بعد مرور ستة أشهر من مزاولتي العمل في أحد الأقسام التي تنقسم فيها المهام إلى جزء مكتبي وجزء ميداني، جاء موعد التقييم الوظيفي السنوي. ونظرًا لأني قضيتُ أكثر من أربعة أشهر فيما بين العمل الميداني وأيام الإجازات التي أستحقها منه، فلم يكن ثمة ما أقدمه أو أعرضه على رئيسي عدا أرقامي الميدانية.
لذا حين جلست أمامه وأخبرني بأنه قرر إعطائي تقييم إنجاز الحد الأدنى من العمل، لم أكن مستعدًا للمنافحة والرد، لا سيّما حين برَّر إعطائي ذلك التقييم بأنه يراني أحيانًا ممسكًا هاتفي المحمول أثناء العمل.
سرعان ما استثارت عبارته شياطيني. صعّدت الأمر مباشرةً إلى رئيسه أولًا ورئيس رئيسه ثانيًا عالمًا أن ذلك لن يغير أي شيء؛ جل ما أردته تسجيلُ موقفي ضد التقييم الانطباعي الذي نلته. فرئيسي ما تطرق لأي جانبٍ من جوانب عملي وجودته، مكتبيًا كان أم ميدانيًا. اقتصر في تقييمه على ملاحظاته التي تشبه ملاحظات عريف فصلٍ أسكرته السلطة التي منحها إياه معلّمه لما أمره بتسجيل أسماء الذين يتحركون من أماكنهم على السبورة.
فكرة مراقبة الموظف بهذا الشكل اللصيق جزءٌ من بنية الحياة الوظيفية في الشركات، حيث ثمة ربط بين المراقبة والانصياع. وتتغلغل الفكرة كلما نجحت الشركات في جعل موظفيها يستبطنون الشعور بأنَّ أجسادهم بين ساعات العمل ليست في الحقيقة ملكهم، بل جزءًا من هرمية العمل نفسها.
قد يتعلق الأمر بمراقبة أوقات استخدام دورات المياه، أو ببريدٍ إلكتروني من مديرٍ يُعلم موظفيه أن تلطّف الجو لا يعني أن من المسموح لهم مغادرة مكاتبهم من أجل التفسح خارجًا. أو حتى بثقافة العمل التي تصوّر الموظف الملتزم بساعات العمل بحذافيرها -فلا يعمل خارجها- بأنه كسولٌ وغير طموح. في كل تلك الأحوال فالفكرة هي نفسها: بغض النظر عن مهام العمل، فجسدك خلال ساعاته تحت المراقبة.
لاحقًا، ما إن نُقِل رئيسي هذا لقسمٍ آخر وحلَّ محله أحد الزملاء الاستشاريين في القسم، حتى توارى الاهتمام بما «يبدو» أن الموظف يفعله وراء ما «ينجزه» فعلًا. وتبع ذلك طبعًا تغيّرات إيجابية في ديناميكية الفريق ككل، إذ انزاحت هموم إدارة الأخ الأكبر لما نفعله بأجسادنا متيحةً المجال لإنجازاتنا.
مقالات أخرى من نشرة أها!
علِّمني لغة في ثلاثين يومًا
تعدنا تطبيقات تعليم اللغات بتعلُّم لغة ثانية في فترة قصيرة، بسهولة وسعرٍ رخيص. لكن ثمة عنصر أساسي تفتقد إليه تلك التطبيقات.
رويحة عبدالربماذا لو تلاعبوا بوجودك الرقميّ؟
إن وجود أحدنا عبارة عن بيانات قابلة للتداول وللحفظ، وقابلة أيضًا للفقد والتلاعب. فماذا يحدث إذا تلخبطت السجلات الرقمية فجأة؟
أشرف فقيهمزاجيَّة التقييم الرقمي
انحسرت الجائحة، وما زلت أفضّل التواصل مع زملائي في العمل عن بعد رغم وجودنا في الشركة. فهل اعتدنا مع التواصل الرقميّ على الانفصال عن بعضنا؟
أنس الرتوعيلا تسلبوني مشترياتي الرقميَّة
وفَّرت المنصات مثل آيتونز وكندل وبلاي ستيشن سهولة شراء المنتجات الرقمية عبر خدماتها. لكن ما يغيب عنَّا أنَّ الشراء منها شراءٌ وهميّ.
ثمود بن محفوظأريد لأجهزتي أن ترعاني
من جوال نوكيا إلى اليوم، تطورت أجهزتي وتعددت مهامها وازدادت ذكاءً. لكنّها عقّدت عليّ مهمة واحدة: الاعتناء بها.
أنس الرتوعيأخبار العالم في قوقعة تويتر
بدأتُ التفكّر في المحتوى الذي ترشّحه خوارزميات تويتر لي، وأدركتُ أنها لا تعطيني ما أرغب في رؤيته فحسب، بل تتأقلم مع تغيّر رغباتي أيضًا.
رويحة عبدالرب