضطر لإدراج بعض العبارات الشكلية، لا لشيءٍ سوى إيحائها بأننا لسنا مشدودي الأعصاب.
لكن المفارقة تحدث حين تتجلى شكلية تلك العبارات في الحالات التي يستوجب علينا فيها الرد بإيجاز، أو التي تكون جزءًا من أخذ ورد طويلين. مثلًا، استطاع قسم الـتقنية حل مشكلة واجهتك، فترسل: «صباح الخير، نعم لقد حُلّت المشكلة، شكرًا. أطيب التحايا». ليسألك القسم لاحقًا إن عادت المشكلة، فتجيبه: «مساء الخير، لا، تحياتي».
إذا جاء جوابك على قسم التقنية «لا» فقط، قد تستحضر معه معانيَ أخرى غير مقصودة. لهذا أنت تحتاج إلى تدعيم مقصدك عبر التواصل الرسمي في الإيميل بعبارات تخفف من حدته، لا سيما أنَّ استخدام الإيموجيز للتعبير غير وارد. (مع أن للإيموجيز قدرة على مضاعفة حدة المفردات أو التلاعب بها، كالفارق بين «لا 😅» و«لا 🙂».)
ولعل أحد أوضح السياقات التي تتجلى فيها هذه الشكلية ما يتعلق بهرمية الرتبة الوظيفية. كموظف، إذا كتبتَ تلك الاستهلالات الاحتفائية والالتماسات المبررة والطرح المفصل في إيميل لمديرك، يستطيع مديرك بضميرٍ مرتاح الاقتصار في رده عليك بـ «أوكي». فموقعه في هرمية المنظومة يسمح له بالرد على مرؤوسيه في إيميل خالٍ من آداب الرسائل.
ومن يدري، ربما كانت السلطة الرمزية في إظهار عدم الاهتمام حقًّا بصحتك إن كانت جيدة أم لا، هي ما يغري البعض بالترقي الوظيفي.
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.