الأصولي المتردد: وهم الانتماء الأمريكي 🗽

ربما استعجلت إصدار الحكم على روايات محسن حامد، أو هكذا يبدو لي بعد قراءة روايته الثانية «الأصولي المتردد».

كاتب رواية «الأصولي المتردد» محسن حامد في معرض فرانكفورت للكتاب (2022) / Getty Images
كاتب رواية «الأصولي المتردد» محسن حامد في معرض فرانكفورت للكتاب (2022) / Getty Images

الأصولي المتردد: وهم الانتماء الأمريكي

حسين إسماعيل

حين قرأت قبل عامين رواية «مخرج غرب» للروائي الباكستاني محسن حامد، بلغت خيبة أملي حد أني عاهدت نفسي ألا أقرأ كتاباته مجددًا. وليست خيبة أملي وليدة ثيمات الرواية الرئيسة من اغتراب وهجرة وحب في منطقة حرب. فالرواية نُشرت عام 2017، أي في أوج خطابات ترامب والبريكست وصعود الأحزاب اليمينية في مختلف أصقاع العالم، وهذا ما يجعلها معبرة بشكل حقيقي عن أزمات عصرها. 

ما أزعجني تحديدًا هو تصوير الرواية الباهت حيثيات الحياة في كشمير «قبال» زهوها في لندن وكاليفورنيا. شعرت كأنها تحتفي بالعولمة وتعدها محطة نهائية يُلام المتخلفون عن بلوغها. وما زادني إحباطًا هو أني قرأتها مباشرة بعد قراءة «وزارة السعادة القصوى» للهندية أرونداتي روي، التي عالجت ثيمات تشبه ما يرد في «مخرج غرب» دون خشية من إخضاع فكرة الحياة المعولمة لنقد جذري. 

لكن ربما استعجلت إصدار الحكم على روايات محسن حامد، أو هكذا يبدو لي الآن بعد قراءة روايته الثانية «الأصولي المتردد». لم أنسَ طبعًا مذاق «مخرج غرب»، ولكن عنوان الرواية وتوصية أحد أساتذتي بها كانا كفيلين بدفعي إلى التغاضي مؤقتًا عن التجربة السابقة، وقد كنت أجهل حين قررت قراءتها وصولها لقائمة البوكر العالمية القصيرة سنة نشرها، 2007، وكونها حُولت فلمًا بعد ذلك بخمسة أعوام. في كل الأحوال لا أشك أنها تستحق كل ذلك.

تبدأ الرواية وتنتهي في الأمسية نفسها. يلحظ بطل الرواية الباكستاني شانقيز رجلًا أمريكيًا في أحد شوارع لاهور، فيدعوه لاحتساء كوبٍ من الشاي بأحد المقاهي المجاورة، ثم يقضي الساعات التالية في إخباره، وإخبارنا، قصة حياته. من الضروري التنويه على تبني السرد من البداية منظور الشخص الثاني، بمعنى أنه يستخدم ضمير المخاطب، وهذا يُشعر القارئ بانتمائه إلى عالم الحكاية وإن كانت موجهة للغريب. 

يقص شانقيز على الغريب الأمريكي، غير المسمى، تفاصيل ابتعاثه للدراسة في جامعة برينستون، ووقوعه في حب إيريكا وعلاقتهما المتذبذبة عطفًا على ماضيها، وعمله محللًا في إحدى الشركات المالية الاستشارية بنيويورك، وصولًا لتفاصيل ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. دشن تفجير برجي التجارة سلسلة من الكوارث الشخصية التي انتهت بشانقيز عائدًا للاهور وتحوله ناشطًا يناهض السياسة الخارجية الأمريكية ودورها في تأجيج الصراعات بين الهند وباكستان. ويبلغ شانقيز نهاية حكايته فتحل كارثة إضافية تترك القارئ فاغر الفم متأملًا في الحكاية برمتها.

لسنا نمتلك أي مصدر لقصة شانقيز سوى ما اختار هو نفسه إخبار الغريب الأمريكي به، وبهذا قد نكون معذورين في التحفظ على بعض تفاصيلها، لاسيما أنها تروى بعد فترة من وقوعها. لكن يمكننا على الأقل استشفاف فكرتين تتخللان السرد برمته.

