لماذا تأثَّرنا بحلقة الدحيح عن أم كلثوم؟ 🥹

أتفق مع من يصف برنامج الدحيح بـ«كبسولة معرفية»، لكن حلقة أم كلثوم كانت كبسولة علاجيَّة.

عاش ثريدز صيفًا ناجحًا بكل المقاييس، مع زيادة عدد المستخدمين النشطين واحتلاله المرتبة الأولى ضمن التطبيقات الأكثر تحميلًا على (iOS) والخامسة في أندرويد. لكن هذا النجاح جاء على حساب إنستقرام الذي عاش صيفًا قاحلًا، وقال عنه رئيسه التنفيذي، آدم ميسوري: «يبدو أنَّ الناس بدأت تسأم منه.» 😳

لذا اطمئن، لا يعود انخفاض تفاعل الناس معك مؤخرًا في إنستقرام إلى مللهم من محتواك أنت تحديدًا، بل إلى مللهم من الإنستقرام ككل.😬


أم كلثوم / Imran Creative
أم كلثوم / Imran Creative

لماذا تأثَّرنا بحلقة الدحيح عن أم كلثوم؟

إيمان أسعد

الكاميرا على أم كلثوم، في مظهرها الأيقوني، والمذيعة خارج الإطار لا يصلنا منها سوى سؤالها: «إيه أجمل مكان عجبك هنا، وكل ما تيجي باريس تحبي تفوتي عليه؟» فتجيبها أم كلثوم، «المسلَّة.» وبعد ضحكة راقية من المذيعة، تسأل «ليه؟» فتجيبها أم كلثوم بدهاء راقٍ وابتسامة فاتنة، ولعلَّك تتخيَّل غمزة منها خلف نظارتها السوداء: «عشان بتاعتنا.»

هذا المقطع مرَّ عليّ في ريلز قبل عرض حلقة الدحيح، واستمتعت بتركه يُعاد تلقائيًّا عشرات المرات، وشاركته هنا في لمحات من الويب بصياغة «عشان بتاعتنا». يعود افتتاني بهذه الإجابة إلى أنها تجسد حضورًا ذهنيًا عاليًا، وثقة عميقة في النفس، وروحًا وطنيّة تغنيها إجابة حاذقة عن الصراخ الهائج أو الركون إلى الانهزام.

وهذا ما جسدته أيضًا حلقة الدحيح «أم كلثوم في باريس». الحلقة كانت «كلثومية» بامتياز ليس لأنها فحسب تكلمت عن أم كلثوم، بل لأنها عكست شخصية أم كلثوم «المؤثِّرة» التي تجلَّت في تلك اللحظة.

يعود الأساس المعرفي الرئيس للحلقة إلى كتاب كريم جمال «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي» الذي يؤرشف هذه المرحلة بما يزيد على 600 صفحة. وبالتأكيد لن تنهِ قراءته في أربع وأربعين دقيقة هي مدة حلقة الدحيح، التي كانت فعلًا «كبسولة معرفية» اختصرت لك الكتاب إلى حد بعيد.

يعيب البعض على الكبسولات المعرفية أنها تتناول المواضيع بسطحية، وأنها بإيجازها تحذفُ الكثير من التفاصيل التي يحتاجها المتلقي لتكوين رأيه، بل مع الوقت تشجعه على الكسل المعرفي. وبطبيعة الحال ظهرت تعليقات قليلة في موج التعليقات الإيجابية الجارف، تنتقد حلقة الدحيح من هذا المنطلق.

لكن دعنا نعد إلى إجابة أم كلثوم «عشان بتاعتنا»: هل كنتَ في حاجة كمتلقٍّ، لهذا المقطع تحديدًا، إلى شرح مستفيض من أم كلثوم عن تاريخ سلب الغرب آثار الشرق؟

الشيء نفسه ينطبق على حلقة الدحيح. المتلقي، سواء من جيل الطيبين أو جيل زد، ليس في حاجة إلى معرفة كل صغيرة وكبيرة عن تلك المرحلة الزمنية، ولا يحتاج إلى معرفة سيرة أم كلثوم حتى يفهم دورها في المجهود الحربي ورفع معنويات الروح المصرية والعربية. لديه مخزون أساسي من التفاصيل عن موضوع يعرفه وليس بالجديد عليه.

هنا، قد يعترض أحدهم ويقول: المشكلة ليست في اجتزاء التفاصيل من السطح فحسب، بل أنَّ السرد القصصي بهذه الطريقة الجامعة بين المعلومة وخفّة الدم يتفّه الموضوع، ويسلب المتلقي فرصة بناء الرأي والتحليل بجديّة.

هذه التهمة تلتصق بمشهور آخر من مشاهير الكبسولات المعرفية وهو مالكوم قلادويل، صاحب الكتاب الشهير «نقطة التحوُّل» (The Tipping Point). إذ انتقده الكثير على استخدامه السرد القصصي صمغًا يلصق به الفتات الذي يستخرجه من الأحداث التاريخية والدراسات العلمية التي يقرأها، ويشكلها في لقمة معرفية شهية بحكمتها وموعظتها، وقابلة للهضم السريع دون أي تفكُّر. 

