المغزى من كتابة المقال في عصر «جي بي تي»

زائد: أعد ضبط بوصلة التطوير

أخيرًا تطبَّع قروك بطباع البشر في تويتر!

الأخبار كلها تركز على اندفاع قروك الحماسي في تمجيد هتلر، لكن هذه لم تكن الحادثة الوحيدة يومها. ففي خلال تصفحي التايم لاين العربي، فوجئت بقروك يُظهِر السلوك نفسه في توجيه الشتائم واللغة البذيئة والصور النمطية ما بين الشعوب العربية.  

السبب طبعًا أن إيلون مسك أمر ببرمجة قروك بحيث يستقبل مدخلاته أيضًا من المصادر غير الموثوقة، أي من الحسابات الهجومية، وبالتالي تطبَّع بطبعها. 

فإذا كان الذكاء الاصطناعي قد عجز عن الصمود أيامًا قبل أن تجرفه ثقافة الإساءة في تويتر، قس علينا نحن البشر. هل يُعقَل أنَّ عقلنا وطباعنا ولساننا لم تتأثر البتة؟ 🤷🏻‍♀️

في عددنا اليوم، أبحث عن مغزى تعليم كتابة المقال في عصر «جي بي تي»، ولماذا التهويل من اختفاء الكتابة في غير محله. وفي «خيمة السكينة» تدعونا أريج المصطفى إلى ضبط بوصلة التطوير في سعينا إلى النجاح. ونودعك في «لمحات من الويب» مع اقتباس عن النوايا الشريرة والغباء، وهل ستجتاز الاختبار الأخلاقي في إعادة عربة السوبرماركت إلى مكانها؟ 🛒

إيمان أسعد


Imran Creative
Imran Creative

المغزى من كتابة المقال في عصر «جي بي تي»

إيمان أسعد

أعمل هذه الفترة على إعداد ورشة مكثفة في فن كتابة المقال، ورشة مطوّلة تمتد أربع ساعات في اليوم، على مدار أربعة أيام، أي اثنتي عشرة ساعة بالمجمل. ويحلو للوسواس المحبط في عقلي أن يهمس وأنا منكبة على العمل: «بوجود "جي بي تي"، ما المغزى من تعلُّم كتابة المقال، ناهيك عن بذل الجهد في كتابته؟» (وسواسي متأثر بقراءة جبرا إبراهيم جبرا خلال الشهر الماضي قبل النوم، ولهذا يُؤْثر الدفع بي إلى حافة الهلع الوجودي بالعربية الفصحى العذبة لا المحكية الساخرة.🤨)

وردًّا على سؤاله، أطرح على نفسي السؤال:

هل بتعليم حرفة كتابة المقال، أكون كمن يعلِّم صناعة السدو؟

السؤال المطروح أعلاه مبنيٌّ على فرضية خاطئة: أنَّ المقال مُنتَج، فإذا ما توفرت طريقة أسرع إلى صناعته وبكمية أوفر من خلال الميكنة (والميكنة هنا هي الذكاء الاصطناعي)، ستنتفي الحاجة إلى تعلُّم صناعة هذا المنتج بالطريقة اليدوية (واليدوية هنا هي العقل البشري).

قد تخالفني الرأي هنا، وتقول إنَّ المقال (ومختلف أنواع الكتابة من رواية ومسرح وشعر وسيناريو أفلام وألعاب فيديو وغيرها) هي مُنتَجات، لأنها في نهاية المطاف تُباع وتُشترى وتُستَهلَك، وخاضعة إلى معايير سوق الصحافة والنشر والترفيه. ولن أخالفك الرأي، لكن سأشير إلى نقطة أخرى: المنتج يخدم غرضًا ماديًّا، يلبي احتياجًا معيشيًّا، ولا يؤثر بالضرورة في دواخلك، ولا يغيّر طبيعتك، ولا يوجّه تفكيرك، ولا يرفع أمامك مرآة تعكس صورة حياتك. وهذا يعني أنَّ الكتابة عمومًا، والمقال خصوصًا، أكثر من مجرد منتج، وأنَّ الكتابة أكثر من مجرد حرفة صناعية؛ هي مهارة فكرية أساسية تلبي احتياجًا بشريًّا على المستوى الغريزي للبقاء. 

في كتاب «الرسالة» (The Message)، يكتب تاناهاسي كوتس ثلاث مقالات طويلة أهداها إلى طلبة ورشة كتابة المقال التي قدَّمها في جامعة هوارد في صيف عام 2022، وجامعة هوارد إحدى أعرق جامعات السود الأمريكية التاريخية. وفي هذه المقالات جسَّد كوتس الدرس الأهم الذي استهلَّ به الكتاب: 

«لا يمكن لنا أبدًا أن نمارس كتابة المقال فقط لأجل الحرفة ذاتها، بل لا بد أن نؤمن في أننا نمارس الكتابة خدمةً لهدف التحرُّر الكامل من العبودية وعواقبها التي نعيشها إلى اليوم. وينبغي على مقالاتنا أن تتناول التفاصيل الصغيرة التي نعيشها في حياتنا البشرية، بين أناس كانوا يشكوّن في إنسانيتنا.»

ويواصل كوتس تذكير طلابه بخلاصة الورشة: 

«لطالما سمعتموني أقول لكم "قضُّوا مضجع القارئ"، إذ لا يكفي أبدًا أن يقتنع القارئ بمقالك. الغاية من المقال أن تقضَّ مضجعه، أن تجعله يتفكَّر بكلماتك قبل نومه، يراها في أحلامه، يخبر شريكه عنها صباح اليوم التالي، يقبض على غريبٍ في الطريق، فيهزُّ كتفيه ويسأله "هل قرأت ذاك المقال أم بعد؟".»

