من «ثلاث» فصول ما جاني خبر!
قد يذهب الطالب إلى مدرسته صباحًا وفق فكرة وهدف تسعى الوزارة من أجله؛ ويعود إلى منزله ظهرًا وقد غيرت الوزارة أفكارها.
في الأسبوع الفائت لاحظت بداية تحركات غير طبيعية في منزلنا. وبعد أن أجريت بعض التحريات عرفت أن تلك التحركات بسبب أن الاختبارات النهائية لأحد الفصول الدراسية قد أصبحت على الأبواب. وقد فاجأني الأمر لأني لكثرة الفصول ومواسم الامتحانات والإجازات الطويلة والقصيرة؛ لم أعد أكترث ولا أحسب الأيام ولا أهتم بعدد الليالي.
والحقيقة أني أشعر بشيء من الحرج من وزارة التعليم الموقرة، لأن فكرة الثلاثة فصول دراسية لم تعجبني، ولم تعجب المعلمين ولا الطلاب ولا حتى جدران المدارس وساحاتها. لكن عدم ارتياحنا زرافات ووحدانًا لهذا التنظيم لا يعني شيئًا، فالمهم والطبيعي أن تكون الوزارة نفسها مقتنعة ومؤمنة بالفكرة. سيكون الوضع مقلقًا ومحرجًا إذا كانت الوزارة نفسها تشعر بعدم الارتياح مثلنا تمامًا؛ ولكنها تظن أننا مرتاحون، وتضحي براحتها وقناعاتها من أجل راحة الناس.
والناس الذين لا تعجبهم فكرة الفصول الثلاثة لا يفعلون ذلك لأنَّهم يكرهون الرقم ثلاثة، أو لأنهم يحبون الأرقام الزوجية، أو لأنهم يتفاءلون بالرقم اثنين. الفكرة ببساطة أنهم إما أولياء أمور أو معلمون أو طلاب، وكل هؤلاء يجدون أن ثلاثة فصول دراسية تشتيت غير مبرر لجهودهم جميعًا. وأنا هنا لا أعمم، لأنه من المؤكد يقينًا وجود من تروق له الفكرة ويجد أنها شيءٌ مهمٌّ وفتحٌ عظيمٌ في طرائق العلم والتعليم. ولكني لم أقابل ولم أقرأ ولم أسمع، منذ بداية تطبيق القرار، شخصًا يؤمن بهذه الفكرة باستثناء المتحدثين باسم وزارة التعليم. وهذا وضع طبيعي فلو كنت موظفًا في الوزارة، ومهمتي التي آخذ راتبي من أجلها هي إقناع الناس بسياساتها؛ لقُلت عن الفصول الثلاثة ما لم يقله قيس عن ليلى.
ولست أتحدث عن الإجازات وطولها وعرضها، ولا عن حزني لأن إجازة نهاية العام لم تعد طويلة كما كانت في السابق، لأني مثل كثير من أولياء الأمور، أتمنى أن تكون الدراسة لمدة اثني عشر شهرًا في اثنتي عشرة ساعة يوميًّا. لكن المشكلة تكمن في أن الذي أنتجته هذه الفكرة حتى الآن هو التشتيت الذهني للطلاب وأهليهم ومعلميهم. أمَّا غير ذلك فلا نتائج حقيقية يمكن أن يتقبلها الناس، ويشعرون أنها تستحق الثمن الذي يدفعونه.
وإن كان لا بد من وجود فصل ثالث حائر بين الفصول الأربعة، فإنه من الأفضل ألا يكون له علاقة بالمواد الدراسية ولا بالمناهج التعليمية، يمكن أن يكون فصلًا قصيرًا خاصًا بالأنشطة الرياضية أو الفنية وتنمية المواهب، ودورات في تطوير كفاءات الطلاب وتعليمهم بعض الحرف اليدوية أو المهارات الحياتية، التي يمكن أن تفيدهم في حياتهم أيًّا كان المستقر الذي سينتهون إليه في المستقبل.
الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لي ولكثير من الخلق أن تعرف الوزارة نفسها ماذا تريد، فأنا أبٌ لخمسة من الأبناء لم يدرس أي منهم بالطريقة التي درس بها مَن سبقه، فالوزارة مشكورة تتبنى خطة جديدة وأهدافًا جديدة لكل واحد من أبنائي. ولذلك من الطبيعي أن قناعتي بالأهداف الحالية يشوبها الشك، فقد يذهب الطالب إلى مدرسته صباحًا وفق فكرة وهدف تسعى الوزارة من أجله؛ ويعود إلى منزله ظهرًا وقد غيرت الوزارة أفكارها. والحديث هنا ليس عن وزير بعينه، ولكنه الشيء الذي اعتاده الناس من الوزارة الموقرة منذ نشأتها؛ كل وزير يأتي يبدأ من حيث «بدأ» الآخرون.
وربما كانت حساسيتي من هذه النقطة تحديدًا مردها أنها تشبه طريقتي المثلى التي اتبعتها في بناء منزلي، فكلما حانت ساعة الانطلاق قررت تغيير المخطط حتى أجد مبررًا أوهم به نفسي بأن تأخري عن ركب البنائيين منطقي. وقد فعلت ذلك كثيرًا لدرجة أني أصبحت مقتنعًا أن المخطط أهم من المنزل نفسه. وأنَّ الحديث عن البناء والمقاولين هو المتن، والبناء نفسه هو الهامش الذي يمكن أن يستغنى عنه. ثم ضحيت بالمنزل حتى يعيش المخطط. وكلما سألني أحدهم لماذا لم تبدأ حتى الآن، حدثته باستفاضة عن مساوئ المخطط القديم، وأن الله يحبني لأني لم أنفذه، وأنه سبحانه قد هداني إلى مخطط جديد أقل تكلفة وأكثر فائدة. والمحصلة النهائية لهذه الأفكار العبقرية التي تطرأ على ذهني أنني لم أبن منزلًا، ولا يبدو أنني سأفعل، فقد أدمنت تغيير المخططات حتى أصبحت هي غاياتي. ولأني أحب الوزارة الموقرة المبجلة فإني لا أريد لها أن تقع في أخطائي نفسها.
وعلى أي حال، أتمنى التوفيق والنجاح لكل الطلاب والطالبات، وراحة البال لأولياء الأمور والمعلمين. وأدعو الله صادقًا أن تتمكن الوزارة التي تؤثر قراراتها وخططها في كل أسرة في هذا الوطن الكبير من بناء منزل حقيقي. أما أنا فلا ضير في التأخير لأن مخططاتي لا تؤثر في أحد.
الحياة أقصر من أن تستفزك تغريدة على إكس. هذه النشرة من أجل استفزازك بطريقة أخرى!