حدث ذات يوم في النشرة السينمائية 🤠🔫
إعادة إنتاج الأفلام الناجحة، مع إعادة تشكيلها على ثقافة الدولة، من الطرق الناجحة والذكية في صناعة سينما جديدة.
بيتلجوس بيتلجوس
قرأت ذات مرة عن عصر توليد الأساطير وبداية شعلة الابتكار، وأصبحت أُسقِط هذه التسمية على كل فترة تدهشني وتتزامن فيها الإبداعات المتشابهة. وأغلب الظن أن أفلام الثمانينيات ذات الطابع المغامراتي والفانتازي والسريالي مثل: «Ghostbusters» و«The Dark Crystal» و«Return to Oz» و«E.T. the Extra-Terrestrial» و«بيتلجوس»، تجسد جميعها بالنسبة لي فكرة التوليد الابتكاري بوضوح.
لكن تبقى لهذه الأفلام لذتها الزمنية، كفاكهة مجففة احتفظت ببعض خواصها. ويصعب على الفاكهة العودة إلى سيرتها الأولى؛ فتكرار النجاح في عصرنا الحالي أصبح أكثر صعوبة. إذ سهّلت التقنية عناء خلق الدهشة، مقارنةً بتلك الفترة، التي كانت تتطلب جهودًا عظيمة لتنفيذ فكرة أقرب إلى الظواهر «الباريدولية»، أي إيهام الخيالات المرئية، كأن يحوّل صانع الأفلام أذيال الجمبري الخمسة إلى يد تخرج من باطن الطبق، أو أن نرى إحدى الشخصيات تتكلم بعقلانية، بينما نصفها السفلي مفصول عن العلوي.
ومع ذلك، يبدو الأمر بالنسبة لنا -رغم غرابته- طبيعيًا وفق تأملنا التجاوزي الذي نقلنا إلى ذلك البعد الزمني والمكاني، متصالحين مع هيئات تتأرجح بين ما يشبهنا، وما هو غريب عنا، وكان ذلك إنجازًا إعجازيًا للصناعة!
لذا أدركت تمامًا عندما شاهدت الجزء الثاني «بيتلجوس بيتلجوس»، أن العمل يتغذى على حنين وأمجاد ماضية. ورغم حضور الشخصيات ذاتها في كلا الجزئين، فإن القصة أخذت مسارًا مختلفًا. وفكرة العمل الرئيسة -بجزئيه- تتحدث عن أرواحٍ تستنكر حقيقة فناء أجسادها، وتأبى أن تبحر في فضاءات البرزخ المتسامية، ولم تفلح في تنحية الأخرويات بسبب تعلقها بالدنيا. تلجأ هذه الأرواح عادة إلى «بيتلجوس» -التي يؤديها المبدع مايكل كيتون- الشبح الفوضوي القادر على الاتصال بعالم الأحياء، وتقديم عدة خدمات مقابل ما يتناسب مع نزواته وأفكاره المعلولة وإباحيته المستترة.
في هذا العمل، ابتدع المخرج تيم برتون حبكات فرعية لإضافة عمق وتعقيد وتشابك للنص، واستعان بوجوه تمتلك جماهيرية مثل جينا أورتيقا -بطلة مسلسله «Wednesday»- ومونيكا بيلوتشي وويليم دافو، إلا أن مساهمة الأخيرين الفنية كانت مخيبة للآمال، فلم يستفد من قدرات دافو، ولم ينجح في توظيف مونيكا. وعلى الرغم من أن الفِلم كان طويلًا، فإن فيه الكثير من البناء المتسارع والمتوسع، الذي أشعرنا بضيق وقته. كما أن بعض الأحداث قُدّمت بصورة مختصرة، وكان الإبداع محصورًا على طريقة تقديمها. أما نهاية الفِلم فقد كانت أقرب إلى محاولة التخلص من حمل ثقيل، وبأيّ صورة كانت!
ومع ذلك، فقد راقت لي العديد من اللحظات الفكاهية، رغم تواضع المؤثرات البصرية مقارنة بالتقنية الحالية.
لكن ما لفت انتباهي حقًّا هو حديث مايكل كيتون عن أنّ شخصية «بيتلجوس» هي المفضلة لديه، إذ نجح في ترسيخ فكاهته واستحضار ذاته الهزلية، مؤكدًا على نظرية «سفينة ثيسيوس»، التي تخبرنا أن السفينة تحتفظ بكيانها، حتى وإن تغيرت كافة أجزائها على مدار ستة وثلاثين عامًا!
