واقع المحرر العربي الرديء
يبدو لي أن المثقف العربي لا يزال يُخفِق في عملية التبيئة لفكرة المحرر الأدبي بما يناسب قيم سوق الكتاب العربي.
واقع المحرر العربي الرديء
«نحتاج إلى محرّر أدبي لتحسين منتجنا الروائي»، هذا ما يقوله أحد المثقفين المخضرمين الذين ضمرت أعينهم بفعل القراءة ولانت عظامهم من فرط الجلوس، ولكن هذا المثقف ليس الوحيد الذي يقول ذلك، ففي عالمنا العربي مقولات مفصلة وجاهزة للاستهلاك في مختلف المناسبات الثقافية؛ لأنها تلقى قبولاً كبيراً في الوسط نفسه، وهي عبارات يرونها صحيحة دائمًا وفي كل سياق، ولا يبدو أن هناك من أخذ على عاتقه مراجعتها، والأمثلة على ذلك كثيرة.منها: «لدينا مشكلة نص ولذلك أفلامنا سيئة»، أو «لدينا إنتاج روائي ضخم!»، أو «التعصب الديني أساس تأخّرنا» إلخ.. وكلها عبارات لا تستند إلى ما يدعمها إحصائيًا أو إلى حجج أخرى.. ومن هذه المقولات أيضًا احتياجنا إلى محرر أدبي لإنتاج روايات أكثر جودة. لست هنا أقول بصحة أو خطأ هذه الأفكار، بل أشير إلى تداولها في الوسط الثقافي على أنها مقولات تحمل حجتها معها بالنسبة لقائليها، وكأنها أفكار صحيحة بدهيًّا، لكن إن كنا تعلمنا شيئًا في الاشتغال الثقافي فهو أن الأفكار التي نظنها بدهية هي الأشدّ تعقيدًا، وهي ما يستحق التمحيص والمجادلة.
أتساءل مَن المحرر الأدبي؟ كيف يصبح أحدنا محررًا أدبيًّا؟
فيما يخص الجانب الأكاديمي، ليس هناك تخصص أكاديمي تقليدي عنوانه «التحرير الأدبي»، لكن قد توجد برامج أكاديمية بدرجات أقل كالدبلوم أو غيرها، ولكن كل هذا اعتباطي، فبإمكان أي مؤسسة أكاديمية تكوين برنامج أكاديمي تنطوي تحته جملة من «الكورسات» أو الموضوعات وينال مجتازوها درجة أكاديمية في التحرير الأدبي. التخصصات الأكاديمية اعتباطية أيضًا، أي: بإمكان أي مؤسسة تكوين برنامج أكاديمي في أي موضوع من موضوعات المعرفة وإطلاق اسم عليه، إذ لا توجد هذه المعارف منفصلةً في الواقع، فأنت لا ترى شجرة على الشارع وتشير إليها قائلًا «أحياء»، أو ترى سيارة فتقول «هندسة ميكانيكية»، أو لوحة لمطعم فتقول «تسويق»، بل ترى في ذلك تسطيحًا صارخًا لظواهر الحياة المعقّدة، وتدرك أن لهذه الظواهر شبكة معقدة من السياقات، حتى السيارة هي أيضًا موضوع اجتماعي أو سياسي أو ديني أيضًا، ولكن هذا الفصل بين المعارف الموجود في المؤسسات الأكاديمية إنما هو لغرض تأطير موضوع الدراسة وفق منهج محدد ومن ثَمّ تسهيل فهمه، وهي أيضًا سائلة قابلة للتغيّر أو التفرّع مستقبلًا. والسؤال الأهم هو: ما تلك الموضوعات التي يدرسها المتخصص الأكاديمي في التحرير الأدبيّ، والتي تجعله محررًا أدبيًّا كفؤًا؟
يبدو لي أن محاولة فهم هوية المحرر الأدبي ودوره وسلطته المعرفية والمهنية من الناحية الأكاديمية غير واردة، وإشكاليّة أيضًا. من الصعب منح استحقاق معرفيّ يثبت كفاءة فردٍ في موضوع مثل التحرير الأدبي، حيث إن مجال اشتغاله هو الحقل الإبداعي الذي لا يمكن حصره أو القبض عليه. تمامًا مثل النقد الأدبي، ففهم النظريات النقدية المعرفية والإلمام بتاريخ الأفكار غير كافٍ لتقديم قراءة نقدية جيدة لكل رواية، أو لأيّ رواية. كذلك التحرير الأدبي، فمعرفة الحبكة وأنواعها ودورها في الرواية وبقية العناصر الأخرى لا يعنى قدرة المحرر وكفاءته في التحرير الأدبي عمليًا.
