استخدمت «جي بي تي» في بحثي ونلت امتياز

أزعم أن كل ما رأيناه من استخدامات معقدة لـ«تشات جي بي تي» حتى الآن ما هي إلا غيضٌ من فيض؛ وأن الذكاء الاصطناعي ليس مجرَّد «هبَّة».

درست في الفصل المنصرم مادة «قانون الإعلام وأخلاقيَّاته» (Media Ethics and Law) التي احتوت على شقَّيها الأخلاقي الفلسفي والقانوني العملي. وبوصفي مستهلكًا للإنترنت بشكل يومي، مرت علي كثير من القصص والتجارب التي وظَّفت «تشات جي بي تي» لكتابة البحوث أو الواجبات أو غيرها. فقلتُ في نفسي: لمَ لا؟

في البداية كان عليَّ أن أنطلق من فَهم كيفية عمل هذه التقنية؛ فهي مختلفة عما كان يُطلق عليه «الذكاء الاصطناعي» في السابق. إذ أنَّ «تشات جي بي تي» تقنية توليدية للمحتوى وليس خوارزمية معقدة معروفة النتيجة. بمعنى أنه يعمل على أساس توقُّع الكلمة التالية باستخدام كم هائل من البيانات التي جرى تدريبه عليها. وبالنتيجة لا يمكن لأحد توقُّع ما سيكتبه البرنامج ولا يمكن أيضًا أن نثق بصحة ودقّة ما ينتجه من كلام وحقائق عِلمية، بل من الوارد أن يكذب من أجل أن يجعل كلامه (غير الصحيح) متسقًا.

الإشكالية الثانية التي كان عليَّ أن أخوضها هي المعضلة الأخلاقية، وهي باختصار: كيف لي أن أزعم أن إنتاج الآلة الصمَّاء هو نتاج فكري وبحثي الخاصَّيْن؟

ولكي أتغلب على هاتين المعضلتين قررتُ أن أبحث الموضوع كاملًا وأن أكتب البحث مثلما كنت سأكتبه دون «جي بي تي»، وبعد إنهائي الكتابة أنسخ كل قطعة من بحثي وأضعها في «تشات جي بي تي» وأطلب منه الأمر الآتي: 

(Rewrite this paragraph and make me sound smart.)

وإذا به، في ثوانٍ معدودة، يعطيني الكلام نفسه لكن بلغة محكمة أكاديمية، وكان هذا في القسم الفلسفي من البحث.

أما في القسم القانوني من البحث فكان الأمر:

(Rewrite this paragraph and use legal language.)

وكما هو متوقع، حصلت على كلامي نفسه بلغة قانونية مُقننة وكأنني محامٍ بخبرة سنين طويلة.

بهذه الطريقة ضمنت أن ما أنتجه «جي بي تي» دقيق وصحيح من ناحية المعلومات والمصادر والأرقام، ففي النهاية أنا من عمل البحث وتأكدت بنفسي من كل شيء فيه. وبالطبع لن أضع الكلام مثلما أعطاني إياه «تشات جي بي تي»، فعملتُ على تحريره وغيرتُ بعض المفردات وتراكيب الجمل كي تكون صياغة الكلام صياغة شبيهة بكلامي الطبيعي أو بطريقتي في كتابة البحوث؛ لأنني على معرفة تامة بأن أستاذتي تعرف أسلوبي في صياغة الكلام ونظم الأفكار. 

وقد وجدتُ أن الأساتذة يختلفون في تناولهم مع أدوات كهذه؛ فهي حتى الآن موضع جدل. فأُستاذتي الأولى، بصراحة، لا تعرف أنني استخدمت «جي بي تي» في بحثي، ولم أذكر هذا الشيء في الورقة التي كتبتها. أما أستاذتي الثانية فشجَّعتنا على استخدام جميع الأدوات المتاحة لنا بما فيها «تشات جي بي تي».

أنا من أكبر المؤمنين بتوظيف الأدوات التقنية في حيواتنا لتسهيلها وجعلها أكثر قيمة، فاستخدامي في هذه الحالة لم يكن اتكالًا كاملًا على الأداة، فقد مررت بجميع المراحل التي يمر بها أي أكاديمي ليكتب بحثًا. لذا فإن الهدف من البحث هنا تحقق بالفعل، بل إنني، مع الوقت وكثرة الاستخدام، تعلمتُ كثيرًا وطوّرت من لغتي الأكاديمية بفضل هذه الأداة.

وهذا الاستخدام هيّن جدًا مقارنةً بالاستخدامات الأخرى، بل إني أزعم أن كل ما رأيناه من استخدامات معقدة لـ«تشات جي بي تي» حتى الآن ما هي إلا غيضٌ من فيض؛ وأن الذكاء الاصطناعي ليس مجرَّد «هبَّة».

التقنيةالمستقبلالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+640 مشترك في آخر 7 أيام