هوارية: رواية وصفت بقلة الأدب! 😳

رواية «هوارية» نُشرت قبل أشهر ولم تُشحذ في وجهها الأسلحة إلا بعد فوزها بجائزة «آسيا جبار» الأدبية.

لقطة من الفلم المقتبس عن رواية «مدام بوفاري» لقوستاف فلوبير / Getty Images
لقطة من الفلم المقتبس عن رواية «مدام بوفاري» لقوستاف فلوبير / Getty Images

هل على الأدب أن يكون أخلاقيًا؟

إيمان العزوزي

شهدت الأوساط الثقافية والأدبية في الجزائر مؤخرًا جدلاً صاخبًا بعد فوز رواية «هوارية» للروائية والمترجمة إنعام بيوض بجائزة «آسيا جبار» الأدبية. 

تُمنح الجائزة لثلاث فئات: الرواية العربية والرواية الفرنسية والرواية الأمازيغية. واللافت أن الجدل الأكبر كان حول فرعها العربي، وقد تصاعدت حمية النقاش ليبلغ أروقة البرلمان ويصبح مسألة رأي عام.

تبادل المنتقدون والمدافعون الاتهامات، وطاولت شخص الكاتبة ولجنة التحكيم، واتفق معظمها على أن الرواية لا ترقى إلى صنف الأدب بل تقترب إلى «قلة الأدب»، بما تحمله من حس إيروسي (جنسي) ولغة بذيئة لا تحترم أعراف المجتمع وتقاليده.

في المقابل دافع المؤيدون عن الرواية واصفين منتقديها بمجازية مبالغ فيها؛ فنعتهم واسيني الأعرج بـ«الإنكشاريين الجدد»، ولقّبهم أمين الزاوي بـ«الميليشيات الأدبية». 

لم تستطع السيدة آسيا علي موسى صاحبة دار «ميم» للنشر، التي تولت نشر الرواية، مقاومة سيل الانتقادات الجارف، لتعلن في بيانها على مواقع التواصل وقف نشاطها وإغلاق أبوابها أمام الريح وأمام النار، تاركة الجمل بما حمل، على حد تعبيرها الذي يحمل في طياته الكثير من الترميز الذي يشير ربما إلى إكراهات أكبر. 

ومما يزيد المرء حيرة أن الرواية نُشرت قبل أشهر ولم تُشحذ في وجهها الأسلحة إلا بعد فوزها بالجائزة، وكأن الانتقاد يطاول الجائزة أكثر مما ينال روايةً أو كاتبة؛ فالجوائز، بشكل ما، تُضفي على الأعمال الفائزة شرعية تؤكد مضامينها، وهذا ما يعيبه المنتقدون.

تأتي الرقابة في عالم النشر غالبًا بنتائج عكسية، فكلما زادت الاتهامات والمنع زاد فضول القارئ تجاه الأعمال المتهمة، تمامًا كما يتدافع الناس نحو مسرح الجريمة. وهكذا دفعني الفضول إلى البحث عن الرواية وقراءتها قبل أن أجزم برأي قاطع يميل إلى أحد الجانبين.

تقع الرواية في 224 صفحة، وقرأتها محاوِلةً قدر الإمكان تجنب الأحكام المسبقة التي وصلتني من المناوئ والمنافح، وهذا أثّر سلبًا فياستمتاعي بالقراءة؛ فقد كنت كالمحقق الذي يبحث في أدلة الاتهام والدفاع. 

وبعد الانتهاء منها تبيّن لي أن معظم من تحدثوا عن «هوارية» لم يقرؤوا النص، بما في ذلك كبار الكتّاب، وأن دفاعهم عنها كان عن فكرة حرية التعبير ورفضهم فرض القيم الأخلاقية على الأدب. ولست هنا بصدد كتابة مراجعة مستفيضة عن الرواية، ولكن أستطيع القول إنها لا تستحق تكريم «آسيا جبار» بالنظر إلى تاريخ الجائزة.

وقد تزامن هذا النقاش مع نقاش مماثل احتضنه مهرجان تويزا في المغرب، حيثاعتاد المنظمون كل سنة تخصيص فعالية تحتفي بكاتب طنجة الأول محمد شكري صاحب رواية «الخبز الحافي»، وقد استفزت احتفالية هذه السنة المعنونة «شكري اللا أخلاقي» العديد من الأصوات على مواقع التواصل، بين منتقد صب جام غضبه على المنظمين، عادًّا العنوان مقلِّلًا من احترام قامة فكرية طنجية، على حين راقت الفكرة لمن يرى في كتابات شكري وشخصيته بذاءة تتماهى ووصفه بانعدام الأخلاق. 

