لماذا لم أكتب عن لعبة «جورني» حتى الآن؟ 🗻

لعبة «جورني» (Journey) لعبة فنية رائعة تستحق أن تجربها مرة حتى لو لم تكن مهتمًّا بألعاب الفيديو.

بشَّرت إنستقرام متابعيها بإضافة خاصية التعليق العام على «الستوري» لكي يراه الجميع، بدل الرسالة على البريد الخاص التي لا يقرأها سوى ناشر «الستوري». وكما الحال مع «الستوري»، فالتعليق غير دائم ويتلاشى معه.

السبب وراء إضافة الخاصية أنَّ إنستقرام لاحظت اعتماد الناس المتزايد على مشاركة «الستوري» الزائل بدل المنشور المحفوظ. إذ يبدو أنَّ الناس لم تعد ترغب في ترك أرشيف كبير وراءها من اللحظات والذكريات، وتفضّل نسيانها، ونسيان الجميع لها. 😮‍💨 


رحلة البطل في لعبة «جورني» / Imran Creative
رحلة البطل في لعبة «جورني» / Imran Creative

لماذا لم أكتب عن لعبة «جورني» حتى الآن؟

عبدالله المهيري

دعني أبدأ من النهاية: لعبة «جورني» (Journey) لعبة فنية رائعة تستحق أن تجربها مرة حتى لو لم تكن مهتمًّا بألعاب الفيديو، واللعبة متوفرة على أجهزة الآيفون والآيباد ونظام ويندوز، ويمكنك من الآن تجاوز باقي التدوينة!

طرحت اللعبة في 2012 على جهاز «سوني بلايستيشن 3» ولم أكن أملك حينها الجهاز، لذا طلبت من أخي شراء اللعبة على جهازه. جربتها في يوم لم يكن ثمة أحد معي في الغرفة، وقضيت ساعة مع هذه اللعبة الساحرة. ومنذ ذاك الوقت أردت الكتابة عنها، لكن لم أستطع، إذ كيف تكتب عن الفن؟ فأنا لم أكن يومًا ممن يتقن الكتابة عن الأدب أو الفن، وأكتفي بقولي إنني معجب أو غير معجب بهذا العمل أو ذاك. لكن ها أنا بعد أكثر من عشر سنوات أحاول مرة أخرى.

كما قلت في مقالات سابقة: ألعاب الفيديو هدفها أن تعطي اللاعب شيئًا من المشاعر والحماس والإثارة، وقد يضاف الرعب إلى هذا الخليط، لكن لعبة «جورني» أبعد ما تكون عن الإثارة والحماس. اللعبة تبدو لي لوحةً فنية تجعل الفرد يقف أمامها صامتًا لفترة، ثم يذهب دون أن يقول شيئًا، لكن اللوحة حركت شيئًا في روحه.

اللعبة لا تحوي أي كلمات مقروءة أو مسموعة، فهي تعرض القصة من خلال العالم وبعض المشاهد، وكل لاعب يمكنه أن يفسر اللعبة كما يشاء. تبدأ القصة من صحراء، تؤدي أنت فيها دور شخصية تلبس عباءة حمراء اللون. وليس ثمة الكثير من التفاصيل لهذه الشخصية، التصميم هنا تقليلي، واللعبة بأكملها تستخدم القليل من التفاصيل في صنع عالم جميل.

الألوان في كل مرحلة محدودة بعددٍ قليل من التدرجات. في الصحراء نجد ألوان الصحراء مع شيء من تدرجات الأحمر. وفي مرحلة أخرى، تحت الأرض، نجد تدرجات اللون الأزرق مع الأبيض. واللون الأحمر لا يغيب عن أي مرحلة.

من البداية تعرض اللعبة على اللاعب هدفه النهائي: بلوغ قمة جبل بعيد، وتبدأ هذه الرحلة من الصحراء.

أتقن مصممو اللعبة تصميم مراحل تقود اللاعب نحو الوجهة الصحيحة دون أن تخبره مباشرة؛ الصحراء خالية إلا من شواهد قبور ومبنى بعيد. سيلاحظ اللاعب المبنى ويسير إليه، ليكتشف خاصية مهمة وهي التحليق، إذ يمكن أن يحلق اللاعب فترةً تطول أو تقصر، بحسب ما جمعه من رموز ضوئية في رحلته.

ليس هناك واجهة استخدام، بل فقط عالم اللعبة، وليس هناك الكثير لتفعله غير المشي والتحليق وإصدار صوت أو الغناء، هذا كل شيء. البيئة تخبرك إلى أين تمشي، وتعطيك حرية الاستكشاف في مساحة محدودة، فإن حاولت الخروج عن حدود هذه المساحة ستجد الريح العاصفة تعيدك إلى حيث كنت، وهذا أسلوبٌ رائع في إخبار اللاعب بأنَّ لا يمكنه الذهاب إلى خارج حدود اللعبة.

بعد المرحلة الأولى، قد يرى اللاعب شخصيات أخرى يتحكم بها لاعبون آخرون، لكن لا يمكنك التواصل معهم إلا بإصدار صوت من خلال الضغط على أحد الأزرار. وتشجعك اللعبة على قطع الرحلة مع آخرين، لأن الطريق موحشة والرفقة تخفف العناء، وقد يقودك هؤلاء الغرباء إلى ما لم تره من قبل ولم تكن ستكتشفه لو كنت وحدك.