ما يبدو أكثر منطقية لي هو أن ينال المحرر الأدبي صفته من خلال المؤسسات الثقافية، وأكثر تلك المؤسسات صلابة في سوق الكتاب العربي وفي هذا الشأن تحديدًا هي دور النشر. وبما أن التحرير مهارة عملية، فالمحرر يكتسب أهمية دوره من خلال الممارسة العملية مع دور النشر، ويكوّن كل محرر رأس ماله الأدبي ودوره من خلال ما أنجزه من تحرير لأعمال أدبية، وهذا ما قد يلتقي فيه محرر سوق الكتاب العربي والأمريكي، ولكنهما يفترقان في نقطة أخرى، وهذا ما أود التطرق إليه. وقد اخترت سوق الكتاب الأمريكي في المقارنة، لظني أنني أشد فهماً له من أسواق الكتب الأخرى.
يبدو لي أن المثقف العربي لا يزال يُخفِق في عملية التبيئة (نقل فكرة من بيئة أخرى إلى بيئته) لفكرة المحرر الأدبي بما يناسب قيم سوق الكتاب العربي؛ ولذلك نجد مَن يحاول أن يظفر بهذا اللقب أو وظيفته يعلّق على نصوص أدبية مختلفة في وسائل التواصل الاجتماعي بلغة غير واضحة، ويشير إلى أن عمله هو أن «يصقل» النص و«يحسّن» من بنائه و«يختبر» سلاسة النص و«منطقية» شخصياته، وغيرها من التعبيرات البلاغية التي لا يمكن اختبارها ولا تحويلها إلى ممارسة عمَلية، بل هي محاولة مخجلة لكسب شرعية معرفية لنيل لقب المحرر الأدبي وما يملك من سلطة على النص في العالم العربي.
ولكن، في الجانب المقابل، نجِد أن المحرر الأدبي في سوق الكتاب الأمريكي مثلًا متّسق تمامًا مع مبادئ مشهده الثقافي المحكوم بقيَم السوق. لا أستطيع فهم فكرة المحرر الأدبي أصلًا خارج قيم السوق، ولذلك يبدو ظهور المحرر الأدبي هناك طبيعيًا ومنطقيًا. ما يفعله المحرر الأدبي هناك خاضع لما تمليه قيم السوق، كما هو كل شيء في عملية إنتاج الكتاب. يؤدي هذا المحرر كل ما يحاول المحرر العربي عمَلَه، لكن مع وجود مؤشرات واضحة لقياس أدائه، وهي: نجاح مبيعات الكتاب وجعلُه عملًا جيّدًا ورائجًا أيضا، فمنشأ عمل المحرر الأمريكي هو أن النص سلعة، وليس ضرورةً أن يكون سلعة تجارية خالصة، بل سلعة تقاس جودتها بالأرقام: كالمبيعات، والتفاعل مع النص في وسائل التواصل والصحف، والجوائز… إلخ. وأنا هنا لست بصدد الانتقاد، بل بغرض تبيان اتساق نشوء الأفكار وممارستها مع منظور الأفكار والقيم التي أنتجتها، أي: أن المحرر الأدبي فكرة تتسق مع مجتمع تحكمه قيم السوق، ولذلك فإن معنى النجاح الوحيد هو النجاح بلغة الأرقام .
كيف يستطيع المثقف العربي تبيئة فكرة المحرر وموضعته في المشهد بشكل يناسب نظرته للعملية الثقافية؟ هو بكل تأكيد يرغب في وجود هذا المحرر الأدبي (لا أعلم لماذا، ربما لوجوده في الحالة الثقافية الغربية، ولاعتقاد هذا المثقف بنجاعة الحالة الثقافية هناك)، ولكنه لا يرغب في تسوية أسباب وجود هذا المحرر والحالة الثقافية العربية، وبخاصة أن هناك مفارقة واضحة بين نشوء المحرر في الغرب ونشوئه هنا. في المشهد الثقافي العربي، يجرِّم ويحارب المثقف فكرة الشعبوية والجماهيرية، ويعلي من مفهوم النخبوية، فكيف نوفّق بين من يريد تحسين المنتج الروائي من خلال المحرر الذي معاييره الأساسية هي قيم السوق، وهي قيم شعبوية وجماهيرية يحتقرها المثقف العربي؟ يبدو أن هذه مفارقة صعبة التجاوز، ولكن هناك مقترح قد يُسهِم في حلحلة هذا الإشكال.
قد يكمن المخرج من هذه المفارقة في تنحية حكم القيمة للمحرر الأدبي المُختزَل في ثنائية الجيّد والرديء، وتحويل المحرر الأدبي إلى مُشارِك في قيادة المؤلف إلى قول ما يريد قوله بأفضل طريقة ممكنة يقرها المؤلف نفسه. أي: وظيفة المحرر تكون في التواصل المباشر والمستمر مع الروائي لفهم النص وما يريد الروائي إيصاله والصورة التي تكون عليها روايته، ويكون ذلك بتراضي الطرفين. وهذا في الواقع ما يفعله محررو إحدى أكبر دور النشر في العالم «بنغوين»، إذ يقضون جل وقتهم في الحديث مع صاحب النص، وليس كما يعتقد المحرر العربي أنه ذو سلطة عليا على النص، وهو الأقدر على تغييره دون استشارة صاحبه.
تضمن هذه العملية وجود محرر أدبي بخدمات واضحة، فالمحررون الأدبيون ضمن هذه الممارسة لا يُصنَّفون على طيف الجودة فقط بين جيّدين وسيئين، بل يتوافر محرّرون لهم خبرة كافية في روايات الخيال العلمي مثلًا، وآخرون في روايات من صنف آخر، أو ذات بيئة محددة، أو أي تصنيف آخر يتجاوز التصنيفات الكلاسيكية. ويستطيع الروائي معرفة سيرة المحرر الأدبية وما حرر من أعمال ليختار بناء على ذلك من هو الأنسب لتحرير نصه وإيصاله إلى الصورة المطلوبة التي يرتضيها.
قد يكون هذا المقترح مهلهَلًا، ولكن قد يكون أيضًا خطوة أوّليّة لتقويم مفهوم المحرر الأدبي بما يناسب سوق الكتاب العربي المليء بالعلاّت.
أعلنت جائزة البوكر الدولية قائمتها القصيرة لعام 2023. وضمت ستة أعمال روائية تُرجمت للإنقليزية. وتعد الجائزة التي تمولها مؤسسة البوكر من أعرق الجوائز البريطانية في مجال الترجمة، وتمنح سنويًا منذ 2016 لرواية أو مجموعة قصصية تُرجمت إلى الإنقليزية ونُشرت في بريطانيا وإيرلندا. تبلغ قيمة الجائزة 50 ألف جنيه إسترليني وتُقسّم بين المؤلف والمترجم.
قلدت وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبدالملك الكاتب والروائي اليمني علي المقري بوسام الفنون والآداب الفرنسي بدرجة فارس المقدَّم مِن الجمهورية الفرنسية، وهو أهم وسام تمنحه الجمهورية الكتّاب والمثقفين. يُعد المقري من أهم الروائيين اليمنيين، تُرجمت رواياته إلى الفرنسية والإيطالية والإنجليزية والتركية كما وصلت رواياته إلى الجائزة العالمية للرواية العربية.
تعرض في الثاني من نوفمبر على نتفلكس، السلسلة القصيرة «كل الضوء الذي لا يمكننا رؤيته» المقتبسة من رواية أنثوني دور الشهيرة «كل الضوء الذي لا يمكننا رؤيته» الفائزة بجائزة البوليتزر 2015.
أدوات الكتابة: 49 استراتيجية ضرورية لكل كاتب، روي بيتر كلارك
يرى المؤلف أن الكتابة حرفة يمكن تعلّمها أكثر منها موهبة استثنائية. وبوصفها مهنة فهي تحتاج إلى بعض الأدوات لإتقانها، فجمع 50 أداة لا ليتقيّد بها الكاتب كقوانين لا تقبل الخروج عنها، بل ليوظفها وفق حاجته، في الكتابة القصصية والشعرية والصحافية والمقالات وغيرها، مع مجموعة من التمرينات والأسئلة في نهاية كل أداة.
تقنيات كتابة الرواية، نانسي كريس
يقدم الكتاب تقنيات عملية لكتابة الشخصيات في العمل الروائي، حيث ترى المؤلفة أن الشخصية هي المفتاح والقاسم المشترك في القصص الخيالية، وتعتمد عليها بقية مكونات القصة. واستعانت المؤلفة بأمثلة توضيحية من الأدب العالمي مع تمرينات عملية في نهاية كل فصل.
الزن في فن الكتابة، راي برادبيري
على خلاف التوصيتين السابقتين، فإن الكاتب الأمريكي راي برادبيري لا يقدم أدوات تقنية مباشرة في الكتابة بقدر ما يحكي سيرة ذاتية حافزة عن تجربته الشخصية في الكتابة وخلاصة تأملاته حولها، ومتعة أن تكتب، فالكتابة بالنسبة إليه لذة ومتعة وحب ولهو. الكتاب يضم مقالات متنوعة، وترجمها مجموعة من المتطوعين.
عزيزي الكاتب، ريكاردو بوزي
كتاب لصحافي إيطالي اختار 50 كتابًا من أشهر الكتب الكلاسيكية مثل كتب شكسبير ودوستويفسكي وأفلاطون وفرويد، سائلًا: ماذا لو أرسل هؤلاء الكتّاب أعمالهم لدور النشر اليوم؟ فكتب خمسين رسالة رفض متخيّلة من دور النشر بأسلوب ساخر ونقد مبطن.
سواء كنت صديقًا للكتب أو كنت ممن لا يشتريها إلا من معارض الكتاب، هذه النشرة ستجدد شغفك بالقراءة وترافقك في رحلتها. تصلك كلّ أربعاء بمراجعات كتب، توصيات، اقتباسات... إلخ.