عن لغة الضحك😆

زائد: لا تأسَ على ما فاتك

كيف يتحدد انتماؤك لجيل معين؟ 👀

الإجابة الواضحة والمُعترف بها غالبًا هي سنة ميلادك، لكن ماذا لو كانت طريقة تفكيرك وقيمك تختلف عن الجيل الذي وُلدت فيه؟

في مقطع حديث، أعلن الممثل روبرت باتنسون أنه ينتمي إلى جيل زد، فقط لأنه يشعر ويتصرف مثلهم. حينها رفض تذكير زميلته جينيفر لورنس بأنه في الحقيقة من جيل الألفية، وتجاهل سؤالها عن سنة ميلاده الحقيقية (بعد بحثي على قوقل، تبين أنه وُلد عام 1986 🤫).

قد يكون باتنسون بالفعل من جيل زد ومراهقًا لا يزيد عمره عن 17 عامًا، فهو بالنهاية بطل سلسلة «توايلايت» (Twilight) الشهيرة، حيث يؤدي دور بطولة مصاص دماء لا يشيخ. ومع ذلك، ردة فعله ذكرتني باعتباطية تحديد انتماء شخص ما لجيل واحد، فسنة الميلاد وحدها تبدو معيارًا سطحيًا إذا تجاهلنا عوامل أخرى مثل التجربة المعيشية وطريقة التفكير. 💭

وأنت، بغض النظر عن سنة ميلادك، هل تشعر بأنك من جيل زد ولا الألفية؟ 😁

في عددنا اليوم، تتأمل آلاء حسانين في الضحك، وتذكرنا أنه ليس هربًا من الواقع، بل وسيلة لإعادة صياغته. وفي «خيمة السكينة»، تكتب مجد أبودقَّة عن التأسي على ما فات. ونودعك في «لمحات من الويب» باقتباس عن الأثر الذي تتركه على الناس، وحكاية زهرة فلسطين الوطنية. 🌺

خالد القحطاني


رسم: الفنان عمران
رسم: الفنان عمران

عن لغة الضحك

آلاء حسانين

لا أتذكر الكثير عن طفولتي، لكن اللحظات التي كنا نجتمع فيها أمام التلفاز مع العائلة في العيد لمشاهدة المسرحيات المصرية والضحك عليها سويًّا هي ما تمثل لي مفهوم العائلة والطفولة. كنا نضحك حتى الدموع، ونردد الجمل ذاتها عامًا بعد عام، ونكرر «الإيفيهات» التي نحفظها عن ظهر قلب. وكل سنة كان الضحك المشترك على المسرحية نفسها يعيد إلينا ذكريات العيد الذي قبله. الضحك هو ما شكّل أعيادنا، هو ما جعلنا عائلة متماسكة دون أن ننتبه.

 ما زلت أظن أن تلك المشاهد ستظل في ذاكرتي إلى الأبد كدلالة على أني عشت طفولة سعيدة، وأن الضحك هو ما جعلنا أسرة بالفعل، أكثر من أي شيء آخر. كان والدي أكثر من أحبّ الضحك في بيتنا، رجلًا خفيف الظلّ لا يتوقف عن إلقاء النكات والممازحة. كنت طفلة سريعة البكاء، وكان والدي يعرف تمامًا كيف يبدّد دموعي. كان يمازحني بإصرار حتى أضحك، لا يتوقف حتى يرى ابتسامتي الأولى، كأن ضحكي شهادة على نجاح مهمته الصغيرة في إنقاذ العالم. 

مع الوقت، ورثت عنه هذه العادة؛ صرت الشخص في دائرة الأصدقاء الذي يحب أن يضحك ويُضحِك من حوله، الذي يجد سعادته في ضحك الآخرين. وعندما يضحكون فعلًا، أشعر أن تلك هي أجمل لحظة في الحياة، اللحظة التي أكون فيها إنسانة بالكامل، حاضرة ومتصلة بالناس من حولي.

في المجتمعات التي لا تملك ترف الفرح، يصبح الضحك عملًا مقاوِمًا. المصريون مثلًا عرفوا كيف يضحكون في قلب الأزمة. النكتة كانت دائمًا أسرع من الخوف، والمسرح الكوميدي كان مرآةً ساخرة لوجع الجماعة. كان عبد المنعم مدبولي وعادل إمام وسعيد صالح يصنعون على الخشبة ما يشبه جلسة علاج جماعي للأمة، فيها نضحك على أنفسنا لنحتملها. 

وحين أفكر في عادل إمام، لا أراه مجرد ممثل كوميدي، بل رمزًا لثقافة الضحك التي وحَّدت العرب على اختلاف بلدانهم ولهجاتهم. كنت عندما أسافر إلى تونس وأقول لهم إنني مصرية، كانوا يبتسمون على الفور ويردّون بكلمة واحدة: «عادل إمام». كان اسمه وحده كافيًا ليختصر صورة بلد بأكمله في الذاكرة العربية. في تلك اللحظة أدركت أن الضحك نفسه يمكن أن يكون مرآة للهوية، وأن المصري في نظر كثيرين هو من يَضحَك ويُضحك الآخرين. ربما كانت تلك هي القوة الحقيقية للفن حين يصبح أوسع من الفن نفسه.

نشأت في السعودية، ثم عشت في مصر وفرنسا، وفي كل هذه البلدان وجدت أن الناس في جوهرهم يحبون الضحك. في السعودية، للضحك نكهة خاصة، تمتزج بالفطرة والبساطة. السعوديون يملكون حسًّا ساخرًا محبًّا للحياة، ويعرفون كيف يخففون المواقف بكلمة أو ابتسامة. هناك ميل طبيعي لديهم لتحويل الجد إلى خفة، والاختلاف إلى دعابة، وكأن الضحك جزء من الذكاء الاجتماعي المتوارث في المجالس والحوارات اليومية.

أما المصريون، للضحك عندهم طابع يشبه النَفَس، لا يحتاجون إلى مناسبة كي يضحكوا، يكفيهم حضور الناس حولهم. في الشوارع والمواصلات والمقاهي، الضحك حاضرٌ دائمًا كعلامة على الحيوية، وكأنه الوسيلة الأقدم للمقاومة في وجه التعب والضيق. ضحكهم ليس إنكارًا للألم، بل طريقة لتحويله إلى حكاية يمكن احتمالها، إلى طاقة حياة تواجه أحلك الظروف وتنتصر عليها بخفة وكرامة.

والفرنسيون، رغم هدوئهم الخارجي، لديهم جانب خفيف الظل، يحبون النكتة والمفارقة ويستمتعون باللحظة حين تتفجّر بالضحك. في كل مجتمع عشت فيه، وجدت أن الضحك هو القاسم المشترك بين البشر، كأننا من خلاله نؤكد إنسانيتنا. 

حين انتقلت إلى فرنسا، كنت أشعر بالاغتراب في البداية، لكنّ شيئًا تغيّر حين بدأت أفهم الفرنسية فعلًا، وأضحك من القلب على ما يقولون. عندها شعرت بانتماء مختلف، كأن الضحك هو الذي سمح لي بالدخول إلى الحياة اليومية للناس. ومن خلال النكات تعلمت الكثير عن الثقافة الفرنسية، إذ بدت كمدخل سحري لفهمها: ما الذي يضحكهم، وما الذي يُعدّ حسّاسًا، وكيف يمازحون التاريخ والحب والسياسة. كان الضحك طريقةً لفهم العالم بلغة جديدة.

ومع مرور السنوات، اكتشفت أن الضحك بالنسبة لي لم يكن مجرد ترف أو وسيلة تسلية، بل قيمة عليا، مبدأ أعيش به وأقيس به حياتي. لقد غيّر الضحك مسار حياتي فعلًا. في إحدى المراحل، وجدت نفسي في مدينة يغيب عنها الفرح، يعيش أهلها بجدية مفرطة تكاد تخنق الهواء. حينها أدركت أنني لا أستطيع أن أعيش في مكان لا يضحك فيه الناس. بعد ذلك بمدة، حدث أن زرت مدينة نانت، ورأيت شيئًا مختلفًا: الناس أكثر انفتاحًا، أكثر خفّة في حضورهم اليومي، تلوح الابتسامات على الوجوه بسهولة. شعرت هناك بألفةٍ دافئة، كأن المدينة تتنفس بلطف، كأنها تعرف كيف تخفف ثقل الأيام بالضحك. ضحكت كثيرًا في تلك الزيارة، لأن الجو كله كان محاطًا بخفة وودّ لا يشبه أي مكان آخر.

ربما لأن نانت مدينة نهرية قريبة من المحيط، تحمل في روحها شيئًا من المدن البحرية. لم أكن أعرف ذلك حين زرتها أول مرة. ولم أكن أعلم أنها تُوصَف في المصادر الفرنسية بأنها «مدينة نهرية وميناء داخلي»، وأنها في القرن الثامن عشر كانت من أهم الموانئ الفرنسية على الأطلسي، يرتبط تاريخها بالملاحة والتجارة البحرية. عرفت هذه التفاصيل لاحقًا مصادفة، لكنها جعلتني أفهم ما كنت أشعر به غريزيًّا منذ البداية: أن في هذه المدينة شيئًا من انفتاح البحر، من خفته وفضوله وكرمه. ربما لهذا بدت لي نانت مدينة تتقبل الآخر بسهولة، مدينة تعرف كيف تضحك، وتسمح لك بأن تضحك معها. 

منذ تلك الزيارة، عرفت أن نانت تشبهني، وأنني أريد أن أعيش فيها. وبعد سنوات، عدت وغيرت كل شيء: نقلت أوراقي الجامعية، وتركت المدينة القديمة التي وصفتها يومًا بأنها كئيبة، وانتقلت إلى نانت. وعندما وصلت إليها فعلًا، وبدأ الناس يبتسمون لي في الشارع وفي الترام، أدركت أنني اخترت مدينة ستصبح وطني، لأن فيها تلك القابلية النادرة للضحك التي تجعل الحياة ممكنة.

الضحك، أينما حدث، يوحِّد الناس. لا يحتاج إلى ترجمة ولا تفسير. لا عجب أن العلماء قالوا إن الضحك سابق على اللغة، وإنه أول شكل للتواصل بين الكائنات. ربما لهذا نضحك أحيانًا حتى ونحن وحدنا، كأننا نستدعي العالم إلينا من بعيد.

أحيانًا نضحك في أشد اللحظات ألمًا، كأن الضحك صرخة أخرى، أكثر ليونة. تذكّرني فكرة فرويد بأن النكتة تكشف ما يخفيه اللاشعور، وأن الضحك نوع من التواطؤ بين النفس والظل. في حياتنا اليومية، نضحك أحيانًا حين نشعر بالحرج، أو لنخفي خيبة، أو لأننا نريد أن نؤكد أننا ما زلنا بخير. لكنه رغم كل ذلك، يبقى لحظة صدق، لأن الجسد لا يعرف التمثيل. هناك ضحك صادق يفتح القلب، وضحك مصطنع يخنقه، وضحك دفاعي يقي من الانهيار. الطريقة التي يضحك بها شخص ما تقول عنه أكثر مما تفعل كلماته. ربما لهذا تبدو الضحكة المشتركة بين حبيبين أو صديقين أكثر دلالة من أي اعتراف.

الضحك بين شخصين يشبه اتفاقًا غير مكتوب على الثقة. في إحدى الدراسات عن الأزواج، وُجد أن من يضحكون أكثر معًا يعيشون علاقات أطول وأكثر دفئًا. أنا أصدق ذلك، لأن الضحك يخلق مجالًا خفيفًا لا تحتمله الكراهية، ويذكّرنا أن الحب لا يحتاج دائمًا إلى جدّية، بل إلى لحظة خفة تنقذ كل شيء. أحيانًا أفكر أن أجمل ما في العلاقات هو الضحك الذي يبقى بعد الجدال، الضحك الذي يعيد ترتيب المسافة بين اثنين بطريقة لا يمكن للكلمات أن تفعلها.

الضحك على النفس أيضًا شكل من أشكال النضج. حين نقدر أن نضحك على أخطائنا وعيوبنا، نصبح أقدر على تقبّل ذواتنا وعلى النظر إليها بصدق وحنان. من يضحك على نفسه لا يفعل ذلك استخفافًا، بل اعترافًا بأنه بشر، وأن السقوط جزء من التجربة. تلك القدرة على السخرية من الذات تمنحنا خفة داخلية، وتمنعنا من التحول إلى قسوة على أنفسنا أو على الآخرين.

الضحك أيضًا شكلٌ من أشكال الحكمة. الذين يضحكون بعمق لا يفعلون ذلك لأنهم سطحيون، بل لأنهم رأوا هشاشة العالم وتقبَّلوها. الضحك لا ينفي الألم، لكنه يعيده إلى حجمه الطبيعي. هو طريقة لرؤية الحياة دون تضخيم ولا إنكار. حين نضحك، لا نهرب من الواقع بل نعيد صياغته. في زمن يمتلئ بالضجيج والجدية الزائفة، يصبح الضحك موقفًا فلسفيًّا. أن تضحك يعني أنك اخترت أن ترى الضوء رغم كل شيء، وأنك لم تفقد بعد قدرتك على الدهشة.

الضحك هو التعبير الأصدق عن إنسانيتنا. هو اللغة التي يتحدث بها الجسد حين يعجز الكلام، والذاكرة التي تقي أرواحنا من الانكسار. كل مرة أضحك فيها، سواء أمام مسرحية قديمة أو في مقهى فرنسي بين غرباء، أشعر أنني أستعيد شيئًا من نفسي، وأتذكر أن الفرح، ولو كان عابرًا، يكفي ليجعل العالم محتملًا…وجميلًا.



