مؤسسو كريم في الرياض، والخطّة: بناؤها من جديد! 🚙

عندما علمت بأن مؤسسَي «كريم» في السعودية، ويخططان لبنائها من جديد، خطر ببالي تساؤل وحيد: ليش؟

مؤسسو كريم في الرياض، والخطّة: بناؤها من جديد!

9 دقائق قراءة

الشركاء المؤسسون لكريم، عبدالله إلياس ومدّثر شيخة / تصوير: عبدالرحمن عبود
الشركاء المؤسسون لكريم، عبدالله إلياس ومدّثر شيخة / تصوير: عبدالرحمن عبود

المقالة بصوت الكاتب - 18 دقيقة

--:--
  • رحلتنا لن تنتهي حتى تصبح «كريم» قوقل الشرق الأوسط.

  • نخطط لبناء شركة تدوم خمسين عامًا وحتى مئة عام.

  • 275 من موظفي «كريم» حصلوا على مليون ريال سعودي أو أكثر.

  • سنسمح للناس بأن يبنوا تطبيقاتهم على منصّة «كريم سوبر آب».

  • واثقون بأننا سنفوز بمرور الوقت، ولسنا مستعجلين.

  • عندما عدنا للسعودية وجدنا أننا فقدنا اتصالنا بالسوق، وخسرنا الكثير من الأمور التي شكّلت «كريم» وهويّتها في البداية.

عندما علمت بأن مؤسسَي «كريم» في السعودية، ويخططان لبنائها من جديد، خطر ببالي تساؤل وحيد: ليش؟

الحصول على تخارج بمليارات الريالات أمر لا يحصل كل يوم. ولو حصل فمعظم الأشخاص إما يتجهون إلى استثمار هذه الأموال، أو يسعون إلى صناعة قصة نجاح جديدة. لكن أن تعود وتقرر بناء مرحلة جديدة للشركة التي تخارجت منها، وبعد خمس سنوات، كان أمرًا غريبًا عليّ، في البداية على الأقل.

تواصلت مع عبدالله إلياس، الشريك المؤسس ورئيس مجلس إدارة «كريم». وطلبت مقابلته هو وشريكه مدثّر شيخة، الرئيس التنفيذي. وكان «كريمًا» كفاية ليرحّب بالفكرة، وبعد أسابيع من محاولة جدولة هذه المقابلة كان لي ما أردت.

الاستحواذ، وما بعده 🤑

وصلت إلى مكتب «كريم» الجديد في الرياض، في أحد الأبراج على طريق الملك فهد. ووجدت المؤسسّين بانتظاري عند بوابة المكتب. لا يختلف المكتب عن تصوّرك لمكتب «كريم» أبدًا: مساحة مفتوحة، ومكاتب مشتركة، وشعارات «كريم» وقيمها تغطي معظم الجدران والأعمدة.

دخلنا قاعة الاجتماعات، وبدأتُ المقابلة بالسؤال الذي لم يفارقني لأسابيع: عندكما قصة جيدة، واستحواذ تاريخي غيّر منظومة ريادة الأعمال في المنطقة. لماذا تقرران، بعد خمس سنوات من هذا الاستحواذ، العودة إلى الرياض ومحاولة بناء «كريم» من جديد؟

كانت لكل واحد منهما إجابة مختلفة. أخبرني مدثّر أنه لم يغادر الشركة يومًا حتى يعود. بالنسبة له، فالمهمة في «كريم» لم تنته بعد، ولن تنتهي حتى تصبح «قوقل الشرق الأوسط»، وحتى ذلك الحين تظلّ الرحلة مستمرة.

أمّا عبدالله فيقول: «كانت الرحلة منذ أيام التأسيس الأولى مرهقة طويلة، وفي غاية الصعوبة، وشعرت بأنني حققت جزءًا كبيرًا من هدفي في بناء شيء كبير وذي معنى، وأن أؤثر على المجتمع من خلال التقنية.» فطلب من شركائه بعد الاستحواذ السماح له بمغادرة الشركة، لكنهم أقنعوه بالجلوس في المقعد الخلفي بعيدًا عن العمليات، رئيسًا لمجلس الإدارة. استمر هذا الوضع أربع سنوات، انضم عبدالله خلالها إلى عدد من مجالس الإدارة، لكنها كانت تجربة مختلفة كليًا.