أدين للفلم، لأنه أثار فضولي ودفعني لمشاهدة جزئه الأول الذي أدهشتني كثرة ابتكاراته. وربما كان لعروبتي دور في ذلك. فكما وضَّح عبدالمعيد خان، ينقسم الخيال إلى قسمين: خيال تصوري، وخيال ابتكاري. وتتميز الأمة العربية بالتصوير، إذ تتصور الأشياء وتسترجع التجارب. بمعنى آخر، فالعربي يركّب من المرئيات والمحسوسات صورًا ليست بجديدة، أما تيم برتون وزمرته فيمتازون بالخيال الابتكاري الذي يخلق الجديد من العدم!
وربما هذه ميزة الأجزاء المتواضعة التي تعيش على جلباب ماضيها، فهي تتيح لك الاطلاع على الأصالة، والتمتع بخطى المغامرة الأولى. ولعل تقييمي للفلم مبني على قدرته على زرع الفضول الذي جعلني أعود للمنزل مباشرة، باحثًا عن الجزء الأول -الذي صادف أنه قد أُنتج في السنة نفسها التي وُلدت بها- ليصبح إحدى أفلامي الكوميدية المفضلة.
أما تقييمي النهائي بلغة الأرقام 6/10. 🍿🙂
فاصل ⏸️
انطلقت في 5 سبتمبر النسخة التاسعة والأربعون من مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، ويستمر المهرجان حتى 15 سبتمبر 2024. يعدّ المهرجان من أبرز الأحداث السينمائية العالمية، ويصنّف ضمن أهم خمس مهرجانات سينمائية في العالم، ويتضمن أقسام مميّزة مثل: العروض الخاصة، وعروض قالا «Gala Presentations»، وجنون منتصف الليل «Midnight madness».
تجاوزت إيرادات فِلم الرعب والكوميديا «Beetlejuice Beetlejuice»، منذ عرضه على شباك التذاكر العالمي في 6 سبتمبر، الـ145 مليون دولار.
تستقبل شاشات فوكس سينما السعودية فِلم الرعب «Speak No Evil»، من بطولة جيمس ماكفوي، يوم الخميس 12 سبتمبر. يحكي الفِلم قصة عائلة تتلقى دعوة، لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في منزل ريفي لمجموعة أصدقاء تعرفوا عليهم في عطلة سابقة. ومع مرور الوقت، يسري الشك لدى العائلة حول نوايا مضيفيهم؛ حيث تتحوّل الأجواء من ودية إلى مشحونة بالغموض والهلع.
صدر عرض تشويقي جديد لفِلم الدراما والجريمة «Joker 2»، استعدادًا لعرضه في 4 أكتوبر المقبل. يواصل آرثر فليك مغامرته في مدينة قوثام -المليئة بالفساد- بعد هروبه من مصحة أركام النفسية، ويلتقي بهارلي كوين، مما يؤدي إلى العديد من المشاكل.
أُعلنت جوائز مهرجان البندقية السينمائي 2024 في 7 سبتمبر، حيث فاز فيلم «The Room Next Door» للمخرج بيدرو ألمودوبار بجائزة الأسد الذهبي لأفضل فِلم. وحصل فِلم «Vermiglio» لماورا ديلبيرو على جائزة لجنة التحكيم الكبرى «الأسد الفضي»، بينما نال برادي كوربيت جائزة أفضل مخرج عن فيلمه «The Brutalist».
فاز المخرج توفيق الزايدي بجائزة الأفلام، في حفل توزيع الجوائز الثقافية الوطنية 2024، عن فلمه «نورة».
اليوم نقول أكشن في هذا المشهد من فلم «Hell or High Water»، من إخراج ديفيد ماكنزي، وكتابة المبدع تايلور شيريدان، الذي خرج من الظل ليصنع ثلاثية مبهرة خلال ثلاث سنوات متتالية: «Sicario» ،«Wind River»، وفِلمنا اليوم. الفلم من بطولة كريس باين في دور «توبي هاورد»، وبين فوستر في دور «تينر هاورد»، وجيف بريدجز في دور «المارشال هاملتون».