هنا أعود إلى مشاهدتي مسلسل «أم كلثوم» لدى عرضه أول مرة. المسلسل من ثلاثين حلقة، واعتمد بطبيعة الحال على إعادة تجسيد التاريخ بالترتيب الزمني المتعاقب وغطَّى تقريبًا كل الأحداث والتفاصيل. المسلسل حينها نال نجاحًا كبيرًا، لكن الحلقة تركت تأثيرًا عاطفيًّا أبلغ بأسلوبها السردي المختصر والمرح. لماذا؟ 

على خلاف المسلسل الذي اعتمد على أداء تمثيلي يؤديه شخص آخر، اعتمدت الحلقة على أم كلثوم ذاتها بطلةً في السرد البصري. فلم يكن ثمة متقمص في الواجهة، بل رأيناها في صورها. وعززت الاختيارات الذكيّة لتلك الصور قوة اللحظات العاطفية. 

الأمر الآخر، أنَّ لشخصية أم كلثوم ذاتها جانبًا مرحًا لا أتذكره أبدًا في المسلسل الذي صوّرها على نحو جديّ يصل حدَّ الجمود. هذا التصوير سلبنا رؤية أم كلثوم امرأةً جديَّة تتمتع بخفة الدم المصرية الذكيَّة، ولا تخشى إظهارها في ابتساماتها وإجاباتها. لهذا، لم أجد في سردية الدحيح المتمتعة بخفة الدم الذكية تناقضًا مع شخصية أم كلثوم. 

السبب الأخير الذي لأجله تركت هذه الحلقة تأثيرًا عاطفيًّا هو التوقيت. حين غنَّت أم كلثوم في باريس، لم تكن مصر تعيش أزهى أزمانها، بل كانت لا تزال تعيش صدمة النكسة التي عمَّت العرب جميعهم وغرزت فيهم جرحها. ونحن على أعتاب مرور عام على الإبادة الوحشية التي يتعرض لها أهلنا في غزة على يد إسرائيل، تمسُّ الحلقة هذا الجرح بمحاولة الاستلهام من عزيمة أم كلثوم دون أن تخوض ولو لثانية فيما يجري اليوم.  

لذا من حيث المبدأ أتفق مع من يصف برنامج الدحيح بـ«كبسولة معرفية»، لكن هذه الحلقة تحديدًا كانت كبسولة علاجيَّة أيضًا لدى الكثير ممن شاهدها. 

وبأي شكل من الأشكال، سنتأثر دومًا بأم كلثوم كل مرة يسرد أحدهم قصتها، ليه؟ عشان بتاعتنا.❤️


شبَّاك منوِّر 🖼️

في كتاب «أنا القمر: مختارات من الخرافة الصينية» قصص قصيرة تُروَى على ألسنة كل الكائنات، وهذه القصة استوقفتني. ⛵️

  • تقول القصة: «الرجل الذي كان يعرف أن المد سيجيء بعد قليل، صنع لنفسه قاربًا ووضعه على الشاطئ على أُهْبَة الاستعداد. (عندما يأتي المد، وهو لا بد آتٍ، فسوف أُدلِّي القارب في النهر لأنطلق مع المدى الفسيح). وعندما بدأ المد قليلًا قليلًا، قال الرجل: من الأفضل أن أنتظر، وعندما يعلو المد أُنزل القارب. وعندما بدأ المد في الارتفاع قال الرجل: بعد قليلٍ سوف يعلو بما فيه الكفاية. ثم أزاح قاربه قليلًا إلى مسافةٍ أبعد من الشاطئ … ارتفع المد وارتفع، فأزاح الرجل قاربه أبعد فأبعد حتى صعد به إلى التل. الرجل الذي كان يعرف أن المد سيجيء بعد قليل وقف يقول لنفسه: لعل الوقت غير مناسبٍ الآن للنزول بالقارب فالمد عالٍ أكثر مما ينبغي.» 🌊

  • خلال قراءتي لهذه القصة شعرت بأنني مكشوفة، فهي تصفني وربما تصفك بدقة في مواقف كثيرة. فكم مرة عقدت العزم على أمرٍ ثم تراجعت لأن ثمة يومًا أفضل من هذا، أو حالة مزاجية أفضل، وعندما يأتي اليوم الموعود أتراجع مجددًا بحجَّة أن هذا الوقت بالذات غير ملائم وسيأتي توقيت أفضل. والحقيقة أن هذا التوقيت لن يأتي لأنه وهمٌ في مخيلتي. ⏳🫧

  • أؤمن بوجود وقتٍ أكثر ملاءمة للكثير من القرارات والخطوات، خاصة الكبير منها أو الذي يتطلب خطوات مسبقة تعدّك لتلك الفرصة أو ذاك التغيير. فلا أظن التعجل أو الإقدام المتسرع في كل موقف تصرُّفٌ شجاع يعود علينا بالنفع. لكن لا بد أن نتوقف عن تأجيل معظم ما يمكننا القيام به الآن أو غدًا أو الأسبوع القادم، مهما كان صغيرًا ونراه غير مؤثر، كالبدء في القراءة أو الكتابة اليومية، أو ممارسة رياضية، أو حتى اتخاذ خطوة جادة في هواية مؤجلة. 🎯🩵

🧶 إعداد

شهد راشد


لمحات من الويب


قفزة إلى ماضي نشرة أها! 🚀

  • تَعِد الكبسولات بتقديم طرح غير ذاتي عبر الاطلاع على مصادر معرفية مختلفة ثم تقديمها للمتلقي، وهذه العملية غير ممكنة في كثير من الحالات. 💊

  • كما تؤدي الأجواء دورًا محوريًا في جميع الأنشطة التي يكون جوهرها المتعة؛ تزيدنا أغاني أم كلثوم وصوتها حلاوة في مقاهي القاهرة ليلًا. 🎤

نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+310 متابع في آخر 7 أيام