هناك أولًا التحول في مشاعر شانقيز تجاه القيم الأمريكية، فمن يافعٍ يسعى لبلوغ الحلم الأمريكي والعيش ببحبوحة في رخائها يومًا ما، يفتح شانقيز عينيه عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر على التنامي المهيب لخطاب كراهية يستثنيه من أصالة الحلم، فاللامبالاة التي كانت تسم الأمريكيين من حوله صارت بعد الأحداث تمييزًا بنيويًا. نراه يتعرض شخصيًا للتمييز في الحياة العامة والمطارات بسبب هيئته ولون بشرته، التمييز الذي تفاقم حين قرر، عنادًا، إطلاق لحيته.

وقد أدرك شانقيز حينها للمرة الأولى استحالة الفصل بين ما هو شخصي وما هو سياسي، ووهمية فكرة مجتمع وعاء الانصهار الرائجة. بطبيعة الحال، لطالما شعر شانقيز بالاختلاف عن أقرانه في برينستون وخارجها، ولطالما مثّل ذلك الكائن الغرائبي القادم من الشرق البعيد. لكنه وارى اختلاف أصله من طريق انتهاج أسلوب حياة الأمريكيين والسعي وراء تطلعات تشبه تطلعاتهم، وظن أن النجاح حليفه حتى حلت الحادثة.

أما الفكرة الثانية التي نلحظها بوضوح فهي تحرر شانقيز من أوهام التفسيرات الثقافوية لـ«التخلف» وما أشبهه من نعوت، أي تلك الأوهام التي تربط بين الواقع الاقتصادي والسياسي لشعبٍ ما ومنطلقاته الثقافية. نستشف من البداية وعي شانقيز باختلاف ثقافتي أمريكا ومسقط رأسه، ولا نملك إلا الشعور معه بأن بساطة الحياة في باكستان متوائمة مع موقعها الجيوسياسي على خريطة العالم. وإضافة إلى ذلك، نظرًا لاندماجه الظاهري بدايات توظفه، تبدى له أن المستقبل حقًا أمريكا.

كل ذلك تغير حين استوعب شانقيز تعالق الثقافة بالعمليات التاريخية الأخرى، أي استيعابه خطأ عدّ الواقع نتاج الثقافة أو العكس. حين عاد في إجازة قصيرة لوطنه إبان تذبذب العلاقات الهندية الباكستانية تنبه لعواقب تدخلات أمريكا على عموم الناس وتطلعاتهم وفرصهم الحياتية.

ولكن الإدراك قد اكتمل لما زار شانقيز منزل بابلو نيرودا. كان آنذاك في تشيلي بمهمة عمل، حيث أرسل مع مبعوث آخر من شركته لتقويم حال دار نشر ابتغى ملاكها تفكيكها. برؤية المنزل يرسم شانقيز التشابهات مع مسقط رأسه، ويدرك صحة اتهامه من مدير الدار، المعارض لبيعها، بأن شانقيز يعتاش على تدمير حياة الآخرين غير آبهٍ بها. هنا يرى شانقيز نفسه جنديًا في الصف الأمامي للمصالح الأمريكية.

على ضوء كل ذلك، نفهم طمأنة شانقيز المستمرة للغريب المرتاب من كل ما حوله، إذ لا شك أن الأمريكي على وعي بحمولة وجوده في لاهور. كما نفهم الكيفية التي تبلورت من خلالها قناعات البطل عبر الزمن، وذلك لئلا نستنتج بابتسار أنه تخلى عن أحلامه ندمًا. برغم كل ذلك قد يظل القارئ، مثلي، في حيرة من أمره بعد قراءة المشاهد الختامية: هل كان شانقيز يهدف من خلال حكايته إلى خلق نهاية مغايرة؟


فاصل ⏸️


  1. أعلنت «هيئة الشارقة للكتاب» بدء استقبال المشاركات في فعاليات الدورة الحادية عشر من «مؤتمر الشارقة الدولي للمكتبات» التي تنظمها ضمن البرامج المهنية المصاحبة للدورة الـ43 من معرض الشارقة الدولي للكتاب 2024. يجمع المؤتمر نخبة من أمناء المكتبات والكتاب والناشرين والعارضين، ومجموعة من كبار الشخصيات من جميع أنحاء العالم، لمناقشة أحدث التوجهات والتشريعات والسياسات التي تشكل مستقبل المكتبات. 

