أسابيع قليلة تفصلنا عن معرض الرياض الدولي للكتاب. ولكونه أحد أهم المعارض وأبرزها في المنطقة، فإنه يجتذب الآلاف لاقتناص مؤونة من الكتب، أو الالتقاء بأصدقاء تفصل بينهم المسافات، أو حتى أمثالي الذين يستغلون الفترة لتجربة المطاعم التي يقسم أصدقاء الرياض على «رهابتها».
لكن حد التوصيات لا يتوقف على شاورما «ماما نورة» وبروست «الكوخ». فالمعرض فرصة يستغلها الراغبون بفرض عضلات وعظهم القرائية، وحيث تتوالد توصيات تويترية لعناوين ومؤلفات يقال إن على رواد المعرض اقتناصها لئلا يفوتهم نصف عمرهم.
ولست أعني هنا جهد دور النشر أو الأفراد في إعلان ما سيتوفر في المعرض، فهذا جهدٌ مشكور في ظل ضعف علاقة كثير من دور النشر بالإنترنت وشبكات التواصل أساسًا. بل أشير إلى الظاهرة المتمثلة في إرفاق قوائم كتب يُلحِق واضعوها أو مروجوها قيمةً مطلقة بها، فتصبح العناوين بحد ذاتها هي الغاية والمُنى. وإن لم يغتنمها القارئ فوّت على نفسه اكتساب هذه القيمة.
ليس من الصعب إدراك الافتراضين الإشكاليين في هذه الفكرة: الافتراض بأنَّ القارئ خامل، وافتراض سموّ الكتاب المقترح على غيره من الكتب. ذلك أن ربط قيمةٍ مطلقة بكتاب يعني عزله عن أي سياقات نشأ فيها، كما أن ربط اكتساب القيمة بالقراءة يعني افتراض علاقة أحادية بين النص وقارئه. وهذا يؤدي إلى تهميش أمر أساسي في أي قراءة معرفية: عملية خلق المعنى التفاعلية بين القارئ والكتاب.
وأهم ما يغيب عن قوائم التوصية هذه أسئلة «لماذا؟»، مثل: لماذا أقرأ هذا الكتاب؟ هل وقعتُ عليه عن طريق اهتماماتي الخاصة، أم اطلعت عليه بناء على توصية لا أدرك دوافعها؟ لماذا تضمنت القائمة عنوان كتاب الفلسفة هذا دونًا عن غيره؟ لماذا يفترض بي أن أشعر تجاه الكتاب كما قيل؟
والحقيقة أن هذه الـ«لماذا» ستدفعك كقارئ إلى التأمل: هل أنت منساقٌ وراء تيار أو موضة ما في اختيارك للكتاب، أم أنت قادرٌ على رسم خارطة قراءاتك بنفسك؟
فإعداد القائمة لا يقتصر على قبول سلطةٍ معرفية يصعب الفرار منها، بل يتجاوزه لتصورات مثالية عن القراءة. وهذه التصورات تسلب القارئ ثقته وفاعليته في الإمساك بزمام اطلاعه، وتحرمه تولد المعرفة عن طريق التفاعل المستمر بينه وبين محيطه.
لذا، قبل ذهابك إلى المعرض، ضمّن ما تريده أنت في قائمة الكتب التي تود قراءتها قبل أن تموت.
مقالات أخرى من نشرة أها!
قيّمنا واكسب خمسة يورو
كمستهلك، يجب أن تكون متشككًا دومًا لدى مشاهدتك تقييمات مبالغ فيها أو لدى قراءتك لكمٍّ هائل من التعليقات الإيجابية.
أنس الرتوعيذعر الحياة دون اتصال إنترنت
بات السؤال الأهم متى وجدت نفسي على أعتاب ممارسة جديدة أو اقتناء الأشياء: هل تلك الممارسة أو ذلك الشيء متنقل وقابل للخضوع لعالم انقطاع النت؟
حسين الإسماعيلكيف تميز القارئ المبتدئ من بين ألف قارئ؟
مثلما أن القراءة عن تاريخ رياضة السباحة لن يجعلك سباحًا ماهرًا، فإن القراءة عن الفلسفة والفكر لن تجعلك فيلسوفًا.
حسين الإسماعيللماذا نسكب الحليب في المتاجر!
رغم موقفي الصحيّ من منتجات الألبان، إلا أنني لا أفهم تصرفات بعض الناشطين المدافعين عن حقوق الحيوان، ووقوفهم وراء انتشار ظاهرة سكب الحليب.
أنس الرتوعيزمن العطالة الروبوتية
تنبئنا الأخبار بحلول الروبوتات في الكثير من الوظائف، ما يهدد بمستقبل تحكمه البطالة البشرية. لكن كيف سيستفيد السوق من اختفائنا كمستهلكين؟
أشرف فقيهالموظف السحّيب على لينكدإن
ثقافة لينكدإن التي تقدّس كل ما يمكن إضافته للسيرة الذاتية، جعلت الحياة الوظيفية وتفرعاتها أولوية «طبيعية» عند الموظف يرتب حياته وفقها.
حسين الإسماعيل