كرة القدم في ملعب الأدب

إن أردنا أن نتحدث عن العلاقة بين الأدب وكرة القدم، فثمة أمثلة كثيرة تجمع بين هذين الضدين الظاهريين، وأشكال مختلفة من تمازجهما معًا.

مشجّع يقرأ كتابًا قبل بدء مباراة / Getty Images
مشجّع يقرأ كتابًا قبل بدء مباراة / Getty Images

كرة القدم في ملعب الأدب

محمد الفولي

في الثاني عشر من ديسمبر 2022، قبل أن تواجه الأرجنتين كرواتيا في نصف نهائي مونديال قطر على ملعب لوسيل، كتبت الصحافية الأرجنتينية ليلا جيريرو نصًا مذهلًا عن علاقة أبيها وأخويها بالمنتخب، والتقليد الذي يتبعه ثلاثتهم لدرء النحس وسوء الحظ عن «راقصي التانقو» في المباريات الكبرى.

نُشر النص في صحيفة «إل باييس» في اليوم التالي وحقق انتشارًا مذهلًا، لا بالإسبانية فحسب، بل بلغات متنوعة أيضًا، منها العربية، بعد أن تُرجم على عدد من الشبكات الاجتماعية والمواقع المختلفة.

يُعد هذا النص الذي عنوانه «أبي سائرًا عبر الحديقة» أحد أبرز الأمثلة الحديثة التي يتقاطع فيها الأدب مع كرة القدم، ولعلَّ أكثر ما يُميزه أنه جاء مكتوبًا بقلم نسائي لواحدة من أنجح مؤلِفات كُتب الأدب التوثيقي على ساحة الأدب الأرجنتيني.

لكن إن أردنا أن نتحدث عن العلاقة بين الأدب وكرة القدم، فثمة أمثلة كثيرة تجمع بين هذين الضدين الظاهريين، وأشكال مختلفة من تمازجهما معًا في أنماط وأنواع أدبية.

كرة القدم في الرواية 

إن كانت كرة القدم أكثر الرياضات شعبية وانتشارًا، فالرواية هي أكثر الفنون الأدبية شعبيةً لدى القراء. تلاقت الرواية مع كرة القدم مرات عِدة وبلغات متنوعة، لكن لعل أبرز ما جمع بينهما في السنوات الأخيرة رواية «أشد ألم» للكاتب البيروفي سانتياقو رونكاقليولو، الفائز بجائزة «ألفاقوارا» العريقة عام 2014 عن روايته «أبريل الأحمر».

تنطلق هذه الرواية التي تحبس الأنفاس بمقتل شخص ينبغي له أن يسلِّم «طردًا» في شوارع العاصمة ليما الخالية في أثناء أول مباراة لمنتخب بيرو في كأس العالم عام 1978 في الأرجنتين. بعدئذٍ يسعى صديقه فيليكس تشاكالتانا، الموظف المثالي بوزارة العدل والكاره لكرة القدم، إلى كشف الحقيقة وملابسات الجريمة.

يُعنون رونكاقليولو كل فصل في الرواية باسم واحدة من مباريات منتخب بيرو في البطولة، حيث تكشف الأحداث – التي تظهر فيها كرة القدم كخلفية مثالية – نقائص المجتمع البيروفي وعيوبه في تلك الحقبة. كما تكشف الرواية كيف حاولت السلطة استخدام كرة القدم وكأس العالم في ذلك العام في محاولة لتجميل صورة النظام في الأرجنتين، في الوقت الذي كانت تُمارس فيه أشنع الأنواع الممكنة من جرائم التعذيب والقتل والاختطاف من طريق عملية «كوندور» الشهيرة التي تورطت فيها ديكتاتوريات الدول اللاتينية في تلك الحقبة، برعاية أمريكية، للقضاء على أي تهديدات شيوعية.

من ضمن الروايات الأخرى الممتعة التي تتناول عالم كرة القدم -لكنها هذه المرة بصبغة بوليسية بعيدة عن السياسة وعوالم أمريكا اللاتينية- رواية «نافذة يناير» (January Window) للكاتب البريطاني فيليب كير.

في هذا العمل، الذي لم يترجم بعد إلى العربية، بطلنا هو سكوت مانسون الذي يشغل منصب المدرب الثاني في فريق «لندن سيتي» الخيالي الذي يلعب في الدوري الإنقليزي الممتاز. يحبه اللاعبون والإداريون والجمهور، لكن الأمور تتعقد حين يظهر المدرب الأول مقتولًا على أرضية ملعب الفريق.

كرة القدم في السيرة الذاتية

لعلَّ كتب السيرة الذاتية المرتبطة بكرة القدم هي أكثر ما قد يروق القارئ العادي الذي لا يدخل الأدب عادة في اهتماماته التقليدية. فمن ذا قد يحب كرة القدم ثم يرفض فرصة للتعرف إلى أسرار لاعبه المفضل أو على الأقل استكشاف كواليس غرف الملابس ومعرفة نوادر منها تخرج للمرة الأولى إلى النور؟

ربما كان المثال الأبرز داخل هذا الإطار كتاب «أنا زلاتان إبراهيموفيتش» الذي يعد من أكثر كتب السيرة الذاتية الكروية انتشارًا بمختلف اللغات. ومرد الأمر ليس فقط إلى الكم الهائل من الأسرار التي كشفها الكتاب عن حياة اللاعب السويدي وغرف ملابس الفرق التي لعب فيها، بالأخص برشلونة الإسباني، وكل ما قيل فيه عن علاقته بالمدرب الإسباني بيب قوارديولا، وإنما إلى أنَّ «السلطان» لجأ إلى تأليف الكتاب بالتعاون مع الصحافي والكاتب ديفيد لاجيركرانتز الذي صمَّم بُنيَة الكتاب وضبط هيكله وإيقاعه السردي، فخرج بصورة «أدبية» مناسبة. لا نتحدث هنا بالطبع عن أدب فارق أو عظيم، بل عن شيء يستمتع به القارئ فحسب.

لكن إن أردنا أن نتحدث حقًا عن أعظم كتاب سيرة ذاتية كروية فهو «أنا دييقو الشعب» (Yo Soy El Diego: I Am the Diego) للأسطورة الأرجنتينية الراحل دييقو أرماندو مارادونا، الذي لم يُترجم للأسف كاملًا حتى الآن إلى العربية بصورة احترافية، مع أنه تُرجم من الإسبانية إلى الإنقليزية والبرتغالية والألمانية والإيطالية والروسية، ضمن لغات أخرى.

يحكي لنا مارادونا في هذا الكتاب قصته بدايةً من طفولته الفقيرة حتى وصوله إلى القمة، ويتحدث عن تجربته داخل الملعب وخارجه وكل مشاكله وخلافاته الشخصية من دون أي محاذير. فمن ذا الذي قد يرفض التعرف إلى دييقو بلسان دييقو، حتى إن أحَبَّ كرة القدم وكره القراءة، والعكس صحيح أيضًا؟

كرة القدم في القصة القصيرة

تعد القصة القصيرة، على رغم صعوبتها كفن، من أقرب الأشكال الأدبية إلى القارئ العادي، أو القارئ الملول الذي لا يُريد أن ينغمس في قراءة رواية ضخمة. وجمهور كرة القدم ملول بطبعه أيضًا. لا يشتهر الأرجنتينيون بالصبر، لكنهم يُعرَفون بالخيال الواسع وحبهم للكرة، لذا ليس من الغرابة أن يشتهر كُتّابهم تحديدًا بالتجديد. لما تمازجت كل هذه العناصر وُلد ما يعرف باسم «أدب كرة القدم الأرجنتيني»، وصارت القصة القصيرة أكثر الأنماط الأدبية تمثيلًا له.

على رغم أن ثمة قصصًا قصيرة أوربية تناولت كرة القدم -ومنها مثلًا مجموعة «11 قصة عن كرة القدم» للكاتب الإسباني الحائز على جائزة نوبل كاميلو خوسيه ثيلا- لكنْ لا شيء فعلًا يُشبه ما قدمته الأرجنتين من قصص قصيرة في مجال الأدب الكروي.

قد يبدو حصر الأعمال القصصية الكروية الأرجنتينية صعبًا في ظل تنوعه، لكن يُمكن الحديث عن أبرز الأسماء التي كتبت فيها، وعلى رأسها مجموعات الكاتب والقاص والروائي والأستاذ الجامعي إدواردو ساتشيري، وأوسبالدو سوريانو وروبرتو فونتاناروسا، وقد يجد القارئ بعض نماذج أعمال هذا الثلاثي في كتاب «حكاية عامل غرف: مختارات من أدب كرة القدم الأرجنتيني».

كرة القدم خارج التصنيف الأدبي

ثمة نصوص عصية على التصنيف، ومنها كتابات الأوروقواياني إدواردو قاليانو. ربما كان كتاب «كرة القدم في الشمس والظل» هو المثال الأبرز الذي يأتي ذهن القارئ إذا أراد أن يتذكر عملًا تناول كرة القدم.

هل هو عمل يؤطِّر تاريخ اللعبة بصبغة أدبية؟ هل هي شذرات أدبية صغيرة عن ومضات تاريخية مختلفة في تاريخ «الساحرة المستديرة»؟ أم قصص متناهية الصغر عن وقائع كروية حقيقية؟ الأمر صعب جدًا. مع ذلك لاقى الكتاب رواجًا كبيرًا جدًا في أغلب اللغات التي تُرجم إليها، منها العربية بتوقيع الراحل صالح علماني، وهو كتاب يستحق القراءة من دون شك.

بعد هذا الاستعراض الكروي الأدبي، ما الكتاب الذي ستقرؤه من أدب كرة القدم؟



  1. توفي الروائي التشيكي الفرنسي ميلان كونديرا عن 94 عامًا في باريس يوم الأربعاء الماضي، ويُعدّ أحد أهم الروائيين في العصر الحديث. تتميز أعماله بالتأملات الفلسفية، أشهرها رواية «كائن لا تُتحمل خفته» و«المزحة» و«الخلود» و«الحياة في مكان آخر». اضطر للهجرة إلى فرنسا عام 1975 بعد دخول الاتحاد السوفييتي تشيكوسلوفاكيا. وسُحبت منه الجنسية بسبب كتبه، فحصل على الجنسية الفرنسية سنة 1981 وعاش فيها حتى وفاته، وأعادت الحكومة التشيكية إليه جنسيته بعد 44 عامًا، لكنه فضّل البقاء في فرنسا التي ظلّ يكتب بلغتها في آخر أعماله.

  2. منحت وزارة الثقافة الفرنسية الشاعر العراقي شوقي عبدالأمير «وسام الفارس في الفنون والآداب» الذي يُعدّ أرفع وسام فرنسي. من دواوينه الشعرية «أبابيل» و«حديث النهر».

  3. أعلنت جائزة «وترستونز» (Waterstones) القائمة القصيرة المرشّحة لها،وتُمنح هذا العام للكتّاب الذين نشروا روايتهم الأولى في الخيال العلمي، دعمًا للمواهب الجديدة.

  4. يُعرض حاليًا في مسرح «فلم فورم» (Film Forum) بنيويورك الفلم الوثائقي «أمبرتو إيكو: مكتبة العالم» (Umberto Eco: A Library of the World) الذي يتقصى حياة الروائي والفيلسوف الإيطالي أمبرتو إيكو. الفلم من إنتاج الإيطالي ديفيد فيراريو.


  1. سيكولوجية الفكاهة والضحك، زكريا إبراهيم

    يدرس المؤلف في هذا الكتاب ظاهرة الضحك من وجهة النظر النفسية والاجتماعية، بوصفه ظاهرة إنسانية خاصة، فالإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يعرف كيف يُضحك الآخرين ويَفهم النكتة ويستخدم الفكاهة. ناقش المؤلف النظريات التي عُنيت بدراسة هذه الظاهرة وتعليلها والدلالات الاجتماعية للضحك، والعوامل الاجتماعية المؤثرة في نمو روح الفكاهة، والظواهر النفسية المرتبطة بالضحك.

  2. فلسفة الفكاهة، تيري إيقلتون

    يناقش الناقد البريطاني تيري إيقلتون نظريات الفكاهة ووظائفها وتطورها الاجتماعي والسياسي وما تقوله الفكاهة عنا. مستشهدًا ومقارنًا بين مجموعة من الدراسات الفلسفية والأعمال الأدبية التي ناقشت أو حملت سمة الفكاهة.

  3. كائن لا تُحتمل خفته، ميلان كونديرا

    أشهر أعمال الروائي التشيكي ميلان كونديرا، تدور أحداث الرواية في فترة الاجتياح الروسي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968 حول أربع شخصيات: رجلين وامرأتين تتأرجح شخصياتهم بين الخفة والثقل في الحب والشفقة والمسؤولية والسيطرة. يستكشف كونديرا حياتهم بسرد فلسفي وصارخ وساخر أحيانًا.

  4. راوية الأفلام، إيرنان ريبيرا لتيلير

    رواية تشيلية تحكي قصة فتاة اشتهرت بقدرتها على إعادة سرد الأفلام. فاختارها والدها الذي لم يكن يملك إلا ثمن تذكرة واحدة ليشتري لها من بين إخوتها الأربعة تذكرة كل فلم جديد يُعرض في السينما حتى تشاهده وتحكيه لهم بعد عودتها، حتى تحوّلت صالة المنزل إلى صالة سينمائية أخرى يجتمع فيها أبناء القرية الذين لا يملكون ثمن تذكرة السينما، ليسمعوا منها حكاية الفلم.

الأدبالرواياتكرة القدمالكتب
نشرة إلخ
نشرة إلخ
منثمانيةثمانية

سواء كنت صديقًا للكتب أو كنت ممن لا يشتريها إلا من معارض الكتاب، هذه النشرة ستجدد شغفك بالقراءة وترافقك في رحلتها. تصلك كلّ أربعاء بمراجعات كتب، توصيات، اقتباسات... إلخ.

+80 متابع في آخر 7 أيام