البقاء للأنذل!

التغيّر الأبرز في الطريقة البدائية في حل المشكلات أنَّ الشجاعة لم تعد تشكل عاملًا مؤثرًا في نتائج المعارك الحربية، وحلت محلها «النذالة».

اقتربت الحرب، وطبولها التي تقرع شرقًا وغربًا تكاد تصمُّ الآذان. ولا يتعلّق الأمر بالموارد والكفاح من أجل البقاء، فالإنسان مؤمنٌ بفكرة القتل كوسيلة لحل مشكلاته حتى قبل أن يصبح منافسًا للبكتيريا والديدان والنمل والذباب من حيث الكثافة السكانية على الكوكب الأزرق الجميل. ولم يكن قابيل في حاجة لبرنامج طويل الأمد لتطوير الأسلحة النووية وهو يقضي على نصف البشرية في عصره.

لكن التغيّر الأبرز في هذه الطريقة البدائية في حل المشكلات أنَّ الشجاعة لم تعد تشكل عاملًا مؤثرًا في نتائج المعارك الحربية، وحلت محلها «النذالة». فالبقاء للأنذل وليس للأقوى، وفكرة القتل عن بعد لا علاقة لها بالشجاعة. ويُنقَل عن مخترع المسدس أنه قال حين فرغ من اختراعه: «الآن يتساوى الجبان والشجاع»، وفي رواية أخرى «القوي والضعيف». ولكنه في مقولته التي نسبت إليه لم يتطرق للنذل، لأنه بات واضحًا أنه في موضع لا يساويه فيه أحد.

وحين نقول إن النذل هنا هو الشخص الذي يلجأ إلى قتل من يختلف معه، فإننا سنقع في معضلة إيجاد الصفة التي تلائم من يريد أن يقضي على ملايين البشر الذين لا يختلفون معه ولا يعرفونه من الأساس.

تخيّل -إن كان لديك متسع من الوقت- أنك قد تفقد حياتك قبل أن تكمل قراءة هذه التدوينة لأن الرئيس الكوري الشمالي غضب من الرئيس الأمريكي، أو العكس. أو لأن بوتين لا يستلطف الرئيس الأوكراني.

ومع أن الحرب فعلٌ محرّض على البكاء، إلا أنني أضحك أحيانًا حين أسمع أخبار الزملاء الأثرياء الذين يبنون ملاجئ تحت الأرض، مزودة بكافة وسائل الراحة، حتى يختبئوا فيها في حال وقوع حرب نووية.

Giphy
انفجار القنبلة النووية / Giphy

ونصيحتي للأثرياء -والفقراء أيضًا- في حال وقع تبادل للقصف بأسلحة الدمار الشامل، أن يخرجوا من منازلهم -إن وجدت- إلى الشارع، ويموتون وهم يشاهدون الفطر الذي يشكله الانفجار النووي. وليتعاملوا مع الأمر وكأنه فعالية بمناسبة انتهاء الحياة على هذا الكوكب.

لأني أعتقد أن الموت مع الأغلبية في حرب مدمرة أرحم بكثير من الحياة وحيدًا بعد الخروج من الملجأ المحصَّن وبدء الحياة من جديد، والعودة إلى القتل باستخدام أدوات قابيل. 

فأنا لا أفهم فكرة التشبث بالحياة التي يغادرها الجميع، إضافة إلى أنَّ الذي يخترع كل أدوات القتل هذه لا يليق به أن يدّعي احترام الحياة.

وواحدة من ضمن مشاكل الزملاء أثرياء العالم، والأصدقاء حكام وقادة العالم، اعتقادهم أنَّ وجودهم أهم من بقية الخلق، مع أن العكس صحيح. فالعاديون والفقراء هم مصدر ثروة كل فاحشي الثراء، والعاديون الذين لا أحد يعرفهم ولن يجدوا مكانًا في الملاجئ الفاخرة هم «الشعب» الذي سيستمع إلى خطبة النصر من القائد. 

وحين يخرج أثرياء العالم من ملاجئهم لن يجدوا الزبائن، ولا من ينتج بضائعهم، ولا من تغريه أموالهم، ولا أولئك المعدمون الذين يجعلون حياة الثراء أسهل من حياة الشقاء.

فتشبّث الفقير بالحياة بعد حرب مدمرة أكثر منطقية من تشبث الغني بها؛ لأن خسارته أقل، وتعايشه لن يكون صعبًا مع وضع لا يختلف كثيرًا عن وضعه السابق.

الأمر المطمئن للبشرية أني لا أعتقد أن هذه الحرب ستقع قريبًا، فأنا لم أبنِ منزلي بعد، وأنا مؤمنٌ أنَّ هذا الحدث سيكون حقًّا نهاية العالم ونزول شارة «النهاية»، بل أعتقد أنَّ المقاول الذي سيبني منزلي سيكون المسيح الدجال شخصيًا.

الإنسانالحرب النوويةالمستقبلالرأي
نشرة الساخر
نشرة الساخر
منثمانيةثمانية

الحياة أقصر من أن تستفزك تغريدة على إكس. هذه النشرة من أجل استفزازك بطريقة أخرى!