لماذا نسلِّع مشاعرنا؟ 🫠

زائد: باب النجار مخلع 😕

هل باب النجار مخلَّع في «أوبن إيه آي»؟ 😕

استمعت البارحة إلى مقابلة تاكر كارلسون مع سام ألتمان على يوتيوب، وصدمت بتردد سام ألتمان في الإجابة عن الأسئلة النارية، وبتفاجئه بها، لأنها أصلًا سهلة التوقع! فالأسئلة التي طرحها كارلسون هي المتداولة على إنترنت المؤمنين بنظريات المؤامرة، والنصوص المشككة في أخلاقية الذكاء الاصطناعي.

واضح جدًا أنَّ ألتمان لم يستعد للمقابلة، ولم يبذل الجهد المطلوب ويكلف نفسه عناء سؤال «جي بي تي»: «عطني توقعاتك للأسئلة اللي بيطرحها كارلسون، وكيف أقدر أجاوب عليها؟» 🤷🏻‍♂️ 

في عددنا اليوم، تحاول أمجاد بنت عودة فهم الأسباب التي تدفع أمَّا إلى تسليع مشاعر ابنها وحزنه على فقد أخيه في مقطع على يوتيوب، وتنطلق منه إلى ظاهرة التعلُّق بالشهرة بلا سبب. وفي «لمحات من الويب»، نودعك مع اقتباس من طه حسين عن أحسن المعرفة والأدب، وكيف كثرة الاجتماعات تخرب التسويق. 🤦🏻‍♂️


إيمان أسعد


رسم : الفنان عمران
رسم : الفنان عمران

لماذا نسلِّع مشاعرنا؟ 🫠

أمجاد بنت عودة

ظهر لي مقطع على اليوتيوب عنوانه «قلت لابني عن وفاة أخيه، الله يصبرنا» وغلافه طفلٌ يبكي وخلفه صورة رمادية له ولأخيه، ثم دخلت القناة ورأيت مقطعًا بعده عنوانه «ردة فعل ابني لمّا دخل غرفة أخيه بعد وفاته». وباقي المقاطع في القناة لا تختلف عن هذا الانكشاف الزائد. أعلم أن تسليع اليوميات والخصوصيات صار أساسًا في هذا الزمن، لكن أن يصل الحال إلى تسليع أخص ما لدى الإنسان وانتهاك حقه وجعل حزنه فُرجةً للعالم أجمع، وهو طفلٌ لا يعي العواقب؛ لهو أشد جُرمًا وبشاعةً!

ما ترك بالي هذا المقطع من سنوات، وظللت أتفكَّر في هذه الحالة التي جعلت أُمًّا تسلّع مشاعر طفلها، وتحبكُ القصص كأنها «فلوق» (Vlog) لسفرة أو تجربة أكلة! فكيف آلت إلى هذا، وكيف اعتاد الناس هذا التسليع والانكشاف حتى قلَّ إنكاره؟

مشهور لأنه مشهور

كتب أنطون تشيخوف قصة اسمها «الفرح»، تحكي عن روسي طرق على أهله ليلًا يبشرهم أن روسيا كلها تعرفه، ولامهم على أنهم لا يقرؤون الجرائد. فأعطاهم جريدةً يقرؤونها، إذ ذُكر فيها اسمه في خبر أنه كان سكرانًا فصدمته عربة فنُقل إلى المشفى! ثم تركهم وراح فرحًا يبشِّر باقي معارفه وجيرانه!

نُشرت هذه القصة عام 1883 لكنّها تنبؤ لعصرنا الحالي في استفحال ظاهرة «مشهور لأنه مشهور»، فلم يبالِ بطل القصة بفضيحته، المهم أنه عُرِف! وأقدم منه قصة الأعرابي الذي بال في بئر زمزم، ولمّا سألوه لمَ فعلت هذا؟ قال: حتى يعرفني الناس، يقولون: هذا فلان الذي بال في بئر زمزم!

فلو عدت لمشاهير الزمن الماضي لارتبط كل اسم عندك بخصيصة أو علم أو حدث كبير صاحب هذ الاسم. فخالد بن الوليد فارس مشهور، وامرؤ القيس شاعر مشهور، وأفلاطون فيلسوف مشهور، ولا تكاد تجد اسمًا استفاض في ذكره التاريخ وهو بلا سبب ولا موهبة ولا علم ولا فن.

