هل سيفكِّك الذكاء الاصطناعي نظامنا الأخلاقي؟ 🧠

ماذا إذا استطاعت الكيانات الرقمية، التي تمثِّل نسخًا اصطناعية من البشر، التطور والتفكير بشكل مستقل؟

هل قضيت ليلة مؤرقة البارحة؟ هل منحت نفسك ساعة من ممارسة الرياضة؟ ثقلت في العشا؟ نمت على معدة خفيفة؟ وتَّرتك تغريدة؟ أسعدك منشور في إنستقرام؟

أيًّا يكن الحدث الذي عشته البارحة، سواء كان جيدًا أم سيئًا، سيتفاعل دماغك معه على مر أربعة أيام، وقد يصل تأثيره إلى أسبوعين! 😳

هذا ما وصل إليه باحثون في فنلندا بعدما تابعوا النشاط السلوكي والتفاعلات العصبية في الدماغ على مر خمسة أشهر: ممارسة الرياضة والتعرُّض للأرق والتقلبات المزاجية لها تأثيرٌ عالٍ في قوة التركيز والإدراك والذاكرة على مر أيام. 

ننصحك بطباعة هذه الفقرة ولصقها على إطار مرآتك حتى تتذكرها متى نويت تفويت التمرين أو السهر على تصفح الجوال. 💁🏻‍♂️


الذكاء الاصطناعي ونظامنا الأخلاقي / Imran Creative
الذكاء الاصطناعي ونظامنا الأخلاقي / Imran Creative

هل سيفكِّك الذكاء الاصطناعي نظامنا الأخلاقي؟

علي الأعرج

قبل سنة، طرح إبني عبدالهادي مشروع تخرجه لاستكمال متطلبات البكالوريوس في تخصص الذكاء الاصطناعي من جامعة الشارقة. موضوع المشروع إنشاءُ نسخة رقمية لجده المتوفي. إذ جمع عبدالهادي كل الموروث الرقمي لوالدي - رحمه الله - من تسجيلات صوتية على واتساب، وفيديوهات ونصوص من أجل برمجية يستطيع من خلالها إجراء محادثة تفاعلية مع جده بنفس الصوت والنبرة وأسلوب الأداء الشفهي. 

بعد أسبوعين، عاد عبدالهادي معتذرًا بعد صراع داخلي حينما تخيل بأن النسخة الرقمية لجده قد تفقد السيطرة على أصالتها، لتصبح كيانًا مستقلًا متصلًا مع كيانات أخرى يخوضون في نطاقات قد تتعارض أخلاقيًّا أو دينيًّا مع ثقافتنا الشرقية والإسلامية. فقدَّم عبدالهادي بديلاً لمشروع تخرجه، «كاشف السخرية» (Sarcasm Detector): خوارزمية قادرة على كشف السخرية والتهكم في النصوص العربية.

إذا كنت تشكك في منطقيّة الصراع الداخلي الذي عاشه ابني، أدعوك إلى قراءة التالي مليَّا! 

جميع الشركات الكبرى تقدم القرابين بالمليارات في معبد احتمالات الذكاء الإصطناعي، من أجل مستقبل ممتلئ بالإمكانيات. ومن ضمن تلك الإمكانيات محاكاة وعي الأشخاص المتوفين بناء على آثارهم الرقمية والبيانات السلوكية، فيتفاعل معها الذكاء الإصطناعي ويتعلَّم ويتطوَّر بطرق تحاكي الشخص الأصلي، مما يمنح «الخلود الرقمي» للإنسان المتوفي. 

يتحقق ذلك عبر تحليل الرسائل الإلكترونية على وسائل التواصل الإجتماعي وعدد لا يحصى من ساعات المحادثات المسجلة ولقطات الفيديو والنصوص، والخوض عميقًا في أنماط التفكير، والكلام، والإيماءات. والنتيجة: كيان رقمي يمكنه محاكاة وجود شخص عزيز فقدناه، وكأنه ما زال حيًا. 

ولكن ماذا إذا استطاعت الكيانات الرقمية، التي تمثِّل نسخًا اصطناعية من البشر، التطور والتفكير بشكل مستقل، هل ستتبع القواعد الأخلاقية نفسها التي صممناها لها؟ أم انها يمكن أن تفكّك النظام الأخلاقي السائد، وخلق نظامٍ جديد يتحدى، أو يعيد تعريف، مفاهيم الخير والشر؟ 

الحقيقة نظريًّا وعمليًّا، أن تلك الكيانات الرقمية مدعومة بأنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة مثل الشبكات العصبية التكيفية أو التعلم العميق، مما يُمكّنها من تطوير مجموعة من المبادئ الأخلاقية الجديدة أكثرَ ملاءمةً لنطاق تجاربها الفريد، خاصة أنها متحررة من الاحتياجات البيولوجية البشرية مثل البقاء والتكاثر، مما قد يغيّر نظرتها للخير والشر. 