وقد حضرتُ الندوة واستمعتُ إلى مداخلات أساتذة كبار على رأسهم الناقد العراقي عبد الله إبراهيم، الذي عالج في مداخلته إشكالية الأدب في علاقته بالأخلاق، وأكد أن الأدب في جوهره خصوصًا ذاك المرتبط بـ«التخييل الذاتي» هو وسيلة إفصاح وليس وسيلة تمويه. ووجه السؤال للحاضرين قائلًا: «معظم الكتاب يشاركون شكري تجاربه، لكنهم عكسه ينكرونها، فهل يكون اللاأخلاقي هو من أخفى أم من أفصح؟ وهل الكاتب الأخلاقي هو الذي يُزَوِّر ويسترضي واللاأخلاقي هو الذي يكشف ويستجلي؟»

ليس من المستغرب أن تعود هذه المناقشات إلى الساحة بين الفينة والأخرى، وقد خضعَت عدة أعمال أدبية لمحاكمات شهيرة سُجلت في تاريخ الأدب نقاطًا ساخنة يعاد استنطاقها متى وقفنا على اتهامات جديدة، ولعل أشهرها محاكمة فلوبير وروايته «مدام بوفاري»، التي كانت بحد ذاتها وثيقة أدبية مميزة كتبها الادعاء ومحامي الدفاع، وقد تبارى الفريقان في تشريح العمل بما يناسب طرحه، وكلاهما اجتهد في بلورة نظرته الخاصة إلى القيم والأخلاق. وهذا ما يجعل الحديث عن أخلاقية الأدب مجالًا غنيًا بالتكهنات والتأويلات، فعن أي قيم وأخلاق نتحدث في ظل كونية الأدب وتطور المجتمعات واختلاف الأزمنة؟!

مما لاحظته، في أزمة «هوارية» لبيوض وقبلها «الخبز الحافي» لشكري، أن القارئ عادة يتلقى العمل بارتياب وتوجس متى كان محليًا، ويغرق في تفاصيل المكان واللغة، فأهل وهران وأهل طنجة هم أشد المنتقدين لهذه الأعمال؛ لأنها الأقرب إلى مجالهم. ويزيد من حدة التوتر استخدام العامية كلغة بذيئة مرتبطة بالشخصي والمحلي؛ فلو تُرجمت هذه البذاءة إلى اللغات الأخرى ومنها العربية الفصحى لتحلَّل المكان من الاتهام، ولعادمن جديد إلى المتخيَّل البعيد الذي لا يعكس واقعنا.

في رأيي أن الرواية تصور السلوكيات والعادات دون فرض أحكام أخلاقية جاهزة؛ فهي كما وصفها كونديرا في الوصايا المغدورة «مملكة يُعلَّق فيها الحكم الأخلاقي»، فالكاتب ليس واعظا أخلاقيًا، لكنه في الوقت نفسه أخلاقي؛ لأنه يسعى من خلال الكتابة إلى الانغماس في أحوال الحياة المتقلبة وتخييل كل أوجه المواجهة الممكنة للفرد معها، عبر تمثيل مختلف سلوكاته وإخفاقاته.

وهكذا فإن الأمر كما ذكر كونديرا في الكتاب ذاته: «هذا الاستعداد المحموم للحكم هو برأيي حكمة الرواية، والحماقة الأكبر مقتًا والمرض الأشد إيذاءً. هذا لا يعني أن الروائي ينكر بالمطلق شرعة الحكم الأخلاقي، إنما يؤجله إلى ما وراء الرواية.» وبهذا يمكننا أن نُدين بكل أريحية شخصيات روائية مثل بعض شخصيات «هوارية» ومثل «إيما بوفاري»، ونثلب كل الشخصيات التي لم تناسب أحكامنا الأخلاقية، ولكن الروائي كما انتهى إليه كونديرا «لا علاقة له بذلك».


  1. أعلنت وزارة الثقافة إطلاق مسابقة «مغامرة مع مزيونة»، وهي مسابقة رقمية موجهة إلى الأطفال من سن 9 سنوات إلى 12 سنة، واليافعين من عُمر 13 عاماً إلى 15، وذلك ضمن أنشطة عام الإبل 2024 ومبادراته، التي تهدف إلى التشجيع على تأليف القصة المصورة، وتسليط الضوء على مكانة الإبل في الثقافة السعودية وعلاقتنا الوطيدة بها. وتدور أحداث القصة التي يجري التنافس على كتابتها حول الناقة «مزيونة» ومغامراتها الشيقة في صحاري المملكة. 

