ماذا تعرف عن حبسة القارئ؟ 🚫
تختلف مسببات حبسة القارئ، إذ أن القواسم المشتركة بينها وبين حبسة الكاتب أقل مما قد تبدو للوهلة الأولى.
ماذا تعرف عن حبسة القارئ؟
لأتحرر من حبسة القارئ، وقفت أمام أرفف مكتبتي، وجلتُ بناظريّ على العناوين المرتبة يمنة ويسرة، وعلى ما تراكم منها على الأرض، مشكّلةً أعمدة صغيرة غير آيلة للسقوط. فرغت قبل ساعات من قراءة «أصوات المساء»، وحانت مجددًا لحظة اختيار كتاب يرافقني خلال الأيام القادمة. هل أقرأ «تحت العجلة»؟ كلا، فللتو أنهيتُ رواية، وأسلوب هيرمان هيسه بات لا يناسبني. أحان وقت تجربة حظي مع كتابات نانسي فريزر؟ أممم، لا أشعر أن مزاجي يسمح بقراءة شيء عن وحشية الرأسمالية.
كانت تلك وقفتي الثالثة أمام الأرفف خلال أقل من ساعة. وغنيٌّ عن الذكر أن الحيرة قد خيّمت عليّ عند هذه الوقفة، كما خيّمت عند سابقتيها. تتشارك كل الوقفات في نفس السيناريو: أقف أمام وفرة الخيارات، وأطالع العناوين المنتمية لمختلف الموضوعات والمجالات، عاجزًا عن البتّ فيما سيلائم مزاجًا لا أستطيع تحديد ملامحه بعد، ثم أعود منسحبًا بهدوء، إلى حين الوقفة القادمة، علّها تكون فتحًا قرائيًّا مبينًا.
لسببٍ ما، كلما تكررت وقفتي الخائبة هذه؛ يختار ذهني تشبيهها بحبسة الكاتب، أي حالة العجز التي يُصاب بها الكاتب وهو يحاول ملء صفحةٍ بيضاء، أو مواصلة حبل الأفكار المنطبع عليها. ذلك أن كل كاتب يمتلك رصيدًا ذهنيًّا محدودًا، ومن شأن نوائب الدهر أن تصيبه -عاجلًا أم آجلًا- بحالة خواء تحدُّ من إمكانياته الكتابية، أو «تُلخبِط» أوراقه على أقل تقدير، بحيث تجعله عاجزًا عن ترتيب أفكاره بالشكل المطلوب لمواصلة الكتابة.
وكأيّ ظاهرة فردية، تتوجّه أصابع اللوم لمسببات عديدة، منها ما يتعلق بالاحتراق الكتابيّ حين يفرط الكاتب في «تقيّؤ» ما يدور في ذهنه، أسرع من قدرته على توليد أفكار جديدة. ومنها ما يتعلق بالظروف المحيطة بالفرد من مشتتات ومسؤوليات تشغل ذهنه؛ فتمنعه من تركيز جهده على الكتابة وحدها. ومنها أيضًا تلك المسببات المرتبطة بهوَس الكاتب حيال كمال وإتقان ما يكتب، أي المرتبطة بقلقه من الكيفية التي سيستقبل بها القراء انكشافه عليهم.
وبغض النظر عن كفري بحبسة الكاتب بهذا المفهوم، ولكني أجدني واقعًا مرارًا وتكرارًا في شراك ما سأسميه هنا بـ«حبسة القارئ»، أي حالة العجز المفاجئة التي تطال القارئ حين لا يستطيع اختيار كتاب يرافقه. تختلف مسببات حبسة القارئ، إذ أن القواسم المشتركة بينها وبين حبسة الكاتب أقل مما قد تبدو للوهلة الأولى.
الانقطاع واضح في حالة الكتابة، لدرجة أنه لا يحتاج توضيحًا إضافيًّا. ولكن قرائيًّا! كيف يحدث ذلك؟
لعله من الضروري التنويه أولًا على أن الكلام هنا لا يشمل الكتب التي أكون مضطرًّا لقراءتها، تلك التي أجدني ملزمًا بكتابة مراجعة أو إنتاج حلقة بودكاست عنها. تحدث الحبسة القرائية حين أمسك بزمام حرية قراءاتي. ولكن حين يتعلق الأمر بكتب مفروضة، فالمجال لا يتيح حدوث الحبسة من الأساس.