تدور أحداث الفلم في تكساس، حيث يتعاون الشقيقان، توبي وتينر هاورد، على ارتكاب سلسلة من عمليات السطو على البنوك بهدف إنقاذ مزرعة العائلة من الحجز. «توبي»، الشقيق الأصغر والعقل المدبر، يسعى إلى تأمين مستقبل أبنائه، بينما «تينر»، الشقيق الأكبر والخارج عن القانون، ينجرف في طريق العنف. ويلاحقهما مارشال مخضرم على أعتاب التقاعد.
يبدأ المشهد بمطاردة يشرف عليها سكان محليون بدلاً من الشرطة، التي لم تتوقع حدوث عملية سطو لأكبر فرع من سلسلة البنوك المعروفة محليًّا. في أثناء المطاردة، يكتشف «توبي» أنه مصاب، ويصاب بنوبة هلع تتضاعف بسبب مراقبة ملاحقيه، فيصفعه «تينر» حتى ينتشله من فزعه. يترجل الأخ الأكبر بعدما وجه عدة صفعات لأخيه ليفيقه من الفزع الذي سكنه، ليبعد السيارات الملاحقة مستخدمًا سلاح الرشاش، ويبدأ بإطلاق النار بشكل عشوائي لتفريقهم.
يظهر المشهد وسط الصحراء في مساحة مفتوحة تسهل من التقاء الطرفين المتخاصمين، كمشهدِ مبارزة من أفلام الغرب الأمريكي (Showdowns)، ولكن بصورة مستحسنة. ويظهر الجمع أمام الأخ الأكبر كما لو كانوا إسقاطًا للتحديات التي قد يبذلها من أجل عائلته، من ديون وإرث يجب التمسك به، وحياة أخيه المصاب وجميع تلك الظروف المتكالبة.
زاد أداء الأخوين كريس باين وبين فوستر توتُّر اللحظة الدرامية، إذ تميز بالواقعية في التعبير عن حالة الذعر والارتباك. يطفو توتُّر «توبي» وخوفه سريعًا إلى السطح، بينما يجسد «تينر» الدفاع الحازم والمستميت عن أخيه. كما أن التفاعل بين الشقيقين يبرز تضارب المشاعر: الحماية والخوف على بعضهما البعض، مقابل القبول التدريجي بحتمية افتراقهما لضمان النجاة.
وهذا ما حصل بعدما انتهى المشهد الذي تميز بسرعة الانتقالات بين اللقطات لتعكس توتر الموقف، وفوضى المطاردة، والخطر الداهم. كما أن الأصوات الطبيعية مثل صوت الرياح، وصوت إطلاق النار، تضيف واقعية للمشهد وتغمر المشاهد في جو المطاردة.
ترشح الفلم لجائزة أوسكار عن «أفضل فلم»، إضافةً إلى ثلاث فئات أخرى. لم يفز بأي منها... ولكنه حظي بإعجاب النقاد والجماهير بكل جدارة.
«Speak No Evil» فلم ممتع بشرط ألا تشاهد الأصلي
تمثّل النسخ المحدّثة من الأفلام (Remakes) فرصة لإعادة تخيّل القصص وتقديمها برؤية جديدة تتناسب مع شريحة معينة من الجماهير، وفِلم Speak No Evil» 2024» مثالٌ على ذلك. يمكن تبرير إعادة صناعة هذا الفلم من منظور تجاري بحت، خصوصًا من حيث الاستراتيجية التي اتبعها، وهي تغيير النهاية لتناسب ذوق المشاهدين في السوق الأمريكي أو العالمي.
في حين أنَّ نهاية نسخة 2022 كانت صادمة، فإن تغييرها في النسخة الجديدة جاء على الأغلب لتقديم نهاية أكثر استساغة للجمهور، وجعلها أكثر ارتباطًا بالعواطف، ومرضية بشكل أكبر للتوقعات. فالتشابه الكبير بين النسختين يجعل من الصعب تبرير إعادة الإنتاج من منظور إبداعي، مما يقود إلى التفسير التجاري.
كلا النسختين من الفِلم تعتمد على أسلوب مباشر في إيصال الرعب، وهو خلق التوتر عبر بناء بطيء للحظات «الكشف عن المستور». هذا النهج يمكن أن يكون فعّالًا في خلق شعور بالاضطراب لدى المشاهد. وقد استُخدِم البناء المتدرج نفسه بشكل مُتقَن في كلا النسختين.
