كيف علمتني الحيتان قبول النهايات 🐋

زائد: خرافة فقدان الشغف

هل يقلّ شغفنا مع مرور الزمن؟ 😔

يراودني ويقلقني هذا السؤال كثيرًا، خصوصًا عندما أجد نفسي عالقًا في دوامة رتابة المهمات اليومية في عملي، أو في مواجهة تحدٍّ جديد.

ولكن ريم النفيسه تؤمن بأن فقدان الشغف ما هو إلا خرافة، وذكّرتني بأن «الشغف ليس شعلة أبدية، بل هو عضلة تحتاج إلى تمرين. يتغير شكله، يهدأ أحيانًا، ويشتعل بقوة في أحيان أخرى.»

لذلك، عندما تلاحظ أنك تفقد شغفك في مجال عملك أو أيّ من اهتماماتك، لا تهلع وتتخلى عمّا بنيته. ذكّر نفسك بالسبب الذي ألهمك للخوض في هذا المجال، وجذور هذه الشعلة. فتقوية هذه العضلة تحتاج إلى صبر وراحة. 💪

في عدد اليوم، أشارككم ما تعلمته من الحيتان عند توديع فصل من حياتي والترحيب بفصل آخر. وفي «شباك منوّر»، تذكر لكم شهد راشد ما تعلمته عن عملية الكتابة، وكيف تستطيع توظيفها في الحياة اليومية. ونودعكم في «لمحات من الويب» مع نصيحة لكسب احترام أبنائك، وآخر أعداد «مؤسسة الطبطبة الصحفية». 🫂❤️‍🩹

خالد القحطاني


Imran Creative
Imran Creative

كيف علمتني الحيتان قبول النهايات 🐋 

خالد القحطاني

لطالما عرفت أنَّ غربتي ستكون مؤقتة، وأنها ستنتهي بتخرُّجي وانتهاء سنوات دراستي. ولكن بغمضة عين، أمضيتُ السبع سنوات الأخيرة في ثناياها، وشيَّدتُ حياةً جعلتها موطنًا لي، متناسيًا أنها ستنتهي يومًا ما لا محالة. 

وجاءت أخيرًا لحظة توديع هذه الحياة، وبدء فصل جديد في مدينة أخرى. ولكن النهايات ترعبني صراحةً، ويصعب عليَّ قبولها أحيانًا. ومعضلتي لا تكمن بالضرورة مع الوداع؛ فالغربة أجبرتني على قبول أن لكل شيءٍ تاريخ انتهاء صلاحية، وهذا التاريخ سيحلُّ عاجلًا أم آجلًا. 

ما يجعل النهايات قاسية هي أنها تسلبك الألفة والراحة التي اعتدتها، رغم علمك بأنها مؤقتة. وترميك إلى مستقبلٍ مجهولة ملامحه، عليك أنت أن تشقَّه وتبنيه من الصفر من جميع النواحي، أو ستتوقف حياتك حينها دون رجعة.

ومثلما تغني نجاة الصغيرة، «أنا بعشق البحر»، التفتُّ نحو المحيط الهادئ، المحيط الذي تطل عليه مدينتي. ووجدتُ في أمواجه ما آنسني وساعدني على قبول نهاية هذا الفصل من حياتي، والاستعداد لما هو قادم، حتى لو كنت أجهله.

واخترتُ المحيط بالذات، رغم تنوع الأجسام المائية حولي من بحيرات وأنهار، لأن المحيطات تغطي معظم سطح الأرض (ما يقارب 71% منه). لكن، ومع كثرة أبحاثنا ودراستنا، لا نعرف الكثير عنها، وأغلبها ما زال مجهولًا بالنسبة لنا. لهذا وجدت التوجه للمحيط شبيهًا بمواجهة مستقبلي الذي يخفي مكنوناته عني. 

