تنفسوا بالمجان قبل فوات الآوان!
الفرصة ما زالت متاحة أمامنا قبل أن يسيطر محاربو المناخ على العالم؛ فمارسوا زفيركم ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا.
أنا مغرم بتتبع أخبار المدافعين عن البيئة والمناخ، وأشاهد الكثير من المقاطع المصورة التي يبثها المؤمنون بالأرض المسطّحة، وأتابع على منصة إكس بعض الحسابات المهتمة بتوجيه النصائح للنباتيين وتجّرم أمثالي من البشر آكلي لحوم الكائنات الحيّة.
والحقيقة أني لا أفهم سبب رغبتي الملحّة في معرفة ما يقوله هؤلاء والتعمق في فهم أفكارهم، ربما كنت في مرحلة ما أحاول تدريب نفسي على تقبل وهضم الأفكار التي لا أتفق معها مهما بدت مستفزة وغير قابلة للبلع، ثم تحول الأمر بعد تلك المرحلة إلى هواية نسيت سبب تعلقي بها، وقد تطور الأمر في مرحلة تالية فأصبحت أبحث عن الأفلام الأقل تقييمًا والأشد سوءًا وأتابعها من بدايتها إلى نهايتها، مشهدًا مشهدًا، مع أني متأكد أن منتجيها وممثليها ومخرجيها يخجلون من مشاهدتها.
لا بد أن للسخف أحيانًا ما يبرره، وأنا أحاول جاهدًا البحث عن تلك المبررات في كل سخف تقع عليه عيني أو يصل إلى مسامعي. المشكلة أني الآن على حافة الهاوية وأخشى على نفسي أن أتعلق يومًا بمتابعة مشاهير التواصل الاجتماعي للأسباب ذاتها؛ فإن رأيتموني أفعل ذلك فلا تأخذكم بي رأفة ولا رحمة.
والمدافعون عن المناخ كائنات عجيبة غريبة، وعالمهم الخاص والكون الموازي الذي يعيشون فيه يثير الفضول لدرجة أني سأضيف إلى أمنياتي في هذه السنة الجديدة أن يكون أحد أصدقائي واحدًا من هؤلاء المناخيين؛ فلا شك أنه سيضيف إلى حياتي شيئًا من الإثارة التي بدأت تتلاشى.
هم مثال على أن التطرف حتى في الفكرة المسالمة يجعلها في نهاية المطاف فكرة مؤذية، إذ يكون الهدف في البداية هو الدفاع عن «الحياة» ثم الانغماس في هذه الغاية النبيلة حتى يجدوا أنه لا مشكلة في أن تكون وسيلة الدفاع عن الحياة القضاء على الأحياء.
وقد قرأت مؤخرًا عن دراسة بريطانية لعالم فيزياء بريطاني توصل فيها إلى أن زفير البشر يخرج منه غاز الميثان وأكسيد النيتروز، وهذا الأمر حسب دراسة هذا العالم الفذ يشكل نسبة كبيرة من الانبعاثات التي تزيد الاحتباس الحراري وتسهم في تدمير البيئة.
وبما أنه لا يمكن تغيير مكونات الغازات التي يخرجها البشر من صدورهم في أثناء زفيرهم فإن من البديهي أن الطريقة الوحيدة التي تقلل من آثار «تنفس» البشر هي ألا يتنفسوا من الأساس، أو على الأقل تقليل عدد الكائنات البشرية التي تمارس هذه العادة السيئة.
ومن يدري! ما الذي قد يحدث في قادم الأيام؟ ربما يُسن قانون لمقاومة الاحتباس الحراري يقضي بأن يدفع البشر ضرائب ورسوم على تنفس الهواء، وقد يحدث في المستقبل القريب أن يقرر العالم المتحضر تحديد حصص للزفرات يتم من خلالها الاتفاق على الكمية المسموح بها من الزفرات لكل دولة، وتعاقب الشعوب التي تزفر أكثر مما يسمح به قانون الاحتباس الحراري وتصبح عرضة للاستهداف تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ لأن الزفير المبالغ فيه عدوان خطير وواحد من الأعمال التي تهدد السلم العالمي.
المشكلة أن الشعوب الفقيرة هي الأكثر زفيرًا والأقل شهيقًا حسب دراسة قمت بها بنفسي؛ فالزفرات في أحيان كثيرة هي الوسيلة الوحيدة لمقاومة وجع الحياة. وحين يسن القانون فإما أن تستطيع مواجهة الحياة برئة مغلقة أو غادر وارحم البيئة وقلل من الاحتباس الحراري الذي سببه وجودك ومشاركتك للمصانع في إطلاق الزفرات غير المجدية اقتصاديًا.
الفئة الأخرى التي ستتكبد خسائر فادحة إنْ أُقر قانون ضريبة الزفرات أظنها فئة الشعراء، غنيهم وفقيرهم، وستكون كثير من القصائد بمثابة الإقرار الضريبي، ولا يهم أكان الشاعر يكذب في بيان كمية الزفرات التي خرجت من رئتيه أم كان من الصادقين؛ لأن الاعتراف سيد الأدلة، وكثير منهم سيتحول إلى الشهيق المبالغ فيه للتعبير عن وجع الفراق وتصرفات المحبوب الرعناء.
صحيح أن بعض الأفكار نقولها تهكمًا من باب ممارسة الزفير العلني في مكان عام، ولكن الفكرة التي نظن اليوم أنها ساذجة قد يؤمن بها في الغد الرجل الغربي الأبيض الفاتن وتصبح قانونًا لا بد أن يتبعه البشر الملونون إن هم أرادوا أن يكون لهم نصيب من الحياة على هذا الكوكب الذي يحتضر.
الفرصة ما زالت متاحة أمامنا قبل أن يسيطر محاربو المناخ على العالم؛ فمارسوا زفيركم ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا، اصرخوا واملؤوا السماء بثاني أكسيد الكربون؛ فحين يسيطر هؤلاء فإنهم سيقضون حتى على النباتيين مع أنهم أقرب المخلوقات إليهم، لكن النباتيين لن يكونوا في نظرهم سوى كائنات ضارة تقتات على الكائنات الأكثر نفعًا وتعبث بالمناخ وتدمر البيئة.
ومع أني بحثت وتخيلت كيف سيكون الوضع مستقبلًا حين يسيطرون على العالم إلا أني لم أستطع تخيل كل شيء؛ فلا أعلم على سبيل المثال ما الذي سيحل بالبقية من الكائنات الأقرب إليهم، وأعني المؤمنين بنظرية الأرض المسطحة ومشجعي أندية الصندوق.
الحياة أقصر من أن تستفزك تغريدة على إكس. هذه النشرة من أجل استفزازك بطريقة أخرى!