شتَّان ما بين السكينة الغربية والإسلامية

لا توجد مشكلة في الإنفاق على راحتنا النفسية، بل إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده. المشكلة هي في ربط سعادتك كلها بذلك.

تبدو فكرة إضفاء الطابع الرومانسي على حياتك فكرة حسنة، أقصد الاستمتاع بأقل الأشياء في حياتك، ولنسمها «تسكين الحياة» من «السكينة» -لم أجد ترجمة جيدة لمصطلح (Romanticize)- خصوصًا عندما لا يمكنك تغيير شيء في الخارج. 

لنقل مثلًا إنك تخطط لنزهة مع أصدقائك، وفجأة تهطل الأمطار الغزيرة وتضطرك إلى إلغاء نُزهتك على إثرها. يمكنك أن تتحسر على ضياع خُطتك أو إشعال شمعة معطرة في غرفتك مع موسيقا هادئة في الخلفية، وتستمتع بقراءة كتاب أو رواية. فالفكرة في تغيير نظرتك إلى الأشياء، لا طبيعة الأشياء. وهذا كله جميل.

عندما نفكر على منصات التواصل الاجتماعي بتسكين الحياة لا نذكر الصلاة أو الدعاء مثلًا، وإنما نذكر اليوقا أو احتساء كوب قهوة ساخن. ولا وجه للمقارنة هنا طبعًا بين الصلاة وغيرها فهي مختلفة اختلافًا نوعيًا. وليست فكرة ممارسة اليوقا أو احتساء القهوة فكرة سيئة بالضرورة، بل إنني شخصيًا أستمتع بهما. ما أقوله هو إن هذا ما يتبادر إلى الذهن عندما يُذكر مظهر من مظاهر تسكين الحياة على منصات التواصل الاجتماعي؛ لأن هذه المظاهر لم توجد من طبيعة ثقافتنا العربية أو الإسلامية، بل جرى توريدها من الغرب الذي قد نتفق أو لا نتفق معه في كثير من ممارساته.

معظمها أفكار ليست بطبعها سيئة، بل قد تساعدنا على تقدير ما أغدقه اللهُ -سبحانه وتعالى- علينا من النِّعَم. المشكلة هي في أن معظمها تتمحور حول الاستهلاكية (consumerism) بالدرجة الأولى وليست راحة البال والاستقرار النفسيين، كما هو مذكور في هذا الفيديو مثلًا. 

فيُخيّل إلينا أننا لا نستطيع أن نعيش هذه الحالة من السكينة إلا عندما نشتري منتجاتٍ معينة كالورود والعطور والشموع والملابس أو الاشتراك في نادٍ رياضي أو سفرة سريعة إلى إيطاليا. فتكون المشكلة في ربط السعادة بمنتجات خارجية، ومِن ثم لا تأتي السكينة من الداخل بل من الخارج. ولا تختلف كثيرًا هذه الفكرة عما تناوله الصديق حسين الإسماعيل هنا في كلامه عن «المنيماليَّة» (minimalism) .

يذكر الدكتور تيم كاسر أننا كلما تعرضنا لبرامج التلفزيون وإنتاجات شبكات التواصل الاجتماعي أكثر أصبحنا أشد عُرضة للتفكير بشكل مادي بحت؛ لأن هذه البرامج لا تصوّر السعادة إلا من طريق الثروة وامتلاك الأشياء التي لا يمكن لمعظمنا امتلاكها.

في المقابل توجد في ثقافتنا مفاهيم أعمق وأرقى؛ كدعوة الإسلام إلى التدبّرِ والتفكُّر في خلق الله. فعندما ترى مناظر الطبيعة الخضراء في تلاحم مع الحيوانات التي تعيش فيها، تذكر قوله تعالى: «صِبْغَةَ الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً …» (البقرة: 138). أرى شخصيًا في تلاوة القرآن السكينةَ التي أبحث عنها دائمًا. فليس هو كتاب قصص وحكم ومواعظ فقط، بل كتاب هداية «يَهْدِي لِلتِي هِيَ أَقْوَم…» (الإسراء: 9). وهكذا أشعر بأن السكينة التي تأتيني من تلاوة القرآن ليست سكينة وقتية محدودة بوقت التلاوة فقط، بل هي بناءٌ مستمر للقلب والعقل يجعلني إنسانًا أفضل ممن كنتُه.

الفرق بين الطريقتين هو أن الأولى تجلب السكينة من عوامل خارجية والثانية تجلبها من الداخل. وشتّان بين الاثنتين، فلا يمكن لأحد أن يسلُبك علاقتك مع الله سبحانه وتعالى. مرة أخرى، لا توجد مشكلة في الإنفاق على راحتنا النفسية، بل إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده. المشكلة هي في ربط سعادتك كلها بذلك.

الإنسانالديننمط الحياةالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+640 مشترك في آخر 7 أيام