وفي منتصف السنة الثالثة بدأ شعور «الحكّة» يراوده من جديد؛ فلا شيء يضاهي العمل مع الفريق وحل المشكلات وتحقيق الإنجازات، وإن كانت بسيطة، كل يوم. وهنا استطاع مدثّر إقناعه بالعودة ليعملا معًا على الفصل المقبل من قصة كريم: «كريم سوبر آب. في السعودية، من السعودية».

وعن قرار الاستحواذ، يقول مدثّر: 

عندما تواصلَت معنا أوبر أخبرونا في البداية برغبتهم أن نستمر في العمل بشكل مستقل ونحافظ على منتجنا وثقافتنا كما هما. في البداية كانت فكرتنا الأوليّة: لماذا لا نرفض العرض ونكمل بشكل مستقل فعليًا؟ لكن أحد المستثمرين أقنعنا بأن أثر الاستحواذ يتخطى "كريم" ويؤثر بشكل إيجابي على منظومة ريادة الأعمال في المنطقة بشكل كامل، التي كانت تعاني في ذلك الوقت من عدم وجود تخارجات أو استحواذات، خصوصًا لشركات بحجم "كريم". لقد اقتنعنا بأن الرفض سيكون تصرفًا أنانيًا حتى لموظفي "كريم" الذين سيساعدهم الاستحواذ على حصصهم في الانطلاق وبناء شركاتهم الخاصة التي ستثري المنظومة بشكل أكبر.»

مؤسسو كريم والعبد الفقير لربه في أثناء المقابلة / تصوير: عبدالرحمن عبود
مؤسسو كريم والعبد الفقير لربه في أثناء المقابلة / تصوير: عبدالرحمن عبود

حتى تتعرف على هيكلة «كريم» الحاليّة، وقبل الدخول في تفاصيل مشروعها الجديد: استحواذ أوبر كان بنسبة 100% على شركة توصيل الركاب «كريم». وبعد الاستحواذ كان للمؤسسين نظرة أبعد من ذلك بكثير، ولكن أوبر التي كانت تعاني ضغوطًا كثيرة للتحول للربحية في ذلك الوقت، فضلت التركيز على نموذج العمل الأساسي والمربح في توصيل الركاب، والتوقف عن حرق المزيد من الأموال للاستثمار في مشاريع واعدة أخرى. 

يقول مدثّر: «كنا نشعر بعكس ذلك تمامًا، فالمنظومة في المنطقة صارت أكثر نضجًا، ومن السهل علينا الحصول على جولة استثمارية لتمويل هذا التوسع». 

توصَّل المؤسسون إلى اتفاق على أن تتحول «كريم» إلى شركتين: «كريم لتوصيل الركاب»، تملكها أوبر بنسبة 100%. و«كريم للتقنية»، التي تمتلك أوبر حصة فيها، إضافة إلى المؤسسين والمستثمر الإماراتي الجديد «&e» (مجموعة اتصالات سابقًا)، الذي استثمر 400 مليون دولار في الشركة لتمويل مشروعها الطموح «كريم سوبر آب»، ويملك حصة الأغلبية بنسبة 50.03%.

«كريم سوبر آب»، فَرَس الرّهان 🐎

يجادل كثيرون في منطقيّة فكرة بناء التطبيق الشامل أو ما يعرف بـ«سوبر آب». ويشككون في أن نجاحها في السوق الصينية هو استثناء، لطبيعة السوق المختلفة، وليس الأصل في بقية الأسواق.

ولكن «كريم» ومؤسسيها اختاروا الرهان على هذه الفكرة، وكانت دبي مقر التجارب الأولي لبناء نموذجها واختباره. وبعد خمس سنوات اختار المؤسسان القدوم إلى الرياض للتوسع في هذا النموذج وتعميمه على بقية الأسواق في المنطقة. 

يعلّق مدثّر على هذه الفكرة: «نرى أن نموذج "السوبر آب" نجح بامتياز في دبي، وهذا يعني أن العملاء يفضلون الاشتراك في تطبيق واحد لخدمة احتياجات متعددة. هذا يعطينا القدرة على تخصيص التجربة للعميل بشكل أفضل بسبب البيانات التي نجمعها من مصادر متعددة. كما يعطينا القدرة على تقديم الخدمة بسعر أفضل، لأننا نستحوذ على العميل مرة واحدة، ونحقق الدخل من مصادر مختلفة».

إنْ كنتَ ممّن لم يستخدموا «كريم» في دبي مؤخرًا، فالخدمات التي يقدمها التطبيق، إضافة إلى توصيل الركاب، تشمل: التوصيل من المطاعم والحجز فيها، ومن الصيدليات، ومتاجر الورود، وتوصيل المقاضي، وتأجير السيارات والدراجات، وحجز تذاكر السينما والفعاليات، وغسل الملابس، وحجز الصالونات ومراكز العناية، وتنظيف المنازل. وفي العيد: توصيل الأضاحي. 🐑

ما ينجح في دبي لن ينجح بطبيعة الحال في السعودية!

تساءلت إن كانت الفكرة التي يعملان على نقلها إلى السعودية تعني نسخ نموذج «كريم» وتجربتها في دبي؟ واعترض عبدالله مباشرة على استخدامي كلمة «نسخ» قائلًا: «ما ينجح في دبي لن ينجح بطبيعة الحال في السعودية، نحن متأكدون من ذلك، وهذا يجعلنا نعود لأساسيات ريادة الأعمال لنسأل أنفسنا: ما مشاكل العملاء ونقاط الألم الحقيقية التي يمكننا حلّها؟ بعد ذلك نعود للمنتج ونعمل على تخصيصه للسوق المحلية بشكل أفضل». 

واستدرك بعدها: «لكني لا أظن بصراحة أن التجربة ستختلف كثيرًا عن تجربة "كريم" في دبي، تركيزنا على التفاصيل الصغيرة هو ما يصنع الفرق، هناك مشاكل كثيرة في تفاصيل كل تجربة وتختلف من سوق لأخرى». 

يستشهد عبدالله بقصّة من بدايات «كريم» في السعودية، عندما وجَدَت أن السعوديين لا يفضلون إضافة البطاقة الائتمانية إلى التطبيق، أو أنهم لا يستخدمونها من الأساس، وهو ما دفعهم إلى تعديل المنتج بشكل بسيط وإضافة الدفع النقدي. هذا التغيير البسيط في المنتج ساهم في مضاعفة أرقام «كريم» حينها، وفي ذلك الوقت لم تكن أوبر تدعم الدفع النقدي في أي بلد، حتى أجبرتها «كريم» على ذلك لتحافظ على حصتها السوقية.

مؤسس كريم ورئيس مجلس الإدارة عبدالله إلياس / تصوير: عبدالرحمن عبود
مؤسس كريم ورئيس مجلس الإدارة عبدالله إلياس / تصوير: عبدالرحمن عبود

سألت إن كان بناء «السوبر آب» يعني بناء الخدمة بشكل كامل في كل قطاع؟ (وهو ما أظنه شبه مستحيل) أو أن الخطة هي في التعاقد مع طرف ثالث كما الحال الآن في بعض خدمات «كريم» في الرياض. فـ«كريم» تقدّم خدمة تأجير السيارات بالساعة عبر شراكة مع «Ekar» وخدمة التنظيف المنزلي بالشراكة مع «just life».

اتفق معي مدثّر بقوله: «من غير المنطقي أن تحاول شركة واحدة حل كل المشاكل، فعندما فكّرنا في «السوبر آب» انطلقنا من مهمّة «كريم» الأساسية: «أن نجعل حياة الناس أسهل». ولكننا نحرص على التركيز في جوهر «كريم»، وهي الخدمات اللوجستية والمدفوعات، ونقدمها بأنفسنا، ونترك بقية الخدمات لشركاء الطرف الثالث». 