The Traveller Hasteth in the Evening
The Traveller Hasteth in the Evening

لا تأسوا على ما فاتكم

بعض التجارب والاختبارات لا يمكن أن نهرب منها. ولحكمة لا يعلمها إلا الله، لا نصل إلى مقاصدنا إلا بعد المرور خلالها بكل صبر ورضا.

ولكن الصبر والرضا ليسا صفتين فطريتين في الإنسان، أو ربما ليسا من فطرتي. فلطالما حاولت اختصار الطرق والالتفاف حول الأقدار ومناطحة جدرانها، متسلحةً بالمنطق البشري الناقص، وبخطط دقيقة لطالما ظننت أنها كافية للوصول. فمن طبعي التخطيط الدقيق وأخذ كل الأسباب التي يمكن أخذها، والزيادة عليها.

الحقيقة أن التصور في عقلي كان رياضيًّا بحتًا؛ سأبذل كل جهدي وأصل لمرادي، وأستخدم هنا بين البذل والوصول حرف الواو لأن هذا كان فهمي. ومرة بعد مرة، وبذل بعد آخر، وصبر يتلوه صبر، طال الطريق وعزّ الوصول وابتعد المراد، وحلَّ السخط والغضب محلَّ صبري وأملي.

كان هذا الغضب نابعًا من رفضي المرور بطرق أو تجارب بعينها، ونابعًا أيضًا من لعبي وفق قوانين اللعبة التي تقول إن لكل مجتهد نصيب. وتحت كل ذلك، تصوُّرٌ جاهل لحدود قدرة الإنسان وأثر فعله، وتناسيه أنه عبد في ملك ربه الذي لا يكون فيه إلا ما شاء.

هذا الغضب قادني إلى الوقوف أمام الأقدار مسائلةً رافضةً - لعل الله يغفر لي- وبقيت الأقدار قائمةً تسير كما أرادها ربي، وكلما زاد عنادي في تقبلها أطالت الأقدار النظر في عيني. إلى أن وجدتُني مرةً في مراقبة امتحان عندما كنت مدرّسةً في مدرسة -وعملي مدرّسة كان أحد كوابيسي الذي طالما هربت منه لأجدني وصلت إليه- وإذ أفكر لحظتها أني راضية عمّا أنا فيه، أسير بخطىً هادئة يملؤني الرضا والتسليم.

وفي تلك اللحظة تغير كل شيء؛ أصبحت الحياة أخف، والأقدار محتملة، بل ملأها اللطف. وكأني لحظتها فقط فهمت قوله تعالى: «لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم». واستشعرت عندها أن هذه الرحلة الطويلة والطويلة جدًا أوصلتني أولًا للب هذه الآية قبل أن توصلني إلى مرادي.

ولكن الإنسان لا يستطيع أن يلغي طبعه تمامًا، وإن كان يعالجه. فما زلت أبذل أسبابي وأخطط بدقة تجعل طبيبتي تخبرني أن شخصية الأستاذ والطالب النجيب ظاهرة في كل تصرفاتي. وما زال عقلي يقف عندما يجد أن هذا البذل لم يبلغ به مراده، فيسعى باحثًا عن السبب الدنيوي.

ولكني أذكِّر نفسي بتلك الرحلة الطويلة التي أحاول بكل جدٍ ألّا أنسى درسي منها؛ فأرتد إلى آيتي الحبيبة محاولة بصدق تسليم أمري لربي.

نعم ما زلت مؤمنةً أن لكل مجتهد نصيب، وأن السعي يؤتي أكله، ولكن لشدة بشريتنا وضعفنا وتمام حكمة الله لا نعرف أي أُكل سيؤتينا ربنا ولا متى، فيكون تدريب التسليم من التدريبات الشاقة المستمرة مدى الحياة، متى ناله الإنسان ذاق حلاوته، حتى إن لم يبلغ مراده.

إعداد 🧶

مجد أبو دقَّة


ادّخر بذكاء من كل عملية شراء 🧠

كل ريال تنفقه يمكن أن يصنع فرقًا في مستقبلك المالي.

«ادخار سمارت» من stc Bank حساب ادّخاري يعطيك 4% أرباح سنوية وتقدر تسحب فلوسك بأي وقت!

ادّخر اليوم، واستثمر في غدك مع «ادخار سمارت».



نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+30 متابع في آخر 7 أيام