عن البطل الذي لا يعرفه أحد
زائد: التأدب في حضرة غزة.

قد تستغرب وأنت تقرأ عنوان فقرة «خيمة السكينة» أن أريج المصطفى كتبت عن جريمة المجاعة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، إذ أين السكينة والطمأنينة هنا؟
هي في معرفتنا بأنَّ الإحساس بفاجعة أهلنا في غزة وبألم عجزنا أمرٌ ضروري، وعلينا ألا نتحاشاه، وأيضًا علينا ألا نستهين به وبأثره. وفي هذه المعرفة شيء، ولو بسيط، من السكينة.
في عددنا اليوم، تتفكَّر أريج المصطفى في وجهٍ من وجوه البطولة قليلًا ما نلتفت إليها، وذلك بعدما شاهدت مسلسل «البطل» السوري. وفي «خيمة السكينة» تحثنا أريج المصطفى على التأدب مع النعم في حضرة غزة. وفي «لمحات من الويب» نودعك مع اقتباس عن مواجهة ما لا يعجبنا في علاقاتنا، ونعرف لماذا لم يكمل دافنشي رسم الموناليزا. 🎨
إيمان أسعد
.png)
عن البطل الذي لا يعرفه أحد
انتهيتُ قبل أيام من مشاهدة مسلسل «البطل» السوري، من بطولة بسام كوسا ومحمود نصر. دخلتُ إليه بقلب مفتوح، لا لأنني أعرف الحرب، بل لأنني لا أعرفها. وأردت أن أقترب.
تبدأ القصة مع الأستاذ يوسف «أبو مجد»، ناظر مدرسة يحترمه الناس ويقصدونه ويعتمدون عليه، ويصاب بالشلل في أثناء محاولته إنقاذ طالبٍ من حريق، فيصبح بطل القرية. لكني تعلّقت بمشهد مختلف تمامًا، مشهد في مستهل الحلقة الأولى، حين صرخَت زوجته عند رؤية صرصور في غرفة المعيشة، فهرع من غرفته وقتله.
مشهد لا يُذكَر ضمن الأحداث الجسيمة، لكنه ظلّ معي. ربما لأن البطولة الحقيقية لا تبدأ في لحظات عظيمة، بل تبدأ في التفاصيل الصغيرة: حين تحمي من تحب من خطرٍ بسيط، حين لا تكون بطلًا للقرية، بل حاضرًا في البيت.
ومع مرور الحلقات، تبدأ هذه البطولة المنزلية بالتآكل.
كلما لجأ أحدٌ من أهل القرية إلى «يوسف»، يُسرَق من بيته ومن زوجته ومن أولاده. يمنح «يوسف» السائل كل ما لديه من وقت وجهد، إلى حد لم يبقَ معه شيء يمنحه لأقرب الناس إليه؛ حتى المبلغ الوحيد الذي ادّخرته العائلة، أعطاه «يوسف» دون تردّد إلى رجل يعلم تمامًا أنه لن يتوب عن أخطائه، ولن يتخلى عن طريق التهريب الذي تورط فيه.
كان «يوسف» بطلًا في الخارج في أعين الجميع. وفي البيت، كانت زوجته مهملة، منهكة، ووحدها تتلقى اللوم. كانت تشكو كثيرًا، لكني لا أذكر جملة قالتها دون أن أحاول تخفيف حدّتها في بالي. كنت أحاول رؤية ما وراء الصوت الغاضب: امرأة تدير بيتًا وتعتني وحدها بزوجٍ مقعد، مع قلقٍ لا يتوقف وحربٍ لا تنتهي، وتحت مديرٍ يضغط عليها لتتنازل عن مبادئها وتدخل في دوامة الفساد التي صارت مبررة، في ظل الظروف الصعبة التي يمرّ بها كل من في هذه البلاد.
بطولة «أم مجد» كانت مختلفة، أقل ضجيجًا، لكنها أقسى. فأجد نفسي أفكر أحيانًا: هل البطولة أن تنقذ شابًّا من نار؟ أم أن تنقذ بيتًا من الانهيار كل يوم، دون أن يلاحظ أحد؟
كل حلقة كانت تفتح احتمالات جديدة، أخطاء يرتكبها أشخاص يشبهوننا، اختيارات مشوشة، ظروف خانقة، مواقف لا نعرف كيف كنا سنواجهها لو كنّا مكانهم. تمامًا مثل حيرة «مريم» حين كانت كل أوراقها جاهزة للهجرة مع خطيبها، لكنها لم تستطع فراق أهلها والتخلّي عنهم وسط أخبار الموت المتصاعدة يومًا تلو الآخر. لكنها أيضًا لم تعرف أن هذا الموت المتصاعد سيطال خطيبها الذي كان يحلم ويصرُّ على الحياة. وسيجبرها حملها منه على الزواج بالمهرِّب «فرَج» لتنسب إليه طفلها وتستر فضيحتها.
في مشاهد ومواقف كثيرة كنت أتعاطف، ثم أتوتر: لماذا تعاطفتُ الآن؟ أليس ما حدث خطأ؟ بل جرمًا؟ ثم أعود إلى السكوت، إذ لربما هذا ما تفعله الحرب: تربكك، تجعلك لا تدري إن كنت ما زلتَ تحكم على أفعالك من البوصلة الأخلاقية نفسها، أو أنك غيّرت اتجاهك دون أن تشعر.
أنا لم أعش الحرب، كل ما أعرفه عنها هو ما يصلني من بعيد. لكن هذا العمل جعلني أرى الحرب من الداخل، من الزوايا التي لا تلتقطها الكاميرا: كيف تتغيّر معايير الناس، وتتبعثر أولوياتهم، ويُختبَر إيمانهم، وتتلبَّسهم قسوة لا تشبههم… فقط لكي ينجوا ويعيشوا.
ووسط هذا كله، يحاول «يوسف» البقاء كما هو. لن يقبل التخلي عن نفسه، ولا يريد أن يتحول إلى شخصٍ آخر. هل كان أنانيًّا أحيانًا؟ ربما. هل أخطأ التقدير؟ كثيرًا. لكنّه استمر في محاولة أن يظلّ إنسانًا.
ينتهي المسلسل، وتبقى شخصيات كثيرة على قيد الحياة، تغيّر بعضها، وانهار بعضها، ونجا بعضها بطريقة لا تدري كيف: هل هذه نجاة فعلًا؟ أم خسارة أُجْبِر صاحبها على إكمالها؟ فكم مرة عشنا شعور «النجاة الرمادية»؟
نجاة لا تفرح بها، لا تخبر بها أحدًا، لكنك تعرف أن ما مررت به لم يكن سهلًا، وأنك رغم ذلك، ما زلت هنا. بطولة «يوسف» ليست فيما فعله يوم الحريق، بل في استمراره وإصراره على التمسّك بمبادئه بعده. بطولة زوجته ليست فيما قيل عنها، بل فيما تحمّلته دون أن يقول لها أحد شكرًا.
هناك كثيرون يشبهونهم، يمرّون بجانبنا كل يوم، ببطولات لا يصفِّق لها أحد، لكنهم، رغم ذلك، يواصلون. يحملون بيوتهم وأوجاعهم، ويتعاملون مع الحياة كما هي.
وربما هذا… كل ما نحتاج أن نراه.