دعنا نتفكَّر هنا في دلالات حديث كوتس إلى طلابه، ونسأل: هل ثمة هدفٌ أسمى يسعى «جي بي تي» إليه لدى كتابة المقال؟ هل عاش «جي بي تي» تفاصيل بشرية صغيرة حفرت علاماتها فيه وشكَّلت فكره وهويته ونمط كتابته؟ هل يكترث «جي بي تي» -الميَّال إلى النفاق وإرضاء «الأنا» البشرية- إلى الانقضاض على القارئ وقضِّ مضجعه؟ 

فأيُّ مقالٍ إذن سيكتبه «جي بي تي»؟ 

سيكتب المقال الإنتاجيّ، الذي يلبي احتياجًا ماديًّا مؤقتًا، مثل الحصول على علامة ممتازة في مادة جامعية، أو النشر في الصحف والمنصات بهدف ملء الفراغ بالمحتوى. مقالات أشبه بما وصفه سليمان المعمري في منشور له على فيسبوك، وممكن الاستدلال عليها فورًا من أنماط استهلالها مثل: «في لحظة فارقة في تاريخ البشرية»، «في عالم يزداد تعقيدًا»، «في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة»، «في زمن يعلو فيه الضجيج»، وهكذا دواليك. 

وهنا أيضًا علينا الانتباه إلى الفرضية الشائعة والخاطئة التي تقول باختفاء الكتابة ما بعد زمن الذكاء الاصطناعي؛ لأنَّ هذه الفرضية تناقض واقع الكتابة ذاته. فالنصوص الضعيفة والكتّاب غير الأكفاء لطالما كانوا موجودين قبل عصر الذكاء الاصطناعي، وغالبًا هم الأكثرية. هنا ستقاطعني وتقول: لكن نصوص «جي بي تي» مكتوبة بكفاءة. وسأرد عليك: مكتوبة بكفاءة إنتاجية، لكن ضعيفة إنسانيًّا. ولنسأل أنفسنا: هل كل طالب نال علامة ممتازة في مواد الكتابة الجامعية كل تلك العقود، حول العالم، امتهن بالضرورة كتابة المقال؟ لا. فما الذي سيتغيَّر الآن؟ 

خلافًا لفرضيَّة الاختفاء، ما سيحدث في الواقع أنَّ الكتابة الإنسانية ستزدهر في عصر «جي بي تي» لأنَّ الكل سيغدو قادرًا على «إنتاج المقالات» من خلال الميكنة الصناعية، وسيبحث القارئ مليًّا عن الكتابة الأصيلة، عن المقال الذي سيقضُّ مضجعه.

وهذا هو المقال الذي ينبغي أن أعلم فنَّ كتابته في الورشة. 


عملاؤك يستاهلون تجربة شراء سهلة وذكية.

توصيل لكل العالم، وتعامل بكل العملات، وربط مع مختلف التطبيقات، ومئات المزايا الأخرى التي تساعدك على توسيع نطاق تجارتك للعالمية. 🌎

سجّل في سلّة، وانقل تجارتك إلى المستوى الذي تستحقّه.


أعِد ضبط بوصلة التطوير 🧭 

في كثير من الأحيان يشعر الواحد منا، مع كثرة المسؤوليات والانشغالات، بأن الوقت لتعلّم المزيد من المهارات يفلت منه. وكأنه في سباق مع الزمن، يحاول كل مرة تعلّم المزيد طمعًا في الوصول إلى نسخة أفضل. 

وهذا الطموح بالتأكيد ليس خطأ، لكن فكرةً مرّت عليّ غيرت قناعتي في محاولة «تجميع المهارات» -إن صحّت التسمية- وجعلتني أطمئن أكثر إلى البطء أو التوقف أحيانًا في مضمار السعي للمزيد من النجاح، وأركز على ما لدي عوضًا عن ذلك، وللغاية ذاتها: المزيد من النجاح.

الفكرة باختصار تقول: إننا لو استطعنا كلنا تطوير جميع مهاراتنا، لما تميّز أحد منا عن الآخر. والتطوير الحقيقي يتحقق حين يطوّر كل شخص ما يحسِنه، ليتقنه أكثر ويملك قيمة فريدة عن غيره.

هذه الفكرة، عدا عن أنها تطفئ شيئًا من لهيب تأنيب الضمير الذي يذكرك دومًا بقائمة المهارات التي لم تتعلمها بعد، والتي تحتاج إلى ساعات من التركيز والفراغ لتخطو خطواتك الأولى فيها، تعيد توجيه بوصلتك لتركّز على نقاط قوتك أكثر. 

قد يبدو الحديث هنا متعلّقًا بالتطوير المهني أو الدراسي أو ما شابههما، لكنه برأيي قاعدة حياتية. فأبسط المهام اليومية تتطلّب مهارات مختلفة؛ الأمومة والأبوة، مثلًا، تحتاجان إلى مهارات بالغة في الصبر والذكاء العاطفي والتنظيم وغيرها. والعلاقات الاجتماعية تحتاج إلى إدارة وقت وتنظيم أولويات وذكاء اجتماعي.. وقِس على ذلك.

وحتى لا تصبح هذه الفكرة أشبه بحبة المسكّن فتثبط الطموح لتعلم مهارات جديدة، تذكّر ميزانك الشخصي الذي بناءً عليه تحدد متى يكون الوقت مناسبًا لتعلم مكتسبات جديدة، ومتى يكون الأجدر تقوية الموجود وإتقانه للوصول إلى نسخة أفضل، دون الخوف من فوات «الكمّ» من المهارات مقابل تطوير «جودة» الحاليّ منها.

🧶إعداد

أريج المصطفى



نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+80 متابع في آخر 7 أيام