  2. بعد طول غياب يترقب قرّاء الكاتبة السعودية ليلى الجُهني صُدور رواية «غرفة الأم» عن دار أثر. تعد ليلى من أبرز الأقلام النسائية السعودية التي تعاطت مع مشكلات العلاقات الإنسانية في المجتمع. صدر للكاتبة عدة أعمال منها: «الفردوس اليباب» و«جاهلية» و«في معنى أن أكبر 40».

  3. رحل عن عالمنا الكاتب والصحافي السعودي محمد بن عبداللطيف آل الشيخ بعد معاناة طويلة مع المرض. يعد الراحل من أبرز روّاد النشر الأدبي الشعبي، ورأس إدارة مجلتي «قطوف» و«حياة الناس» وأسهم من خلالهما في إثراء الثقافة الأدبية والفكرية في المملكة.

  4. توفي عضو رابطة الأدباء الكويتية والشاعر يعقوب السبيعي عن عمر يناهز 79 عامًا بعد صراع مع المرض. يعد الراحل قامة ثقافية كبيرة لإسهاماته البارزة في الحركة الثقافية الكويتية، كما يعد من روّاد الشعر في الكويت وأحد أبرز المجددين فيه.


توصيات النشرة من وجدان مساعد:

  1. حياتك الثانية تبدأ حين تدرك أن لديك حياة واحدة، رافاييل جيوردانو

الكتاب الورقي / قودريدز

يتحدث كتاب «حياتك الثانية تبدأ حين تدرك أن لديك حياة واحدة» عن كاميل، المرأة المتزوجة والأم المرهقة من ابنها أدريان المصاب بفرط الحركة، التي تسعى لتغيير روتين حياتها بعد لقائها مصادفةً السيّد دوبونتيل الروتينولوجي الذي شخصها بداء الروتين، ويضع لها خطة الروتينولوجيا للعلاج، وهو مصطلح صاغته الكاتبة وتقصد به علم أو منهج معالجة داء الروتين الحاد.

  1. قلق السعي إلى المكانة، آلان دي بوتون

الكتاب الورقي / الكتاب الصوتي / الكتاب الإلكتروني / قودريدز

يتحدث كتاب «قلق السعي إلى المكانة» عن المكانة وسعي الناس للحصول عليها بهدف الشعور بالحب والاعتراف من المجتمع، ويستشهد على ذلك بالكثير من الأحداث في المجتمعات الغربية. يقسم الكتاب قسمين، الأول: الأسباب، وهي «افتقاد الحب» و«الغطرسة» و«التطلع» و«الكفاءة» و«الاعتماد». والقسم الثاني: الحلول، ويجدها في الكثير من الأحوال في «الفلسفة» و«الفن والأدب» و«السياسة» و«الدين» و«البوهيمية».

  1. امرأة في النافذة، آ. ج. فين

الكتاب الورقي / الكتاب الصوتي / قودريدز

تمتاز رواية «امرأة في النافذة» بالتشويق العالي وتصاعد الأحداث، وهي تتحدث عن «آنا فوكس»، التي تسكن في شقتها بمدينة نيويورك، معتزلةً الناس والمدينة، وتمضي أيامها في مشاهدة الكلاسيكيات من الأفلام وشرب النبيذ واستحضار ذكرياتها السعيدة، والتلصص على الجيران من نافذتها التي كانت شاهدة على جريمة قلبت موازين حياتها.

  1. الرحلة العجيبة للفقير الذي ظل حبيسًا في خزانة إيكيا، رومان بيرتولاس

الكتاب الورقي / قودريدز

حصلت رواية «الرحلة العجيبة للفقير الذي ظل حبيسًا في خزانة إيكيا» على جائزة القرّاء في فرنسا 2015، وهي تتحدث عن بطلها الهندي «آجاتاشاترو لافاش باتيل» الشهير في راجستان بابتلاعه السيوف القابلة للإخفاء وتناول القطع الزجاجية من السكّر الخالي من الحريرات وغرز الدبابيس على ذراعه وغيرها من الاستعراضات والحيل التي يتقنها. يكتشف أوربا عبر خزانة إيكيا وهي تنقله من مدينة لأخرى وتمنحه فرصة التعرف إلى العديد من المهاجرين والفقراء. رواية مضحكة وخفيفة.

نشرة إلخ
نشرة إلخ
منثمانيةثمانية

لغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.

+120 متابع في آخر 7 أيام