العديد من أفلام الرعب الناجحة كانت نسخًا محدّثة من أفلام سابقة. على سبيل المثال، «The Thing» الصادر في عام 1982 كان نسخة محدّثة لفِلم الرعب «The Thing From Another World» الصادر عام 1951، لكنه أعاد تخيل القصة بشكل جذري، وأضاف تعمّقًا أكبر في بناء الشخصيات، واستخدم تقنيات أحدث في المؤثرات الخاصة والمؤثرات البصرية، على خلاف ما جرى في نسخة «Speak No Evil». هذا التوسع في الرؤية هو ما يميز نسخة محدّثة ناجحة عن غيرها.
ويمكن مقارنة «Speak No Evil» بنسخة محدّثة من فلم آخر شهد نجاحات واسعة، فلم الرعب الياباني «Ring» الصادر عام 1998، والنسخة الأمريكية منه «The Ring» الصادر عام 2002. التغيير هنا لم يكن مجرد تحويل في اللغة أو الثقافة، فالنسخة اليابانية ركزّت على الرعب النفسي، والعلاقة مع الأساطير المحلية. بينما أضافت النسخة الأمريكية عناصر بصرية وتقنيات سردية تعزِّز الجانب الفظيع من القصة، مع تغيير في الشخصيات لكي تتناسب مع الجمهور الغربي. أما في «Speak No Evil»، تمثَّلت التغييرات في أحداث الفلم فقط لتبني حبكة تناسب الأهداف التجارية.
هذا لا يعني أنَّ فلم «Speak No Evil» سيئ بحد ذاته، فهو يتميّز بإنتاج جيّد وأداء تمثيلي مقنع جدًا. وفي صريح القول فقد تفوق أداء بعض الممثلين في النسخة الحديثة على النسخة الأصلية. ومن بين أبرز عناصر القوة في النسخة الجديدة الأداء التمثيلي لجيمس مكافوي الذي قدّم أداء مقنعًا، وأضاف بعدًا عاطفيًّا للشخصية، مما ساهم في رفع مستوى التوتر في بعض المشاهد.
مشكلة الفلم حقيقةً لا تكمن في جودة التنفيذ، بل في الحكم عليه ضمن سياق المقارنة مع النسخة الأصلية. فإذا شاهدت الفلم بشكل منفصل، سيمنحك تجربة رعب مثيرة وممتعة. لكن عند وضعه جنبًا إلى جنب مع النسخة الأصلية، تصبح أوجه التشابه واضحة جدًّا، وفي هذه الحالة سيُظلَم الفلم بسبب عدم تقديمه إضافة حقيقية إبداعيًا.
يقول لك المثل: «لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم» بمعنى أنَّ الخير والشر باقيين لأبد الدهر. ومئات الأفلام عطتنا هذا الصراع المحموم بين الخير والشر، والتنازع الداخلي الذي يترك للإنسان حرية التأرجح بحكمة بينهم، ونقدر نقول إنَّ الأفلام اللي عطتنا هذا الصراع بمزيج من العمق الإنساني والأحداث المثيرة هي أفلام «الويسترن».🤠
فلم «3:10to Yuma» الصادر عام 2007، من إخراج جيمس مانقولد، وبطولة كريستيان بيل اللي وقع الاختيار عليه بالإجماع، وراسل كرو اللي استغل فرصة انسحاب توم كروز بعد تعثُّر المحادثات. والفلم مقتبس من قصة قصيرة لإلمور ليونارد، وهو أيضًا نسخة محدّثة عن الفلم الأصلي الصادر عام 1957.
يمرّ المزارع «داني إيفانز» بظروف مالية صعبة، ويقبل مهمة خطيرة لنقل مجرم خارج عن القانون يدعى «بن ويد» إلى قطار الساعة 3:10 المتجه إلى السجن. يرافق «داني» فريق من الحراس في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر أرض قاحلة ومليئة بالتهديدات، وخلال هذي الرحلة يحاول رجال عصابة «ويد» تحرير زعيمهم بأي ثمن. هذا الجانب المثير من الفلم، أما الجانب الإنساني نشاهده في العلاقة المعقدة اللي تتشكّل بين «داني» و«بن»، واللي تجمع بين الاحترام والصراع، علاقة وصفها راسل كرو بأنها «صداقة مبنية على الكره».