ولكن مما نعرفه عن المحيطات فإنَّ أعمق نقطة في المحيط تمتد لما يقارب أحد عشر كيلومترًا. وما بعد عمق أول 200 متر منها، لا ينفذ ضوء الشمس أبدًا، مما يجعل المحيطات مظلمة وباردة، مشابهة للمنطقة التي نسكنها وقد نبقى عالقين فيها عندما نودِّع أخًا أو صديقًا أو حتى مدينة، تلك النقطة ما بعد النهايات المؤلمة وعلى عتبة أبواب البدايات الجديدة. 

إلا أن في هذه العتمة واللاحتمية تسكن الكثير من المخلوقات البحرية التي لم نصل إليها حتى الآن، تثبت لنا أن الحياة تصرُّ على الاستمرارية، مرحِّبة ومسلِّمة نفسها للقدر الذي يقودها لما تجهله. فوجدت نفسي أتساءل: ما الوقود الذي يبعث الطمأنينة في هذا النوع من الحياة، ويثبت لها أنها ستكون بخير رغم كل ما تواجهه؟ 

وجدت إجابةً عن تساؤلي في مقالة «في الموت حياة جديدة: العلم والرمزية في سقوط الحوت» (In Death, New Life: The Science and Symbolism of a Whale Fall) للصحفية أمنية سعيد. تصف سعيد ما يحدث عندما يفقد الحوت حياته، وتكتب عما يحدث عندما يسقط جسده إلى قاع المحيط: 

«سقوط الحوت أكثر من مجرد نهايةِ حياةٍ واحدة، حيث تشكِّل هذه النهاية بداية أشكال لا تعد ولا تحصى من الحياة. كل مرحلة يمر بها جسده تحوّله لأساس نظامٍ بيئي ينبض بالحياة، معيلًا كل من يسكن في أحلك أعماق المحيط.» 

وهنا يكمن سحر ظاهرة سقوط الحوت في أعماق المحيط. فبعدما تنتهي حياة هذا الكائن الضخم، ويسقط جسده للقاع، يمر بعدة مراحل تستمر بين شهور وعقود. كل مرحلة تخلد إرثه ومساهمته، كما أنها تفيد عدة فئات من الكائنات الحية، كأسماك القرش وحتى البكتيريا، فيوفِّر لهم الغذاء والمسكن. 

وهذا ليس مجرد تشبيهٍ شاعري، أو احتفال بانتهاء حياة مخلوقٍ حي وتحلُّل أجزائه، بل حقيقة علمية توضح أن نهاية فصلٍ ما لا يعني تحوُّل الحياة بأسرها للعدم، بل بداية حيوات أخرى. لذا، بالرغم من ألفة الفصل الحالي من حياتي ودفء ذكرياته، فإنَّ بداية فصل جديد من حياتي تتطلب نهايته. 

وحتى إن أقلقني عدم وضوح الفصل القادم، فقد وجدت في أعماق المحيط المظلمة وحياة الحيتان تذكيرًا بأن السقوط عند النهايات ليس رضوخًا، بل خطوةٌ طبيعية ومؤقتة، لحظةٌ واحدة. بينما النهوض الذي يليها سيبث النور والحياة فيني، وبكل من حولي؛ وهذا يحتاج مني إلى ثقةٍ عمياء بالعتمة التي تلي النهايات. 


عملاؤك يستاهلون تجربة شراء سهلة وذكية.

توصيل لكل العالم، وتعامل بكل العملات، وربط مع مختلف التطبيقات، ومئات المزايا الأخرى التي تساعدك على توسيع نطاق تجارتك للعالمية. 🌎

سجّل في سلّة، وانقل تجارتك إلى المستوى الذي تستحقّه.