ومن منظور اقتصادي، يضيف مدثّر أن إحدى مشاكل المنطقة أن كل الدول لا تملك عددًا كبيرًا من السكان نسبيًا، ولكن عندما تجمع هذه الأسواق من المغرب حتى باكستان ستجد سوقًا ضخمًا بحجم 400 مليون نسمة أو أكثر، وهي سوق ضخمة جدًا، يقارنها مدثّر بالسوق الأمريكية بقوله: «الشركات الامريكية محظوظة لأنها تستطيع خدمة عدد ضخم من الناس دون أن تتوسع في دولة أخرى. التوسع عملية صعبة ومرهقة للشركة الناشئة، كم شركة تعرفها توسعت خارج بلدها؟ بإمكانك عدّهم على أصابعك!».

تراهن «كريم» على أن وجودها في معظم أسواق المنطقة يعطيها مساحةً لتكون منصة تمكِّن كل روّاد الأعمال من التوسّع. ويسترسل مدثّر في شرح الفكرة: سنسمح للناس بأن يبنوا تطبيقاتهم على منصة «كريم سوبر آب»، ونقدّمها لعملائنا. فكّر فيها مثلَ أن تعطيك قوقل أو أبل (API) لبناء تطبيقاتك عليه، فلو كنتَ رائد أعمال سعوديًا وترغب بالتوسع خارج السعودية، هنا ميزة بناء تطبيقك على «كريم». بضغطة زر يمكنك التوسع إلى أي مكان تعمل فيه «كريم»! 

ويسترسل: «لو استطعنا أن نكوِّن منصة تمكِّن رواد الأعمال في السعودية من خدمة سوق المغرب والعكس، فسنفتح بابًا ضخمًا للابتكار والنمو في المنطقة للجميع. وما نفعله اليوم مع شركاء الطرف الثالث في تقديم بعض الخدمات قد يعد نموذجًا مبدئيًا للفكرة، ولكن حتى تصل إلى مرحلة ناضجة نظن أنها تحتاج خمس سنوات تقريبًا».

المنافسة ليست هاجسًا ⚔️

أحد التغييرات الجوهريّة في السوق السعودية في الفترة الماضية هو دخول العديد من اللاعبين المحليين والعالميين للقطاعات التي تستهدف «كريم» بناءها. ففي سوق توصيل الطلبات وصلت «جاهز» و«هنقرستيشن» مرحلة عالية من النضج، ويخطط «كيتا» لدخول السوق بقوّة وبميزانية مليارية. وفي المدفوعات بلغ عدد المحافظ الرقمية في السعودية 11 محفظة. سألتهما إن كانت الخطة هي حرق المزيد من الأموال في السوق للاستحواذ على حصة كبيرة، ولكن بدا لي أنهما يفكران بشكل مختلف.

الرئيس التنفيذي لكريم والشريك المؤسس، مدثّر شيخة / تصوير: عبدالرحمن عبود
الرئيس التنفيذي لكريم والشريك المؤسس، مدثّر شيخة / تصوير: عبدالرحمن عبود

بدايةً، علَّق مدثّر بأن السوق في دبي تنافسية جدًا كذلك؛ ولذلك فالمنافسة ليست هاجسًا كبيرًا. ورغم أنهم ما زالوا يبحثون عن أفضل نقطة لاختراق السوق إلا أنهم لاحظوا أن جودة الخدمات ليست الأفضل في السعودية مقارنة بأجزاء أخرى من العالم تملك قوّة شرائية مشابهة، رغم نضج العديد من المنتجات. إذ تؤمن «كريم» بأن التركيز على تقديم الخدمة بجودة ممتازة وبمعايير عالية سيعطيها ميزة تنافسية في مقابل بقية المتنافسين.

ويضيف: «هناك أيضًا كثير من الفئات في السوق ليست مخدومة بشكل جيد. يبدو أن الجميع يحاول استهداف العموم وتحقيق النمو بسرعة، لكن هذه الفئات لها احتياجات مختلفة ولو قليلًا. سترى في المستقبل أننا نركز على فئات محددة ونخدمها بشكل جيد، ثم ننتقل إلى فئات أخرى».

يرى عبدالله أن أحد الدروس التي تعلموها في السنوات القليلة الماضية، في أثناء التركيز على سوق الإمارات، استيعابهم أنهم أصبحوا بعيدين جدًا عن السعودية، رغم قرب المسافة والتشابه الثقافي الكبير. 

ويضيف مدثّر: «خسرنا نبرة "كريم" مع العملاء وتموضع علامتها التجارية وأسلوبها في التسويق بمرور الوقت، ونخطط لاسترجاع ذلك. كنا نسوِّق بطريقة مختلفة في البداية لأن مواردنا المالية كانت محدودة. واليوم نخطط لعدم حرق الأموال بغباء، ونفكر بالطريقة نفسها التي كنا نفكر بها في أيام "كريم" الأولى. هذا يعني إعادة اكتشاف هذه المناطق من جديد، فما كان يُعَد خارج المألوف وقتها هو شيء اعتيادي اليوم. نحن واثقون أننا سنفوز بمرور الوقت، ولسنا مستعجلين على ذلك». 

لن يكون من المتأخر أبدًا لمنتج ممتاز أن يدخل السوق

وبالحديث عن التقنية الماليّة، سألت إن كانت محفظة «كريم»، التي تعد أسرع منتجاتها نموًّا، ضمن الخطط الأوليّة للتوسع في السعودية. وأجابني مدّثر بأن المنتج لا يزال قيد التطوير في الإمارات، وبمجرد أن نشعر بأنه وصل لمرحلة عالية من النضج سنتوسع للسعودية. وأضاف أن التحدي في المنتجات المالية أنها تحتاج أن تبنى وفقًا لتشريعات كل دولة، بعكس بقية المنتجات التي يسهل التوسع فيها في المنطقة. 

ذكرت له أن الدخول لاحقًا قد يقلل فرص نجاح المنتج، خصوصًا في ظل وجود أكثر من عشر محافظ رقمية منافسة؛ فأجابني بهدوء: «لن يكون من المتأخر أبدًا لمنتج ممتاز أن يدخل السوق». وأضاف لاحقًا: «نحن محظوظون بأننا في هذه المرحلة من رحلتنا لا نحتاج إلى السرعة. الأفضل أن ننظر نظرة طويلة المدى، ونقاوم إغراء فعل أشياء غبية وسريعة، ونعمل بطريقة تجعل حلولنا منطقية. ويتحقق هذا بالتركيز على بناء المنتج والاستثمار في التقنية والمواهب، والباقي يحل نفسه بنفسه. من أهم الدروس التي تعلمناها أن نستثمر في التقنية وفي تطوير المنتج، ولهذا نملك أكبر فريق تقني في المنطقة، ونحاول دائمًا إيجاد الحلول للمشاكل عبر التقنية والمنتج، وليس عبر العمليات والتشغيل؛ لأن من السهل التوسع في الحلول التقنيّة، لكن التوسع في حلول العمليات أصعب بكثير».

بناء الفريق والثقافة، من جديد 🔁

لا يخفى على أي متابع للشركة أن «كريم» اليوم، وفي السعودية تحديدًا، ليست «كريم» التي عرفناها في الأيام الأولى، فلا مستوى والخدمة ولا أساليب التسويق ولا حضورها الاجتماعي قريب مما كانت عليه. تحوّلت «كريم» من وجهة نظر الكثيرين إلى شركة مؤسساتية، وغادرتها روح الريادة منذ سنوات. 

يؤكد ذلك رئيسها التنفيذي مدثّر شيخة: «كلفنا كورونا الكثير، ليس من المال فحسب. بل خسرنا مواهب كثيرة في "كريم"، وفي السعودية تحديدًا. وعندما عدنا للسعودية وجدنا أننا فقدنا اتصالنا بالسوق، وخسرنا الكثير من الأمور التي شكّلت "كريم" وهويّتها في البداية».