ضع في بالك أنَّ الفلم صدر بعد سنتين من الجزء الأول لثلاثية «باتمان» اللي لعب بطولتها كريستيان بيل. وحتى إذا شاهدت فلم توصيتنا الآن بعد كل هذه السنوات، يظل يحضر «بروس واين» في وجه «داني»، في امتداد لمدرسة المثالية ونزعة «أداء الواجب»، وبأن الصواب يأتي قبل الخير، والصالح لا يقتل إلا للأسباب الصحيحة. وفي أثناء سعيه لتأمين مستقبل أسرته، يواجه كل خياراته الأخلاقية هذه.
وإذا تحب تضاعف متعة مشاهدة الفلم، ليه ما تشاهد النسخة الأصلية اللي تسبق النسخة الجديدة بنصف قرن! عدا المقارنة في التطورات التقنية اللي شهدتها هوليوود والتغيرات الثقافية، بتكتشف أنَّ النسخة الأولى تتميز بالحوار، أما الثانية تتميز بطابعها الحركي المتناسب مع عالم «الويسترن» الهائج. 🌪️🌵
احتفظ كلينت إيستوود بنص سيناريو فلم «ويسترن» قرابة عشر سنوات قبل اتخاذ قرار تصويره. والسبب يرجع لرغبته في أن يكون أكبر بالعمر وقت التصوير، ليش؟ حتى يؤدي دور الشخصية الرئيسة «ويليام ماني»، لأن هذه الشخصية تحتاج هيئة حقيقية لرجل كهل حتى تكون أكثر واقعية.
ومع هذه المعلومة الملهمة نبدأ فقرة «دريت ولّا ما دريت» عن أحد أعظم أفلام الويسترن «Unforgiven» 🤠🔫
الفلم هذا كان بمثابة تحيّة لأفلام «الويسترن» القديمة اللي أشهرت كلينت إيستوود. بس هذه المرة قلب إيستوود الموازين، وبدل تأدية دور البطل مثل ما تعوّد الناس عليه، شاهدناه في شخصية «ويليام ماني» رجل مُتعَب من الحياة، يعيش الندم على ذكريات ماضيه العنيف، ويحاول الابتعاد عنه، لكن الظروف تجبره يرجع إلى عالمه القديم.
تصوَّر أنَّ فرانسيس فورد كوبولا كان ممكن يخرج «Unforgiven»! طرح اسم كوبولا لإخراج هذا الفِلم في أوائل الثمانينيات، لكنه عجز عن جمع التمويل اللازم لإنتاجه. انتقل السيناريو إلى كلينت إيستوود، اللي احتفظ فيه كل هذه السنوات كما ذكرنا.
الممثل جين هاكمان، اللي لعب دور «ليتل بيل داجيت»، كان متردد حول قرار مشاركته في الفلم في البداية، بسبب كرهه لمشاهد العنف المفرط. لكن إيستوود أقنعه أن الفلم أصلًا ينتقد العنف، ولا يمجّده ولا يروّج له. فاقتنع هاكمان بالدور.
كلينت إيستوود معروف أنه يحب ياخذ اللقطات الأولى في التصوير بدون إعادتها، حتى لو كانت بعيدة عن المثالية. لأنه يرى أن اللقطة الأولى تأتي طبيعية وتعكس التوتر الواقعي للممثلين. في فلم «Unforgiven»، كثير من المشاهد الرئيسة صُوّرت أثناء أداء المحاولة الأولى، وهذا ساعد على إعطاء الفلم إحساس العفوية والواقعية.
واحدة من الأشياء المثيرة أيضًا، أن إيستوود أصرّ على تصوير المشاهد الليلية بدون إضاءة صناعية، واستخدم الضوء الطبيعي حتى يعطي الفلم إحساس واقعي بالكآبة. والنتيجة إننا شاهدنا فلم مميز بصريًّا.
في أغلب أفلام «الويسترن» نشاهد الأبطال يستخدمون أسلحة خفيفة، وإطلاق النار سريع في المواجهات. لكن في «Unforgiven»، يستخدم «ويليام ماني» بندقية وينشستر في المواجهة النهائية. هذا الاستخدام يُعَد نادر، واستخدامه عكس لنا صورة العنف في الفلم -بطريقة ما- بطيئة وتأملّية.