  2. أعلنت «هيئة الأدب والنشر والترجمة» الجدول الزمني لمبادرة «الشريك الأدبي» في نسختها الرابعة. وتسعى المبادرة إلى عقد شراكات أدبية مع المقاهي التي تعمل على ترويج الأعمال الأدبية بشكل مبتكر وأقرب إلى متناول المجتمع؛ وهذا يُسهم في رفع الوعي الثقافي بشكل مباشر. كما تستهدف المبادرة زوار المقاهي بتقديمها فعاليات وإسهامات أدبية وثقافية لهم، تثري زيارتهم المقهى، وتجعل منها تجربة ثقافية مختلفة، وتمكنهم من التفاعل مع القطاع الثقافي.

  3. صدر حديثًا عن دار الكرمة للنشر «حياتي كما عشتها: ذكريات امرأة سعودية من عنيزة إلى كاليفورنيا» للدكتورة السعودية ثريا التركي. تعد التركي أول من وضع دراسة أنثروبولوجية اجتماعية عن مدينة عنيزة بعنوان «عنيزة: التنمية والتغيير في مدينة نجدية عربية». وهو كتاب شاركها تأليفه العالم الأمريكي دونالد باول كول، كما شاركته في كتاب آخر بعنوان «أهل مطروح: البدو والمستوطنون والذين يقضون العطلات».

  4. توفي يوم الجمعة التاسع من أغسطس الجاري الكاتب والصحافي المصري أحمد عمر مؤسس «مجلة ماجد» عن عمر يناهز 85 عامًا. يعد الراحل أحد رموز الصحافة والإعلام، وظفر بجائزة صحافة الطفل عام 2004 تقديرًا لمسيرته الحافلة وإسهاماته في مجال صحافة الأطفال.


توصيات النشرة من وجد الحربي:

  1. كلما وجدت معنى الحياة يغيرونه، دانيال كلاين

الكتاب الورقي / الكتاب الإلكتروني / قودريدز

بالرغم من بغضي الشديد للفلسفة وكل ما يرتبط بها فهذا الكتاب من أمتع الكتب التي قرأتها مؤخرًا. ضم بعض معتقدات الفلاسفة حول معنى الحياة والموت والحب والصداقة وغيرها من المواضيع المؤرقة لنا، وعرض عددًا من الاقتباسات والآراء المختلفة لعدة فلاسفة، مثل أبيقور وأرسطو وشوبنهاور وكامو ونيتشه وبرتراند راسل وديفيد هيوم وجون ستيوارت وفرانسيس بيكون وبيتر سينقر. 

  1. ظل الريح، كارلوس زافون

الكتاب الورقي / قودريدز

رواية «ظل الريح» هي الجزء الأول من رباعية «مقبرة الكتب المنسية» للروائي الإسباني كارلوس زافون، التي تضم بجانب «ظل الريح» الأجزاء الثلاثة الباقية، وهي «لعبة الملاك» و«سجين السماء» و«متاهة الأرواح». وأجد أن الجزء الأول هو الأمتع. تقع أحداث الرواية في مدينة برشلونة، حيث يصطحب «خوان» ابنه «دانيال» إلى مقبرة الكتب المنسية، وهي مكتبة ضخمة تضم عددًا هائلًا من الكتب التي نسيها أصحابها. وتسمح المكتبة باستعارة الكتب لكن وفق قوانين صارمة تتيح للشخص استعارة كتاب واحد فقط، على أن يتعهد بحمايته، فيختار «دانيال» كتاب «ظل الريح»، ويصيبه الشغف تجاه أعمال الكاتب الأخرى، وفي رحلة بحثه عن أعمال الكاتب تنطلق أحداث الرواية في جو من التشويق وتسارع الأحداث. 

  1. الخيميائي، باولو كويلو

الكتاب الورقي / الكتاب الإلكتروني / قودريدز

كل شيء في الرواية بدأ من حلم زار راعي الأغنام «سانتياقو» ذاتيوم، ودفعه الحلم إلى بيع أغنامه وركوب البحر من ريف أوربا إلى قارة أفريقيا بحثًا عن الكنز المدفون بجانب الأهرامات في مصر. يحاول كويلو أن يؤكد لنا من خلال الأحداث حقيقة أن الطريق نحو تحقيق الأحلام محفوف بالمخاطر والخسائر كذلك، وما علينا سوى المثابرة والمقاومة وملاحقة أحلامنا لتحقيقها.

  1. شجرتي شجرة البرتقال الرائعة، خوسيه ماورو دي فاسكو نسيلوس

الكتاب الورقي / الكتاب الإلكتروني / قودريدز

أُحِبُّ «زيزا» الطفل القادر على تحمل كل شيء إلا شح العاطفة والحب. صدر جزء ثانٍ من الرواية، لكني تمنيت لو اكتفيت بقراءة الجزء الأول؛ لأنه الأجمل والأحب إليّ.

نشرة إلخ
نشرة إلخ
منثمانيةثمانية

لغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.

+150 متابع في آخر 7 أيام