عملاؤك يستاهلون تجربة شراء سهلة وذكية.
توصيل لكل العالم، وتعامل بكل العملات، وربط مع مختلف التطبيقات، ومئات المزايا الأخرى التي تساعدك على توسيع نطاق تجارتك للعالمية. 🌎
سجّل في سلّة، وانقل تجارتك إلى المستوى الذي تستحقّه.


التأدب مع النِّعم في حضرة غزة
في ظلّ هذه الظروف المأساوية التي يشهدها أهلنا في غزة، نقف حائرين، عاجزين. لا نملك أكثر من «ستوريات» ننشرها، أو تغريدات نكتبها، أو مقالة نهديها إلى شعورنا الإنساني كي لا يتبلّد. نقول لأنفسنا إننا لم ننسَ. وإن هذا الألم، مهما طالت السنوات، لن يمرّ على قلوبنا مرور الكرام.
ربما لا تغيّر هذه المشاركات شيئًا عميقًا في واقعهم، لكنها تمسُّ وترًا أعمق في دواخلنا؛ وترًا نحاول أن نبقيه حيًّا وسط كل هذا الرفاه، وكل هذا الشبع، وكل هذه العافية التي نغرق فيها بصمت.
هي ليست دعوة إلى الشعور بالذنب من النعم، بل دعوة لئلا نفقد إحساسنا بها، ألا نألفها. ألا نمرّر صور الموائد، والضحكات، وتفاصيل الحياة اليومية، كأن العالم كلّه يشبه ما نعيشه.
أن نترك ولو نافذة واحدة في أرواحنا لا تُغلَق...تطلُّ على عالمٍ يكافح من أجل البقاء، ونحن بعجزنا لا نملك له إلا أن نتذكَّره.
ولا أشبه بحال اليوم من قول زهير بن أبي أميّة حين وقف في مكة، وقال لقومه وقد حاصروا بني هاشم سنوات:
«يا أهل مكّة، أنأكل الطعام ونلبس الثياب، وبنو هاشم هَلْكى، لا يُباع ولا يُبتاع منهم؟»
هذه الصرخة، وحدها، كانت بداية النهاية لتلك الصحيفة الظالمة التي عُلّقت في سقف الكعبة، وأدّت إلى حصارٍ طويلٍ وقاسٍ. كلمات صادقة من قلبٍ استيقظ. لم تُحدث انقلابًا في الأحداث ولا نصرًا عسكريًا، لكنها غيّرت المسار. وهذا ما نأمله من هذه الكلمات القليلة التي نكتبها، أن تغيّر فينا شيئًا.
ألا تتسلل القسوة إلى قلوبنا دون أن نعلم، ألا نلتهم الطعام ببرود، بينما الطعام هناك مسألة حياة أو موت. قد لا يستطيع الفرد فينا إنقاذ غزة. قد لا نملك طريقًا واضحًا لفعلٍ عظيم.
لكننا نملك أن نبقي هذه الشعلة الصغيرة متقدة في داخلنا.
شعلة التذكّر والإحساس والانتماء.
🧶إعداد
أريج المصطفى

«قد تتهاوى علاقاتنا ببعض الأشخاص بعد أن نتمكن أخيرًا من مواجهة ما لا يعجبنا فيها. وهذا ثمن قد يكون محتومًا علينا دفعه إن أردنا توطيد أواصر قوية تتيح لنا الاقتراب بصدق، دون أن نعلق في أدوار زائفة.» هدى الراجحي
لماذا لم يكمل دافنشي رسم الموناليزا؟
حلول تساعدك كفنان على تجاوز التحديات.
البني آدم ابن ساعته.

حتى لا نخسر أمام «تهويد المعرفة».
الالتفات إلى آلام غزَّة.


نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.