لماذا المكتبة العامة أفضل بيئة إبداعية؟
المكتبة بيئة توفّر كل ما أحتاج إليه: إنترنت جيد، ومقابس لشحن الأجهزة، والهدوء. والعنصر الأهم من كل ذلك وجود «موعد نهائي».
بحلول نوفمبر 2022، أكملت سنتين من الكتابة مع ثمانية؛ أكثر من ثلاثين مقالة وتدوينة جعلتني أفتح صفحةً فارغةً من دفتري لأتساءل: عمَّ سأكتب هذا الشهر؟
توصّلت إلى حلول عدّة لمواجهة هذا التحدي، مثل: كتابة قائمة طويلة من المراجع والأفكار في تطبيق الملاحظات، وتشغيل مقطع «ادرس معي» حين البدء في الكتابة حتى أركّز ولا أتهرّب منها.
لكنني لا أزال أنظر إلى قائمتي أحيانًا بعدم اقتناع؛ فعلى الرغم من وضع مجموعة من الأفكار، أجد أن القائمة قد لا تحوي ما يُلهمني، وهنا يأتي دور الارتجال والأفكار التي تكون وليدة اللحظة.
وجدتُ أن الأفكار لا تأتي تحت الضغط أبدًا، فمقطع «ادرس معي» الذي ينبّهني كل خمس وعشرين دقيقة لا يولّد فكرة جديدة. وكل ما أقدر عليه حينه هو الشعور بالقلق، والتحديق إلى صفحة بيضاء على مستندات قوقل.
إذ تتشكل العملية الإبداعية من تواصل شبكتين مهمتين في الدماغ؛ أولاهما: شبكة الوضع الافتراضي، التي تتنشّط حينما يُترك الدماغ حرًّا ليركّز على أفكاره الداخلية لا العالم الخارجي. والثانية: شبكة التحكّم التنفيذية، التي تُدير المهام المعرفية كالتركيز وتنظيم الأفكار.
فالجزء الأول من العملية الإبداعية يكمن في كسر الروتين وترك الدماغ ليفكّر كما يشاء. واكتشفتُ أن المشي إلى مكتبة الجامعة أداة رائعة لتحقيق ذلك. فالمشي في الهواء الطلق بالقرب من الطبيعة يُساهم في توليد الإبداع والتخفيف من أعراض القلق.
وبما أنَّ زيارة مكتبة الجامعة تتطلب مني قيادة السيارة أولًا، ثم المشي بجانب مناطق خضراء باتجاه المكتبة، فهي لا تنشّط شبكة الوضع الافتراضي فحسب لآتي بأفكار جديدة، بل تهيّئ للمرحلة الثانية من العملية الإبداعية أيضًا، وهي تنظيم تلك الأفكار لتخرج منها تدوينة تستحق قراءتك.
فالمكتبة بيئة توفّر كل ما أحتاج إليه: إنترنت جيد، ومقابس لشحن الأجهزة، والهدوء. والعنصر الأهم من كل ذلك وجود «موعد نهائي»؛ فالمكتبة تُغلق أبوابها الساعة الرابعة مساءً؛ ما يجعلني أستعجل قليلًا في إنجاز المهام. فعلى الرغم من توفر كل احتياجاتي في البيت، أجد أن الإنجاز في المكتبة أفضل.
تظل العتبة الكبرى والأخيرة في الكتابة: الإيمان المخلص بالفكرة نفسها. فكل فكرة تبدو ساذجةً في عين الكاتب إلى أن تصل إلى القارئ ويُعجَب بها. وخروجي من المنزل إلى المكتبة خطوتي الأولى في الانتصار على التردد والمماطلة، وهما ما تدعو إليه «متلازمة المحتال» أساسًا. وبإجبار نفسي على القيام بأمر أتردد فيه، تتراجع المتلازمة بصمت من حيث جاءت، وأواصل كتابة المقالات في ثمانية.
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.