في كتاب «الحكاية وما فيها» يناقش المؤلف عملية الكتابة وما يتخللها من مراحل معقدة وبسيطة، ذهنية وعملية، نلاحظها أحيانًا ونغفل عنها كثيرًا. وأظن أن في كثير مما ذكر أشياء نستطيع توظيفها في الحياة اليومية ولا تقتصر على الكتابة. ✍🏼

  • يقول في أحد الفصول: «البذرة التي غرستَها في خيالك وهِمتَ بها شاردًا لأيامٍ أو أسابيعَ أو ربما شهور، سوف تخرج منها ساقٌ رفيعة للغاية في يومها الأول من الحياة، ساقٌ لا تظن أنها من القوة بحيث يمكنها أن تواجِه الحياةَ وتنجو وتكبر وتزدهر، وتكسوها الأوراق والبراعم، وتستدير في أغصانها البتلات بألوانها وروائحها وعجائبها. لكن، صدِّق أو لا تصدِّق، فإن هذا ما سيحدث، فقط لو تعهدتَها بالرعاية والمحبة كأيِّ بستانيٍّ رقيق القلب.» 🌱❤️

  • توقفت عند هذا الاقتباس لأنه أشعل في ذهني لمبة. لم أشعر أنه يتعلق بفكرة أو حبكة، ولا بقصة أو مشروع، بل لامسني من جانب مختلف؛ فكرتُ في كل الأشياء التي أشعر بها، تلك التي تتعلق بثقتي بنفسي، بنظرتي لإنجازاتي، بشعوري حيال مظهري أو شخصيتي. فكم من بذرة زرعتها ونَمَت فاسدة مشوّهة يحيطها الشوك؟ لا أعرف لماذا زرعتُها، وهل زرعتُها أنا أم غيري؟ كيف ولماذا مَنحتُ المحبة والرعاية لبذور ستبثّ سمومها في حياتي، عوضًا عن تلك التي ستمنحني ثمارها العذبة؟ 🌳🍇

  •  يصعب على الإنسان تغيير وجهة نظره في أمور كثيرة، في البداية تكون رأيًا أو شعورًا، ثم تصبح قناعة. يشعر أحدهم بأنه فاشل لأنه فشل مرة أو عشر مرات، فيتحول الأمر إلى إيمان تامّ بفشله عوضًا عن الإيمان بالمحاولات. ويظن أحدهم أن الحياة معقدة ومُرّة وصعبة كلها، وينسى أنها مراحل. وحين تأتي مرحلة حلوة، يعجز عن رؤية حلاوتها. وهكذا، نبني نمطًا نعجز في كثير من الأوقات عن التخلص منه والتحرر من قفصٍ بنيناه فكرةً فكرةً، ولو مددنا خيالاتنا وإيماننا أبعد قليلًا لأدركنا كذبته. 📦🌍

  • في أحد تمارين الكتاب يقول المؤلف: «ضَعْ قائمةً بكلمات مجردة؛ مشاعر وانفعالات وأحاسيس، ثم حاوِلْ أن تصفها من خلال الحواس. على سبيل اللعب والتجريب: ما لون الحب؟ ما رائحة الغيرة؟ ما مذاق التعب؟ ما ملمس الغضب؟ ما صوت النفاق؟ فاجِئْ نفسَك وغامِرْ والعب، متجنِّبًا الكليشيهات الجاهزة، فليس بالضرورة أن تكون صورةُ الحب على الدوام هي زهورٌ وقلوبٌ وشموسٌ.» وأجدني أبتسم وأفكر في المشاعر والأفكار والهواجس لو جرّدناها من كل ما علّقناه بها وأعدنا وصفها من جديد، كيف سنشعر حيالها؟ هل سنصدق شخصياتها الجديدة التي ستنعكس علينا؟ أم سنتمسك بما رسمناه لها لحظة ضعف ليكون حقيقتنا؟ ☀️👩🏻‍🎨

🧶إعداد

شهد راشد


  • «تعامل مع الصعب وهو لا يزال سهلًا؛ وتعامل مع عظائم الأمور وهي لا تزال صغيرة.» لاو تسي

  • عندك حنين إلى حلقات جزيرة الكنز، عدنان ولينا، وماوكلي؟ اقرأ تدوينة الروائي طاهر الزهراني.

  • وي ي ي ي!

  • تبي عيالك يحترمونك؟

  • طبطبة...جريدة يومية تصدر عن مؤسسة الطبطبة الصحفية. 


نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+70 متابع في آخر 7 أيام