قوائم الأهداف: القفز السنوي من الراحة إلى الهلع

كلما ازدادت خياراتك في أهدافك قلَّ التزامك. التركيز على هدف محدد أفضل من توزيع الطاقة على عدد كبير من الأهداف العشوائية كل سنة.

في مطلع كل عام تأخذنا الحماسة لكتابة أهدافنا وخططنا الجديدة آملين أن تنتهي السنة بأكبر قدر من الغنائم. لكن سرعان ما ننساها لحين انقضاء العام، وعند مراجعتها نشعر بالإحباط لكل الأهداف التي لم نحققها. ثم تأخذنا الحماسة مجددًا مع الجموع وتصيبنا عدوى طاقتهم الإيجابية فنكتب قائمة أهداف أخرى، على افتراض أنَّ العام الجديد هو العام المنشود الذي سنتمكن فيه من تحقيق ما كتبناه ولو لمرة واحدة.

يكفينا مقطعٌ قصير ملهم أو إحدى الرسائل التحفيزية الجاذبة حتى نندفع خارج منطقة الراحة، ومعظمنا يستجيب مؤقتًا لهذه النداءات. لكن التأثير البرّاق لفكرة التغيير والتطوّر لا يدوم طويلًا، ويعود هذا لإدراكنا المتأخر بأن الطريق أطول من مجرد رسالة تحفيزية. 

نموذج منطقة الراحة ابتكره العالم النفسي الروسي ليف فيقوتسكي. وفي السنوات الأخيرة أُضيف إليها منطقتان جديدتان؛ الأولى منطقة التعلّم أو النمو، والثانية منطقة الهلع. وتمثّل كل منطقة الحالة النفسيّة التي نكون عليها عندما نرغب بتحقيق هدفٍ ما. 

منطقة الراحة

إذا أردت أن تشعر بالأمان فافعل ما تجيده، هذا ما تمثّله منطقة الراحة. هي الحياة اليوميّة الروتينيّة الخالية من التحديات حيث التخطيط وإعادة تقييم الأمور والاستجمام. لكن البقاء فيها لمدة طويلة لا يساهم في نمائنا بل يحدّ من تطوّر مهاراتنا وفُرصنا في الحياة. لأننا مع مرور الوقت سنمارس السلوكيّات نفسها ونقابل الأشخاص أنفسهم دون إحداث أي تغيير. وإن كان لكل منطقة كلمة مفتاحية ستكون «الثبات» كلمة هذه المنطقة.

منطقة التعلُّم والنمو

تَمدُّد مهاراتك وقدراتك يحدث في هذه المنطقة، حيث الفضول والتحدي حاضرٌ مع وجود مقاومة يمكن احتمالها وتجاوزها. لا تملك ثقة مطلقة فيما تفعل أو صورًا واضحة لمهاراتك الحاليّة، لكنك مُحفّز بشكلٍ كافٍ لتجرب مع وجود مقدار من الضغط. ويحدث أيضًا في هذه المنطقة صقل المهارات، ممّا يجعلها بعد فترة من الزمن مهارات روتينيّة ومريحة.

وتعتمد منطقة التعلّم على إيمانك بذاتك، حيث تعلم في قرارة نفسك بأنك قادر وآمن في الوقت نفسه. وغالبًا يتواجد داعم أو معلّم يقف خلف أدائك ويشجعك باستمرار. والكلمة المفتاحية لهذه المنطقة: الاستكشاف.

منطقة الهلع

لا يمكننا التعلم في هذه المنطقة ولا حتى التطور لأنها منطقة مكهربة للغاية تُختَبَر فيها مهارات وقدرات لا نملكها أساسًا. يرتفع التوتر والقلق بشكل ملحوظ في هذه المنطقة، وتتصاعد فيها احتمالية الفشل. وغالبًا نخرج منها محمّلين بعواطف سلبيّة.

تحت وطأة القلق تصبح المهام البسيطة شيئًا في غاية الصعوبة. فنحن نصرف معظم طاقتنا في محاولة السيطرة على القلق والخوف الناتج من التواجد فيها. والكلمة المفتاحية لهذه المنطقة: منعطف حاد. 

كيف يحدث التدمير الذاتي؟ 

إذا لم نكن مدفوعين بشكل كاف، لن نأخذ خطوات جادّة تجاه الهدف. وإذا كنا مدفوعين بتطرّف، سنهلك لا محالة. لهذا السبب يندفع معظمنا مطلع العام ونضع أهدافًا أكبر من قدرتنا دون أن ندرك بأننا نجبر أنفسنا على القفز لمنطقة الهلع حيث الارتباك والانزعاج الشديد، لنعود بعدها إلى منطقة الراحة دون جدوى.