أما ما يتعلق بالقراءات الأخرى، فقد استطعت تحديد حالتين تتكرر فيهما الحبسة القرائية:
أولًا: فرط الانغماس في كتابٍ ما
تنجح بعض الكتب في بناء عالمها لدرجة أني أستلذّ في إطالتها. وبمجرد اقتراب نهايتها، أجدني أحاتي شعور الخواء الذي سيصيبني حالما أطوي الصفحات الأخيرة، قلقًا مما ستشهده الأيام القادمة.
تحدث الحبسة هنا لأنّي -لاشعوريًّا- أخشى إفساد تجربة قراءة هذه الكتب. وليس الشعور حكرًا على إنهاء كتاب جيد طبعًا، إذ يحضر الشعور ذاته بعد الأفلام الرهيبة وألعاب الفيديو الخرافية. الفرق في حالة الكتب هو أنها لا تمتلك قابلية «التختيم» كألعاب الفيديو -وبذا يطول أمد التلذّذ- ولا يمكن غالبًا تجاوزها من خلال استثمار ساعتين أو ثلاث في مشاهدة فِلم جديد، الأمر الذي قد يمنحها خصوصية بشكل ما.
ثانيًا: القراءة الانكبابية
اعتدت منذ بضع سنوات تكديس الكتب التي تثير اهتمامي، بغض النظر عما إذا كنت سأقرؤها الآن أو لن أقرأها مطلقًا، وذلك لعلمي أن شرارة وحيدة حول موضوعٍ ما كفيلة بجعلي أنكبُّ ملتهمًا كل ما تطاله يدي حول الموضوع. وهذا يتطلب توفر الكتب بالجوار، كيلا أضيّع وقتي باحثًا عن المصادر التي تعينني على فهم الفكرة.
على ضوء هذه القراءة الانكبابية، قد يبدو من الغريب حدوث حبسة قرائية. وأنت معذور عزيزي القارئ إذا ما افترضتَ سهولة كسر الحبسة بواسطة أحد العناوين المتوفرة، أو من خلال مواصلة التمعّن في الفكرة التي تثير اهتمامي. ولكن هنا تكمن المشكلة تحديدًا؛ ينقطع حبل الأفكار حين أكتشف وجود جانب لم أفهمه في الكتاب الذي أقرؤه. غموض هذا الجانب هو أساس الحبسة القرائية كما أتخيلها، الأمر الذي يستوجب مني جهدًا ذهنيًّا لتجسير الخلل والفجوات قبل مواصلة الفهم.
كنت سأختم بتلخيصٍ مفاده أن حبسة القارئ، سواء تولدت من الغرق في عالم كتابٍ أو من خللٍ في فهم ترابط أفكاره، هي حالة ذاتية في المقام الأول والأخير. لكنني حين طالعت السطور مرة أخيرة، أخذت أتساءل عمّا إذا كان ما كتبته انعكاسًا لحالة حقيقية، أم محاولة -بائسة ربما- لتهوين ما عجزت عن فهمه. وكنت قاب قوسين من حذف كل شيء، والبدء بأطروحة تركّز على الحبسة الأولى، أي حبسة ما بعد الانغماس في عالم كتابٍ ما. لكن لا ضرر من تضمين كل شيء، لعلّ أحدًا غيري يرقّع ما يمر به من خلال عقلنته بشكل مشابه.
أعلنت «المؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا» عن قائمة الـتسعة لأفضل الأعمال المشاركة في الدورة العاشرة لجائزة كتارا للرواية العربية في فئات الروايات المنشورة، والروايات غير المنشورة، وروايات الفتيان غير المنشورة، والدراسات النقدية غير المنشورة. ويبلغ مجموعها ستة وثلاثين رواية ودراسة نقدية مرشحة للفوز بجائزة كتارا للرواية العربية.
أعلنت هيئة الشارقة للكتاب فتح باب التسجيل في الدورة السابعة من جائزة الشارقة للترجمة «ترجمان 2024». تسعى الجائزة إلى نشر الأدب العربي عالميًّا من خلال تشجيع الناشرين على ترجمة الأعمال المتميزة للكتّاب والأدباء العرب إلى لغات أجنبية. وتبلغ قيمة الجائزة 1.4 مليون درهم، يحصّل المترجم على 100 ألف درهم منها، أما بقية المبلغ فيذهب 70% منه إلى الدار الأجنبية التي نشرت الترجمة، و30% للدار العربية التي نشرت الإصدار الأصلي.
نُشرت حديثًا في أمريكا والمملكة المتحدة، الترجمة الإنقليزية لرواية «حرير الغزالة» (Silken Gazelles) للكاتبة العمانية جوخة الحارثي، وبترجمة الأمريكية مارلين بوث. تُعدّ الكاتبة أول أديبة عربية تحصل على جائزة «البوكر العالمية» (International Booker Prize) عن روايتها «سيدات القمر» والتي تُرجمت لأكثر من عشرين لغة.
توفي المترجم والناقد الفني الدسوقي فهمي عن عمر يناهز ستة وثمانين عامًا. تنوّعت ترجمات الراحل بين الروايات والقصة القصيرة والشعر والمقالات النقدية والفلسفية. وتُعد من أبرز أعماله ترجمته لروايات التشيكي فرانز كافكا: «أمريكا» و«رسائل إلى ميلينا» ورواية «الدودة الهائلة».
توصيات النشرة من نوف سامي:
أقفاص فارغة، فاطمة قنديل
تعد «أقفاص فارغة» (2021) العمل السردي الأول للشاعرة المصرية فاطمة قنديل، وهي رواية سيرة ذاتية مبنية على هيئة فقرات سردية قصيرة، تغلب عليها روح الشاعرة وعذوبة لغتها. تعرّي فاطمة قنديل في سردها حكايا واعترافات شديدة الحساسية من طفولتها التي ملؤها التحرشات والتجارب الجسدية المبكرة، والصراعات العائلية المؤذية. لم تأبه قنديل في مذكرات اعترافاتها بالقارئ، أو حتى بالرأي العام، ولا بتشديد رفاقها من الأدباء والمثقفين على ضرورة نشر مذكراتها بضمير الغائب؛ لئلا يكتشف القرّاء سرّها، ضاربةً بعرض الحائط آراءهم، ومخاوفها السابقة من الانكشاف. «أريد أن "أحضر" كما لو أنني كنت غائبة دائمًا، الحضور الكامل هو كل ما أحلم به، اليقظة، التي لا تفوت ضوءًا واحدًا في جوفي إلا حدقت فيه، حدقت فيه حتى يتلاشى،كعيون الميدوزا، لا أريد سوى أن أمسخ كل الذكريات إلى أصنام، ثم أكسرها، ثم أكنس التراب المتبقي منها، حتى ولو كنت، أنا نفسي، صنمًا من بين كل تلك الأصنام.»
حضرتُ العام الماضي ندوة حوارية لفاطمة قنديل في زيارتي لمعرض الشرقية للكتاب، وكنت أحمل في ذهني صورة فاطمة وحدها وكلّ ما عايشته، إلى أن قالت: «أقفاص فارغة لا تعدو كونها تحاكي إرهاصات يمر بها أبناء جيل الستينات والسبعينات والثمانينات» ومن حينها وأنا لا أحمل في ذهني صورة فاطمة وحدها، بل صورة أجيال كاملة تتمرّغ في جراح لا تقضي ولا تنمحي ولا تنسى حتى وإن سُكت عنها.
عشر نساء، مارثيلا سيرانو
لم أكن لأعرف الروائية التشيلية مارثيلا سيرانو قبل «عشر نساء» (2013)، ولم أكن لأعرف «عشر نساء» لولا أن الكتاب من ترجمة الراحل صالح علماني، الذي لم أقرأ له نصًّا روائيًّا حتى الآن إلّا ونشأتْ رابطة عاطفية خفية بيني وبين الرواية.