لكن جاءنا هذا النوع الجديد من المشاهير الذين أخلّوا قاعدة وجود السبب فصاروا مشاهيرًا لأنهم مشاهير. وأكثرهم لو سألت جمهورهم عن سبب شهرتهم لقال لك أنه هو هذا الذي ظهر في ذاك المقطع، او أنها تلك التي قالت تلك العبارة التي لصقت في آذان الناس، وغيرها من الأسباب التي لا تدري كيف صارت أسبابًا.

والحق أن الشهرة بلا سبب ليست حادثةً في عصرنا، فلو عدت لكل الثقافات عبر العصور لرأيت منها هذا النوع من المشاهير، ففي ثقافتنا العربية هناك أشعب الطمَّاع وجحا. لكن عصرنا هذا يفرق عنهم بشيئين كبيرين: أنهم في الزمن الماضي كانوا قلة لا تكاد ترى اسمًا واحدًا على رأس كل قرن، ولم تعطهم شهرتهم امتيازًا ولا وجاهةً عند الناس بل كان أغلبهم مناط السخرية.

أمّا اليوم فهؤلاء المشاهير يغالبون المشاهير ذوي السبب عددًا، وكثير منهم أعلى منزلةً عند الناس وأتباعًا، حتى تجد من الناس من يتحرى حياة أحدهم ليصير مثله ويشتري مثله ويعيش مثله ويتبع نصائحه وينصح بها غيره. وصارت هي نفسها غايةً عند كثير من الناس لأنها تجمع شيئين يندر أخذهما من غيرها: الوجاهة والمال. هي غاية أسهل وصولًا، لكن أغلى ثمنًا إذ يبيع الإنسان خصوصيته وأحيانًا كرامته.

المال والشرف الاجتماعي

 مشكلة هذا النوع من الشهرة أن طرقه قلّما تمر بطريق لا يريق فيها المشهور ماء وجهه أو يعرض تفاصيل يومه أو يُسلّع فيها مشاعره ومشاعر من ائتمنه الله عليهم كالأطفال الذين لا يفقهون شيئًا في المقطع الذي ذكرته. وهذا التسليع مع الشهرة لخصه مثلٌ ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه إذ قال:

«ما ذئبان جائعان أُرسِلا في غنمٍ بأفسدَ لها من حِرصِ المرءِ على المالِ والشرفِ لدِينِه.»

أرأيت؟ أن يفسد ذئبان جائعان في غنم ما هو بأفسد لدين المرء من حرصه على المال والشرف!

هما كذلك، الحرص على المال والشرف، وتحت الشرف أشياء كثيرةٌ.

إذ ليس المال وحده أساس ظاهرة بيع الإنسان كرامته وتسليع مشاعره، أو استغلال أهله وأطفاله. لكن كذلك يدخل فيها الرغبة بالاعتراف والملاحظة، وكسب التفاعل لتعزيز الإحساس بالأهمية والانتماء. فيصل الحال إلى تصوير كل شيء وصنع محتوى من كل شيء، حتّى أخص الأسرار، فيصير مقطع الأم الذي رأيته عاقبةً متوقعة لهذا.

قد يُبرَّر له بأنها تساعد من يمرون بالحالة نفسها، لكنه تبرير ضعيف. هي تستطيع الكلام ومواساة الآخرين ومشاركتهم ونصحهم دون تصوير الطفل وسلبه خصوصيته، ودون تصميم صورهم في تصاميم لجذب التفاعل!

الأطفال أمانة تضيع منا

المعضل في الشهرة أنها حُبِّبت إلى الأطفال أنفسهم، إذ يجدون اهتمامًا كثيرًا من الناس قد يفوق حتى اهتمام أهاليهم بهم. والطفل سواءً كان هو الذي ينشر أو يُصوَّر، فالضرر أشدّ عليه من الكبار، ويشتد الأمر إن كان الطفل من قبل أن يعقل عرضةً للكاميرات والأضواء، إلى أن يعقل وتصبح جل لحظاته وردود فعله محط مشاهدات الآلاف ومناقشاتهم، وأحيانًا شتمهم وتنمرهم. ناهيك عن مرضى القلوب الموجودين بيننا.

ثم ماذا تعتقد منه وهو الذي كبر على الكاميرات وتصوير كل شيء؟ إن أول ما يتعلمه أن قيمته مرهونة بهؤلاء الذين يشاهدون، منهم يُشبع نقصه، فنكمل سلسلة فضح الخصوصيات وفرط المشاركة! أو يكبر ناقمًا على من لم يراعوا أمانته ولا حفظوا خصوصيته وسلّعوا كل شيء فيه، فكيف يحترمهم بعدها؟ بل والأدهى إن اعتاد فنقلَ هذا إلى أبنائه وهكذا دواليك، صار الإنسان «محتوى» بمعنى الكلمة لا مزحًا، وإن تأملت بها فهي عين تشييء الإنسان أو تسليعه.

كيف تعلّمه بعدها وتقنعه أن قيمته بخلقه ودينه لا بنظرة الناس وأعداد مشاهدات؟

وهذا الطفل المعروض في وسائل التواصل محروم من نسيان أخطائه وتهوراته في مراحل بلوغه. فكل الناس مروا في طفولتهم ومراهقتهم بأشياء يستحيون منها اليوم، لكن لا أحد يذكرها لهم لأن الناس تنسى ولا شيء يذكّرهم. أما على الإنترنت فهو عصر نهاية النسيان، فلا شيء يُحذف ولو سعيت في ذلك. 

نهاية النسيان

«نهاية النسيان» (The End of Forgetting)، عنوان كتاب لكيت إيكورن تتكلم فيه عن التنشئة في عصر وسائل التواصل، تقول فيه:

«بعد مضي عدة عقود من العيش في عصر الوسائط الرقمية، أضحت قدرة المرء على ترك طفولته وسنوات من مراهقته خلفه، واحتمالية نسيان الآخرين طبيعة شخصه أيام كان صغير السن، معرضتين الآن للخطر».

تكمل إيكرون بأنه في السابق إن كان من صور أو مقطع محرج فهو قليل ونادر وإتلافه يضمن حذفه. أما في عصر الإنترنت فلا تعرف عدد النسخ ولا أين نشرت، والأدهى إن كان هو ينشر بنفسه وهو لا يزال غير عاقلٍ للعواقب.

ربما لا يفكر المرء كثيرًا وهو في نشوة تحقيق الشرف والمال، ومنها تلقيه الحب والاهتمام من المتابعين، أو لأنه اعتاد، وأشد ما في المرء الاعتياد. فإن اعتاد ما عاد يرى المنكر منكرًا ولا السوء سوءًا. لكنه سيستيقظ يومًا من هذه السكرة ويرى أين وضع أطفاله وكيف سلب منهم حقوقًا كثيرة. 

مجتمع الفرجة

للدكتور محمد الحاجي تغريدة يقول فيها: 

‏«(لا تُفرط) في توثيق تفاصيل حياتك مع العالم، خاصةً مع سيادة ثقافة الصورة ومُجتمع الفُرجة! ‏أنت ستتغيّر، ظروفك ستتبدّل، وعالمك سيتحوّل ولكن لحظاتك ستبقى خالدة: للمتردية والنطيحة، للأقارب والعقارب على حدٍّ سواء.. ارتباطك، دراستك، وظيفتك، وصحتك النفسية على المَحكّ هنا.. ‏قاوِم غمرة الدوبامين السعيد من الثناء والمديح والتعزيز. كلها مشاعر سريعة الزوال -إدمانية جدًا! ابحث عن هذه النشوة في أماكن أخرى ومع صفوة الناس حولك. ‏أغلبنا لك مجاهيل وأغراب، لا تعنينا ولا نعنيك، فهل صدقًا نستحق هذا (الامتياز) منك؟»

إن ابن آدم مُكرّم، وأسمى من أن يُختزل في معانٍ مادية فيكون كالسلعة ويخضع لسوق الربح والخسارة ويبذل في ذلك كرامته وماء وجهه. فكن إنسانًا كريمًا، لا شيئًا مبتذلًا. وربِّ من هم تحت كنفك على هذا، فكلنا مسؤول.


كيف تحبس فلوسك في قفص؟ 💸

الفلوس تطير، هذا طبعها.

لكن فيه ناس تطير فلوسهم بلا رجعة، بين المقاهي والطلبات العشوائية والهبّات.

وفيه ناس يحبسون فلوسهم في قفص، يبنون عضلة التخطيط المالي بالادخار والاستثمار المبكّر، ويشغّلون فلوسهم بالصفقات منخفضة المخاطر عشان تخدمهم طول العمر.

الأهم أنك تستثمر وتدّخر عن طريق منصة مصرحة ومعتمدة، مثل صفقة المالية.


  • «أحسن المعرفة معرفتك لنفسك، وأحسن الأدب وقوفك عند حدك.» طه حسين

  • هل ثمة وجود لذكاء اصطناعي فنان؟ 

  • كثرة الاجتماعات تخرب التسويق.

  • ليش نايمة هنا! 


نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+50 متابع في آخر 7 أيام