شماتة تك توك بموت الأثرياء ليست مؤامرة

تتحوَّل حفلة الشماتة في تك توك إلى حماس عالمي للعدالة الاجتماعية، بل زاد من حدتها الساخرة، وزاد من استمتاعنا بها وضحكنا عليها. 

كنت أهيئ نفسي لاستقبال موجة من النظريات «المؤامراتية» الجديدة تُفسِّر اختفاء الركاب المليارديرية في الغواصة -أو على الأصح الأنبوبة- «تيتان». شيء شبيه بنظريات اختفاء الطائرة الماليزية عام 2014 يبرِّر عدم ظهورها على رادارات خفر السواحل الأمريكية. لكن الموجة العظمى التي تبعت الحادثة لم أكن مستعدة لها إطلاقًا.

بسرعة خارقة اجتاحت تك توك موجات من «الميم» تناقلها جماهير المنصة للسخرية من المليارديرية المحتجزين وقبطان الغواصة، بدأت مع تبادل النكات حول الرغبة في مشاهدة جزء ثان من «تايتنك»، وسعادة الأشباح باستقبال دفعة جديدة من الضحايا، وعروضات سياحية لاستقبال الأثرياء في رحلات إلى البراكين. ولأننا نتكلم عن تك توك هنا، فلا بد من قالب موسيقي راقص يوحّد هذا التعبير العالمي الساخر. 

هذا القالب نفسه لا يخلو من المفارقة بدءًا بالأغنية «ماكيبا» (Makeba)، التي تعيش نجاحها الساحق اليوم بعد إصدارها بسبعة أعوام في 2015. فموجة تفسيرية تكتوكية تكفَّلت بشرح دلالة هذه الأغنية كون عنوانها هو نفسه اسم المغنية الجنوب إفريقية والناشطة ضد نظام الفصل العنصري «مريام ماكيبا». 

أما مقطع الرجل الراقص، بيل هادر، الذي لا يسعك إلا أن تضحك كل مرة على تعابيره الخبيثة وغير المبالية بالعواقب، لديه أيضًا قصة. فالرقصة مقطع من البرنامج الشهير «إس أن ال» (SNL) يتلقى فيه زوجان هدية عبارة عن «رجل راقص» تحت مسمَّى «مستقبل الترفيه السطحي» (The Future of Casual Entertainment) ليتساءل الزوج مستغربًا عن المقصود بالترفيه السطحي. ويكتشفان أنَّ الرجل ميت والتقنية الروبوتية المزروعة في جسده صنعت منه راقصًا لا يكل ولا يمل وسرعان ما ستعتاد على وجوده في بيتك. المقطع، مثل أغنية «ماكيبا»، يعود إلى العام 2015!

في موجة ارتدادية، ظهرت مقاطع في تك توك تحاول تفسير الدافع الأخلاقي وراء أحقية الشماتة من الأثرياء في هذا الموقف. هذا المقطع أحدها، ويصف الحفلة بأنها موقف جماعي اتخذه المهمشون في العالم ضد السلطة، لكن لا يعني أن المنتقدين لا يشعرون بالتعاطف مع المأساة الإنسانية، بل يشير إلى سخطهم من وضعهم الاقتصادي في المجتمع. إذ أنَّ معظم المشاكل التي يعانون منها مثل العجز عن تأمين العلاج الطبي ونقص الوظائف وارتفاع ضرائب الدخل تصب في مصلحة الأثرياء. وهذا الشعور بأحقية الشماتة يتعاظم مع الإحساس العام بأنَّ عجز الرحَّالة المليارديرية عن الخروج من مأزق الغواصة عقوبة إلهية مستحقة على تبديد وفرة الموارد المالية في اللهو.

لا يمكن لوم تك توك وحدها على هذه الحفلة، فهذه ليست المرة الأولى تاريخيًا التي يسخر فيها الناس من نهايات مأساوية لأشخاص عاديين. فقد حدث شيء مشابه في الصحافة المكتوبة عن ضحايا انفجار صاروخ «تشالنجر» في 1986 الذي تابعه المشاهدون على التلفاز مباشرة. كان ثمة نكات تسخر من جهل المعلمة الأمريكية، التي اختيرت من 11 ألف متقدم على «ناسا» لابتعاث أول معلم إلى الفضاء، مع أنها لم تكن سبب الحادثة.

وتذكر كريستي ديفيس في كتابها «النكات التي تلت الكوارث الجماعية في عصر إلكتروني عالمي» (Jokes that Follow Mass-Mediated Disasters in a Global Electronic Age) أنه حتى حوادث الاغتيالات التي حدثت لمشاهير مثل إنديرا غاندي أو كينيدي الأب وحادثة غرق طائرة كينيدي الابن لم تسلم من النكات الساخرة:

«باتت نكات الكوارث مرتبطة بالظهور والانتشار المتزايد للتلفاز الذي يذكر أرقام الوفيات في أخبار الصباح والمساء، تليها إعلانات تسويقية عن منتجات استهلاكية يومية. فلم تعد المأساة عظيمة كما كانت قبل عصر الإعلام، لكن الأكيد أن نكات الكوارث تضاعفت بعد ظهور الإنترنت؛ لأن سهولة نقل المعلومة وتشاركها جعلت النكات حدثًا عالميًا يشترك فيه الجميع.»

هكذا تتحوَّل حفلة الشماتة في تك توك إلى حماس عالمي للعدالة الاجتماعية ضد الأثرياء. وهذا الحماس لم يخفف منه معرفتنا بعد أيام من محاولات البحث أنَّ المليارديرية كانوا أصلًا أمواتًا «بالانبجار» قبل ظهور أول فيديو شامت بمصابهم في تك توك، بل زاد من حدتها الساخرة، وزاد من استمتاعنا بها وضحكنا عليها. 

المجتمعتك توكالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+710 مشترك في آخر 7 أيام