كيف أثّرت نتفلكس في كتابة الرواية
لن ندّعي أنّ المؤلِّفَين قد كَتبا روايتيهما رغبةً في أن تتحوّل إلى مسلسلات. لكن ذلك لا يمنع من أنّها خرجت جاهزةً ليقتبسها صنّاع نتفلكس.
حبكة التشويق المتقطّع.. هل أثّرت نتفلكس في الرّواية الفرنسية الجديدة؟
ليس جديدًا على الكتابة ما نسمّيه هنا «حبكة التشويق المتقطّع»، ذاك أنّ التشويقَ هو السّمة البارزة في الحكايةِ (أمّ كلّ كتابةٍ). والتقطّعَ هو التقنية التي يعمد إليها الراوي للتّحكم في إيقاع نصّه، وللتّلاعب بأهواء جمهوره وانفعالاتهم. وعلى خلاف ناقل الخبر المائل إلى الاقتصاد، وإيصالِ المعلومة بأقلّ العبارات وفي أسرع وقت؛ قد تكون غاية كلّ راوٍ تطويل حكايته إلى أقصى ما يمكن، حتّى إنّ راويًا مثاليًّا، وحكايةً كاملةً قد تكون هي حكاية لن تنتهي.
بإطالة أمد الحكي يطيل الراوي وجودَه، ويديم سيطرته على السّامع. من شهرزاد التي جعلت شهريار تابعًا، إلى الجدّة التي تديم هيمنتها على الحفيد، وتضمن انصياعَه بتطويل الحكاية وإدامتها إلى أقصى حدّ… وقد أفادت الكتابة الروائية غاية الإفادة من كثيرٍ من تقنيات التشويق المعتمدة في الحكاية. غير أنَّ السمة الأساسية المتمثّلة في تقطيع المتن على مراحل زمنية، أي حكي الحكاية على دفعات، يظلّ مستعصيًا على الكتابة الرّوائية، ما دامت هذه الكتابة لا تخاطب -على خلاف الحكاية- جمهورًا مباشرًا، تجمعه بالرّاوي علاقة مواجهة.
وقد يخلق الرّوائي ذاك التقطع في الزّمان المشترك بينه وبين القارئ، عبر استثمار حوامل الاتّصال في زمنه. ولنا مثلٌ في روايات ألكسندر دوما التي كانت تُنشر على حلقات في الجرائد، فيضطر القارئ إلى الانتظار أسبوعًا كاملًا ليواصل الحكاية، ويتابع مصير البطل. ولا بدّ لهذا التفاعل بين النصّ والحامل من أن يؤثّر فيهما معًا؛ فقد تغيّرت سياسة الجرائد في القرن الثامن عشر، وشريحة الجمهور الموجّهة إليه، كما تغيّرت سياسة الكتابة السردية.
على المنوال نفسه يُطرح اليوم نقاشٌ بخصوص التأثير المتبادل بين الحوامل البصرية الحديثة (منصّات المسلسلات والأفلام) والكتابة الروائية المعاصرة. ربّما تكون علاقة التأثير في أحد الاتّجاهين بديهية، نقصد تأثير الروايات في المنصّات، ذاك أنّ منصّةً كنتفلكس، خاضعة لمنطق المنافسة، وتسعى ما أمكن إلى أن توفّر الجديد للمشاهد، لا بدّ لها من أن تنظر جهة المتون السردية المتوفّرة، فتحاول استثمارها واقتباسها، مطوّعةً إيّاها لبنيتها التشويقية. غير أنّ التّأثير في الاتّجاه الآخر، وإن كان غير بديهيّ، فإنه بات اليوم يُطرح للنّقاش، وتبرز ملامحه في عديد من الأعمال الصادرة مؤخّرًا.
لنا مثلٌ لما سبق في عملين صدرا مؤخّرًا في اللّغة الفرنسية، ولقيا نجاحًا باهرًا، هما رواية «الخلل» (L’Anomalie) لهرفي لو تولييه (صدرت عن دار الآداب)، ورواية «الأطفال ملوك» (Les enfants sont rois) لدلفين دو فيقان (صدرت عن منشورات تكوين). والرّوايتان معًا لا يبدو عليهما تأثير التقطيع التشويقي البصري فحسب، وإنّما تعالجان مواضيع أثيرة لدى منصّات الأفلام والمسلسلات.
تحكي «الخلل» قصّة إخفاء طائرة، ثمّ ظهور نسخةٍ أخرى منها، حاكيةً مصائر الشّخصيات، حكيًا فيه الكثير من الكليشيهات التي نصادفها في المسلسلات أكثر ممّا نصادفها في الأدب. حتّى إنّ علاقة المؤلف بشخصياته تبدو أقرب إلى علاقة كاتب سيناريو مسلسل، إذ يعتني اعتناءً بخلق الظّروف المناسبة ليستمرّ مصيرها في اتّجاه السّرد. ناهيك بأنّ نموذج الشخصيات نفسها، وباعتراف الرّاوي منسوخ عن نماذج هوليودية (قاتل متسلسل، شيخ يحبّ شابّة، محامية سوداء تعشق صحفيًّا ذا أصول ألمانية وجدّه ناجٍ من الهولوكوست…).