فريق كريم في مكتبها الرئيس بالرياض / تصوير: عبدالرحمن عبود
فريق كريم في مكتبها الرئيس بالرياض / تصوير: عبدالرحمن عبود

يعد المؤسسان ثقافةَ «كريم» وقيمَها الأساسَ الذي جعلها ما هي عليه، ويأخذان هذه الجزئية بجدية كبيرة. فوفقًا لعدة أشخاص في دائرتي القريبة، يتواصل عبدالله مع المرشحين ويقابلهم شخصيًا!

سألته إن كان فعلًا يحتاج أن يؤدي عمل فريق التوظيف، فأجابني بأنه يود أن تكون معايير اختيار الموظفين عالية جدًا: «أود التأكد كذلك من أن ارتباط هؤلاء المرشحين بثقافة "كريم" حاضر ومحمي. هذه الثقافة هي ثقافة تحمّل المسؤولية الكاملة، وأن تتصرف كمالك للشركة وتكون متواضعًا وذكيًا. هذه الأشياء هي التي تشكل ثقافة "كريم" في نظري، وكون خبرات الشخص وسيرته الذاتية رائعة على الورق لا يعني بالضرورة أنه مناسب لكريم وثقافتها». 

ويكمل: «توظيف متدربين أذكياء وطموحين، يتشربون ثقافة الشركة بشكل مبكّر ويتدرجون فيها، سينتج لنا قادة الصف الأول بعد 7-10 سنوات. أظن أن التفكير في الشركة على مدى خمس سنوات طريقة خاطئة للتفكير؛ فنحن لا نحاول حل مشاكل هذه السنة أو السنة القادمة، بل نحاول بناء شركة مستدامة تعيش خمسين أو حتى مئة سنة!».

في أثناء ذلك وقف مدثّر وأشار إلى أول قيمة من قيم «كريم» على جدار غرفة الاجتماعات (كلنا ملّاك)، قبل أن يضيف: «نحن نفكر في الفريق كرفاق في الرحلة، وليس مجرد موظفين. وللموظفين الأوائل تأثير كبير على ثقافة الشركة، وهذا أحد أسباب حرصنا على دقة الاختيار في هذه المرحلة».

قد تظن في البداية أن هذا الكلام للاستهلاك الإعلامي، وأن الاثنين يحاولان تلميع صورة الشركة التي ما زالا يعوّلان عليها، ولكنْ إن كنت قريبًا من «كريم» ولو قليلًا فستعرف أن هذه القيمة تحديدًا واقعية جدًا، وليست فقط في ثقافة العمل، بل إن موظفي الشركة هم ملّاك لها فعليًا! 

يذكر مدثّر أنه في وقت الاستحواذ على «كريم» كانت حصة أسهم الموظفين في كريم 17% من الشركة، أكثر بكثير من المعدّل العالمي الذي يتراوح بين 5% و10%. حصل الآلاف من موظفي «كريم» على قيمة أسهمهم بعد الاستحواذ، وحصل 275 موظفًا على الأقل على أكثر من مليون ريال سعودي كقيمة لأسهمهم المُستحوَذ عليها!

إحدى ملاحظاتي على اختياراتهم في التوظيف أن «كريم» لا تتواصل مع موظفي الشركات المنافسة، بل تركز في البحث عن أشخاص من خارج القطاعات التي تعمل فيها. يعلّق مدثّر على فلسفة هذا التوجه: «توظيف أشخاص من المنافسين ليس ما نحتاجه بالضرورة لإرباك هؤلاء المنافسين، صحيح؟ نحتاج للتفكير بطريقة مختلفة عنهم، وليس إعادة ما يفعلونه اليوم، ولا حرق الأموال للاستحواذ على حصة سوقية بسرعة».

