حائط الجوائز: كيف تنجح في اجتياز المطبّات الانتقالية
تدفع بنا اللحظات الانتقالية إلى حالة من الغضب وعدم الاستقرار، لكن إن تعاملنا مع تلك اللحظات بالشكل الصحيح، ستنقلنا إلى مواقع أفضل في حياتنا.
إذا كان الشاعر الأميركي تي إس إليوت يقيس حياته بعدد ملاعق القهوة، على لسان بطل قصيدته «أغنية حب ج. ألفرد بروفراك» (The Love Song of J. Alfred Prufrock)، فأنا أقيسها بعدد اللحظات الانتقالية التي عبرتها. وسواء كانت تلك اللحظات عابرة أم طويلة، باختيار مني أو مفروضة عليّ، فكلها تعلمت تجاوزها بصعوبة. واليوم أصبحت هذه المناطق الرمادية، التي اختبرت راحتي وقوّتي في آن واحد، مصنع تجاربي الأجمل وطريقي نحو الرضا.
مكنني إيجاد معنى جديد لكل فترة من تلك الفترات من تجاوز مشاعر الحزن والغضب والشعور بعدم الاستقرار تجاه صورة ظننتها مستقرة ومضمونة من حياتي. ولو كنت أملك حائط جوائز وأوسمة من فتراتي الانتقالية لزرته من وقت لآخر، حتى أمنح نفسي الطمأنينة: سبق أن كنتِ هناك وأجدتِ التصرف وبيدكِ فعلُها من جديد.
في كل مرة، اعتمد الأمر على تغيير الطريقة التي يعمل بها عقلي حتى يتسنى لمشاعر جديدة فيَّ بالظهور، كالثقة بنفسي، والتطلع للمجهول والمستقبل بحماس. لكن كيف؟
التأني في الانتقال
أعرف اللحظات التي أفقد فيها السيطرة على الخطة جيدًا. أشعر بذلك في جسدي، في أكتافي المتصلبة وفكّي نهاية اليوم بعد رصّ أسناني المتواصل. أعرفها من أحلامي المقلقة والمشحونة. تلك اللحظات التي ربما تلت الانتقال من وظيفة لأخرى، أو تلت فقدان قريب عزيز أو الرحيل عن مدينة الطفولة أو إصابة جسدية منعتني من المشي لعدة أشهر.
أيًّا كانت فهي مخيفة، لأنَّ فقدان السيطرة مخيف. إذ يعني عبور فضاء مفتوح لا يشبه أي مكان زرته من قبل. هذه المساحة الرمادية الهائلة تأتي مع فراغ عقليٍّ وعاطفيٍّ يدفعني لملئه بسرعة، وبأيّة طريقة، بأي شيء يعيد لي التوازن من جديد.
لكن ما كنت أجهله بشأن محاولاتي للسيطرة أن سرعة اتخاذ القرار ودفع نفسي للقيام بأي حركة لا ينتهيان على نحوٍ جيد. فكلّ حركة مستعجلة قمت بها ولّدت المزيد من سُحب الضباب في طريقي.
ولأن ما نمر به هو أفضل إعداد لما سيأتي، قررت منذ وقت طويل التعامل بطريقة مختلفة مع هذه المساحة الرمادية. ومع الممارسة، أصبحت أتقن تأثيث هذه المساحة بالصبر والتأمل.
رعاية الذات كوقود للطريق
أولى النصائح التي تجاوزت بها أصعب الفترات الانتقالية كانت الاهتمام بنفسي. حين تعرّضت لكسر صعب في كاحلي أجبرني على ملازمة البيت، تعلّمت طرقًا جديدة للاهتمام بالذات. لم يكن هذا الاهتمام مرتبطًا بعاداتٍ استهلاكية كالتسوق غير الواعي، أو بالانغماس في عادات تزيد من إحساسي بالفوضى. بل بحثت عن كل الطرق التي تعجّل بالتئام كسري ووجهت غذائي وراحتي لها.
وأكثر ما أحب في هذه الفترات غير المؤكدة التركيز على روتين ثابت: مهام يومية واضحة تظهر نتائجها أمامي وتعزز شعوري بالإنجاز. أنام جيدًا وأمرن جسدي حسب قدرته وأكتب وأتحدث مع الأشخاص الذين يخففون عني المشاعر المزعجة التي تنتابني.
فرعاية الذات تعني التواصل مع نفسي بشكل أفضل والتواصل مع الآخرين. وهكذا تكلمت بوضوح، كتبت بوضوح، وطلبت المساعدة ممن يستطيع تقديمها. وأحيانًا جاءت المساعدة على شكل توصية لعمل أو رفقة أستأنس بها أو كلمة لطيفة ترشدني.
ففي الفترة الانتقالية التي رافقت إصابتي، عملت في وظيفتي التي أحبها عن بُعد، وهذا العمل يتطلب ضبط الوقت وملاءمته لبقية فريق العمل. لم أستسلم لساعات السهر الطويلة لأن الصباح ينتظرني. وهكذا أصبح العمل في وظيفتي بمثابة المرساة والبوصلة في الآن ذاته.
العودة إلى القيم والتزام التوقعات الحقيقية
نحتاج في المراحل الانتقالية لمرساة، أو لضوء بعيد نثبّت بصرنا اتجاهه. والعودة لأهدافي البعيدة وقيمي التي أعيش بها أفضل ما أجيده في فترات عدم الوضوح. ما الذي يجعلني مرنة؟ ما الذي يحفزني؟ ما الذي يمدّني بالقوة ويمكنني الاعتماد عليه في مواجهة النقلة التالية؟
صرت أستغل هذا السكون المؤقت في التعلم واستعادة مهارات قديمة فقدتها. في فترة إصابتي بالكسر، لزمت الفراش وامتد الأمر لأكثر من ستة أسابيع، عدت خلالها للقراءة بنهم وكتبت الكثير من الرسائل الطويلة للأصدقاء. كنت أجد السلوى في شخصيات الروايات المتعبة والسير الذاتية للمتألمين أمثالي. لاحقًا، أصبحت هذه إحدى الوصفات الناجحة لتخطي الانزعاج: قراءة المزيد من السير الذاتية.
ولا يعني التصالح مع المراحل الانتقالية تجاهل الواقع والانغماس في الخيال. ما احتجته فعلًا هو مزيج من الحضور الكامل في اللحظة بحثًا عن إيجابياتها، والتخطيط للآتي بمجرد عبور عنق الزجاجة. فالتوقعات الحقيقية تعني الالتزام بالعمل، حتى وإن لم أشعر بالرغبة في ذلك.
تعني الاهتمام بنفسي حتى لو كانت البداية بوضع قدمي على الأرض والخروج من الغرفة صباحًا. لا شيء سيتوقف فقط لأنني أشعر بالفوضى مؤقتًا. كل شيء سيتحرك ويمضي وعليّ أنا اللحاق به.
التحرر من وحش المقارنة المفترس
إحدى الثغرات التي وقعت فيها في فترات عدم الاستقرار مقارنة نفسي بالآخرين وكيفية تجاوزهم لها. كانت الفكرة في البدء البحث والسؤال للتعرف على تجاربهم والاستفادة منها. لكن ودونما وعي منّي وجدتني أقع في الفخ.
ساعدني الوعي بعبء المقارنات على فهمه وعلاجه وإيقافه بلا توبيخ أو شعور بالسوء. غيرت تركيزي من المقارنة إلى الامتنان لما هو بين يديّ. لديّ مهارات أفخر بها وأصدقاء رائعون وفرصة جيدة في الانتظار ما إن تَعُد حياتي إلى طبيعتها.
ففي عزلتي المنزلية الاضطرارية، اكتشفت أن الكتابة مهنتي للحياة ومهارتي الأجود. وفي كلّ مرة تراودني فكرة التحول عنها والبحث عن مسار مهني آخر، أتذكر أيام خلوتي. كنت أكتب لساعات بنهم وتركيزٍ عالٍ وأجد مع نهاية يومي منتجًا ناجحًا أفخر به.
كانت الكتابة الباب الذي تواصلت من خلاله مع أحبتي عندما انعدمت قدرتي على الحركة والخروج لرؤيتهم. أدوّن وأسجل يومياتي وأكتب الرسائل القصيرة ردًّا على أسئلتهم العطوفة.
إيجاد المعنى وسط الفوضى
الرضا بعدم اليقين لا يعني الاستسلام للعيش بلا خطط أو أهداف. يجب أن تحتفظ في جعبتك بـخطة بديلة لظروف الحياة غير المتوقعة. أشبّه الأمر بحساب بنكي احتياطي أمد يدي نحوه كلما ساءت ظروفي، أدواتٌ وأفكار وعلاجات تمُدني بالقوة كلما احتجتها. Click To Tweet
مع مرور السنوات، نجحت الجردة التي جمعتها في معالجة نفسي كلما مررت في حالات الشك. ونجحت مرة أخرى العام المنصرم عندما اهتزت كلّ الصور الثابتة التي ألفناها عن عالمنا.
اليوم لا أنتظر اجتياز المطبات فحسب، بل أفكر ما الذي أريد فعله الآن؟ إلى أين أريد الذهاب من هنا؟ وكيف يمكنني إيجاد المعنى الذي أضعته مؤقتًا؟