تجمع المعالجة النفسيّة «ناتاشا» تسع نساء في عيادتها، وتفسح لهنّ المجال في كسر أغلال الصمت وحكاية جراحهنّ المسكوت عنها؛ إذ تؤمن المعالجة بأن الحديث كفيل في إعادة الاتزان لهنّ، وبثّ الطمأنينة بداخلهنّ. تمنح الكاتبة بطلاتها التسع حقهنّ في الحديث، وتقسم روايتها إلى عدة فصول تحمل اسم كل واحدة من «المجنونات» كما يسميهنّ المارة من أمام العيادة. يجد قارئ الكتاب نفسه أمام تناقضات لذيذة بين كل حكاية من حكايات هذه النساء: فسنجد المرأة التي تكره أمها، والأخرى التي تعيل والدتها المقعدة، ونجد المرأة الوحيدة التي تحلم بيد رجل تداعب شعرها قبل أن تغفو إلى الأبد، والأخرى التي تؤمن بأن الرجل شيء رمزي ويمكنها العيش دون هذا الرمز، ونجد المرأة التي تعرضت للاغتصاب من ثلاثة جنود وحملت بطفلٍ لا تعلم أيهم والده، والمرأة الأخرى زوجة الثائر الذي تعرض للاعتقال وتلاشت أخباره، فيما ظلّت هي تفكر به وتشعر بدفئه يمشي إلى جانبها. تختلف قصصهنّ وتجمعهنّ محاولاتهنّ الصادقة لمصافحة الحياة والتجديف عكس التيار، للوصول إلى غدٍ علّه يكون أفضل.
الحب والصمت، عنايات الزيات
عندما نجتمع للسهر في منزل جدتي، تحثّنا بألّا ننساق خلف شيطنة الأمومة وبغض فكرة الزواج، لاعتقادها بأنّ الأبناء هم طريقتنا الوحيدة للخلود وتداول سِيَرِنا والترحم على أرواحنا، وكلما حاولت مشاكستها ذكرت كتاب «في أثر عنايات الزيات» (2019) للكاتبة المصرية إيمان مرسال، باعتباره دليلًا على أن خلودنا يحتمل أشكال عدة غير الإنجاب، فقد يكون من خلال كتاب أو قارئ فضولي ومحب. فما دفع إيمان مرسال لتقفي أثر عنايات الزيات هو كتابها «الحب والصمت» (1967) وهو الكتاب الأول والأخير للكاتبة المصرية المنتحرة، وعملتْ من خلاله على توثيق أشكال مشاعرها في مختلف الحالات والظروف، التي يستحيل ألّا تتقاطع مع مشاعرنا في ظروف ومواضع عدة.
ذنوب الآباء ومسئولية الأبناء، مشير سمير
واحد من أجمل حظوظي بالحياة، هو أني أنحدر من عائلة كبيرة جدًّا، تجعلهم بمختلف أعمارهم واهتماماتهم -وحتى أخطائهم- محطّ بحثٍ وفضولٍ لا متناهٍ ومتجدد لديّ. وفي واحدة من محاولاتي لفهم الاختلافات النفسية بين أطفال أبناء العمومة والخؤولة وقعت على كتاب «ذنوب الآباء ومسئولية الأبناء» (2014) وكنت أسقط بعض الحالات المذكورة بالكتاب على عدد كبير من أطفال عائلتنا، وأتلمّس صدق المسببات وأخطاء الآباء المقصود منها وغير المقصود. يتحدث الكتاب من واقع خبرة لمقدم خدمات مشورة -مسيحي- عن نشأة الاضطرابات النفسية لدى الأشخاص، النابعة عن أخطاء الآباء والأمهات، وتقصيرهم تجاه واجباتهم العاطفية والتربوية، وفي الوقت ذاته يوضّح لنا المسؤولية التي تقع على عاتق الأبناء، وأهمها تحرير ذواتهم وتجاوزهم لهذه المشكلات النفسية والفكرية التي صنعها الآباء.
سواء كنت صديقًا للكتب أو كنت ممن لا يشتريها إلا من معارض الكتاب، هذه النشرة ستجدد شغفك بالقراءة وترافقك في رحلتها. تصلك كلّ أربعاء بمراجعات كتب، توصيات، اقتباسات... إلخ.