أهداف العام الجديد، بين أوهام التغير والتجدد

العلامة الفارقة لعام 2020 / إرفيه أقنو

7 يناير، 2021

لذلك الانتقال التدريجي من الراحة إلى التعلُّم هو الطريقةُ المناسبة لنتحرك بانضباط خلال العام، مع وجود مستوى قلق مثالي وقابل للسيطرة يصفه علماء النفس بـ«قانون يركيس دودسون» (Yerkes-Dodson Law). ينصّ القانون على وجود ارتباط بين الأداء والقلق، ممّا يعني أنَّ تطور أدائنا محكومٌ بمستويات معقولة من القلق. وعندما يزيد هذا القلق عن الطبيعي يصبح عائقًا في طريقنا. 

كيف نحقق الانضباط خلال العام الجديد؟

تقول الكاتبة هايدي ريد في كتابها «الزم نفسك بالفوز» (Commit to Win) أنَّ هناك أربعة عناصر أساسية خلف كل التزام. ومعرفتنا بهذه العناصر تمكننا من الوصول لأهدافنا السنوية. 

أولًا: كافئ نفسك

المكافأة هي القيمة المضافة التي سنحصل عليها عندما نعمل على تحقيق هدف ما، سواء كانت قيمة خارجية أو داخلية. وعلى افتراض أنَّ هدفك تعلُّم مهارة عمليَّة جديدة، ستكون المكافأة على هذا النحو: 

  • تعلُّم مهارة جديدة سيزيد من دخلك المادي. 

  • تعلُّم مهارة جديدة سيضيف لحياتك معنى. 

  • تعلُّم مهارة جديدة سيمنحك إحساس النجاح.

  • تعلُّم مهارة جديدة سيزيد من فرص توظيفك.

  • تعلُّم مهارة جديدة سيقوّي مكانتك العمليّة. 

كلما ازداد عدد المكافآت التي ستحصل عليها زاد التزامك بهدفك. وفي حال الوصول لمرحلة من الفتور تجاه الهدف، جدِّد المكافآت والقيم التي ستحصل عليها منه.  Click To Tweet

ثانيًا: لا تدع المتاعب تحبطك

المتاعب جزء من الرحلة، وقبول وجودها يختصر علينا الكثير. فهي كل الأشياء التي لا بد أن نحتملها للوصول لهذا الهدف. وهناك شكلان للمتاعب: داخلي وخارجي. يتمثَّل الأول بقدرتك على ضبط تركيزك لتعلّم المهارة الجديدة، ويتمثَّل الثاني بقدرتك على تقليل وقت المتعة من أجل تحقيق هذا التعلّم. 

من الجيد تخمين المتاعب التي قد تواجهك في كل هدف قبل الشروع به. كما أنَّ ازدياد مستوى رضاك عن الهدف يعني التزامك به. ولمعرفة مستوى الرضا لا بد أن تكون المكافآت أكثر من المتاعب في كل هدف، لأننا سنتخلى عن أهدافنا عندما تغلب متاعبُها مكافآتَها.

ثالثًا: ساهم في تحقيق هدفك

ونعني بالمساهمة كلَّ الوقت والمال والجهد المستثمَر في الهدف. فإدراكك لكل الجهود التي ستقدمها أو قدمتها لهذا الهدف ستزيد من احتمالية التزامك به. فإذا كنت ترغب بتعلّم الرسم مثلًا، شراءك للأدوات بشكل فوري سيدفعك للالتزام لأنك استثمرت المال في الأدوات. فالمساهمة هي طريقة تذكير أنفسنا بالأشواط التي قطعناها تجاه الهدف. 

رابعًا: قلَّل عدد أهدافك 

كلما ازدادت خياراتك في أهدافك قلَّ التزامك. تقليص النطاق والتركيز على هدف محدد أفضل من توزيع الطاقة على عدد كبير من الأهداف العشوائية كل سنة. تعلَّم فن المفاضلة واختر أهدافك بعناية. 

والآن، بدلًا من الاستجابة الفورية لحماس مطلع العام والقفز من الراحة إلى الهلع، خذ وقتًا مستقطعًا لقياس حالتك المشاعريّة وقدراتك الحقيقية. هكذا ستتجنب كتابة أهداف خيالية لن تؤدي في نهاية المطاف إلا إلى التدمير الذاتي السنوي.

التغييرالروتينرعاية الذاتالثقافة
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية