بين المسرعات و الحاضنات، أين النتائج؟

منذ بدأت موجة ريادة الأعمال في المنطقة، ونحن نسمع الكثير من الأخبار لشركات تم احتضانها ضمن حاضنات، ومسرعات الأعمال القليلة الموجودة في المملكة.

منذ بدأت موجة ريادة الأعمال في المنطقة، ونحن نسمع الكثير من الأخبار لشركات تم احتضانها ضمن حاضنات، ومسرعات الأعمال القليلة الموجودة في المملكة.

نقرأ بعض الأخبار عن تخرج بعض الشركات، وقد نسمع من هنا وهناك عن حصول شركة ما على تمويل، أو استثمار.

بعد أن تهدأ أمواج الأخبار والتصوير، وتخف التغطيات الصحفية الرسمية، ننسى وجود هذه الشركات، ولا نعرف ماهو مصيرها، هل هي ناجحة؟ هل الأمر مجرد بهرجة إعلامية؟ لم لا نرى مخرجات شبيهة بسيليكون فالي؟

قمنا بطرح هذا السؤال على ثلاث من مسرعات وحاضنات الأعمال في السعودية وهي انسباير-يو وبادر ومسرعة قطوف – فلات 6 لابز جدة.

ما هي الحاضنات والمسرعات وما الفرق بينهما

نحتاج أولاً أن نعرف ما هي الحاضنات والمسرعات وما الفرق بينهما، نجد أنّ كلًا من الحاضنات والمسرعات إلى مساعدة الشركات الناشئة والجديدة على النمو عبر تقديم المساعدة والمشورة.

يشرح لي مدير تطوير قطاع الأعمال في بادر السيد عبدالله الزيد فيقول أنّ الحاجة إلى الحاضنات أتت لدعم المشاريع القائمة على الابتكار، وتذليل العوائق التي قد تواجهها ومساعدتها في العثور على مستثمرين لدعم المشروع ونقله إلى الأمام.

حين بحثت في الفروقات أكثر، وجدت الكثير من التعريفات المتضاربة والمختلفة، ولكن الفرق الجوهري الدائم بين الإثنتين، هو مدة الاحتضان والدعم المادي المباشر. الحاضنات توفر مكانا للعمل وعلاقات ومجموعة خدمات مثل التسويق والأمور القانونية، أما المسرعات فهو توفر كل ما سبق بالإضافة إلى الدعم المادي المباشر والتوجيه.

تقوم بعض الحاضنات والمسرعات بتوفير الدعم لرواد الأعمال مقابل الحصول على نسبة تملك في الشركة، مثل بادر وقطوف – فلات 6 لابز جدة، والبعض الآخر لاتقوم بأخذ أي نسبة، وتحاول تقديم المساعدة فقط، وتعتبر جهودها خدمة للمجتمع مثل انسباير-يو.

تتراوح فترات التوجيه والدعم في الحاضنات من سنة وتصل إلى أكثر من عشر سنوات بحسب نوع المشروع. ويجب أن تعرف أن الحاضنات لا تقبل جميع المشاريع المقدمة لها، وبعض الحاضنات تركز على المشاريع التقنية وأخرى على الطبية وهكذا، لذلك على المتقدمين معرفة النوع الحاضنة التي يبحث عنها.

يختلف الأمر في المسرعات، التي تكون فترة الاحتضان فيها قصيرة، وتتراوح ما بين 4 إلى 6 أشهر، يكون فيها الضغط أكثر، وفيه الكثير من التركيز، بحيث تدفع المسرعات الشركات إلى النجاح، أو الفشل بسرعة.

لم لا نسمع كثيرًا عن جهود الحاضنات والمسرعات؟

هناك عدّة أسباب، ما يلي عدد منها:

الإلتزام والقيود

يعتقد سعود الهواوي أحد أعضاء انسباير-يو ومؤسس عالم التقنية، أن السبب في ذلك هو أن أغلب مسرعات الأعمال في السعودية، كانت تقوم بدور المسؤولية الاجتماعية. فكان التركيز على تمكين رواد الأعمال، لذلك لم تكن هناك أي ضغوط قوية على الشخص المحتضن، كي يحاول النجاح وبناء شركة قوية، وبالتالي لم نكن نسمع الكثير من الأخبار عن نجاح الشركات وغيرها.

يؤكد سعود بأن الوضع بدأ في التغير، ففي الماضي كانت القيود والرقابة متساهلة، كي تجذب رواد الأعمال. هذا الشيء تغير الآن، وأصبحت الشركات التي يتم احتضانها تخضع لضغط ومراقبة ومراجعة، ليتم التأكد من أن فريق المشروع ملتزم، ولا يشكل عبئًا على المسرعة.

ليس هذا فحسب فعقلية رواد الأعمال تغيرت، ففي الماضي كان الأمر أشبه بهواية، ولم تكن هناك جدية كبيرة وتفرغ للأفكار من أجل إنجاحها.

يقول الهواوي “أصبحنا نرى الكثير من رواد الأعمال يركزون على تقديم حلول لقطاع الأعمال، وهو شيء لم نكن نراه في الماضي ويدل على نضج في التفكير لدى رواد الأعمال”.

تغيير بيئة ريادة الأعمال

تغير الوضع الاقتصادي في المملكة، يعتبر إحدى العوامل الأخرى التي ستسهم في تغيير بيئة ريادة الأعمال ومخرجاتها خلال السنين القادمة. وهو شيء “يؤكده” عبدالله الزيد، حيث تسعى المملكة من خلال رؤية 2030 إلى تنمية قطاع ريادة الأعمال ودفعه. واستحداث هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة ماهو إلا جزء من هذه الرؤية.

حين سألته عن المخرجات ولم لا نسمع عنها، أكد لي الزيد بأن هناك مخرجات كثيرة للحاضنات والمسرعات، لكننا لا نسمع عنها بسبب قلة الاهتمام الإعلامي، لأنهم لا يرون أن هذه الأخبار مادة “دسمة” وهذا ليس السبب الوحيد.

يضيف الزيد “كنا نعمل بفكرة، دع عملك يتحدث عنك”، حيث لم تكن بادر تهتم بالترويج لمخرجاتها، لكن هذا الشيء سوف يتغير لأن هذه الاستراتيجية لم تكن ناجحة، وتسببت في إيجاد تصورات خاطئة عن المجهودات التي تقوم بها بادر وبقية الجهود المشابهة لها في دفع عجلة ريادة الأعمال في المملكة.

معلقًا على نشاطهم في الترويج لما يقومون به “بدأنا منذ العام الماضي في التركيز على عرض المخرجات ولم نكتفِ بمجرد إقامة الفعاليات والمشاركة في المعارض والمؤتمرات.” حيث وضح أنهم ومع التجربة اكتشفوا أن المجهود لابد أن يوازيه ترويج مستمر للتأكيد على نجاح البرنامج.

بين المسرعات و الحاضنات، أين النتائج؟

أولويات

يخبرني المهندس مهند النابلسي بأن غياب أخبار وقصص نجاح المسرعات، لا يعني انعدام المخرجات، بل يعني أن مسألة الترويج المكثف والتسويق ليست من ضمن استراتيجية المسرعة.

“نحن نريد من المتقدمين أن يبحثوا عنا، لأن هذا الشيء يدل على الجدية والرغبة”

يخبرني مهند إن إحدى الأسئلة التي يحب طرحها على الأشخاص الذين يطلبون الانضمام لمسرعتهم هو “كيف سمعت عنا؟” وإجابات مثل “بحثت على الانترنت” و”سألت مدرسي في الجامعة” تدل على وجود بعض الجدية من قبل المتقدم، ورغبته في إنجاح مشروعه.

السوق لم ينضج بعد

قد لا يكون السوق جاهزًا ونحن نستعجل ظهور النتائج، ونستمر في مقارنة أنفسنا بالولايات المتحدة ووادي السليكون ، وهو أمر خاطئ حسب وجهة نظر المدون المهتم بالاقتصاد والشركات الناشئة في المنطقة السيد سفر عياد.

يقول عياد: “نحن مازلنا نكتشف السوق، نعم يمكن تشبيه زخم قطاع الشركات الناشئة في السعودية الآن مثل ما كان يحدث في أميركا في السبعينات، ثورة شركات صغيرة تحارب في قطاعات تسيطر عليها شركات محتكرة أكبر، في ظل عدم وجود قوانين تحميها.”

ويضيف: “حاليًا في السعودية من يملك السوق هي شركات عائلية كبرى، نمت ثرواتها من مطلع السبعينات بسبب حصولها على وكالات تجارية في قطاعات مختلفة كالغذاء والنقل والتصنيع وغيرها. لذلك من الصعب أن تنمو شركة ناشئة بهذه السرعة لتحصل على قيمة وحصة كبيرتان في السوق. إلا في حالة واحدة فقط، أن يكون هذا السوق جديد وخارج عن احتكار الأغلبية المحتكرة.”

وعن جاهزية القوانين الحكومية فيقول إن “الحكومة لازالت تعمل على سن قوانين لتنظيم ودعم هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة، مثل هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، أو السوق الموازي. كلها أدوات تدعم هذه الشركات الصغيرة.”

يرى عياد أن محاولة استنساخ التجربة الأميركية في سيليكون فالي فكرة سيئة، وأن على السعودية التركيز على الاستفادة من هذه التجربة وتطبيق بعض الدروس على المستوى المحلي للنهوض بريادة الأعمال. ولكن صمام الأمان بالنسبة له هو وجود القوانين التي تحمي الشركات الصغيرة من سطوة الشركات الكبيرة التي تحتكر السوق.

أرقام وتكاليف الاحتضان

كي نكوّن صورة عن جهود هذه المسرعات وما تقدمه سوف أقوم بطرح بعض الأرقام التي شاركوها معي كي تتكون لدى القارئ فكرة أوضح.

انسباير-يو

تخرج في انسباير-يو 4 شركات حتى الآن. ويجب أن ننوه بأن حاضنة انسباير-يو جديدة حيث تأسست في 2015. وبحسب حديث سعود فإن كل شركة تكلفهم مبلغ كليًا يصل إلى 300 ألف ريال ما بين دعم مادي مباشر واستشارات.

بادر

تخرّج من بادر 15 شركة في 2016 من مسرعاتهم وحاضناتهم. ووصل التمويل المباشر الكلي للشركات لوحده إلى أكثر من 2.5 مليون ريال على شكل دعم أولي من برنامج بادر، بالإضافة إلى تقديم الاستشارات وبقية الخدمات الأخرى.

مسرعة قطوف – فلات 6 لابز جدة

تخرجت 8 شركات من قطوف في 2016. وتحصل الشركات المحتضنة على حزمة من الخدمات والاستشارات، من ضمنها دعم مادي مباشر 70 ألف. هذا يعني أن مجموع الدعم المباشر وصل إلى 560 ألف ريال في 2016 بالإضافة إلى الخدمات الأخرى من استشارات وتدريب وتوجيه، وتصل قيمة الدعم الكلي الذي تحصل عليه الشركات في قطوف إلى 350 ألف ريال.

التخرج

أهم مرحلة بعد انتهاء الاحتضان في كل الشركات التي ذكرناها هو مرحلة الاستثمار. وفي يوم التخرج يتم دعوة مجموعة من المستثمرين للاطلاع على مخرجات المسرعة، ومن ثم يقررون إذا كانوا مهتمين بالاستثمار في الشركة أم لا، وهو ما يقودنا إلى النقطة التالية.

جاري البحث عن مستثمر…

يري سعود الهواوي أن الثقافة الاستثمارية ما زالت متأخرة هنا. وحين سألته عن المستثمرين، أجابني بأنه يحب أن يطلق عليهم “تجار، وليسوا مستثمرين”. لكنه يضيف بأن التجار سوف يجبرون على التحول إلى مستثمرين وإحدى هذه الأسباب هو دخول الحكومة نفسها في مجال الاستثمار عن طريق صندوق الاستثمارات الحكومي.

لا ينكر سعود وجود أزمة استثمار وصعوبة الوصول إلى مستثمرين لدعم الشركات، ومع أن بعض الشركات والمستثمرين بدؤوا في دخول هذا المجال عن طريق شركاتهم، إلا أنه لا يُشبع تعطش السوق. تتكرر كلمة “العقار” على لسان الجميع، مهند النابلسي من مسرعة قطوف – فلات 6 لابز جدة يقول إن التجار عندنا تعودوا على المشاريع التجارية الملموسة. والاستثمار في المشاريع التي لا تعطيهم أصولاً ملموسة هو أمرٌ جديد بالنسبة لهم ولكنهم بدؤوا في تقبل مثل هذا النوع من المشاريع الجديدة.

أنا لا ألوم المستثمر

على مستوى قطوف – فلات 6 لابز، يفتخر مهند بأنهم تمكنوا من جلب دعم بمجموع كلي يتجاوز 7 مليون ريال لحوالي 50% من خريجيها. وهي نسبة عالية مقارنة بالمسرعات العالمية، والتي تحصل ما بين 15-20% من شركاتها على استثمارات خارجية. كما يضيف مهند أن شركاتهم تمكنت من إيجاد حوالي 3000 وظيفة مباشرة وغير مباشرة (الخريجين + عدد المستفيدين من المشاريع).

“أنا لا ألوم المستثمر” يقول عبدالله الزيد من بادر، مضيفًا إن الثقافة الاستثمارية في الشركات الناشئة ما زالت ضعيفة في أوساط المستثمرين. كما أن الكثير منهم يريد الحصول على عائد مادي سريع مقابل استثماره، والفرص الاستثمارية الأخرى مثل العقار تبدو أفضل لهم.

مع ذلك يخبرنا عبدالله بأن بادر تمكنت من جلب استثمارات خارجية للعديد من الشركات المتخرجة، وصلت قيمتها إلى 75 مليون ريال وتمكنت من إيجاد 700 وظيفة مباشرة. “الأمور بدأت في التحسن ولكن يجب ألا نتوقع التغيير بين يوم وليلة” يضيف الزيد.

حين سألت بعض المتخصصين، وناقشت الأرقام معهم أخبروني بأن الأرقام ليست كل شيء، فالكثير من المستثمرين يلتزمون بدعم شركات عديدة، لكن تنفيذ هذه الوعود قد يستغرق من شهور إلى سنين، وهذا قد يتسبب في توقف الشركات وإغلاقها. أيضًا لا تقوم بعض الشركات عن حصولها على تمويل لبعض الاعتبارات، لذلك قد يكون هناك تباين بين الواقع وبين مايقال.

مستقبل ريادة الأعمال

“مشكلتنا أننا نستعجل الأمور” يقول سعود الهواوي، مضيفاً “قبل الأزمة الاقتصادية في 2016 لم نكن نسمع صدور قرارات من مجلس الوزراء تخص ريادة الأعمال، أو أن ينشأ لها هيئة مختصة. كل المبادرات في الماضي كانت من قبل جهات شبه حكومية أو شركات خاصة.”

أما مهند النابلسي فهو يرى أن “الشركات الناشئة في السعودية تأخذ وقتًا طويلاً للنمو”، وحين سألته عن الأسباب أجابني: “السبب الرئيسي هو الخبرة ونقص المعرفة والأدوات التي تحتاجها”، حيث يعاني الكثير من رواد الأعمال من عدم وجود خبرات سابقة في بناء الشركات وحتى في إدارة الفرق الصغيرة والكثير من الأمور الأخرى.

“من خبرتي أرى أن الشركات تحتاج من 7 إلى 10 سنوات من أجل الوقوف على رجليها ويصبح لديها دخل ممتاز” وحين تعجبت من تصريحه، وضح لي، بأن هذا لا يعني أن الشركة لن تحقق أي دخل خلال هذه السنوات، ولكن بتقديره الشخصي فإن هذه الفترة هي المطلوبة من أجل أن يصبح لدى الشركة رأس مال كبير واستقرار.

نقطة أخرى حدثنا عنها مهند، وهو الجانب الاجتماعي المختلف عن الغرب، ففي الولايات المتحدة قد يغامر الكثير بوظائفهم والتزاماتهم العائلية من أجل شركاتهم الناشئة، لكن هذا الشيء قد لاتراه هنا كثيراً. وهو أحد العوامل التي تجعل المشاريع تسير ببطء، وليس بالضرورة أن يكون هذا الشيء أمرًا سيئًا، بل هو شرح لأوجه الاختلاف بيننا وبينهم.

خاتمة

إحدى أهداف رؤية 2030، هو دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة كي تصبح جزءًا من الناتج القومي فما تزال المعدلات المحلية التي وصلت إلى 20% من إجمالي الناتج القومي ضعيفة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، والتي تساهم فيها الشركات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 70% من الناتج القومي.

أدرك أن المقارنة غير عادلة، ولكن الأمور مازالت في بدايتها. وصحيح أن حاضنات ومسرعات الأعمال موجودة منذ فترة ليست بالقصيرة، ولكنها كانت تعاني من عدة مشاكل أهمها قلة اهتمام المستثمرين، والقوانين التي تسهل عملهم. ولكن 2016، حملت الكثير من التغييرات، وكل من تحدثت معه يرى أن عالم ريادة الأعمال سيشهد انتعاشًا خلال السنوات القادمة، لكننا ما زلنا بعيدين بعض الشيء عن سيليكون فالي وقصص رواد الأعمال الذين يغرقون في المليارات.

إمبراطوريات المستقبلالاقتصادالشركاتريادة الأعمالالرأسمالية
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية