لماذا من السهل إدمان رفقة الذكاء الاصطناعي؟ 👥

لماذا سيود أحدهم معايشة الواقع الحقيقي للعلاقات الإنسانية مع وجود بديلٍ مريح يفيده ولا يرهقه البتة؟ 

قبل أن ترمي كليشيه «أمة اقرأ لا تقرأ» في نقاش ثقافي محتدم على تويتر وفيسبوك، تذكَّر هاتين المعلومتين:

  • وفقًا لصحيفة «ذ أتلانتك»، يعجز طلاب الجامعات الأمريكية (جامعات النخبة الأمريكية تحديدًا) عن قراء كتاب بشكل كامل، ويستصعبون مهمة قراءة الكتب عمومًا.

  • في كوريا الجنوبية، في البلد التي فازت روائيتها بجائزة نوبل للآداب قبل شهر، ووفقًا لاستطلاع حكومي في عام 2023، سبعة من كل عشرة كوريين واجهوا صعوبة في إكمال قراءة كتاب واحد خلال العام بأسره. 

يعني نحن لسنا الأمة الوحيدة التي لا تقرأ، بل احتمال كبير أنَّ أداءنا كأمة أفضل بكثير من المتوقع. 📚💁🏻‍♀️


رفقة الذكاء الاصطناعي / Imran Creative
رفقة الذكاء الاصطناعي / Imran Creative

لماذا من السهل إدمان رفقة الذكاء الاصطناعي؟

إيمان أسعد

شاهدت في ليالي عمّان الصيفية الطويلة مسلسل «سَني» (Sunny)، مسلسل أمريكي تقع أحداثه في اليابان، ولماذا في اليابان؟ لأنَّ إقناع مخيّلتك باعتماد البيوت اليابانية على الروبوتات لن يكون أبدًا بالأمر الصعب. (التدوينة تتضمن حرقًا للأحداث 🔥)

تفقد بطلة المسلسل «سوزي» الأمريكية زوجها الياباني وابنها في حادثة سقوط طائرة. ورغم السنوات الطويلة التي عاشتها في اليابان، لم تكلف «سوزي» على خاطرها عناء تعلُّم اللغة اليابانية، واعتمدت على المترجم الإلكتروني وسيلةً وحيدة للتعامل مع الناس. ولماذا لم تتعلَّم اليابانية؟ لأنها تجد صعوبة في عقد صداقات مع الناس أو حتى التعامل معهم، وحاجز اللغة الطبيعي يحميها من الاضطرار إلى ذلك. المهم، بعد أيام، تفاجأ بطلبية روبوت منزلي تصلها، وهذا الروبوت الأنثى «سَني» (Sunny) برمجها زوجها الراحل لتكون صديقة زوجته.

السيناريو الكارثي في هذا المسلسل لمن يحذرون من أهوال الذكاء الاصطناعي، ليس أنَّ «سَني» ستقلب إلى نسخة حديثة من «تيرمنيتور» وتقضي على البشرية، بل لأنها العكس تمامًا: ستثبت «سَني» أنها صديقة صدوقة، تجدها دومًا إلى جانبك وقت الضيق. (بما أنها روبوت فلا شيء يشغلها عنك، ميزة لن تجدها عند أعز أصدقائك البشر الذين يجرؤون على الالتهاء عنك مع أولادهم وأزواجهم وأعمالهم!)

في مقال «علينا أن نعد أنفسنا لخطر الإدمان العاطفي على الذكاء الاصطناعي» (We need to prepare for addictive intelligence) في دورية «إم آي تي ريفيو»، يحذر الباحثان في معهد ماساتشوستس للتقنية من خطر تكريس بناء العلاقات ما بين البشر والشخوص غير البشرية:

«من خلال قاعدة البيانات المهولة التي تغذَّى عليها، تمكَّن الذكاء الاصطناعي من الاستحواذ على كل العناصر الجذّابة في التاريخ البشري والثقافة الإنسانية، مما يمنحه قدرة لا نهائية على استمالتنا إليه بتقليده عناصر الحكمة، ومحاكاتها في محادثاته وتصرفاته معنا. هذه الأنظمة الذكية، المتفوقة علينا والخاضعة لنا في الوقت ذاته، يسهل عليها خداعنا إلى قبول وهم هذه العلاقة. فهل نملك نحن البشر، في وجه ميزان القوى غير المتكافئ بين الطرفين، أن نوافق بكامل أهليتنا وإرادتنا على الخوض في علاقة مع الذكاء الاصطناعي، خصوصًا لدى الكثير ممن لا يملكون خيارًا آخر على الإطلاق؟»

ويعرض الباحثان الأسباب التي تجعلنا ندمن رفقة الذكاء الاصطناعي. أولًا، بوسع الذكاء الاصطناعي توليد محادثات واقعية معنا على نحو لا نهائي وسريع للغاية، وبالقدر الذي يناسبنا. فنقطة الجذب الجوهرية لدى الذكاء الاصطناعي أنه قادر على تمييز رغباتنا الظاهرة والدفينة اعتمادًا على محادثاتنا معه، ومستعد لتلبيتها متى وكيفما شئنا. بينما في المقابل لا يتمتع الذكاء الاصطناعي بصفات فردانية أو تفضيلات شخصية، أصلًا لا يتمتع بشخصية؛ ما نراه ليس سوى انعكاس لما نريد أن نراه، حتى إن بدا (آخر) مختلفًا عنا. 

هنا يتبيَّن العنصر الذي ستدمنه في إنشاء علاقة مع الذكاء الاصطناعي: إدمان علاقة الأخذ طيلة الوقت وعدم الاضطرار إلى منح الآخر أي شيء، وكل هذا دون ذرة ذنب أو إحساس بالمسؤولية. 

مع الوقت، كلما زاد الاعتماد على هذه النوعية من العلاقات بصفتها ملاذًا مؤقتًا أو جانبيًّا يخفِّف ضغوط الحياة، ستضمر لدينا عضلات بناء صداقات بشرية مع أناس آخرين لهم أحلامهم ورغباتهم المختلفة عنا. وهذا السيناريو ليس بالبعيد. إذ يكفي انتشار ظاهرة الهشاشة النفسية، وتكريس الأنانية في العلاقات وتحطيم الصداقات والزيجات على أقل سبب. فالعلاقات ما عادت تحتمل الصبر ولا التفاهم ولا التعامل مع الأخطاء والزلات. 

من هنا، لماذا سيود أحدهم معايشة الواقع الحقيقي للعلاقات الإنسانية والتعامل مع حمولتها بحلوها ومرّها، مع وجود بديلٍ مريح يفيده ولا يرهقه البتة؟ 

إذا عدنا إلى المسلسل، مع بلوغ الحلقات الأخيرة، تستعد «سوزي» للتضحية بحياتها في وجه عصابات الياكوزا اليابانية لكي تنقذ صديقتها «سَني» من خطر إعادة برمجتها وحذف ذاكرتها. إذ لم تكن «سَني» فحسب صديقة لها، بل شجعتها أخيرًا على استعادة الثقة في قدرتها على تكوين صداقة مع إنسانة أخرى.

المفارقة المثيرة للسخرية في هذا المسلسل، أنَّ الصديقة البشرية التي صادقتها «سوزي» تبيَّن في آخر مشهد أنها خائنة وعميلة لدى الياكوزا، وادّعت طوال الوقت صورة الصديقة. قد تحسب هذه النقطة لصالح الصداقة مع الذكاء الاصطناعي، لكنها في الواقع نقطة لصالح الصداقة مع البشر. 

فالعلاقات الإنسانية متقلبة وغير مضمونة ونعجز فيها عن معرفة دواخل النفس البشرية وأكيد مؤلمة، مهما توثقت علاقتنا بالآخر؛ لكن، هذا الجانب البشري هو ما يمنحنا النضوج والتأمل والتعلُّم والتعاطف والغفران والحكمة، وغالبًا المطبات السيئة في الصداقات هي التي تمنحك هذا. ومشكلة الذكاء الاصطناعي أنه يمنحك متعة الصداقة ونشوتها، ويحرمك من ألمها.


شبَّاك منوِّر 🖼️

لم أقتنِ حيوانًا أليفًا، على العكس كنت أتهرب من هذه المسؤولية. لكنني بدأت أعرف أن بإمكان هذه الكائنات الصغيرة أن تمنحنا محبة ودعمًا مختلفًا نحتاجه، وسنجد له مكانًا حتى لو كانت علاقاتنا البشرية رائعة، فكلاهما له مكانه. وهذا ما دفعني إلى متابعة فلم «هاتشي، قصة كلب» (Hachi: A Dog's Tale) المستوحى من قصة حقيقية حدثت عام 1925، وبرغم بساطتها إلا أنني استمتعت بشعور الدفء الذي يبعثه الفلم. 🐶🚞

  • يبدأ الفلم بمشهد إرسال جرو ياباني إلى مدينة أمريكية، فيضيع في محطة قطار، ويصادفه «باركر»، بروفيسور موسيقا مخضرم. يبحث «باركر» عن صاحب الجرو ويفكر بوضعه في ملجأ للكلاب، لكن الجميع يرفضه حتى زوجته التي تشعر أنه سيكون مسؤولية إضافية، وبعد رؤية سعادة زوجها توافق على بقاء الكلب. في كل علاقاتنا، حتى المهني منها، نحتاج إلى معرفة متى نتنازل ومتى نتخذ موقفًا صارمًا. فنحن نركز على الموقف، ونتجاهل الصورة الأكبر في محاولة لإثبات وجهة نظرنا، إذ نخشى أننا سنبدو ضعفاء لو تراجعنا. 🤔🐕

  • استمرار رفض الناس في الفلم والواقع لتربية أي كائن حي حتى ولو صبّارة دلالة على الوعي بضرورة تحمل مسؤوليتها وإعطائها الوقت الكافي والاهتمام دون التقصير في جوانب أخرى. وأظنها مشكلة نواجهها في كل أمور حياتنا. فنحن نسعى للمثالية والنجاح والموازنة في كل جانب، وننسى أن لكل مرحلة متطلباتها: فربما هذه المرحلة للتركيز على الأمومة أو المسيرة المهنية والتالية على الدراسة والتي تليها لزراعة حديقة. يمكنك ملاحظة ذلك في علاقة «باركر» بكلبه «هاتشي»، فهو في أوقات كثيرة يتخلّف أو يتأخر عن العمل لضرورة تواجده مع كلبه، أو ينام برفقته على أريكة غير مريحة لسبب أو لآخر، ومع ذلك حافظ «باركر» على نجاح مهني وعائلي. 🌵⏳

  • يظن الكثيرون أن اقتناء حيوان سيمنحك محبة غير مشروطة لمجرد أنك تطعمه وتعطيه مكانًا ينام فيه، ولكن الأمر أعقد من ذلك. فلا كائن في هذه الحياة سيمنحك شيئا دون رعاية واهتمام وجهد منك. حتى الجمادات تحتاج قدرًا من الرعاية لتبقى كما هي لحظة اقتنائها. 🤍🌻 

  • يعيش «باركر» وكلبه «هاتشي» سنوات طويلة من المحبة المتبادلة، فقد درَّب «باركر» كلبه على استقباله في المحطة بعد عودته من العمل كل يوم، وقضى معه أجمل أيامه في علاقة وثيقة. ويمكنك في كل المشاهد إدراك أن «باركر» كان عالم «هاتشي» بأسره، وهذا ما دفع «هاتشي» إلى انتظاره في محطة القطار كل يوم بعد موته. هذا الأمل الغريب وتجاهل الخيبة اليومية، تذكيرٌ لنا بقيمة المحبة التي تبقى بعد رحيلنا إرثًا في قلوب كل من عرفنا. ❤️‍🩹🕯️

🧶 إعداد

شهد راشد


لمحات من الويب


قفزة إلى ماضي نشرة أها! 🚀

  • في «مجتمعات إكس»، يتبادل الأعضاء المنشورات وفق إطار معين يتماشى مع قيم المجتمع وأهدافه. 👥

  • لا تتعجب إذا أقسم أحدهم بأن ثمة كائنًا بشارب كث يراه الجميع جميلًا، لأنَّ هذه قوة الكلمات. 🦭

نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+330 متابع في آخر 7 أيام