الذكاء الاصطناعي والغباء الطبيعي!

بعيدًا عن الغباء المحلي فإنَّ أمريكا، ستتمكن من انتخاب روبوت يحكمها. وهذا يعني أنه من الصعب وجود أشخاص مثل بايدن مستقبلًا.

يُقال -والعهدة على آفة الأخبار- إنَّ مخترع المسدس بعد أن فرغ من اختراعه قال: الآن يتساوى القوي والضعيف، وفي رواية أخرى «الشجاع والجبان». وإن كنت أميل إلى الرواية الأولى، لأن الجبان جبان حتى وهو يحمل مدفعًا. والشاهد في هذه القصة أن «الذكاء الاصطناعي» هو النقلة القادمة التي ستغير العالم تغييرًا لا يعلمه إلا الله.

ولست أخشى هنا من تلاشي الوظائف والأعمال التي كان يؤديها الإنسان، ولا أن تصبح الحياة بكل تفاصيلها وأعمالها في يد حفنة من البشر يديرون الكوكب بواسطة تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وبقية الخلق مجرد كائنات سائبة لا عمل لها. ولكني أخشى أن تأتي اللحظة التي يقول فيها أحدهم: الآن يتساوى الذكي والغبي؛ وهذه مشكلة أكثر تعقيدًا من مشكلة البطالة واضمحلال الأعمال التي يؤديها البشر. لأن الغباء والأغبياء هم القلة الباقية التي تحفظ لعالمنا توازنه، ستكون الحياة دون وجود الأغبياء جحيمًا لا يطاق.

ومما يزيد الأمر تعقيدًا أني أجزم أن الغباء منتج بشري لا يمكن أن ينتج إلا عن طريق الإنسان شخصيًّا. لا يمكن للعلم مهما تقدم أن يصل إلى مرحلة اختراع «الغباء الاصطناعي» الذي سيحافظ على التوازن في ظل تلاشي الأغبياء بسبب ثورة «الذكاء الاصطناعي». وعلى سبيل المثال، فلو كنت صاحب قناة تلفزيونية من القنوات السعودية -التي تعرفون- فسيكون الأمر مرعبًا حين أتخيل أن البرامج الرياضية التي أنتجها، والتي تقتات على التعصب الرياضي والآراء البلهاء والخبراء الذين لا يفقهون شيئًا في كرة القدم ولا في غيرها من الرياضات؛ ستعتمد على روبوتات دون حاجة إلى الإعلاميين الرياضيين الذين تعتمد عليهم حاليًا. ومرد هذا الرعب من تخيل مستقبل كهذا، هو إيماني بأنه العلم لا يمكن أن يصل إلى مستوى من التقدم يتيح له تصنيع شيء مشابه للغباء الطبيعي الذي ينتجه العقل البشري، بمجرد أن يصبح حامل هذا العقل إعلاميًّا رياضيًّا.

وبعيدًا عن الغباء المحلي فإنَّ أمريكا، وهي أحد معاقل الذكاء الاصطناعي، ستتمكن من انتخاب روبوت يحكمها. وهذا يعني أنه من الصعب وجود أشخاص مثل بايدن مستقبلًا، لأنه يستحيل صناعة شيء يشبهه، ويستحيل على معامل الأبحاث المتقدمة أن تنتج عقلًا يملك ملايين الخلايا دون أن يفكر. وأمريكا مع رئيس ذكي يمكن أن تسبب الأذى للعالم والبشرية والمخلوقات كافة. وهذا هو الأمر المقلق حقًا.

وكما تعلمون أيها الكائنات البشرية المغلوبة على أمرها، فإن «تشات جي بي تي» (Chat GPT) أحدُ أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يكثر الحديث عنها هذه الأيام. وتبدو فكرته مرعبة بعض الشيء، لأنَّه يمكنه التحليل وليس البحث فقط، ويستطيع أن يجيب عن الكثير من الأسئلة ويقترح الحلول للمشكلات. وبلغ من الذكاء مبلغًا يمكنه أن يشبه البشر في اختراعه لمشكلات يمكن توائم الحلول الموجودة، أو اختراع حلول لمشاكل غير موجودة. ويمكن لهذا التطبيق أن يكتب الأبحاث والمقالات، ومع أنه يفترض أن تساورني المخاوف والقلق حيال دخوله الذكاء الاصطناعي هذا المجال، فإنني مطمئن لأسباب سبق ذكرها آنفًا تتعلق بما لا يمكن صناعته.

Giphy 54
التعاقد مع لاعب روبوت / Giphy

الأمر الذي أريد أن أراه قبل أن أغادر الدنيا، هو مشاهدة روبوتات يمكن أن يجري التعاقد معها لتلعب كرة القدم. وأن يشتري نادي الاتفاق مجموعة منها تكون بالغة الذكاء والعبقرية، إلى الدرجة التي تمكّنها من فهم أنّها يجب أن تمرر الكرة إلى اللاعب الذي يرتدي لون القميص نفسه الذي ترتديه. وهو الأمر الذي يعجز لاعبو الاتفاق عن فهمه وإدراكه حتى هذه اللحظة.

وعلى أي حال، فقد يسمح لي ذكائي الطبيعي بالتنبؤ بما قد يحدث مستقبلًا، بعد أن تصبح تطبيقات الذكاء الاصطناعي موجودة في تفاصيل حياة الناس كافة. وأجد أنه من واجبي تجاه البشرية أن أبث رسائل محفزة وطاقة إيجابية تطمئنهم على مستقبلهم. ولذلك أقول إنَّ الأمر ليس خطيرًا كما تتوقعون، ولن يشكل تهديدًا يذكر للأعمال التي برع فيها الإنسان، وسيطر على كل أدواتها دون أن يشاركه غيره من المخلوقات. ولن تكون هذه الاختراعات سببًا في تغيير الحياة أو الطريقة التي يسير بها الإنسان كوكبه. فلن يسلب أي تطبيق واختراع من الإنسان قدرته على إشعال الحروب والدسائس والفتن. ولن يستطيع أي اختراع أن يسلب من الإنسان موهبته في القتل والتشريد والإبادة والاستبداد والظلم والطغيان والفساد. هذه منتجات بشرية لن يكسد سوقها، وستبقى في يد الإنسان مهما تقدم العلم، وأيًا كانت أعداد المصنوعات الذكية، والتطبيقات التي تريد أن تشارك الإنسان أفعاله وأعماله وحتى أقواله وأفكاره.

سيبقى الإنسان الغبي غباءً طبيعيًّا فطريًّا نقيًّا مسيطرًا على مفاصل كل شيء، وسيكون له وحده حق إفساد الحياة حتى يُنفخ في الصور. وسيبقى لاعبو الاتفاق يمررون الكرة إلى لاعبي الفريق المنافس، أكثر مما يمررونها بعضهم إلى بعض. هذه سنن كونية لا يمكن أن تتبدل؛ فلا تقلقوا.

الإنسانالذكاء الاصطناعيالروبوتالمستقبلالرأي
نشرة الساخر
نشرة الساخر
منثمانيةثمانية

الحياة أقصر من أن تستفزك تغريدة على إكس. هذه النشرة من أجل استفزازك بطريقة أخرى!