تعزز تجربة اللعبة مساعدة الناس بعضهم بعضًا، والحرص على قطع الرحلة مع الشخص الذي وجدوه. لهذا التفاعل هنا إيجابي ورائع لأن اللعبة صممت لذلك. قارن هذا بألعاب كثيرة حيث التفاعل سلبيٌّ ومسموم، والناس يتنافسون ضد بعضهم بعضًا بشراسة تعزز مشاعر العداوة بينهم.

أما الرحلة ذاتها، تصويرٌ لمراحل الحياة، أو لمغامرة قد يخوضها أي شخص وتبدأ برغبة في الترحال. البداية صعبة لكن ليست خطرة، والصحراء تجعل الفرد يشعر بالوحدة ما لم يجد رفيقًا يشاركه عناء الرحلة، من ثم يصل إلى منطقة خطرة حيث يتربَّص به الأعداء، وعليه تجاوزهم لكي يستطيع الصعود نحو الجبل. وهنا تبدأ المرحلة الأصعب، حيث الوصول إلى الجبل مستحيل حتى تأتي المساعدة. 

يمكن القول بأن الرحلة هنا تصويرٌ لما يجب على الفرد فعله في حياته: ستجد من يساعدك، لكن عليك أن تسعى وتجتهد، وتبذل كل ما في وسعك.

على كل ما قلته أعلاه، لا أزال أشعر بأنني لم أعطِ اللعبة حقها. هذه لوحة فنية، هذه لعبة كاملة لا أجد فيها عيبًا أو نقصًا، هذه لعبة استخدمت تقنيات ألعاب الفيديو لكي تعرض قصة دون كلمة واحدة، وتعطي اللاعب فرصة الاستكشاف، رغم محدودية العالم، دون أن تشعره بأنه مقيد. منذ عرفتها، وأنا أراها تستحق مكانًا لها في متاحف الفن، وهي أيضًا إجابة عن سؤال ما زال يطرح إلى اليوم: هل تُعد ألعاب الفيديو فنًا؟

نعم! لكن هذا موضوعٌ آخر.


شبَّاك منوِّر 🖼️

لو أن الأشخاص الذين يحبونك لا يتكلمون، هل كنت ستعرف أنهم يحبونك بأفعالهم وملامحهم دون مقدرتهم الكلامية؟ فنحن نعتمد أكثر مما نعتقد على الكلام للتعبير عما نشعر تجاه الآخرين، ونهمل الأفعال. هذا السؤال راودني لدى مشاهدتي الفلم القصير «ذ سايلنت تشايلد» (The Silent Child) 👧

  • تعيش الطفلة «ليبي» مع والديها وإخوتها، وهي وحدها غير الناطقة بينهم. من الدقائق الأولى يمكن ملاحظة الخط الفاصل بين عالمها وعالمهم، فهي تمر في حالة اكتئاب ملحوظ لا يهتم له أحد. هنا تقاس محبة عائلتها لها؛ فلا أحد منهم يتحدث بلغة الإشارة التي تجهلها «ليبي»، لذا هي مجبرة على الهدوء وإخفاء جزء كبير من شخصيتها لأن عائلتها لم تبذل جهدًا في تعليمها. تجاهل حاجة أساسية لدى الطفل علامة على عدم المحبة، حتى لو حاول والداها إظهار العكس بكلماتهم. في هذه اللحظة ندرك ضرورة الأفعال المُحِبة.🫶🏼🥲

  • توظِّف والدة «ليبي» معلمة لها، ولكنها تشدِّد على تعليمها قراءة الشفاه بدل لغة الإشارة لتندمج أسرع في المدرسة، لأنَّ لا أحد هناك يتحدث لغة الإشارة. كأن والدتها تود أن تصبح «ليبي» مستمعة تنفذ الأوامر دون مشاركة أو تعبير أو اعتراض. أحيانًا يصرُّ الوالدان على قرار ظنًّا أنه يدعم انخراط طفلهما في المجتمع مثل البقية دون اعتبار للاختلاف. والاختلاف ليس خطأً أو عيبًا، ولكنه يحتاج إلى توجه مختلف يدعم نمو الطفل وسعادته ونجاحه. 👄👁️

  • دفعني الفلم إلى التفكير في فئات المجتمع المختلفة: لماذا لا نحرص على تعلُّم لغة الإشارة وتعليمها، أو تعلُّم مهارات دعم غير المبصرين وذوي الاحتياجات الخاصة بصفتهم جزءًا لا ينفصل عن المجتمع؟ فنحن بهذه الأفعال نسهّل اندماجهم، ونرفع فرصهم في العمل والدراسة والتطور والإنجاز، ونظهر لهم محبتنا الحقيقية. 🌿☀️

🧶 إعداد

شهد راشد


لمحات من الويب


قفزة إلى ماضي نشرة أها! 🚀

  • ألعاب الفيديو ليست جميعها عنيفة وتدور حول الحروب والقِتال كما كنت أعتقد، بل قد تمنحك إحداها جلسة علاج أزواج مجانية! 🎮

  • نظرًا إلى جهلي بأي لغة عدا العربية، لم تكن اللغة التي ألعب بها مهمة جدًا، وكانت الأولوية للاستمتاع وليس لمعرفة تفاصيل قصة اللعبة وخياراتها. 🗣️

نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+420 متابع في آخر 7 أيام