سحر العقد الثالث 🪄

استشهادًا على أن «كريم» لا تزال في بدايتها، يقول مدثّر: «كنت أتحدث مع مدير التقنية الأسبوع الماضي، وهو أحد موظفي نيفيديا السابقين. دخل مكتبي وقال: السحر يحدث في العقد الثالث. متى كانت أول مرة سمعت فيها بمايكروسوفت؟ أجبته: في بدايات التسعينيات. قال: في ذلك الوقت مايكروسوفت عمرها 15 سنة، أكبر من "كريم" الآن! نيفيديا ذاتها بدأت في منتصف التسعينيات، ولم تصبح ثالث أكبر الشركات الأمريكية إلا في بداية عقدها الثالث». ويكمل: «لبناء شركة تعيش عقودًا تحتاج إلى جهد مستمر ومستدام لفترة طويلة حتى تظهر النتيجة».

الدقائق الأخيرة ⌛️

انتهت كل الأسئلة التي كنت أنوي طرحها، ولاحظت أنه لا تزال لدي خمس دقائق قبل انتهاء موعد المقابلة، فاخترت أن أسأل عن منظورهما للتقاعد، وماذا يعني لهما، وما اللحظة التي يخطط كل واحد منهما للتقاعد بمجرد وصوله إليها؟ لأنه، بالنسبة إلى الكثيرين، تحقيق جزء مما حققاه كافٍ للتوقف عن العمل اليومي والتركيز في أي شيء آخر في الحياة. 

أجابني عبدالله: «أظن أن الكثيرين ينظرون للأمر من الزاوية الخطأ، فالتقاعد في نظر كثير من الناس بداية النهاية. أظن أنك تحتاج إلى تقييم ما تحتاجه كل مرحلة في حياتك، فلا تركز في العمل طوال الوقت، ففي مرحلة معينة تحتاج إلى أن تكون العائلة هي الأولوية، وتتغير أولوياتك بمرور الوقت. ولكن إن كنت تستمتع بما تفعل فسترغب في فعله طوال حياتك دون توقف. أؤمن أن التفاعل مع الناس والعمل على شيء يلهمك هو ما يبقي على شبابك وصحتك، ولذا فإن كثيرًا من الناس تتردى صحتهم بعد التقاعد بسرعة».

أما مدّثّر فأجابني بأن «كريم» بالنسبة إليه رسالة وليست مجرد عمل. وأكمل: «أشعر كأنها رحلة حياة لي، ولا أرغب بالتوقف. أنا من باكستان، والأمور ليست على أفضل حال هناك، وفي أماكن كثيرة في المنطقة أرى الحياة صعبة والكثير من الناس يعانون. أؤمن أن منطقتنا لا بد أن تزدهر اقتصاديًا، وهذا يحتاج شركات ضخمة وناجحة؛ فأمريكا في مكانتها اليوم بسبب الشركات الأمريكية الضخمة. لقد عملنا بجد، ولكن كثيرًا من الناس يعملون بجد. أعتقد أن الله أكرمنا وأنعم علينا بهذا النجاح، وهذه النعمة تأتي معها مسؤولية سنُسأل عنها. عندما تشاهد الكثير من المعاناة، وعندك القدرة على أن تصنع تغييرًا ولو بسيطًا في حياة الناس ومعيشتهم، أظن أن من الأنانية أن تفكّر في نفسك».

فضّلت أن تكون هذه الكلمات السامية هي آخر ما يقال في اللقاء، وشكرتهما على وقتهما وحسن الضيافة، وطلبت من عبدالله الانتقال إلى مكتبه لالتقاط غلاف العدد، فأشار إلى المساحات المشتركة في مكتب «كريم». وعندما شرحت له مقصدي بأننا نرغب في التقاط صورة في مكتب مغلق أجابني: «ما عندي مكتب، ولا مكاتب هنا. الغرف المغلقة الوحيدة هي غرف الاجتماعات!».


فاصل ⏸️

نشرة القروش
نشرة القروش
أسبوعية، الاثنين منثمانيةثمانية

إن لم تكن قرشًا، انضمّ لنشرة القروش. نشرة تصلك صباح كلّ اثنين لتغوص بك في عالم الشركات التقنية ودهاليز الاستثمار الجريء، مع تحليلات دقيقة تساعدك في فهم تحدّيات السوق.

+240 متابع في آخر 7 أيام