حقق الفِلم نجاح كبير على مستوى الجوائز: حصد أربع جوائز أوسكار، منها أفضل مخرج لكلينت إيستوود وأفضل فِلم في السنة. وأصبح ثالث فِلم ويسترن في التاريخ يفوز بهذه الجائزة.
لما انعرض الفلم في اليابان، عدّه الجمهور هناك تحية لتقاليد الساموراي. لأنَّ العلاقة بين الشرف والعنف اللي تكلم عنها الفلم تشبه القيم اللي تعبّر عنها أفلام الساموراي. حتى أنَّ بعض النقاد قارنوا بين شخصية «ويليام ماني» ومحاربي الساموراي القدامى. وفي سنة 2013 صدرت نسخة محدّثة يابانية للفلم تحمل العنوان نفسه.
قرر كلينت إيستوود بعد نجاح «Unforgiven» أن يكون آخر فلم ويسترن يمثّل فيه. برأيه أن الفِلم قدّم رسالة ختامية لهذا التصنيف. مع ذلك، فالفِلم ما زال يُعَد أحد أفضل أفلام الويسترن الحديثة، وما زال يُلهِم صناع الأفلام إلى اليوم.
قد تنعكس بيئة العمل في مسلسل على جودته، وقد يتلمسها المشاهد أحيانًا بصورة اندماج ملفت أو حبكة مقنعة. ويرجع ذلك لأسباب عدة، مثل انفتاح الكتّاب على اقتراحات الممثلين -وبعضها قد يأتي أثناء التصوير- وصولاً إلى التوقّف عن التصوير والجلوس لمناقشة المشهد، فيما إذا كان هناك مجال للتحسين.
هذه الديناميكية تجعل من كل مشهد فرصة للابتكار، وتحوِّل المسلسل إلى تجربة حية تنبض بالإبداع.
هذا ما حدث مع مسلسل «Justified»، الذي يأخذنا إلى قلب منطقة هارلان في كنتاكي، مستندًا إلى قصة قصيرة للكاتب إلمور ليونارد بعنوان: «النار في الحفرة» (Fire in the Hole).
يحكي المسلسل قصة المارشال الأمريكي «رايلان قيفنز»، الذي يجسده تيموثي أوليفانت، وهو رجل صارم في تطبيقه القانون، ويقترب أحيانًا من حافة القسوة؛ ما يجعله شخصية مثيرة ومعقّدة، تسحر المشاهد وتتركه متأرجحًا بين الإعجاب والقلق.
من أبرز عناصر المسلسل الصراع المستمر بين «رايلان» وخصومه -خصوصًا «بويد كراودر»-الذي يؤديه والتون قوقنز ببراعة تستحق الإشادة. العلاقة بين «رايلان» و «بويد» تتطور من كونها صداقة في الطفولة إلى مواجهة مشتعلة، تعكس التعقيدات الأخلاقية والنفسية لكلا الشخصيتين، وتقدم صورة للتوتر بين القانون والفوضى. هذا الصراع الدائم بين الخير والشر ليس مجرد مواجهة تقليدية، بل هو معركة ذهنية تعمّق الشخصيات وتضيف بعدًا فلسفيًّا يرفع من قيمة الدراما.
يتميز «Justified» بكتابة ذكية تجمع بين الحوار الحاد والنكتة السوداء، مع حبكة تتنوع بين الجرائم المعقدة والتحديات الشخصية. البيئة الريفية القاسية تضفي على الأحداث بعدًا إضافيًّا، حيث تعكس صراع الشخصيات مع واقعهم وطموحاتهم، وتضيف للمسلسل نكهة مميزة تعكس قسوة الحياة في الجنوب الأمريكي. لا يكتفي المسلسل بالإثارة، بل يغوص في قضايا عميقة مثل الولاء والانتقام، والتحديات الأخلاقية التي تواجه الشخصيات في كل منعطف.
ترشّح المسلسل لثماني جوائز إيمي، وفاز بجائزتين، ليؤكد مكانته بأنه أحد أفضل المسلسلات التي تقدّم عمقًا دراميًّا وإثارة لا تنتهي.
مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.