لم أكن من هواة ألعاب الفيديو مطلقًا. لم تجذبني أبدًا تلك العوالم الافتراضية والشخصيات الخيالية، وفضلت قضاء أوقات فراغي في قراءة الكتب أو مشاهدة الأفلام عِوضًا من ذلك. ولكن تغير كل شيء بعدما تزوجت شخصًا من فئة عشاق ألعاب الفيديو «القيمرز». فالشغف المحيط بألعاب الفيديو والرغبة في سرقة بعض أوقات الفراغ ليقضيها في اللعب أثار فضولي نحوها.

في البداية اقترح عليّ مشاركة بعض اللحظات معه من خلال لعبتين تُلعَبان أساسًا بين شخصين. لأسباب متعددة أجّلت الفكرة لوقت طويل، فانشغالي من جهة وعدم رغبتي وشغفي تجاه ألعاب الفيديو من جهة أخرى حالا دون ذلك. لكن قبل أسبوع وجدنا أنفسنا متفرغين قليلًا وقررنا أخيرًا تجربة واحدة من الألعاب هي «It Takes Two». لم أكن أتوقع أبدًا أن تكون هذه التجربة بمثابة صدمة إيجابية لي!

تدور أحداث اللعبة حول «ماي» و«كودي»، زوجين على وشك الانفصال. بعد خلافات حادة قررا الطلاق، لكن ابنتهما «روز» تتمنى أمنية عكسية؛ فتُحوّل والديها إلى دميتين تجسدان شخصيتيهما في اللعبة. يُجبَر «ماي» و«كودي» على العمل معًا في مغامرة مليئة بالتحديات والألغاز، سعيًا وراء العودة إلى أجسادهما البشرية وإنقاذ زواجهما من الانهيار.

أكثر ميزة رائعة في هذه اللعبة هي أنه لا يمكنك إتمامها على الإطلاق دون مشاركة كلا اللاعبين. الجدير بالذكر أن التواصل الفعال بين الشريكين، والتناغم في اللعب، والتفكير البنّاء بين كلا اللاعبين هي الطريقة الوحيدة لإتمام المهمات والفوز بالمراحل. 

الطريقة التي تُسرَد فيها قصة اللعبة مدهشة، وكل مرحلة فيها تُعنَى بطرح مشكلة سابقة أدّت إلى انفصالهما العاطفي، وهذا ما أسهم في طلاقهما، لذلك ستحاولان أنت وشريكك في اللعب أن تحلّا مشكلات زوجية بين «ماي» و«كودي» للفوز بكل مرحلة. 

من جهتي لاحظت ظهور الجوانب الشخصية والصفات البارزة فيّ وفي زوجي في أثناء اللعب؛ فأنا متهوّرة وعجولة وسُرعان ما أسقط في الهواء أو أتدحرج بالشكل الخاطئ، وأجرّب الحلول المطروحة سريعًا حتى أجد الحل الصحيح في اللعبة. أما هو فيركز في خطواته ويبدأ التفكير في المعطيات ثم وضع الخطّة واختبارها ومعرفة الآليات قبل الشروع في اللعبة.

كتبت ستيفاني مينور مراجعة في موقع «ذ قيمر» (The gamer) عن اللعبة، أفضت فيها بعلاقتها المضطربة مع زوجها، التي ما إن بدآ في لعب هذه اللعبة سويًا حتى انغمسا في القصّة وفي مراحلها، انتشرت بينهما الضحكات وتشاركا الكثير من اللحظات التي أظهر فيها كل واحد منهما تعاونًا كبيرًا. قالت إنها المرة الأولى، بعد فترة طويلة من التباعد العاطفي، التي تشعر فيها بأنها قريبة ومنسجمة مرة أخرى مع زوجها. 

دومينيك دايموند، مقدم البرامج التلفزيونية والإذاعية، كتب مقالة تحدث فيها عن أن طبيبه النفسي أخبره أنه قد يكون مصابًا بمتلازمة «أسبرقر» وهي اضطراب عصبي يواجه فيه المصاب بعض الصعوبات في التواصل والتفاعل الاجتماعي، وربما تكون السبب في مشكلاته العصبية مع زوجته وأبنائه. فضول دومينيك حول اللعبة جعله يجرّبها. 

كان دومينيك صريحًا في رأيه تجاه اللعبة، فقد أثار غضبه ظهور شخصية «كتاب الحب» باستمرار لإعطاء اللاعبين دروسًا في الحب قبل كل مرحلة، لكن أكثر ما أزعج زوجته هو سلوك دومينيك نفسه في أثناء اللعب. 

بعض المشكلات المطروحة في اللعبة عانى دومينيك منها في الحقيقة في حياته مع زوجته، لكنه يرى أنه على الرغم من أن اللعبة تحاول عرض نسخة ممتعة من علاج العلاقات الزوجية فهي «لا تتضمن التحديات والضغوطات الكبيرة التي تواجه الزيجات الحقيقية مثل الأمراض المزمنة للأطفال وفقدان الوظائف والهجرة والإدمان ومشكلات الصحة العقلية والاهتمام بالهدايا المتساوية للأطفال في عيد الميلاد»، فقد عمل هو وزوجته جاهدَين على تخطّي هذه التحديات في حياتهما، إلّا أنه أغضب زوجته وفصل الكهرباء عن جهاز «الإكس بوكس» عندما لعبا هذه اللعبة.

أما أنا، فبعد انتهائي من اللعبة كتبت منشورًا هزليًا على منصة «إكس» أدعو فيه الأفراد المقبلين على الزواج إلى أن يتشاركوا اللعب وملاحظة أنماطهم الشخصية في حل المشكلات قبل الارتباط. التفاعلات على التغريدة أظهرت أن اللعبة لاقت رواجًا كبيرًا بين الأفراد عامةً. كما أظهر البعض غضبهم من تحويل لعبة ممتعة إلى طريقة لدراسة شخصياتهم. 

بعد هذه التجربة، أدركت أن ألعاب الفيديو ليست جميعها عنيفة وتدور حول الحروب والقِتال كما كنت أعتقد، بل قد تمنحك إحداها جلسة علاج أزواج مجانية! 

Reuters

Therapy horses help neurology patients regain confidence, motor skills

إعداد

شهد راشد