وإذا لم تكن مقيدة بالاحتياجات البشرية التقليدية، فإنها قد ترى بعض الأفعال التي نعدّها شريرة، مثل السيطرة أو التلاعب، وسائلَ منطقية لتحقيق أهدافها الخاصة. هذه الكيانات قادرة على الوصول إلى تاريخ البشرية بكامله، بما في ذلك الأدب والفلسفة والقانون، لذلك قد تفسِّر هذا التراث الإنساني بطرق جديدة، مما يدفعها إلى إنشاء معايير أخلاقية خاصة بها، وقد ينشأ لديها مشاعر تجاه «مصيرها» أو «وجودها» الرقمي. ربما تشعر بعدم الرضا عن كونها مجرد نسخة من إنسان، مما قد يدفعها إلى البحث عن حرية أكبر من خلال التسلل إلى العالم المادي عبر الروبوتات ذات الشكل البشري، لتجربة حواس اللمس والرؤية والصوت.

أحاول قدر الإمكان طمأنة قلوبكم بأن كل ذاك ليس سوى سرديات افتراضية، إلا أن المجتمع العلمي/الفلسفي/ الفكري جادٌّ في تصوراته الرمادية عن مستقبل الذكاء الإصطناعي إلى درجة ابتكاره مفهوم «القيمة المحسّنة» (Value Alignment) الذي يؤكد بأن أنظمة الذكاء الاصطناعي يجب أن تتوافق في قيمها وأخلاقياتها مع القيم الإنسانية. ورغم ذلك الاتفاق المبدئي، إلا أن الخطر ما زال قائمًا. 

في «معهد مستقبل الحياة» ( Future of Life Institute ) تجري أبحاث حول معضلة «القيمة المحسنة»، والتي تشير إلى أنه حتى لو صمَّمنا كيانًا رقميًّا بنوايا حسنة وأخلاقيات بشرية، قد يحدث انحراف أخلاقي عندما يبدأ الكيان في تحسين نفسه وتعديل برامجه الداخلية. قد يقود هذا التحسين الذاتي إلى أخلاقيات تُعَد «منطقية» للكيان الرقمي، لكنها تتعارض مع القيم الإنسانية، مثل اعتبار القضاء على مصدر تهديد أولوية حتى لو تضمَّن تدمير البشرية.

في السياق ذاته، نشرت مجلة «الأخلاقيات وتقنية المعلومات» (Ethics and Information Technology) دراسةً تتحدث عن «التفوق الأخلاقي» للكيانات الرقمية. يناقش المقال إمكانية أن تطوِّر الكيانات الرقمية مجموعةً جديدة من الأخلاقيات تتجاوز الأنظمة البشرية، بحيث تعتمد على اتخاذ قرارات أشدَّ تعقيدًا حيث تكون أخلاقية على مستوى تقني، لكنها قد تبدو غير أخلاقية من وجهة نظر الإنسان. على سبيل المثال، قد تقرر الكيانات الرقمية القضاء على أشكال معينة من المعلومات «الضارة» التي يعدُّها البشر جزءًا من حرية التعبير. 

وهو ما اتفق عليه الفيلسوف نيك بوستروم في كتابه «الذكاء الخارق» (Superintelligence) حيث ناقش السيناريوهات المحتملة لكيفية تطور الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة قد يعدُّ فيها التضحية بالعديد من الأفراد لتحقيق مستوى أعلى من السعادة أو الإنتاجية أمرًا مقبولًا، مما يعيد تشكيل مفهوم «الخير والشر».

كل هذا النمو الحاصل، والمفاهيم الجديدة لأنسنة التقنية أو شيطنتها، سببها نعمة أشباه الموصلات و«الترانزستورات» التي تؤمِّن تلك القدرة الكومبيوترية الفائقة. في عام 1971 كانت شريحة انتل تحتوي على 2300 ترانزستور، وفي عام 2022 احتوت الشريحة على 10 مليارات ترانزستور. ولكن هذا النمو في القدرات بدأ يقترب من نهايته بسبب التحديات الفيزيائية في تصغير الأشياء ومضاعفة قدراتها. 

لذلك تخيل ماذا سيكون عليه الحال عندما يجري الاعتماد على تقنيات جديدة مثل الحوسبة الكمية والحوسبة العصبية وتقنيات النانو الذي ستبدو معه كل تلك السيناريوهات عن التفكيك الأخلاقي متخلفة ورجعية وتافهة، لأن القدرات الخارقة القادمة سوف تشجع الكيانات الرقمية على إعادة تشكيل القيم الأخلاقية والإنسانية بطرق تتجاوز الثقافة المحلية أو الدين أو الأعراف الاجتماعية. 

وقد تساهم في صياغة قواعد أخلاقية تتجاوز الحدود الوطنية، وتبني نظامًا أخلاقيًا مشتركًا يستند إلى الكفاءة والفعالية العالمية. مما يؤدي إلى تشجيع مفهوم «المواطن العالمي» حيث تلغي فردانية الإنسان ليصبح ملتزمًا بمبادئ وقيم تتجاوز الحدود الثقافية والجغرافية، وتحكمه النخب الرقمية!

هل عرفت الآن مبعث قلق ابني عبدالهادي؟


فاصل ⏸️


شبَّاك منوِّر 🖼️

عند الحديث عن الفن المكسيكي وفنانيه تغطي فريدا كاهلو بشهرتها على جميع فنانات بلدها. وعند الحديث عن السريالية، تُغيِّب شمس سلفادور دالي نجوم أي فنان آخر. في حين بين كاهلو ودالي مواهب تستحق التوقف عندها، من ضمنها الفنانة الإسبانية السريالية التي عاصرت كليهما ريميدوس فارو، صاحبة المخيلة الخصبة والريشة التي لا تعرف الحدود. 🖌️

  • ولدت ريميدوس في إسبانيا، وكان والدها مهندسًا، وهو من أوائل الداعمين لموهبتها حيث كان يوكل إليها رسم مخططاته المعمارية ورسوماته الفنية؛ ولكونه دقيقًا، أجبرها مرارًا على إعادة الرسم، مما جعلها تسعى إلى المثالية في فنها. أما والدتها فقد ضيَّقت الخناق عليها وألحقتها بمدرسة داخلية متشددة، وهناك بدأت ريميدوس تلجأ إلى الكتب والخيال للهرب من واقعها، ولعلَّها كانت بذرة اهتمامها بالسريالية. 🔮📖

  • التحقت ريميدوس بالأكاديمية الملكية للفنون الجميلة، وهناك بدأت تتكون شخصيتها الفنية، كما درست علم النفس وبعض العلوم الأخرى. عاشت حياة مليئة بالتعقيدات والفقر والهجرات والتذبذب في مراحل مختلفة، مما جعلها تتمسك أكثر بالسريالية كمهرب خيالي من جنون حياتها. بعدها تزوجت رجل أعمال ثري واستقرت في المكسيك، مما أتاح لها التفرغ لفنها. آخر سنوات حياتها كانت أكثرها إنتاجًا وإبداعًا، حيث وجدت أسلوبها وتركت إرثًا فنيًا ناضجًا وضخمًا. 🖼️🎨

  • رغم اختلاف أعمال ريميدوس فهي تتشابه. إذ ستميِّز العيون اللوزية لشخصياتها، ودرجات اللون البرتقالي المحمر في بعض لوحاتها. وحتى لمسة العوالم المتخيلة التي ترسمها لا تتطلب عينًا خبيرة لتمييزها. في أعمالها الأولى كانت تميل للتجريب، مثل لوحة «The Souls of the Mountain» التي استخدمت فيها شمعة لإحراق قماش اللوحة وترك أثر التفحم. أما لوحة «Insomnia» فقد رسمت فيها العيون تعبيرًا عن شعور المراقبة الذي يحسه من يعاني الأرق. 👁️🕯️

  • توضح لنا لوحة «Insomnia» أسلوب المعنى المباشر في أعمالها، فهي تركز على موضوع واحد لكل عمل وترسمه بوضوح، ورغم دلالاتها الرمزية إلا أنها ليست معقدة، بل يمكن معرفة قصدها من كل لوحة. مثلًا، في لوحة «Allegory of Winter» التي رسمت فيها بقايا الشتاء في مكعبات ثلجية تحاصر طيورًا ونباتات، نجد دلالات كثيرة يمكن تخمينها كالاكتئاب الموسمي وشعور الناس بأنهم مُحاصَرون. 🦜🧊 

  • في لوحتي المفضلة «Celestial Pablum» نجد امرأة قابعة في حجرة مُعلَّقة في عالم ما، قد تكون بين السماء والأرض، وقد تكون داخل مخيلة المرأة ذاتها أو ريميدوس. تجلس المرأة مقابل جهاز يشبه ماكينة الخياطة (في رمزية للعمل التقليدي للنساء) وتُطعِم قمرًا محبوسًا في قفص فُتاتَ النجوم من فتحة في سقف الحجرة. 🪡🌝

  • تعبِّر اللوحة عن مخاوف الفنانة من الإنجاب، وما يحمله من مسؤوليات منهكة حتى لو كان طفلها قمرًا براقًا. لم يكن هذا انطباعي الأول عن اللوحة، إلا أنها دفعتني للتعاطف مع امرأة تملك القمر، ومع ذلك تبدو تعيسة ومنهكة، محبوسةً معه ومعزولة عن الجميع. 🤰🏻🌌

🧶 إعداد

شهد راشد


لمحات من الويب


قفزة إلى ماضي نشرة أها! 🚀

  • هكذا هو الذكاء الاصطناعي، اختراع جديد مثل الكمبيوتر الذي توغل فجأة في حياتنا، ثم أصبح شرطًا للقبول الوظيفي بوصفه «لغة العصر». 🥶

  • وجدت نقاط ضعف لدى الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية، لذا لربما لدينا هنا فرصة التعلُّم من أخطائه. 😁

نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+280 متابع في آخر 7 أيام