أمّا الرّواية الثانية، وهي بالنّسبة إليَّ أقوى أدبيًّا من رواية «الخلل»، فتعالج موضوع تأثير الوسائط الاجتماعية فينا وتأثيرها في مصائر البشر، ملقية الضّوء على الاستغلال الذي يتعرّض له الأطفال من طرف أوليائهم، بغاية تحقيق الأرباح من الوسائط. والرواية وإن كانت تعتمد تقنياتٍ سردية حديثة يبدو عليها جهد الاشتغال، فإنّها لم تنفلت من تأثير التصوير التشويقي، وكذا قدّمت نماذج شخصيات تشبه ما نصادفه في المسلسلات والأفلام.
لن ندّعي بالطّبع أنّ المؤلِّفَين قد كَتبا روايتيهما رغبةً في أن تتحوّل إلى مسلسلات على نتفلكس، أو غيرها من المنصّات. لكن ذلك لا يمنع من أنّها خرجت جاهزةً ليقتبسها صنّاع نتفلكس، وتحمل كلّ سمات العمل المناسب لمستهلكي المنصّة.
على الرغم من كلّ ما تدّعيه الكتابة الرّوائية من انشغالها بهواجسها الخاصّة، ومن أنّها عالمٌ مكتفٍ بذاته؛ فإنّ تأثير الجوّ العامّ، وطبيعة القارئ، والغاية المضمرة التي لا تنتمي إلى المقاصد الفنيّة ولا الإيديولوجيا، لا بدّ أن تترك أثرها في الرّواية. ألم تؤثّر الجوائز الأدبية مثلًا في شكل الرّواية العربية؟ زد على ذلك كلّه أنّ المعنيّ المباشر في الحالتين معًا، أي المتلقّي، قارئًا للرواية أو مشاهدًا للمسلسل، قد بدأت تنتفي لديه الحدود. ألم نصادف كثيرًا في الآونة الأخيرة أعمالًا روائية ختمَ النّاشر على غلافها بختم نتفلكس؟
عن عمر ناهز الثمانية والثمانين عامًا، تُوفي في الثالث من مارس الكاتب الياباني كينزابورو أوي الحائز على جائزة نوبل للآداب. ودفن في مراسم عائلية حسبما أعلن عنه ناشره «كودانشا» (KODANSHA). ويعد أوي من أهم الكتاب في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وأحد رواد حركة التجديد الأدبية.
حظيت الأفلام المقتبسة من أعمال أدبية بحصة الأسد في حفل توزيع جوائز الأوسكار لهذا العام. إذ اقتنص فلم «أول كويت أون ذا ويسترن فرنت» (All Quiet on the Western Front)، المقتبس من رواية «لا جديد على الجبهة الغربية» (Im Westen nichts Neues) أربع جوائز أوسكار، من ضمنها جائزة الأوسكار لأفضل فلم أجنبي. كما فاز فلم «ومن توكن» (Women Talking) المقتبس من رواية «حديث النساء» للكاتبة الكندية ميريام تيفز بجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو مقتبس. في فئة الأفلام المتحركة، فاز فلم «قييرمو دل توروس بينوكيو» (Guillermo del Toro’s Pinocchio)، والمقتبس عن الرواية الشهيرة «بينوكيو» بجائزة الأوسكار لأفضل فلم رسوم متحركة طويل. فيما ذهب أوسكار أفضل فلم رسوم متحركة قصير إلى فلم «ذا بوي، ذا مول، ذا فوكس» (The Boy, the Mole, the Fox) المقتبس من رواية بالاسم نفسه «الولد والخلد والثعلب والحصان» للكاتب شارلي ماكسي.
صدرت هذا الشهر المجموعة القصصية الجديدة للكاتبة الكندية مارقريت أتوود، وذلك بعد تسع سنوات من آخر مجموعة قصصية لها. في «رُضّع كبار في الغابة» (Old Babes in the Wood)، التي تضم سبع قصص، بعضها نشر في مجلة «النيويوركر» (The New Yorker). تكتب أتوود عن الروابط العائلية، وعن الفقدان والذاكرة، وعما يعنيه أن تقضي الحياة معًا.
أعلن مؤخرًا عن القائمة الطويلة لجائزة «أدب النساء» (Women's Prize for Fiction). وهي جائزة مخصصة للروايات التي كتبها نسوة فقط. وقد ضمت الجائزة تسع بواكير روائية -روايات أولى- بالإضافة إلى كاتبتين فازوا بالجائزة من قبل؛ البريطانية مارقريت أوفرال والأمريكية باربرا كينقسولفر. تبلغ قيمة الجائزة 30 ألف جنيه إسترليني، وسيعلن عن الفائزة شهر يونيو المقبل.
رواية «الخلل» (L'Anomalie)، هرفي لو تلييه
رواية للكاتب الفرنسي هرفي لو تلييه. حصلت الرواية على جائزة القونكور لعام 2020.رواية «الأطفال ملوك» (Les enfants sont rois)، دلفين دو فيقان
رواية للكاتبة الفرنسية دلفين دو فيقان. صدرت الرواية عام 2021.مسلسل «إنتو ذا نايت» (Into the Night)
مسلسل خيال علمي بلجيكي، بدأ عرضه في 2020. ويحكي قصة كارثة كونية مفاجئة تقع في أثناء رحلة ليلية تقلع من بروكسل تحاول النجاة من أشعة الشمس القاتلة.مسلسل «بلاك ميرور» (Black Mirror)
مسلسل خيال علمي بريطاني، بدأ عرضه في 2011. وتتناول حلقاته ديستوبيا التقنية، وتداعيات هيمنتها على حياة الإنسان.
لغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.